منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 26
  1. #11
    أراهارواية تستحق المتابعة
    تسجيل حضور..
    مع التقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #12
    شكراً أستاذتنا الكريمة

  3. #13
    (19)

    كغيره من الطلاب والطالبات، توقع علوان أن يكون غب الطلب من جيوش المنتشرين للكسب، فبداية السنة الدراسية تعتبر موسماً مثله مثل بداية مواسم المطر والعواصف الرعدية المُبكرة والتي ينتج عنها (تفقيع) (الكمأة) في البوادي والسهول، فتجد المختصين يركزون أنظارهم في أقرب بقعة تحتهم ليصلون إليها قبل غيرهم. ولأن الهواة يزاحمون المختصين في البحث عن الكمأة، فقد يخطئون في جلب بعض أنواع الفطر السام والتي تشبه لحد كبير الكمأة الحقيقية، فإن فلتت من مراقبة المختصين، فإنها إن دخلت في (طبخة) قد يُحدث تناولها بعض التقيؤ والإسهال، وابتعاد الناس عن الانجذاب لمثل تلك الطبخة.

    ولأن الكل في عجلة من أمره، فقد كانت أجواء الجامعة بالنسبة لعلوان كمن يشتري مجموعة جديدة من الكتب، يتناوب على فتحها وقراءة فهارسها كلها، ويقلب صفحات أحدها دون تركيز، وإن كان البعض يُطلق عليها قراءة أولية، فإنها لا قيمة لها في النهاية، كان علوان يجلس على مقعد خشبي أخضر تحت شجرة خضارها أقل من خضاره، يتسع لأربعة أشخاص، يقلب بعض ما في يديه من كتب المنهاج الدراسي التي استلمها للتو، ويُراقِب المارة من أمامه من طالبات وطلاب وعاملين في الجامعة، لا لشيء، إنما هي هكذا.

    أقبل أحد الشباب يكبره بسنتين أو ثلاثة، مُحضِّراً ابتسامةً اعتقد أنه تدرب على إظهارها جيداً، وألقى تحية على علوان ووقف قليلاً قرب مقعده، ثم استأذنه إن كان بالإمكان الجلوس بجانبه والتعارف معه، وكان لا ينتظر الموافقة، فما أن أبدى علوان عدم ممانعته، كان القادم قد أكمل جلوسه.

    قال القادم: اسمي خيرو فارع شحاتة، سنة ثانية هندسة..
    ـ وأنا علوان محمود علوان طالب جديد..
    وعندما تم التعارف بينهما، تبين أن خيرو هو ابن فارع أبو الزغاليل من نفس البلد، وأمه هي التي رفضت قبل سنوات أن ترشده مع أبيه على بيت قريبهم سليمان بك.
    ـ انظر، لقد تم تكليفي بالاتصال بك، لدعوتك للانتساب لاتحاد الطلبة، وإن أردت للحزب، وهذا يعود لك، إن شئت انتسب وإن لم تشأ براحتك! سأخبرك إن انتسبت لاتحاد الطلبة فإنك ستقضي وقت فراغك براحة ما، ولا تعود تحس بالضجر، وإن انتسبت للحزب، ستستفيد من سكن مجاني وبعض النقود التي تخفف من تكاليف دراستك.
    ـ سأنظر بالأمر، وإن شاء الله خير..
    ـ إن كنت ستوافق، فالأولى أن يكون ذلك بسببي، فنحن أولاد بلد، فهذا سيحسن من وضعي، وهذا براحتك.

    (20)

    لم تمنع المقابلة الساذجة لعلوان مع خيرو أن يتأمل ما يحدث، فركاكة الحجج التي أوردها محاوره، تؤكد له كم في البلاد من انتهازيين وراكضين خلف الفرص. وخَمّن علوان أن محاوره سيكتب تقريراً يصفه به بصفاتٍ معينة، ولكنه لم يُعطِ اهتماماً كبيراً لما سيكون تأثير مثل تلك التقارير.

