عودة -أرجو الله أن تكون محمودة- لأسئلة الأستاذة الفاضلة ريمة الخاني، وأبدأ بالسؤال الاول مستعيناً بالله:
1- مَن هو الباحث توحيد مصطفى عثمان؟ ( السيرة الذاتية لو أمكن).
** استرعت انتباهي صيغة السؤال التي ابتدأت بــ مَن هو..؟ ثم أُتبِعت بــ السيرة الذاتية؛ فأحببت الدخول في الإجابة من باب الحديث عن الشخصية والهوية:
إنَّ الحديث عن الذات له وجهان: الشخصيَّة والهويَّة.
أمَّا الشخصيَّة: فتعني من أنا؟ وتحدِّدها عوامل هي في الغالب عوامل جبريَّة، لا اختيار للإنسان في أساسيَّاتها، وبالتالي لا مسؤوليَّة عليه فيها.
جاء في الترمذي: جَاءَ العَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ شَيْئًا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ:
"مَنْ أَنَا" ؟
قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ. (!)
(إجابة الصحابة رضوان الله عليهم كانت هنا غير صائبة، ولذلك صحَّح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الإجابة بقوله)
قَالَ: "أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا وَخَيْرِهِمْ نَفْسًا".
وأمَّاالهويَّة: فتعني ما أنا؟ وتحدِّدها عوامل اختياريَّة عموماً، اصطفتْها إرادة الإنسان وقدرته، فهو مسؤولٌ عنها إذن.
والذات: هي مجموع العوامل الجبريَّة والاختياريَّة (الشخصيَّة والهويَّة).
جاء في مسند أحمد، عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قال: رَغِبْتُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ (أي رسول الله عليه الصلاة والسلام) فَوَجَدْتُهُ مُسْتَخْفِيًا بِشَأْنِهِ، فَتَلَطَّفْتُ لَهُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ:مَا أَنْتَ؟
فَقَالَ: " نَبِيٌّ ".
فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟
فَقَالَ: " رَسُولُ اللهِ ".
فَقُلْتُ: وَمَنْ أَرْسَلَكَ؟
قَالَ: " اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ".
قُلْتُ: بِمَاذَا أَرْسَلَكَ؟
فَقَالَ: " بِأَنْ تُوصَلَ الْأَرْحَامُ، وَتُحْقَنَ الدِّمَاءُ، وَتُؤَمَّنَ السُّبُلُ، وَتُكَسَّرَ الْأَوْثَانُ، وَيُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَايُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ ".
قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكَ وَصَدَّقْتُكَ، أَفَأَمْكُثُ مَعَكَ أَمْ مَا تَرَى؟
فَقَالَ: " قَدْ تَرَى كَرَاهَةَ النَّاسِ لِمَا جِئْتُ بِهِ، فَامْكُثْ فِي أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِي قَدْ خَرَجْتُ مَخْرَجِي فَأْتِنِي ". لقد قدَّمتُ هذه المقدِّمة لأقول من خلالها أن الهويَّة تنطبع وتتشكَّل وتأخذ قيمتها التأثيريَّة الفاعلة من خلال الأفكار والمبادئ التي أتبنَّاها وأؤمن بها وأعمل على تطبيقها والدفاع عنها؛ إذ لا يكفي أن أعلن عن مبدأ أو أكتب عنه دون أن أبذل الجهد في تطبيقه، وإلا كان ذلك قناعاً ليس إلا؛ لهذا ترانا نفتقد الهويَّة رغم وجود "عناصرها الجسديَّة" لكنها لا روح فيها، ولهذا رأينا في الحديث السابق المبادرة الفوريَّة من أبي أمامة رضي الله عنه لإتْباع القول بالفعل من خلال سؤاله النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام "أَفَأَمْكُثُ مَعَكَ أَمْ مَا تَرَى؟"؛ بمثل هذا تشكَّلت هويَّة الجيل الرائد الأول، ولمثل ذلك يجب أن تكون دعوتنا إن كنا نسعى صادقين لبناء هويَّة ذات أثرٍ حضاريٍّ.
إن دخولي عالم الكتابة قد بدأ منذ عهدٍ قريب، بل قريب جداً؛ إذ لا زلت أحبو في مدارجه بخطوات متعثِّرة أغلب الأحيان، وأخرى أرجو أن تكون موفَّقة؛ وما كتبته قمت بنشر بعضه في هذا المنتدى الكريم وفي بعض المنتديات الأخرى، وبعضه الآخر لم يُنشر بعدُ لأسباب خاصة قد يتم التعرُّض لها لاحقاً.
أما ما يتعلَّق بالجانب الشخصي من السيرة الذاتيَّة، فهذه بعض المعلومات عنها:
الاسم: توحيد بن مصطفى عثمان.
تاريخ الميلاد: 1/6/1960 ميلادية.
الجنسيَّة: بالرغم من أن لي مفهوماً خاصاً للجنسية والوطن؛ إلا أنه تنتابني نوبة ألم حين أُسأل عن جنسيتي، لأني أرى في الإجابة تكريساً لاتفاقيَّة سايكس-بيكو المشؤومة، ولكن لا بدَّ من الخضوع مؤقتاً للقانون العام المعمول به إلى أن تستيقظ الأمَّة من سباتها فتُسقط مفرزات تلك الاتفاقية.
من العاصمة الحضاريَّة للشرق آنذاك كانت الهجرة... إنها حيفا عروس الساحل الفلسطيني؛ وإلى سورية كان المهجر، إذ كانت الشهباء حلب حينها عاصمة الشرق الصناعية؛ وفي قلبها النابض بالأصالة كان المسكن قريباً من مكان العمل، وهنالك كان اللقاء مع ابنة إحدى العائلات الحلبية... وتمَّ الزواج، وكانت إحدى ثماره خمسة أولاد وخمس بنات، وكنت الثاني بينهم من حيث الترتيب.
لذلك، فإن بعضي فلسطيني، وبعضي الآخر سوري، والمؤلِّف بينهما والرابط هو القلب الذي أمتلِك خياراته؛ ومن القلب تبدأ رحلة بناء وتشكيل الهويَّة التي سأتعرض لها من خلال إجاباتي اللاحقة، والتي أبثُّها في ثنايا كتاباتي المختلفة.