أشكرك أخي كارم على تكرمك بالمشاركة
تنفيذاً لطلب الآية الكريمة في نهايتها بالتفكر (... فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) أود أن أبين هذه الومضة التي جالت بخاطري عند تدبر هذه الآية الكريمة:
لو رجعنا إلى المعاجم كلسان العرب نجد فيه تحت كلمة سلخ :
السَّلْخُ: كُشْطُ الإِهابِ عنِ ذيهِ. سَلَخَ الإِهابَ يَسْلُخه ويَسْلَخه سَلْخاً: كَشَطه.
والسَّلْخُ ما سُلِخَ عنه.
وسَلَخَت المرأَة عنها دِرْعَها: نزعته؛ قال الفرزدق: إِذا سَلَخَتْ عنها أُمامةُ دِرْعَها.
فنلاحظ أن حرف الجر (عن) الذي يفيد معنى البعد يستعمل عندما يستعمل السلخ لرداء أو جلد أو درع أو أي شيء سطحي يحيط بالجسم كالجلد مثلاً.
ولو كان للجلد ألياف تمتد إلى أعماق الجسم لما صح استعمال حرف الجر (عن)، بل يجب استعمال حرف الجر (من) في مثل هذه الحالة للدلالة على الانسحاب من ضمن الجسم.
ولما كانت آيات الله تعالى تحيط بالإنسان من خارجه ومحيطه ، بل تمتد إلى جميع مكوناته الداخلية من قلب ورئة ودماغ ودم وخلايا، فلا يمكن لأي مخلوق أن ينسلخ عن آيات الله، فهي تلفه وتكونه ، وحاله كمن يتساءل هل يمكن لإنسان أن ينسلخ عن الهواء الذي يحيط به ويدخل إلى داخله ؟... هذا مستحيل.
ويكون الانسلاخ منها يعني عدم الولوج فيها تفكراً وتدبراً لاكتشاف حكمتها وأحكامها ، ومعرفة الله تعالى من خلالها ، أو تركها ونسيانها أو الانسحاب من ضمنها إن ولج يتفكر فيها ذات مرة... والانصراف إلى الدنيا وشهواتها ومباهجها راكضاً لاهثاً وراءها.
وكمثل هذا الاستعمال في القرآن الكريم قوله : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ، ولم يقل نسلخ عنه النهار ، فالآيتان (الليل والنهار) متداخلتان تكوينياً وليست إحداهما قشرة للأخرى ليتم فصلهما عن بعضهما، وإنما هي عملية تداول الإنارة وولوجها بين جهتين متقابلتين لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى.
ولعل في هذا المعنى يتضح قول الله تعالى : وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ.
أي لو ولج في آياتنا متفكراً متدبراً لرفعناه بها ، ولكنه انسل منها (تناساها وانسلخ منها) راغباً بملذات الدنيا الأرضية ... وأجمل ختام في الآية قوله تعالى فاقصص القصص لعلهم يتفكرون.
فالحكمة النهائية ضرورة ولوج الآيات وطلب التفكر الصحيح فيها وعدم الانسلاخ منها.
والله أعلم