    ذهب علوان الى مقر اتحاد الطلبة الذين يشاركونه الجنسية، وتكررت زياراته لذلك المكان، ليقضي بعض أوقات فراغه، وليتحدث مع أبناء بلده في غربتهم، وليلتقط بعض المعلومات التي تساعده في التأقلم مع الوضع الجديد، كالتي تخص المطاعم والأسواق والأسعار وما الى ذلك.

    كان الرواد للمكان يمارسون بعض ألعاب التسلية كالشطرنج وطاولة الزهر والدمينو، وكان أكثرهم يراقبون لاعبي الشطرنج عن قرب، لا لأنهم يحترفون تلك اللعبة، بل لاعتقادهم أنها أكثر رِقياً من الأخريات، وكان معظمهم يتعلم تلك اللعبة من داخل المكان.

    في لوحة إعلانات داخلية، كان هناك برامج للمسابقات الثقافية، كالمبارزة الشعرية، والكتابة في مجلة الحائط، وإعلانات أخرى للمشاركة في حفل استقبال الطلبة الجُدد.

    ينهض مجموعة من الطلبة لارتياد دار سينما قريبة من مبنى الاتحاد، تعرض أفلام (الكاوبوي) وأفلام فكاهية لإسماعيل ياسين و (نوردم وزدم) و(شارلي شابلن)، كانت تلك الأفلام تمدهم بمادة للحديث عنها، حتى يحين وقت عرض غيرها..

    لم تكن البرامج المطروحة في اتحاد الطلبة، تستدعي أن يُكلف مجموعة من الطلبة لكتابة التقارير لمخابرات دولتهم، فمعظمها امتدادات لمهارات مراهقين تعلموها في مراكز الشباب أو النشاطات المدرسية.

    (21)

    في اجتماعٍ لحلقة حزبية، يديرها (سيف أبو معجونة)، ناوله (خيرو فارع) تقريراً إخبارياً عن نشاطه الأسبوعي، واتصاله بعلوان، وكان في التقرير: (الرفيق المسئول: لقد قمت بالاتصال بالطالب الجديد علوان محمود علوان، من أجل الانضمام للحزب، وبعد نقاش طويل وعقائدي شرحت فيها مبادئ وأهداف الحزب والكيفية التي سيوحد فيها الأمة العربية ويفجر طاقات أبنائها، ويحرر فلسطين ... ولم ألاحظ تجاوباً لدى المعني، بل كان ينظر في الأفق مما يوحي أنه لم يقتنع، وأعتقد أن مثل هذا الشخص لا جدوى من الاتصال به... ودمتم للعقيدة والنضال)..

    لم يرفع سيف أبو معجونة التقرير لمسئوله، لأكثر من سبب، فهو يعلم أن خيرو لم يكن كفؤاً لشرح المبادئ، لأنه حتى في المواضيع الثقافية المكتوبة، وعندما يكون الدَوْر على خيرو لتقديمها، فإنه يتلعثم في طرحها، ويختصر الخمس صفحات لسطرٍ واحد، والسبب الآخر هو من كان سبباً في قبول علوان في الجامعة، وهو يعرف علوان ومقدرته الثقافية، لدرجة أنه لم يتجرأ على مفاتحته بنفسه، وأخيراً لم يُكلف خيرو بتلك المهمة، وإن كان الأخير قد ادعاها.

  4. #14
    تسجيل حضور ومتابعة حثيثة
    تحيتي وتقديري لك دوما
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #15
    الشكر الجزيل والدائم لكم أستاذتنا الفاضلة

  6. #16
    (22)

    أراد سيف أبو معجونة تبرئة ساحته، فقد كان ينظر بعيداً، ويُعِّدُ نفسه لأدوارٍ لم يُفصح عنها، لم يكن يتكلم كثيراً، وكان من يجلس معه من مسئوليه الحزبيين أو النقابيين (الطلابيين) يتهيأ لهم أنهم قد كسبوا تابعاً قد يحتاجونه في التصويت الداخلي أو بالإدلاء بشهادته لتزكية أحد يطمح في ترقيةٍ ما.

    كان يختار ملابس رخيصة الثمن، لضيق حال أسرته، ولكنها كانت تبدو عليه جميلة، ويظهر بمظهر أنيقٍ بها، وكان في جلوسه الهادئ يبدو كمن يجلس أمام مصورٍ، فتبدو عيناه المكحلتان منذ الولادة، وشاربه الأسود الدقيق وابتسامته البلاستيكية، كأنهما تتويجاً لمشروع شخصيةٍ قيادية مستقبلية، كان هو يعتقد ذلك، وكان الكثير ممن يصاحبونه يتنبئون بذلك، حتى الفتيات في اتحاد الطلبة من بنات بلده، أو في الجامعة.

    وكان علوان بالنسبة له، ليس مجرد طالب تم التوسط بقبوله في الجامعة، بل ابن الجيران الذين لهم الفضل في إنقاذ عائلته من العوز المستمر، ولهم من النفوذ المحلي ما لهم، ومن يدري فإنه قد يحتاج تقوية عُرى الارتباط بتلك العائلة، للسير في مستقبله الضبابي الذي كانت خيوط غُرزته الأولى قد تشكلت في مخيلة سيف.

    لم يشأ سيف أن يخفق في أول امتحانٍ له في مسيرته السياسية، فهذا سيجعله مخالفاً للصور التي تنبئها لنفسه، أو أنه سيفقد بعض استثمارات علاقاته التي نمت بيسر مع من يحيط به من أصحاب الشأن.

    كان على سيف أن يختار وقتاً ومكاناً يجمع فيه كل من قد يعترض على تزكية علوان، أو أن يتجاوز عن هفوة سيف بالتوسط بقبوله. ولم يُسقط من حسابه ما قد سيتحمله من نفقات لمثل ذلك اللقاء.

    (23)

    عندما دُعي سيف لتناول العشاء والسهرة مع رئيس اتحاد الطلبة (أكرم شلال عبد الفتاح)، وعلم من سيكون مدعواً فيها استأذنه أن يحضر صديقاً معه اسمه (علوان)، قبل أكرم اصطحاب ذلك الصديق بترحيب به مجاملة.

    كان من بين المدعوين شخصٌ يكبر كل المدعوين سناً، صاحب جسمٍ ضخم، ورقبةٍ مليئة لا تكاد تفصل رأس صاحبها عن جسمه، وله عينان تبرقان رغم ضيقهما، ووجه طفل شجاع، من يجلس معه يعتقد أنه يعرفه منذ مدة طويلة، كان له صوت أجش لا يتناسب مع تقاسيم وجهه، بل يتناسب مع ضخامة جسمه. كان اسمه (عبد الجبار)، يتكلم بجُمَلٍ قصيرة، ويُنهي كلامه بابتسامة سريعة مع تدوير لرأسه شبه الثابت يتحرك فيه بؤبؤا عينيه البراقتين لتفقد وقع كلامه على من حوله.

    عندما كان يتكلم، كان الجميع يحشدون كل حواسهم ليبدوا موافقتهم على أقواله، حتى لو لم يكن قد أكمل فكرته، فبين ابتسامة رضا وتأييد وهز رأس بالموافقة، إلا فتح اليدين وغلقها استغرابا من موقف الخصوم الذين قد يبدوا عدم موافقتهم، حتى لو كانوا غائبين!

    من بين ما قاله: أن أعداء الأمة هم الرجعية والصهيونية والإمبريالية العالمية، وكان أحد الحضور يُعيد ما يقول كما لو كان شيخاً يدرس أولاد في (كُتَّاب).

    اعترض علوان: اسمح لي أستاذ أن أختلف معك...
    ساد صمتٌ مشوبٌ بالذعر بين الحاضرين، وتركزت أعينهم على علوان تحذره، أو تطالبه باعتذارٍ مبكر، وتمنى سيف لو أنه لم يحضر علوان معه.

    ابتسم عبد الجبار قائلاً: تفضل.. أين تختلف معي؟
    ـ أولاً: إن ثورةً ناشئة حديثاً، ليس من مصلحتها توسيع دائرة العداء، ولم تكد تقف على رجليها..
    عبد الجبار: وثانياً..
    ـ ثانياً: ألم تقم ثورتكم علاقات طبيعية مع دولٍ أجنبية صنفتها كأعداء؟ فلماذا تكون علاقاتها مع دولٍ عربية مشوبة بالتوجس وعدم الطبيعية؟ إن هذا سيخلق وسطاً محيطاً لا تتسم علاقاته بالود ولا تشجع على التقارب والتكامل الذي سيؤسس لمناخ وحدوي..

    تدخل أكرم شلال (صاحب الدعوة) ورئيس اتحاد الطلبة، ليحاول ثني عبد الجبار عن تكوين فكرة خاطئة عن علوان، قد تطال آثارها الجميع. لكن عبد الجبار، ضمن أصابع يده الغليظة، طالباً من رئيس الاتحاد أن يكف عن تدخله، ليبدو وكأنه يشجع علوان على الاستمرار بالحديث...

    ـ ثم لماذا أسمح للبرجوازيين أن يهربوا أموالهم؟ ولماذا أزرع الخوف في نفوس أبناء الدول النفطية لكي يخشوا ثورتكم ويبخلوا عليها في المشاركة ببناء المشاريع، مما يحرم المنطقة من تحالفٍ غير مكتوب بين دولتكم وتلك الدول؟

    صفق عبد الجبار بيديه السميكتين، ولم يستطع أحد من الجلوس تفسير ذلك السلوك، هل هو إعجاب بذلك الطالب أم سخرية من أفكاره.

    اختصر أكرم شلال الحديث وطلب من الجميع القيام لتناول عشاءهم..

    (24)

    ترك الحديث الذي دار بين عبد الجبار و علوان أثراً كبيراً في نفس الأخير، فأخذ يفكر، وما الضير من إقامة دولة الوحدة العربية ـ إن قامت ـ ؟ فهي ستصب في قوة الوحدة الإسلامية التي هي الأخرى غير موجودة، حسب رأي عبد الجبار، فليس هناك أمة إسلامية واحدة، بل أمم إسلامية، وما يُشغل الأتراك والباكستانيين والإيرانيين ليس هو نفسه ما يشغل العرب؟ قد يكون كلامه صحيحاً!

    وقد يكون حديثه عن وحدة العرب صحيحاً هو الآخر، فالعربي بتعريفه، هو من يتثقف بثقافة العرب ويحفظ تاريخ العرب، ويحلم أحلامهم، حتى لو لم يكن عربياً أو حتى مسلماً!

    ومتى كانت الدولة العربية أو الإسلامية، يتزعمها أكثر الناس تقوى أو أكثرهم ورعاً، ألم يختلف أصحاب رسول الله صلوات الله عليه بعد وفاته، على مسألة من يتولى الخلافة؟ ألم يقتل المأمون أخاه من أجل المكسب السياسي؟ وألم يسجن المأمون أحد الأئمة الأربعة، ومع ذلك لا نستطيع إنكار دور المأمون في التأسيس لنهضة من خلال الترجمة وتشجيع العلم والعلماء.. فالمسألة سياسية بحتة وليس لها علاقة عضوية مع العقيدة الدينية، إلا فيما يتعلق بموازين العدل..

    أصبحت صداقة علوان بعبد الجبار أقوى من كل صداقات الأخير مع الطلبة العرب، وقد ضمه لتنظيماته الخاصة بعد أن اقتنع بالفكرة..

  7. #17
    (25)

    جبار يُسلِّم.. هذه كلمة السر التي قالها (أحمد صباح البردي) لعلوان، عندما اتصل به ليبلغه عن موعد الاجتماع الحزبي، وأخبره بمكان الاجتماع والطريقة التي يدخل فيها للمكان.. وكان من عادة أحمد أن يغير مكان الاجتماع كل أسبوع، للحيطة الأمنية!


    وتفاجأ علوان من فكرة الحيطة الأمنية، في بلدٍ يحكمه الحزب، ويتم تنسيق اختيار الأمكنة مع أمن الجامعة، والحراس المناوبين، فمرة يختار الطابق الثالث من مبنى كلية العلوم، وبعد أن يتأكد من انتهاء المحاضرات في قاعات الدرس، ومرة يختار غرفة مشرف على القسم الداخلي للطلبة.

    وفي إحدى المرات، كان أحد أعضاء الحلقة الثمانية، قد تأخر عدة دقائق، فطلب أحمد من أحد أعضاء الحلقة أن يفتح الباب، وكان غير عربي واسمه (سردار)، ففتح الباب المكون من قطعة واحدة على سعته الكاملة، فصاح به أحمد:
    رفيق سردار... ماذا عملت؟ لقد كشفت مبادئ الأمة العربية!

    عندما تذكر علوان تلك الوقائع بعد أكثر من أربعين سنة على وقوعها، تساءل: هل كان أحمد صباح يستشعر ماذا سيحصل لحزبه؟ وهل كان سلوكه طبيعيا في وقتها؟ ثم تذكر ما كان يحدث في اجتماعات حزب الخلاص الإسلامي قبل ذلك بعدة أعوام، عندما كان المسئول، يبلغ الأعضاء بتغيير مكان الاجتماع الأسبوعي، كل مرة ولم يكن يجعله أسبوعياً، بل كان إذا اجتمع المرة الأولى يوم السبت في مكان (أ) في الساعة السابعة مساءً، فإن الاجتماع الذي يليه سيكون يوم الأحد في مكان (ب) وفي الساعة الثامنة، لكي لا يُتاح حتى للأقارب الربط بين اللقاءات والأمكنة والأشخاص.

    ثم قارن علوان بين المواد الثقافية التي كانت تعطى في الحزبين، فحزب الخلاص كان يأتي بكُتبٍ يلصق على جلدتها جريدة، كي لا يُتاح للأعضاء معرفة اسم الكتاب، واسم مؤلفه، وتذكر كيف أنه في مرة تمزقت الجريدة بين يديه فظهر عنوان الكتاب (في ظلال القرآن لسيد قطب)، وكيف أن مسئوله رماه بنظرة تعنيف لم يشأ أن يجعل منها قضية.

    أما الحزب الجديد، فإنه كان يوزع نشرات مكتوب على غلافها (خاص بالأنصار، خاص بالأعضاء الخ).

    لم يكن الحزب جديداً بل كان أقدم من حزب الخلاص حتى في بلده الأصلي، وتذكر كيف كان جهاز الاستنساخ (الرونيو) يُخبّأ في أوكارٍ حزبية، يتم اختيارها لحسن جوار من حولها، فإن داهمت أجهزة الأمن الوكر، انتقل الجهاز عبر جدران البيوت الى سابع جار، وتفشل خطط الأمن في المداهمة، وكيف لا؟ فعقوبتها ستكون على الأقل عشر سنوات سجن في مكان غير معروف!

    (26)

    بعد إعلان إيران ضم الجزر العربية الثلاث أو احتلالها في 30/11/1971، خرجت مظاهرات تندد بهذا الإجراء، وتطالب بالرد العملي والقوي..

    اصطفت (كراديس) طُلاب الجامعة معظمها حسب منشأ الطلاب، وكان طلاب كل بلد يهتفون بطريقتهم الخاصة، كانت المظاهرة كمعرض فريدٍ من نوعه، وكان علوان يتجول بين الكراديس يشارك في الهتاف أو يستمع لهتاف، كان من يختلط بين الكراديس لا يميز ما يقول الهاتف الرئيسي، وحتى من يرد عليه كان يخطئ في فهم ما قال...

    في (كردوس) لطلاب جنوب لبنان كان أحدهم يهتف:
    وحدوا.. وحدوا الأمة العربية
    دمروا .. دمروا الإمبريالية..
    شتتوا .. شتتوا الصهيونية..

    وكان من بين الردود ما يأتي: دمروا الأمة العربية، من باب الخطأ غير المقصود..

    وكان هناك، شابٌ يحمله البعض على أكتافه اسمه مهدي ويطلقون عليه لقب (ماو العرب) حيث كانت ملامحه صينية، صاحب صوتٍ قوي يهتف:
    يا إيران جاكي جاكي
    حزب الشعب الاشتراكي
    ويرد الجميع عليه بحماس
    والذين يحملونه على الأكتاف يرقصون طرباً.. فسقطت (فردة) من حذائه.. فصاح وهو لم يتخلص من لحن الهتاف..
    (نزلوني وقعت كندرتي: أي أنزلوني سقط حذائي)
    ومن خلفه يهتفون: نزلوني وقعت كندرتي..

    لم يكن هناك من يدقق بالهتافات، فمعظمها تأتي بنت وقتها..

    (27)


    في اليوم الثالث من المظاهرات، كان موعد الاجتماع الحزبي، الحضور، مراجعة محضر الاجتماع السابق، التعليمات، الموضوع الثقافي، وكان عن كتلة عدم الانحياز، ومن ثم متفرقة..

    أنجز المسئول أحمد صباح البردي النقاط التي تسبق الموضوع الثقافي بدقيقة ونصف، وكان يجلس خلف المنضدة، يضع كتاباً دراسياً على فخذيه دون أن يراه أعضاء الحلقة، وكان يبدو أنه يقرأ لامتحانٍ في الغد. وعندما كان على أحد الأعضاء المكلفين بطرح الموضوع الثقافي (كتلة عدم الانحياز)، لم يكن قد اطلع عليه أحد أو حضره إلا من سبق وأن كُلِّف بتحضيره، ورغم أن الموضوع طويل واحتل في المجلة الحزبية تسع صفحات، لكن من كُلف به أنجزه بدقيقة، دونما اعتراض لا من المسئول ولا من أعضاء الحلقة على الاختصار الشديد، وعدم التحضير..

    ثم جاءت (متفرقة)، وهي الفقرة التي يشطح بها الرفاق، واختاروا ساعتها الحديث عن إيران واحتلالها الجزر الثلاث (طُنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، فقال أحدهم: علينا احتلال إيران وإجبار الشاه على إعادة الجزر!
    ـ قال آخر: هل إذا أعادها يتوجب علينا الخروج من إيران؟
    ـ قال آخر: عندها لكل حادثٍ حديث..

    استمر الحديث بهذا الشكل، وأحمد صباح لا يتدخل، فقد كان منهمكاً بدراسة ما في يديه..

    نبهه علوان: رفيق أحمد... ضع حداً لهيئة الأركان العسكرية، فقد تتخذ قراراً بالانسحاب!!



    تساءل علوان، بعد انتهاء الاجتماع، هل تصنع تلك الاجتماعات رجالاً للمستقبل؟ ربما تصنع، وربما لا تصنع، إنها على الأقل تعلم الشباب الانضباط والجدية وملكة الحوار وملكة التحليل، وتصوِّب ما لديهم من قناعات مرتبكة عن الحياة السياسية والكيفية التي سيؤدي بها من يؤمن بموالاة فكرة أو نظام ولائه.

    ولكن، هل المواضيع الثقافية ضرورية لإنجاز ذلك؟ قد تكون ضرورية، ففيها من المعلومات ما تعين في اتخاذ قرارٍ مؤمن، بعكس الجاهل بما يدور حوله! وهل كان رجال الفتح الإسلامي والمعارك الأولى قد قرءوا ابن تيمية والخلافات بين المذاهب، أم كانوا يحفظون بعض قصار السور ويتسلحون بهمة عالية، واندفاع هائل.. وهذا كان يحدث مع التتار في غزواتهم فقد لا يكون الجنود قد وقفوا عند العقيدة العسكرية لهولاكو أو جنكيز خان.. فمعظم الانتصارات والحروب وحتى الإنتاج الاقتصادي الكبير ينجزها أقل الناس ثقافة وقراءة، ولكن تحت إمرة من يكون قد ألَّم بها جيداً!

  8. #18
    هل تصنع هذه الاجتماعات رجالا للمستقبل؟.
    وكانك تحكي بلسان الأمة والشريحة الواعية..
    صدقت صدقت أستاذنا العزيز.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #19
    مرة تلو المرة أتقدم بالتعبير عن امتناني أستاذتنا الكريمة

  10. #20
    (28)

    عاد علوان الى أهله، بعد غياب أربع سنوات، كان نجيب قد تخرج منذ سنتين وعمل مهندساً في البلديات ثم سافر ليعمل في إحدى دول الخليج. لم يتغير الوضع المادي كثيراً في البيت، ولكن كثير من الطِباع قد تغير، فلم يعد في البيت بقرة تحلب، ولم يعد في البيت فرناً يُصنع فيه الخبز، ولم يعد والده يحمس القهوة في الصباح ويضرب على (المهباش) لسحن القهوة وإضافتها من إبريق لآخر باحتراف، أو لقتل الوقت، وكانت وجبة الإفطار مليئة بالأصناف المشتراة من خارج البيت (حليب، زبد، جبن، لبن رائب) حتى البيض كان يُشترى هو الآخر. وعند الغداء لاحظ علوان أن المائدة لم تخلُ يوماً من اللحوم أو الدجاج.

    لم يشأ علوان أن يسأل والدته عن مصدر أثمان تلك الأشياء، وقد سألهم يوماً عن جهاز تلفزيون 24 بوصة، كم ثمن ذلك الجهاز، فأخبروه بأن أخاه (نجيب) هو من أحضره من دول الخليج، فخمن أن أخاه هو من يرسل لهم تلك الأموال.

    لم يخبرهم علوان أنه لم يتخرج بعد، بالرغم من أنه لم يُسئل عن ذلك، فقد بقيت عليه مادة واحدة سيقدمها بالدور الثاني بنهاية الصيف، وكان عليه أن يعود للجامعة لتكملتها.

    عند الإفطار أبلغه والده أن عمه (قدري) دعاه للغداء، وكانت تلك العادة مُتبعة في الأرياف، فما أن يغيب أحدهم بالسفر بضعة أيام، حتى يعمل له أقاربه (دُوُرية) أي كل واحد يدعوه مرة. لم يبتهج علوان بتلك الدعوة فيعرف أن عمه قدري هو من كان يحرض والده على عدم إرساله للجامعة، توفيراً للمصاريف وحتى لا يبيع أرضه من أجل ذلك. حاول علوان التملص وعدم الذهاب لتلك الدعوة، ولكن أبوه زجره وقال: (عيب يزعل عمك)!.

    (29)

    ماطل العم (قدري) في إحضار طعام الغداء، وكان كل دقيقة يُرحب بابن أخيه ترحيباً أثار استغراب علوان لتكراره، فتساءل في سره: هل عمي يريد أن يستدرجني لخطبة ابنته؟

    كان العم قدري يسأل زوجته أسئلة لا يربط بينها رابط: أين محمود؛ أين علي؟ يسأل عن ولديه وهو يعلم أنهما سافرا في شاحنتيهما الى الخارج، فتجيبه أنهما في سفرهما ولعلهما يعودان اليوم.. ثم يسأل عن ابنته (فتحية) فتحضر: فيسألها هل أحضر أبو عايد ما تبقى عليه من مال.. فتجيب نعم يا أبي أحضرها.. فيأمرها: هات ذلك المال لأعده، فيقوم بعد المال على مهله وبصوت مسموع: نعم ستة آلاف وخمسمائة دينار..

    يعود العم قدري بالترحيب، ويقوم بالسؤال عن مدين آخر: هل أحضر الحاج مسعود قسط سيارته؟ فتقوم زوجته بالطلب من ابنتها فتحية: أحضري النقود التي في الخزانة، فيقوم بعَدِّها بنفس الطريقة..

    على المائدة رحب العم قدري بعلوان مرة تلو الأخرى، ولا ينسى المقبلات لذلك الطعام (الدسم)..

    ليس هناك أفضل من العمل الحر، نحن نأكل أحسن الطعام دون أن نبيع شبراً واحداً من الأرض، ليس كوالدك (الله يصلحه!) كل يوم يبيع قطعة أرض ليشتري حليباً ولحماً ودجاجاً!

    فكر علوان: إذن أثمان الطعام الفاخر الذي تقدمه والدته يومياً مصدرها من بيع الأرض، وليس من المال الذي يرسله نجيب!

    كانت تلك الدعوة بمثابة رهانٍ ثقيل لقياس مدى تحمل علوان للؤم عمه، وقد انتهت بتشويش على واقع الأسرة...

    (30)

    في المساء التقى علوان بإبراهيم أحد خريجي الجامعات اليوغسلافية، وكان متعطلاً عن العمل، وكان يحضر اللقاء والد إبراهيم، الذي كان يتمنى أن علوان أحد أولاده، وأثناء الحديث قال والد إبراهيم بتهكم مقصود، غداً أو اليوم أضيف لجيش العاطلين عن العمل من الجامعيين واحدٌ آخر، وكان يقصد علوان...

    دار الحديث، فاقترح والد إبراهيم أن يموِّل مشروعا يتشارك فيه كل من إبراهيم وعلوان، فقد كان ميسور الحال من عمله المتعلق بالتخليص على البضائع.. وقد اختار أن يكون المشروع (مزرعة لتربية أبقار الحليب)، تمت المسألة بسرعة غريبة..

    اشترى والد إبراهيم اسمنت، رغم صعوبة الحصول على مثل تلك المادة في تلك الأيام، ووضع حارساً، وكان ينتظر من علوان إنهاء دراسة الجدوى الاقتصادية. وفي تلك الأثناء كان يوقظ إبراهيم بعد صلاة الفجر ويسمعه كلاماً قاسياً (لا أظن أحداً ينام للضحى العالي سينجح بمشروع!) كان يعلم أن إبراهيم لا يصلي بعكس علوان، ولكنه كان يريد أن يغتنم فرصة ربط ابنه به وجدانيا ومادياً...

    لم يكتف والد إبراهيم بمناكفة ولده، بل امتدت المناكفة لتطال علوان نفسه، فعند مناقشة الجدوى الاقتصادية معه عندما كان يقرأها علوان ويشرحها، فاجأه أبو إبراهيم بنقطة لم تخطر على بال أحد.. إنك لم تتخذ تدابير كافية إذا ما هاجم قطيع الأبقار (نمرٌ)...

    ـ نمر يا أبو إبراهيم؟
    ـ نعم نمر.. لماذا لا نحتاط لكل صغيرة وكبيرة؟
    ـ وهل نحن في حوض الأمازون أو زمبيزي؟

    غمز علوان إبراهيم، وأفهمه فيما بعد أن يصرف النظر عن مثل ذلك المشروع، وعلم فيما بعد، أن أبا إبراهيم قد ربح من بيع الاسمنت!

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تلوث مياه الشرب
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى منتدى العلوم العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-31-2017, 06:45 PM
  2. قطرة عسل توضع على السرة:
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الطب البديل.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-22-2012, 01:51 AM
  3. الطائر الصغير
    بواسطة مؤيد البصري (مرئد) في المنتدى - فرسان أدب الأطفال
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-03-2011, 10:13 PM
  4. أنا و غزة خارج السرب ..
    بواسطة د.هزاع في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-28-2009, 04:27 PM
  5. الشرب واقفا
    بواسطة noureldens في المنتدى فرسان الافتاءات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-28-2006, 04:34 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •