منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 16 من 16
  1. #11

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    حول العالم على كرسي متحرك "11"
    مرة أخرى تمت دعوة الأستاذ (القباني) ورفاقه ، من قبل السيد محمد الدوكالي،والذي دعاهم إلى مطعم في قصر.. ( قصر القباج من زنقة القناصل هذه فقد كان مقرا لحاكم الرباط الأسبق في ظل الاستعمار،وهو أحد أفراد العائلة التي ينتمي إليها السيد عبد الكريم القباج،وبعد وفاة الحاكم،رأى ورثته أنهم عاجزون عن إدارة القصر الكبير بما فيه من خدم وأتباع،فقرروا مسايرة العصر،وتحويل القصر إلى مطعم سياحي فاخر – يعمل فيه الأتباع والخدم – وليس من شك في أن القصر من المعالم السياحية الهامة في الرباط، وقد أحسن السيد الدوكالي بدعوتنا لتناول الطعام فيه،فهو أنموذج رائع للقصر المغربي المترف الفاخر .. فأنت حين تدخل من بابه الكبير تنحرف يمينا أو يسارا في دهليز طويل يؤدي إلى ساحة واسعة جدا مرصوفة بالمرمر الفاخر،وفي وسطها نافورة هي قطعة فنية من الهندسة المغرية،وحول الساحة الكبيرة،التي لا سقف لها،يدور دهليز مسقوف فوق أعمدة من الفسيفساء ذات النقوش العربية الرائعة الألوان،وهذا الدهليز الدائري مفتوح على الساحة من جانب .. والجانب الآخر به أبواب،أو فتحات واسعة تؤدي إلى قاعات مغربية فاخرة الأثاث والرياش،مزخرفة الجدران بالفسيفساء الملونة،تدور في جوانبها الثلاثة الأرائك الحريرية المحشوة بريش النعام،والمزودة بالوسائد اللينة،وعلى أرضية القاعة السجاجيد المغربية ذات الألوان الجميلة والزخارف المريحة للعين،وفي سوط كل قاعة منضدة منخفضة – على مستوى الأرائك المغربية الخفيضة – توضع عليها صينية فاخرة من النحاس المنقوش يتوقف اتساعها على عدد الطاعمين (..) ثم تحلقنا حول الصينية الكبيرة بعد أن غسلنا أيدينا بماء معطر وجيء بأرغفة الخبز الوطني والإفرنجي – في سلال مغربية ملونة،على كل سلة غطاء مخروطي الشكل،وبدأت أصناف الطعام تتوالى،نفس الأصناف التي تقدم في البيوت المغربية للضيوف (..) ومرة أخرى هززت رأسي أسفا حين رأيت تل الكسكسي يأتي في نهاية الأصناف،أي بعد أن تكون المعدة قد امتلأت أو كادت .. وكانت السيدة حرم القباج بارعة في تناول الكسكسي باليد،فهي تأخذ كمية صغيرة في كف يدها،ثم تحرك اليد حركات اهتزازية دائرية بطريقة معينة وإذا كمية الكسكسي تغدوا في هيئة كرة .. متماسكة .. تقذف في الفم،وعبثا حاولنا أن نجاريها في هذا الفن (..) كانت المدينتان{ سلا والرباط} تبدوان في رونق بديع وهما تربضان على جانبي نهر الرقراق،وقنطرة مولاي الحسن بما عليها من حركة المرور تبدو وكأنها قطعة من خيال أو حلم،وكانت مياه المحيط الممتدة إلى ما لا نهاية أو بحر الظلمات كما كان العرب الأندلسيون يسمونه تلوح في جانب .. والجبال العالية الممتدة إلى ما لا نهاية أيضا تبدو في جانب آخر .. ومياه النهر تتألق في بهاء وقد تراقص عليها عرائس المغيب من الشمس الغاربة ... وكان ثمة رجال ونساء وصبيان من المغاربة والأجانب قد سبقونا إلى ذلك المكان،ووقف الجميع مبهورين بما يطالعهم من ألوان الجمال،البيوت البيضاء الأنيقة،والمدنية القديمة وراء أسوارها،والشوارع الواسعة بما فيها من سيارات تجري ومارة يمشون،وقد لاحوا جميعا من بعيد كأنهم لعب أطفال تتحرك ببطء،ولا تكف عن التحرك أبدا ){ص 199 -211 }.لو ذهبنا نستعرض صنوف التكريم،والجولات،التي نعم بها الأستاذ (القباني) ورفاقه،لطالت بنا السياحة أكثر مما ينبغي،فقد طوفوا بهم في الغابات،والمصايف والمعالم السياحية،والمعارض الشعبية ... كما حضروا حفل زواج .. (كانت الساعة التاسعة مساء عندما حضر السيد عبد الكريم القباج والسيدة حرمه والصغيرة سلوى لاصطحابنا إلى حفلة الزفاف في بيت العريس وكنا والشهادة لله قد ارتدينا أجمل ما لدينا من ثياب لنبدو في أبهى رونق أمام إخواننا المغاربة في تلك الليلة،ولكن السيدة حرم القباج سامحها الله كسفت أضواءنا بما بدت عليه من رونق وبهاء،وكانت ترتدي ثوبا فضفاضا طويلا مشقوقا من الجانبين من الحرير الطبيعي السميك وكأنه طيلسان ملك،ومطرز بالخيوط الذهبية تطريزا يخلب اللب،وكان الحزام الذهبي العريض المزخرف الذي تعقد به الثوب من الوسط يساوي ثروة كاملة،هذا فضلا عن ثروة أخرى من الحلي الذهبية والماسية التي تزين العنق والمعصمين والأصابع،وقد علمنا بعد ذلك أن مكانة السيدة الاجتماعية،في مثل هذه المنسبات تحدد بما تتزين به من حلي وجواهر .. ومضت السيارة بنا داخل المدينة القديمة،واختلطت عليّ الشوارع والزنقات حتى وصلنا زنقة متفرعة من شارع السويقة المؤدي إلى بلاج الرباط،وسارت السيارة في الزنقة التي بدا في آخرها أقواس من الزينات المضيئة. وانسابت من جوانبها البعيدة زغاريد النساء (..) وكان الصحن يسبح في أضواء الزينات وقد تراصت المقاعد صفوفا بعد صفوف في ثلاثة جوانب،أما الجانب الرابع،أو الركن المواجه لباب الدخول،فقد خصص للفرقة الموسيقية الغنائية التي كانت عند دخولنا تغني موشحة أندلسية (..) وأحسست بالدماء في عروقي تتراقص نشوة وطربا وأنا أسبح بروحي مع النغم الموسيقي الرتيب والغناء الأندلسي الجماعي،حقا لم أستطع أن أفهم من كلمات الغناء إلا المقطع الأخير الذي كان يردد دائما بعد كل فقرة غنائية (الحبيب النبي .. محمد) (..) وقال لي شاب أنيق في ملابس عصرية أنيقة : - هل تعجبك هذه الموسيقى؟! - جدا .. جدا .. - ألا تشعر بالملل منها .. - أبدا ...فابتسم وقدم لي نفسه قائلا أنه أحد الدارسين في معهد الموسيقى الملكي بالرباط ثم قال في لهجة تنم عن"القرف التام" : - طالما نحن نطرب لهذه الموسيقى البدائية فلن نتقدم أبدا .. ولما نظرت إليه في دهشة ممزوجة بالاستنكار قال : - لن تتغير نغمة واحدة ولن تسمع غير هذه الجملة الوحيدة في اللحن مهما طال بك المقام هنا،وسوف تشعر بعد ساعة أو ساعتين بغثيان نفسي لا ينقذك منه إلا الهرب (..) ولاحظت بعد ساعة أو بعض ساعة من العزف والغناء المتصلين،فيما عدا لحظات قليلة من الاستراحة، أن المدعوين بدأوا يتبادلون الأحاديث همسا تخفيفا للملل الذي أخذ يشع في نفوسهم،ورأيت في مقصورة مواجهة بعض الفتيات الأجنبيات،وبعض شبان الهيبز عليهم اللعنة – وراءنا حتى في داخل البيوت المغربية .. وعلمت من السيد عبد الكريم القباج أن هؤلاء الأجانب شبانا وفتيات،يتناولون عشاء مكونا من الكسكسي المغربي"والشيش كباب" ولما عرض علينا أن نمضي إلى إحدى المقصورات للعشاء اعتذرنا له بأن ما تناولناه من حلوى كعب الغزال لم يترك في بطوننا مجالا للمزيد من كسكسي أو من كباب .. (..) وكان أعضاء الفرقة الموسيقية الغنائية منهمكين في الغناء والعزف يهزون رؤوسهم طربا ويختلسون النظرات الجانبية إلى المدعوين القريبين منهم ليروا أثر النغم والغناء عليهم،وقد لفت نظري،وربما نظر الكثيرين،واحد منهم .. أكثرهم حركة ونشاطا وحماسا وهزا للرأس،لعله كان أكبرهم سنا،إلا أن بياض وجهه المستدير المشرب بالحمرة،والنظارات ذات الإطار الذهبي،والرأس اللامعة التي تعكس الأضواء بشدة،كان هذا كله يدل على أنه في شبابه كان على جانب كبير من الوسامة،و (؟؟) وفجأة تكهرب الجو : لقد خرجت من المقصورة المواجهة البنات الأجنبيات الثلاث والشبان الهيبز الملاعين،وكانت إحدى البنات شبه عارية ببلوزتها الحريرية المفتوحة من الوسط،والمعلقة بالحمالات فقط،ولم يكن تحت البلوزة شيء،يبدو أنها كانت فستان ميكرو جيب يكشف من الجسم (؟؟؟) أكثر مما يغطي. وكانت الثانية ترتدي بذلة بلا أكمام،مفتوحة الصدر أيضا،ولكنها تغطي الجزء الأسفل كله،والثالثة كانت تتيه بالجبة المغربية المطرزة التي تخفي كل شيء إلا الرقبة والرأس ذا الشعر الذهبي الغزير المنسدل على الكتفين ... جلست البنات الثلاث على بعد صفين من الفرقة الموسيقية وتركزت النظرات كلها على البنات الجميلات ولاسيما تلك العارية أو تكاد ورفت الابتسامة الحلوة على وجوه أعضاء الفرقة الموسيقية الغنائية المواجهين للبنات أما الأعضاء الآخرين وكان بينهما صاحبنا الروميو العجوز الوسيم،فكانت ظهورهم إليهن،ونسيت أن أذكر أن الروميو العجوز كان أحد العازفين على العود،وشاء حظه العاثر أن تجلس البنات وراء ظهره تماما،وكان قد أدرك من وجوه الجالسين أمامه أن في ألأمر أمرا،فاستدار بجسمه البدين و لوى عنقه السمين الأحمر ولمح البنات ... ومن هنا بدأت عملية التواثب والتظاهر بالاستغراق في الموسيقى والغناء،وبدأ العازفون بظهورهم إلينا – إلى البنات – يتمايلون ويدورون بأجسامهم يمينا وشمالا – ويحركون أعناقهم في كل مكان في حركة تشبه مع المبالغة حركات الذاكرين في حلقات الذكر،أو المتواثبات في حلقات الزار ..كل هذا لكي تتاح لهم نظرات مختلسة إلى البنت العارية بالكاد .. {مثل هذا الوصف،يشي بأن "الهوس" بالمرأة ليس ظاهرة "محلية"!! كما أنه يجعلنا نفهم !!! نفهم "الغيرة"التي تنتاب بعض "ربعنا"حين يرون في الخارج،لابسات "الميني جيب" و"الميكرو جيب" و"الميكرو ميكرو جيب" إضافة إلى "البكينيات"وليست النسبة للصين قطعا ... حين يرون ذلك .. ثم يعودون إلى الوطن،فلا يرون إلى عباءة سوداء ... عباءة سوداء ... عباءة سوداء .. فتثور"غيرتهم"ليروا هنا ما رأوه هناك!!! ويبدو أن الأمر لا يتعلق بالرجال فقط .. فحتى "الضفدع" له "نفس" كما يقولون!!! :اسد مجمع الحيوانات في الغابة
    ويقول لهم نبي نغير شوي في الغابة ونطورها
    قاله الضفدع : نجيب بنات
    سكت الأسد و قال بنحط سور للغابة
    قاله الضفدع زين وعقب السور بتجيب بناات...عصب الأسد وقال المهم بنحفر ابآر في الغابة
    قال الضفدع :طيب, والبنآت؟
    قال الأسد في واحد اخضر وعيونه كبار إذا ماسكت ب(نذبحه) اليـــوم
    قال الضفدع: عقب ما نذبح التمساح بنجيب بنات ولا لا} أما الشاب عازف البيانو فقد ترك يديه تعزفان،واستدار بجذعه كاملا في مواجهة البنات وبين الحين والآخر كان يومئ برأسه يرد على تحية إعجاب منهن .. ونظرت بجواري فرأيت ولدنا إبراهيم يغالب النوم،ولم أجد أثرا لمحسن الفهلاو ولقد غافلنا الماكر وتسلل مع شابين عقد معهما صداقة سريعة،إلى البيت الآخر المواجه وكان البيتان يكونان نهاية الزنقة – حيث كانت النساء يحتفلن بالعروس وقد أخبرني محسن هو وحنان بعد ذلك أن الحالة عند النساء كانت تشبه تماما الحالة عند الرجال .. نفس الصفوف النسائية .. ونفس الفرقة العازفة المغنية من النساء السوداوات – ونفس النظرات المختلسة من السيدات ومن العازفات إلى الشبان الثلاثة .. محسن وصاحبيه .. وزال الطرب بعد زوال النشوة الأولى،وتمنيت لو يكف هؤلاء العازفون فترة طويلة حتى يمكن أن تتهيأ نفوسنا مرة أخرى للإنصات في نشوة وطرب (..) وأفاق إبراهيم واندفع مع المندفعين ليرى العروس وهي تهبط من السيارة لتدخل بيت العريس،وقد قالت حنان التي صحبت أهل العريس في ذهابهم لإحضار العروس – أن موكب الذاهبين كان يتكون من تسع سيارات خاصة حملت أكثر من أربعين سيدة وفتاة من أهل العريس وأحبابهن .. وكان العريس في السيارة الأولى بين والدته وأخواته،ولما وصل الجميع إلى بيت العروس،أهدى هؤلاء للعريس جلبابا ولثاما وحذاء من الطراز والصناعة المغربية،وحمل أهل العروس وبعض أهلها وأحبابها وطاف الموكب الطويل في أنحاء المدينة الهاجعة حتى وصل الجميع إلى بيت العريس .. وعاد ولدنا إبراهيم يقول : - يعني - يعني ماذا؟ - العريس أجملأنت بطبيعتك عدو النساء (..) وأعربت للسيد عبد الكريم عن رغبتي في الانصراف،فاستدعى السيدة حرمه وابنته وحنان ومحسن ومضى بي إبراهيم إلى السيارة .. وقالت السيدة حرم القباج ونحن في طريق العودة إلى الفندق : - إن والدة العروس سوف تحمل إليها،في بيت الزوجية،هدية من الفطائر والحلوى واللبن في الصباح - مثل الصباحية عندنا في مصر! - وفي الساعة الواحدة بعد ظهر الغد أيضا تذهب صديقات العروس وقريباتها للغداء معها،ما رأيك يا حنان؟ هل تتناولين الغداء مع العروس غدا ؟! ولكن حنان اعتذرت عن قبول الدعوة .. وهبطنا أمام الفندق نكرر الشكر للزوجين الكريمين اللذين أتاحا لنا ليلة أندلسية ما كنا لنعيش مثلها في الأحلام. (..) وأمضينا صباح الجمعة في الاستعداد للسفر (..) وقبل أن أفرغ من الكلمة التي أمليتها على مندوب وكالة الأنباء،أقول أني ما كنت لأصدق أنها نشرت أو أذيعت إلا بعد أن أرسل إليّ صديق مغربي بقصاصات من بعض الصحف العربية والأجنبية التي نشرتها (..) وتم كل شيء في الصباح بسلام،في لحظات كنا نودع موظفي الفندق وعمال المطعم ومضيفيه،وعمال الكافتريا،ولم يكن أحد من النزلاء قد هبط في تلك الساعة المبكرة – السابعة والنصف – وفي لحظات كنا مع السيد عبد الكريم القباج،هذا الأخ المغربي الودود والسيدة حرمه،في بهو المحطة،وفي لحظات كانت عملية شحن الحقائب الثلاث قد تمت،وكنت أنا خلال هذه العملية جالسا على مقعدي المتحرك بجوار الباب العام،أنظر إلى المدينة الجميلة التي كانت تستيقظ في تلك الساعة كالعروس المترفة،كنت أنظر إليها وقلبي ينبض بعرفان الجميل،وبالحب،وبالشوق الذي جعلني أتمنى أن أعود إليها يوما لو طال بي الأجل .. لا .. لابد أن أعود إليك يوما يا مدينتي الجميلة .. يا مدينتي النظيفة البيضاء .. يا مدينة الكرم والجود والحب .. يا من جمعت بين أحضانك أعظم أمجاد التاريخ وأعظم ما يبشر به المستقبل القريب .. سأعود إليك يوما يا رباط الفتح إذا مد الله لي في العمر .. سأعود ولو دافعا بيدي مقعدي المتحرك .. فقد جئت إليك وقلبي يخفق فزعا من المجهول الذي ينتظرني فإذا أنت تفتحين ذراعيك لأعيش أياما كالحلم الجميل .. لأعيش أياما في جنة من الأرض .. وبين إخوة ضربوا المثل الأعلى في الكرم والمودة والإخاء .. وجاء إبراهيم ليمضي بي إلى المصعد،بعد أن هبط الجميع إلى رصيف المحطة وألقيت نظرة أخيرة على المدينة وقد طفرت الدموع من عيني .. ){ص 222 - 276}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي -المدينة المنورة

    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  2. #12

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    حول العالم على كرسي متحرك "12"
    بعد أن ذرف الأستاذ (القباني) بعضا من دمعه .. استدار ( بالمقعد إلى داخل بهو المحطة،ومضيت مع إبراهيم نبحث عن مصعد يهبط بنا إلى الرصيف،وفوجئنا بالمصعدين المخصصين لمثل هذه الطوارئ معطلين،وشعرت بالحرج والارتباك والخوف لأني لم أضع في حسابي احتمالا كهذا،وحتى لو تعاون بعض الحاضرين مع إبراهيم في حملي إلى الرصيف عبر عشرات من الدرجات والممرات،لفاتنا القطار قبل أن نصل إلى الرصيف،إذ لم يكن باقيا على تحركه غير دقائق معدودة لا تزيد على العشرة ... ومرة أخرى انبثق الكرم المغربي الممزوج بالشهامة العربية الأصيلة لقد قرر جميع الموجودين في تلك اللحظة من موظفين وحمالين،أن يضعوا تحت أمري مصعد البضائع الهائل الذي كان محملا عندئذ بعشرات من الطرود الصغيرة والكبيرة،ولا أحسبني أنسى هذا المنظر يوما .. منظر الموظفين والعمال والحمالين – ومعهم إبراهيم – وهم يفرغون المصعد الكبير مما فيه من طرود صغيرة وضخمة ... وفي لحظات معدودة كانت هذه العملية الشاقة قد تمت،وهبطت بمقعدي في المصعد وتحيات الجميع ودعواتهم لي بالصحة والسلامة تنطلق من أنفاسهم اللاهثة،وظل اثنان من موظفي المحطة معي حتى عبرت مجموعة قضبان السكة الحديدية لأصل إلى الرصيف الآخر الذي كان يقف فيه زملائي – في أشد القلق مع الصديق الكريم،عبد الكريم القباج والسيدة حرمه .. وكان القطار واقفا بالرصيف على أهبة الاستعداد للانطلاق .. وتصافحنا مع الزوجين الكريمين وتبادلنا مع السيد عبد الكريم قبلات الوداع،وصعدنا إلى القطار ... وما كدنا نستقر بداخله حتى تحرك وأيدينا تلوح للصديقين بتحية الوداع .. وكان القطار قد تحرك قبل أن أنتقل من مقعدي المتحرك إلى مقعد المقصورة وفيما كنت أتجه إليها في ممر يتسع للمقعد إذا بنا نرى مقعدا خاصا أمامه منضدة متحركة ومثبتة بجدار المركبة،وكأن المقعد والمنضدة وضعا من أجلي خاصة وقال إبراهيم : - ما رأيك في هذا المكان الممتاز؟- كأنه مخصص لمثلي وسرعان ما نقلني إبراهيم إليه ثم طوى المقعد ووضعه في مكان كالخوان مواجه للمكان الذي جلست فيه كل شيء تم في هذه المرة ببساطة ويسر وبلا أدنى تعقيد أو مشقة ولكنني لم ألبث أن فكرت قليلا .. ما معنى وجود هذا المقعد الوحيد في الجزء الأمامي من المركبة؟ من المؤكد أنه ليس مقعدا مخصصا لراكب واحد؟ إذن .. فلأي سبب وضع في هذا المكان؟وضع لراحة رئيس القطار بطبيعة الحال ؟وأحسست بعرق الخجل يتفصد من جبيني. ماذا يقول الرجل حين يأتي ويراني جالسا في مكانه بكل "بجاحة" (..) وتمنيت لو حضر إبراهيم بسرعة لأطلب منه نقلي إلى مقصورتهم (..) وجاء رئيس القطار،رجل طويل القامة يقترب من نهاية العقد السادس من العمر،ولكن وجهه المجعد كان ينم عن السماحة وطيب القلب. ونظر بدهشة أولا،ثم أشار إلى المقعد وقال بلغة عربية مغربية : - هذا المقعد لي ... وأشار إلى المقعد أولا،ثم إلى صدره ثانيا وكأنما خشي ألا أفهم حديثه لكثرة ما يرد عليه من مخلوقات الله :وبدا عليّ الارتباك وأنا أستدير بجذعي وأشير إلى مقعدي المتحرك المطوي والموضوع في الفجوة الكبيرة الشبيهة بالخوان (..) ونظر الرجل إلى المقعد المتحرك ثم نظر إليّ،وفهم كل شيء وابتسم فجأة ثم قال :- لا بأس عليك .. لا بأس .. استرح وقلت معتذرا : - سوف أترك المكان عندما يأتي ولدي وينقلني إلى مقعدي المتحرك .. وكان قاطع التذاكر قد انضم إليه وأدرك الموقف ولكن رئيس القطار قال مسرعا :- لا لا .. كن مستريحا .. اطمئن .. وبقي بجواري مع التذكري فترة حضر خلالها ولدنا إبراهيم فلما علم بالموقف أراد بدوره أن ينقلني إلى مقعدي المتحرك ولكن رئيس القطار أصر أن أبقى في مكاني مستريحا .. وقدم إليّ ولدنا إبراهيم وصاحبته التي صادقته في القطار بعد أن عثر لها على حقيبتها،وكانت المركبة في خلال هذه الفترة قد امتلأت بعدد كبير من الأجانب والمغاربة (..) وهكذا لم يجد إبراهيم ولا صاحبته مقعدا خاليا،فاضطرا إلى الجلوس على الرف الأوسط لتلك الفجوة الكبيرة التي تشبه الخوان ... وكانت الفتاة جميلة حقا والميكرو ميكرو يزيدها جمالا وإغراء وقد التمست لولدنا إبراهيم العذر حين عجز عن مقاومة الاهتمام بها!!وتحدثت الفتاة قائلة أنها في طريقها إلى طنجة بعد أن أمضت جانبا من عطلتها السنوية عند خالة لها في الرباط،وأنها من أب مغربي وأم أندلسية إذا يبدو أن "حكاية"الأم الأندلسية أصبحت أو كانت دائما"مودة"بين البنات والسيدات .. وكان المفروض أن يظل ولدنا إبراهيم بجوارها يلاغيها ويسامرها،ولكنه كأي ولد عاق في هذا المجال،تركها وانصرف يحدثني عن زوجته في القاهرة وعن "ولي العهد"المنتظر وصوله بين يوم وآخر،وكان طبيعيا أن تمط فتاة الميكرو ميكرو شفيتها وهي تسمع هذا الحديث عن "الزوجة"وأن تنتهز أول شاب هيبز له لحية هائلة يبادلها النظرات ثم العبارات الفرنسية ثم تضع يدها في ذراعه وتحمل حقيبتها وتومئ برأسها لي وتلوي بوزها لإبراهيم ثم تختفي في المركبة ويضرب ولدنا إبراهيم يدا بيد ويقول : - هما ولاد الكلب الهيبز دول ورانا ورانا في كل مكان .. ثم يستطرد قائلا :- خصوصا أصحاب الدقون الخنفشارية دولي!!ونظرت إلى قامته الفارعة،ولون بشرته الأبيض،وتقاطيعه الوسيمة وقلت لنفسي "الحلو ما يكملش مع البنات .. شاب تتمناه كل بنت .. ولكنه طيب أكثر من اللازم" (..) وكان محسن قد تحدث بالألمانية إلى أحد رجال الجمارك،فسمحوا لنا بالخروج من المنطقة بعد أن اطلعوا على الجوازات .. وسرنا في الشارع الرئيس المحاذي لشريط السكة الحديدية،ثم انعطفنا إلى شارع فرعي صاعد إلى المدينة القديمة التي تقوم على ربوة مشرفة على البحر،وكان الأهالي أو المقيمون في المدينة والشوارع خليط من جميع الأجناس. إذن هذه هي طنجة .. المدينة التي كانت مجرد اسم في أحلامي .. مجرد أخلاط عجيبة من قراءتي عنها ،مدينة دولية قبل أن يتخذها الملك الحسن العاصمة الصيفية للمملكة (..) وجلسنا في مشرب نتناول الشطائر التي أعددناها للغداء،ولم نجد حرجا فيما نفعل،فقد كنا عابري سبيل،ولكن الفتاة الجميلة التي قدمت إلينا المرطبات أغرقتنا بابتساماتها حتى أخذتنا نفخة غير عادية من الكرم فتركنا لها درهما كاملا بقشيشا!!!(..) وعدنا إلى مبنى الجمارك،وفرغنا من الإجراءات بسرعة وسعدت بمصافحة ذلك الموظف الذي ترك مكتبه ليرحب بي ويسألني عن زملائي الأدباء والكتاب ومضينا إلى رصيف العبارة التي ستنقلنا إلى الجزيرة الخضراء على شاطئ أسبانيا :ولما وصلنا أول السلم،اعترضنا رجل يبدو من تقاطيعه الحادة ووجهه المستطيل وشاربه الأسود أنه أسباني وقال بالإنجليزية الركيكة : - يحسن أن تدخلوا الباخرة من الخلف.وصعدت دماء الغضب في وجهي .. من الخلف؟ إننا من ركاب الدرجة الأولى،وقد رأينا زملاء لنا في القطار قد صعدوا من هذا السلم وهززت رأسي معترضا وأنا أقول : - ولما لا نصعد من هذا السلم؟وأشار إلى مقعدي وتمتم بصوت الإنسان الذي يشعر بالضيق لأننا لا نفهم ما يريد أن يقول .. ولما استمر الحال على هذا النحو لحظات أشار إلى رأسه وقال بلغة عربية : - عرب؟!يخرب بيتك .. عرب؟ مالهم العرب يا ابن القديمة .. واندفعت أقول بكلمات كانت تنطلق كالقذائف بلغة إنجليزية وبصوت عال كالصراخ : - ما لهم العرب؟ أسيادك وأسياد الدنيا كلها .. وربت رجل آخر على كتفي وقال بلغة إنجليزية سليمة .. ومفهومة جدا : - مهلا يا صاحبي .. إنه يقصد أنكم معروفون بالعناد ... وهذا ما عرفناه عنكم دائما .. فهدأت وقلت : - إنه العناد الشريف الذي نحافظ به على حقوقنا .. وكان إبراهيم في تلك اللحظة قد فهم أن هناك إهانة وجهت إلينا فوقف متحفزا وقد شمر عن ساعديه وبدا في وقفته عملاقا مستعدا للإطاحة بالأربعة أو الخمسة الأجانب الواقفين أمامنا .. وقال الرجل الهادئ الذي يتحدث إنجليزية سليمة : - إنه لا يقصد إهانة .. بل يقصد الراحة لك .. إن للباخرة بابا خلفيا واسعا لدخول السيارات في قلبها .. ويمكنك استعماله دون أن تحتاج إلى أكثر من شخصين لحملك على السلم هنا.وابتسمت فجأة وأنا أشرح الموقف لإبراهيم الذي قال : - طيب يقولوا كدا من الأول :الواقع أنهم قالوا كده من الأول ولكننا لم نفهم (..) وتحركت الباخرة – وكانت تلك أول مرة أركب فيها باخرة من هذا النوع،لتعبر مضيق جبل طارق إلى الجزيرة الخضراء .. وتحرك معها على أمواج البحر سرب صغير من السمك لذي يتكاثر بجوارها سعيدا بما يلقى إليه من فتاة الطعام ... ونظرت إلى السماء .. وإلى البحر ... وتمتمت بصوت خفيض "على بركة الله" كنت جالسا في مكان يواجه قاعة الجلوس ذات الصفين من المقاعد،وكان الجلوس عليها بطريقة الكراسي الموسيقية"أي السابق هو الذي يظفر بالكرسي،وكنا متأخرين فجلسنا في الناحية الخالية الواقعة أمام الكراسي .. أقول جلست أنا .. أما حنان فقد استطاعت أن تظفر لها بكرسي عندما تركه شاغله ليذهب إلى مقدمة السفينة،ولم تلبث أن استغرقت في النوم بسبب ذلك الاهتزاز الخفيف الصادر عن السفينة،وكنت أتوقع أن أصاب بالدوار ولكن شيئا من ذلك لم يحدث،كان الجو جميلا،والمنظر الجديد على عيني .. بل كان حلما تحقق .. فطالما حلمت بركوب باخرة في عرض المحيط،وكنت أتخيل المباهج التي يمتلأ بها القلب حين يجد الإنسان نفسه طافيا على أمواج البحر،لا يغطيه إلا السماء المرصعة بالسحب ... ولكنني أعترف أن هذه البهجة لم تلبث أن انحسرت بعد ساعة وبعض ساعة. فما أسرع النفس إلى الملل إذا كان المنظر واحدا لا يتغير .. ولشد ما أشفقت على البحارة والضباط والموظفين البحريين الذين يقضون معظم أعمارهم فوق هذه الصحراوات المائية اللانهائية. (..) وتلفت حولي في ساحة الجمرك .. إذن نحن الآن على الأرض الأسبانية لأول مرة .. حلم آخر تحقق .. أسبانيا (..) ونظرت إلى الأرضية فوجدتها تشبه ببلاطاتها الكبيرة أرضية جانب من أرصفة الميناء في الإسكندرية،وأخذت نفسا عميقا من الهواء عسى أن أجد له عبيرا خاصا .. عبير أسبانيا مثلا،فلم أجده إلا نفس الهواء الذي أتنفسه على شاطئ البحر في بلادي. ونظرت إلى الشمس المائلة للغروب،وقد بلغت الساعة السابعة مساء فوجدت أنها نفس الشمس الحلوة المضيئة ذات العرائس الراقصة على الأمواج رقصات الوداع في كل مكان بالشاطئ في مثل هذه الساعة على ضفاف النيل أو على شاطئ الإسكندرية ... إذن ما أسبانيا إلا اسم أطلقه عدد من الناس على جزء من أرض الله بعد أن حددها ولولا هذا الاسم لكانت كلها – وهي فعلا كلها – أرض الله .. البحر واحد في كل مكان .. والأرض بتضاريسها واحدة في كل مكان .. والشمس هي هي لا تتغير ولا تتبدل وإن تغيرت حرارة أشعتها من مكان لآخر طبقا لناموس معين .. ورائحة الهواء هي هي .. في كل مكان وإن اختلفت الرطوبة فيه والجفاف من مكان إلى آخر حتى الناس في طبائعهم وأعماق نفوسهم ... لا يختلفون إلا في الشكليات والألسن .. أما الجوهر .. أما النفس البشرية .. فهي هي سواء كان صاحبها على ضفاف النيل أو البوسفور .. في ذرى الجبال أو أعماق الصحارى .. في جليد القطب أو أتون خط الاستواء وأفقت من خواطري هذه"الفلسفية"على وصول ولدنا محسن بعد أن انتهى من إجراءات التأشير على الجوازات،وانتقلنا إلى رصيف القطار الذي كان واقفا في انتظار الركاب المسافرين رأسا إلى مدريد .. وكانت تذاكرنا تحمل أرقام المقاعد المحجوزة لنا في القطار بالدرجة الثانية،ومع هذا فقد اعترضنا أحد موظفي الخط الحديدي قائلا أنه لابد من أخذ تأشيرة أخرى على التذاكر قبل الصعود،وذهب محسن وإبراهيم،ومضت اللحظات سريعة،وبدأت ظلال الغروب تزحف على المكان،وبقيت على مقعدي أمام باب المركبة أنتظر عودة الاثنين،وجلست حنان على الحقيبة الكبيرة تستريح،وكان الموظف يعيد الركاب إلى دائرة السكة الحديد لأخذ التأشيرة .. وتسليت فترة بالمشادات التي حدثت بينه وبين المسافرين،ولاسيما المسافرات الأسبانيات،وتسليت أكثر بالنظر إلى الجميلات منهن اللاتي جئن لتوديع أصدقائهن أو أقربائهن،جميلات بعيون سوداء واسعة جريئة،وطال غياب محسن وإبراهيم،وبدأ القلق يستبد بي،كنت أخشى أن يتحرك القطار في أية لحظة (..) وأخيرا طلبت من حنان أن تذهب ثم تعود بسرعة لتخبرني عن سبب تأخرهما،وذهبت وعادت تقول أن الطابور طويل،وأنهما أوشكا على أن يفرغا من المهمة،وكانت الشمس قد غابت تماما حين رأيتهما يأتيان جريا،وتنهدت ارتياحا. ولكن الموظف نظر في التذاكر وأشار إلى أول القطار،وقال إبراهيم ومحسن أنهما سيذهبان للبحث عن المقاعد المخصصة لنا ثم يعودان في لحظات،ولكنهما لم يعودا،كانت كل دقيقة تمر بمثابة يوم كامل في إحساسي،ورغم الاتفاق الذي تعاهدنا عليه ألا أبقى بمفردي في أي مكان طوال الرحلة. إلا أني نسيت كل شيء وطلبت من حنان بأعصاب متوترة أن تذهب وتبحث عنهما،وذهبت حنان ولم تعد هي الأخرى،وكادت عيناي تخرجان من وجهي وأنا أحملق في الاتجاه الذي غاب فيه زملائي،كانت الحقيبة بجواي،وبعض زمزميات الماء المثلوج ولا شيء غير هذا.. ولا جوازات سفر .. ولا بطاقة شخصية،لا شيء إطلاقا .. واشتدت ضربات قلبي وأنا أرى المودعين يغادرون القطار،وأنا أرى المسافرين الواقفين على الرصيف يسرعون بالركوب .. وأحسست كأن يدا تعتصر قلبي وأخرى تضغط على عنقي! ماذا حدث لزملائي؟ كيف تركوني هكذا وحيدا؟ وما عساي أفعل؟ ما أشد هوان العجز! مرة أخرى،من المرات القليلة في حياتي،أشعر بلعنة المرض الذي يعجز إنسانا عن التصرف في موقف كهذا. ولم يبق غير لحظات ويتحرك القطار في الثالثة والنصف؟ ماذا أفعل لو تحرك وتركني وحيدا،بملابس صيفية وقد بدأ الجو يزداد برودة.ماذا أقول لناس لا يفهمون لغتي؟ ماذا أفعل وأنا فاقد كل شيء يدل على شخصيتي .. ووجدت نفسي أتغلب على جانب من العجز وأحرك المقعد بساقي وقدمي بقوة لم أعهدها فيهما من قبل وتحرك المقعد في الاتجاه الذي اختفى فيه زملائي .. تركت الحقيبة و كل شيء ورائي ومضيت أدفع المقعد متحركا بسرعة وأنا أهتف عليهم : إبراهيم محسن .. حنان .. وتجنبت نظرات بعض الركاب الذين أطلوا من نوافذ القطار .. والقطار يوشك أن يتحرك .. وبقيت أدفع المقعد بقوة وأنا أقول لنفسي على الأقل أختصر المسافة إذا عادوا ليمضوا بي إلى المقاعد المحجوزة .. وكان الأمل لا يزال يراودني في أنهم سيحضرون إليّ حتما .. ولكن البقايا من الأمل أخذت تتلاشى كلما ازدادت أشباح المساء حولي ... وأحسست أني سأغيب عن وعيي من فرط الجزع والرعب .. وكلما تصورت حالتي وحيدا في بلاد لا أعرف لغة أهلها،وبلا مال أو تحقيق شخصية،ازددتُ دفعا للكرسي المتحرك بقدمي،وازدادت أنفاسي اضطرابا وأنا أنادي على زملائي بصوت متقطع مرهق .. ) {ص 276 - 290 }. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي -المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  3. #13

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    حول العالم على كرسي متحرك "13"
    ظل الأستاذ (القباني) يدفع كرسيه بحثا عن رفاقه ... (وفجأة رأيت حنان تقبل نحوي جريا وقد هالتها حالتي .. ولما وصلت إليّ أحاطتني بذراعيها وراحت تخفف من روعي بينما قال ولدنا إبراهيم الذي لحق بها : - الناس دول مجانين .. كل ما ندخل مركبه يرجعونا إلى مركبة ثانية .. حاجة تجنن ثم انطلق لإحضار الحقيبة وباقي الحاجيات بينما دفعت حنان الكرسي وهي تقول لاهثة : - تركنا محسن جالسا في الكابينة ذات الثمانية مقاعد. وقد احتجزنا فيها أربعة .. ولولا هذا لجلس عليها أي عدد من الركاب بلا مبالاة .. ولم أستطع أن أقول شيئا .. لأني لو تكلمت في تلك اللحظة،لانفلت زمام أعصابي ولعنت"الأخضرين"كما يقولون وإن كنت لا أعرف ماهما الأخضران .. وكل ما يكن يتردد على شفتي بلا وعي هما الكلمتان "الحمد لله .. الحمد لله" لقد أحسست فجأة كالذي كان يهوي إلى قاع البحر وهو يدرك أنه ميت ولا محالة،ثم إذا بيد تمتد وترتفع به إلى الحياة في آخر لحظة :واستقبلنا ولدنا محسن عند باب المركبة على مسافة بعيدة جدا عن المكان الذي تركت فيه بمفردي،ويبدو أن القطار كان مكونا من عشرات المركبات،وصعدت بمقعدي بسهولة،بعد أن تدرب ولدانا محسن وإبراهيم وحنان على هذه العملية،ومضيت إلى المقعد المخصص لي بالمقصورة،بجوار النافذة وكنت في حالة نفسية سيئة،فلم ألق التحية على الأربعة الأجانب الذين كانوا بالمقصورة :وألقيت برأسي إلى مسند المقعد وأغمضت عيني لأهدئ من توتر أعصابي واضطراب النبض في قلبي،ولم أشعر بتحرك القطار،فما كان يهمني عندئذ أن يتحرك أو يظل في مكانه إلى الصباح،ولما أضاء بعضهم المصباح الكهربائي الكبير للمقصورة طلبت في ضيق أن يطفئ المصباح ويكتفي بالآخر الساهر،وظل القطار منطلقا في قلب البلاد الأسبانية بعد أن ترك وراءه مدينة ملقا،وظللت أنا مسترخيا في مكاني،مسندا رأسي إلى ظهر المقعد المريح،منصتا بين الحين والآخر إلى الفتاة الوحيدة في المقصورة وهي تتحدث إلى الأجانب الآخرين،كانت تحدث أحدهم بالفرنسية،والآخر بالإنجليزية،وفتحت عيني ببطء لأرى هذه "الشيطانة"الصغيرة بعد أن عرفت من حديثها بالإنجليزية أنها مسافرة بمفردها من الدار البيضاء إلى مدريد ومنها إلى برشلونة - بمفردها؟ورأيتها،فتاة نحيلة الجسم جدا،ترتدي البنطلون – كما تفعل حنان أثناء السفر – وتكشف البلوزة عن صدر بارز العظام،فوقه عنق طويل معروق،ثم وجه مستطيل لا أثر فيه للجمال،وإن كان الشعر الناعم الطويل يضفي عليها ظلالا من الجاذبية.وتبينت من حديثها أنها لا تدري كيف ستتحمل ساعات الليل المملة إذا لم تجد من يتحدث إليها؟ وأنها من والد مغربي وأم أندلسية – كالمعتاد – وأنها ذاهبة لزيارة أقارب أمها في برشلونة،وأن والدها من كبار التجار في الدار البيضاء.وكان الشاب الذي تتحدث إليه بالفرنسية بعيدا عن مرمى نظري،ولكن الشاب الآخر الإنجليزي اللغة كان في مواجهتي،كان إنجليزيا لحما ودما كما يقولون،على جانب كبير من الوسامة. أشقر الرأس أزرق العينين كما تأكدت في الصباح،هادئ الوجه (..) هدأت نفسي تدريجيا،ويبدو أني استغرقت في النوم،لأني حين فتحت عيني لم أسمع شيئا غير زفيف القطار بحركته الرتيبة وهو ينطلق في قلب أسبانيا،وحاولت أن أرى شيئا من خلف زجاج النافذة،فلم أستطع .. ولكنني رأيت حنان راقدة في المقعد المواجه لي بعد أن ترك لها ولدانا محسن وإبراهيم مكانيهما وخرجا إلى ممر المركبة يتحدثان مع الركاب،أو يتلمسان مكانا آخر للنوم،والواقع أن محسن وإبراهيم كانا يعاملان حنان أكثر مما لو كانت أختا صغيرة ... فهما دائما يتركان مقعديهما لها حين ترغب في النوم،وإذا كانت المقصورة قاصرة علينا فقط،فإنهما أيضا يتركانها بضع ساعات حتى أستطيع أنا وحنان أن ننام مستريحين كل على مقعد كامل .. كالسرير ..(..) حين فتحت عيني على هذا المنظر في المقصورة .. أعني منظر حنان النائمة في راحة وعليها غطاء وضعه ولدنا إبراهيم،والإنجليزي عند قدميها نائم أيضا وهو جالس وقد أخذت رأسه تطوح من الأمام إلى الخلف وبالعكس،وفي مواجهته الشاب الآخر،الذي رأيته في ضوء المصباح الساهر،نحيفا معروق الوجه أسمر البشرة،مكوما على نفسه في ركن من المقعد وقد ألقى برأسه إلى المسند ونام فاتحا فمه،أما الفتاة فقد تكومت بيني وبينه بقدر ما تستطيع وعلى حذر شديد من أن لمس قدماها الصغيرتان جنبي بعد الذي رأته من خشونتي.وأقسم أني أشفقت عليها كما لو كانت حنان،وأقسم مرة أخرى أنه لو كان بمقدوري أن أترك لها بقية المقعد لما ترددت وكان عزائي أنها مستغرقة في النوم،وهذا هو المهم،فالنوم كما يقولون سلطان (..) وتململت حنان في رقدتها،ثم فتحت عينيها قليلا كأنما تحاول أن تتذكر أين هي،ثم نهضت جالسة وحيتني باسمة،فأحسست أن ضوء الشمس قد تجمع في المقصورة،وسألتني عن راحتي فأومأت برأسي أطمئنها،وعاد إبراهيم ومحسن باسمين قائلين أنهما عثرا على مقصورة خالية تماما فدخلاها وأغلقا الباب من الداخل وأسدلا الستائر وهات يا نوم. وصحا زملاؤنا في المقصورة،وفوجئت الفتاة بي وهي تراني أبتسم وألقي عليها تحية الصباح بالإنجليزية،وبدا واضحا من دهشتها أنها ظنت أني – بسبب حالتي الصحية – لا أعرف الابتسام .. ولكن الدهشة لم تلبث أن تركت مكانها لمزيد من السرور والغبطة حين أومأت برأسي لإبراهيم ومحسن،فأخرجا من حقيبة الطعام ألوانا من الفاكهة والحلوى والشطائر التي جهزت للإفطار (..) وأخذت الفتاة التي كان اسمها ناديا ترسل ضحكاتها سرورا بهذه"الصحبة"التي لم تكن تتوقعها أثناء الرحلة،وقد أدركت سر "جرأة"أهلها في تركها للسفر بمفردها،فلم يكن فيها مطمع لشاب أو رجل عجوز،كانت ممصوصة كعود جاف،ولولا خفة ظلها وعيناها الواسعتان المعبرتان لما اهتم أحد بمجرد الحديث معها .. وأخبرنا الشاب الآخر الأسمر،النحيف أيضا،أنه يدعى عبد الحميد وأنه مغربي من تطوان في طريقه إلى صديق له في باريس،وكان شابا وديعا جدا،هادئ السمت،قليل الحديث،يتحدث الفرنسية بطلاقة والعربية الفصحى بدرجة مفهومة.وكان هذا الشاب هو المعجزة التي تمنيت أن نلتقي بها في طريقنا إلى باريس،ولم يكن من الصعب على ولدنا محسن أن يعقد معه صداقة قوية جعلت الشاب هو الذي يلتصق بنا وكأنه أحوج إلينا منا إليه؟(..) وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة والنصف والقطار يخترق مناطق سهلية أو أرضا زراعية أو وديانا،والقرى تبدو بين الحين والآخر من بعيد أو قريب،مجموعات من المنازل الصغيرة البيضاء ذات أسقف منحدرة من الآجر. وفي الحادية عشرة والنصف وصل القطار إلى محطة القطار في الجنوب،وهبطنا وودعنا ناديا والشاب الإنجليزي،وصحبنا الشاب عبد الحميد حيث عبرنا المحطة من الداخل لنحصل على سيارة مأجورة،تحملنا إلى محطة الشمال (..) وانطلقت السيارة بنا في شوارع مدريد،شوارع واسعة،وضيقة،صاعدة ومنحدرة،والمحلات على الجانبين،والناس قليلون جدا،ومعظم المحلات مغلقة،وحركة مرور السيارات عادية،وكل ما كان يدور في ذهني وأنا في شوارع مدريد بسيارة،أني حاولت أن أضخم في نفسي هذا الإحساس .. مدريد .. وشوارع مدريد .. كل شيء تقع عليه عيني سيبقى بعد ساعات أو بعد لمحة العين على الأصح ذكرى ,, حتى الميادين وأطراف الشوارع لاحظت أنها مرصوفة ببلاط بازلتي صغير في دوائر وأشباه دوائر ذات أشكال هندسية جميلة،والبيوت بعضها – بشرفات صغيرة وبعضها بلا شرفات،نوافذ فقط،كلها تقريبا ذات اللون الوردي (..) وأودعنا حقيبتنا الكبيرة مكتب الأمانات،واحتفظنا بحقيبة الأكل والمشروبات والضروريات وغادرنا المحطة بعد أن تمت التأشيرات على الجوازات في لحظات ..وكان في برنامجي أن أحاول الاتصال بكاتبة أسبانية تسمى أنا ماريا ماتيوت،ترجمت لها في القاهرة قصة بعنوان "القط"وكانت من أجمل وأروع ما قرأت وترجمت من قصص عالمية (..) وكان محسن قد طمأنني أنها تحسن الحديث بالإنجليزية .. ورفعت السماعة إلى أذني وقلت بصوت مختلج شديد الاضطراب : - سنيورة أنا ماريا ماتيوت؟ فقالت بالفرنسية : - نعم .. من المتحدث؟فقلت : - أرجو أن تحدثيني بإنجليزية،إنني أديب مصري قرأ لك وأعجب بك وترجم من قصصك قصة "القط"التي نشرت بمجلة شورت ستوري أنترناشونال.ومرت برهة صمت قالت بعدها الكاتبة بصوت ضاحك : - آه .. نعم .. نعم .. شكرا .. هل أعجبتك إلى هذا الحد؟ - إنها أعجبت جميع القراء في مصر،وهي في رأيي من أعظم ما قرأت على كثرة ما قرأت من قصص في أدب العالم .. - إنني سعيدة بهذا الإعجاب .. - وإني أكون أسعد لو سمح وقتك لمقابلة سريعة،فإني سأغادر مدريد في قطار التاسعة مساء إلى هانداي،ثم باريس .. ثم ذكرت لها حالتي الصحية التي لولاها لذهبت إلى لقائها في بيتها - من حسن حظي أنني عدلت عن الخروج في آخر لحظة .. سأكون عندك في أقل من نصف ساعة (..) وجلست أنتظر متوتر الأعصاب،وفجأة وقفت سيارة بجوار رصيف المشرب،وهبطت منها سيدة،آية في الأناقة والجمال،وقد بلغ من جمالها وأناقتها أنك لا تستطيع أن تحدد لها سنا (..) وجلست حاسرة الثوب الميني جيب عن ساقين جميلتين جدا. وأعترف أنني كنت أتأملهما بإمعان وأنا لا أصدق أن هذه الآنسة الجميلة الأنيقة هي كاتبة قصة"القط"التي تصور أجمل وأدق تصوير عن"ضياع الناس البسطاء المسالمين في عالم وحشي لا يرحم"؟ (..) أعتقد أنك طلبت مقابلتي لسبب أهم من مجرد التعبير عن إعجابك بقصيي؟فأومأت قائلا : - هذه هي الحقيقة .. كنت أتمنى لو طالت إقامتي هنا أياما حتى أستطيع أن ألتقي بأكبر عدد ممكن من الكتاب والأدباء ورجال الصحافة لأعرض عليهم وجهة نظر بلادي في المعركة الدائرة بيننا وبين الصهيونية العالمية.فبدا الاهتمام على وجهها وقالت : - إنني شخصيا أعرف أن اليهود يريدون أن يستقروا في وطنهم القومي بفلسطين ولكنكم تعارضون بالحديد والنار .. وعندئذ اندفعت أحدثها عن تاريخ اليهود في فلسطين،مدعما حديثي بمراجع تاريخية لترجع إليها إذا شاءت .. وقد بينت لها أو أثبت لها أن مجموع السنوات التي عاشها اليهود كشعب في فترات متفرقة منذ أن هاجر الخليل إبراهيم {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام} من جنوبي العراق إلى أرض كنعان"فلسطين"عام 1800 ق . م لا يزيد عن 400 عام،موزعة كالآتي :150 سنة عاشها اليهود في فلسطين في عهد إبراهيم وإسحاق ويعقوب{عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام} الذي أنجب الأسباط الاثني عشر أي من عام 1800 ق. م إلى عام 1650 ق. م. وفي عام 1650 ق . م نزح يعقوب{عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام} وأولاده وعشيرته إلى مصر بسبب ما أصاب فلسطين من قحط شديد. ثم خرجوا من مصر في عهد منفتاح بن رعمسيس عام 1290 ق. م وظلوا في التيه أربعين سنة مات خلالها موسى وأخوه هارون {عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام}،ثم دخلوا فلسطين بقيادة يوشع بن نون.ومن عام 1130 إلى عام 1020 ق. م "أي حوالي 110 سنة"كانت الحروب قائمة بين أسباط بني إسرائيل وبين سكان فلسطين الأصليين،أي أنهم لم يعرفوا الاستقرار أو السيادة طوال هذه المدة .ومن عام 1020 إلى عام 1000 ق. م توالت هزائم اليهود بقيادة طالوت أمام الفلسطينيين بقيادة جالوت حتى ظهر النبي داوود عام 1000 ق. م وهزم جالوت بمعجزة لا شأن لبني إسرائيل بها.ويمكن القول أن الإسرائيليين عاشوا في حالة استقرار أربعين سنة هي مدة حكم النبي داوود {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام} – الذي اتخذ من أورشليم عاصمة مملكة صغيرة أقام فيها سبطان فقط : سبط بن يامين،وسبط يهوذا الذي سمي اليهود باسمه بعد ذلك. أما الأسباط الأخرى فقد أقاموا في الشمال مملكة إسرائيل ,, ومن عام 960 إلى عام 935 ق . م كان عهد الملك سليمان {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام} الذي أقام هيكلا لا يزيد حجمه عن "قصر" صغير،وهو ما يسميه اليهود مهللين "هيكل سليمان" وبعد سليمان اشتبك اليهود في الجنوب مع الإسرائيليين في الشمال في حروب متصلة حتى خضعت المملكتان لنفوذ نجلا نيلز مؤسس الدولة الآشورية حتى عام 721 ق. م حين تمرد الإسرائيليون على مملكة آشور. فهاجمهم شليم نصّر وانتصر عليهم وقتل قائدهم هوشيع وأسر منهم 27 ألفا .. وظل اليهود أو بنو إسرائيل يتمردون وينهزمون حتى سقطت أورشليم في يد نبوخذ نصّر في عام 597 ق . م فدمر الهيكل تماما وانتهت إلى الأبد سيطرة اليهود على فلسطين وعاشوا فيها أقلية مسحوقة خاضعة للفرس .. ثم للإسكندر وخلفائه.وقد حاولوا التمرد أكثر من مرة،ولكنهم في كل مرة كانوا ينهزمون ويشردون،وكانت آخر محاولة للعصيان في عام 132 – 135 ق . م على يد زعيم منهم يسمى يركوشيا،ولكن الإمبراطور هادريان هزمه وقتله ودمر الهيكل تماما مرة أخرى وجعل القدس مستعمرة رومانية بعد أن شرد اليهود الذين كانوا فيها. ويؤكد المؤرخ توينبي أن اليهود لم تقم لهم قائمة منذ ذلك الحين إلا كأقلية في أية دولة ..ولما استولى العرب على القدس في عهد عمر بن الخطاب {رضي الله عنه} عام 635م اشترط المسيحيون عليه إلا يسمح لليهود بالإقامة فيها أبدا. ويقول البروفيسور ميلر روز أستاذ الدراسات التوراتية في جامعة بيل بأميركا في كتابه "إسرائيل جريمتنا"أن صلة الأمة العربية بفلسطين هي صلة حقيقية مباشرة أقوى بكثير جدا من صلة بني إسرائيل بأرض كنعان (..) وقال المؤرخ المعروف فرانك ساكران في كتاب له "إذا كان لليهود حق في فلسطين لأنهم عاشوا في جزء منها كشعب مدة 400 سنة على فترات متفرقة،فإن للمكسيكيين الحق في استرداد – كاليفورنيا،وأن يكون لأسبانيا الحق في المطالبة بالمكسيك التي حكمتها أكثر من 400 سنة،وأن يكون للإنجليز الحق في استرداد الهند لأنها حكمتها أكثر من 400 سنة وأن يكون للعرب الحق في استرداد أسبانيا الأندلس لأنهم استوطنوها أكثر من سبعمائة وخمسين سنة .. وضحكت الكاتبة أنا ماريا ماتيوت قائلة : - المكسيك تسترد كاليفورينا .. وأسبانيا تسترد المكسيك .. والعرب يستردون أسبانيا مع المكسيك وكاليفورينا ؟! - هذا هو المنطق الذي يتعامل به الصهيونيون هنا في هذا القرن ...وهزت الكاتبة رأسها وقالت : غير معقول ... غير معقول إطلاقا .. وهنا سردت عليها جرائم الإسرائيليين مع المدنيين العرب كما أثبتها المراسلون الأجانب للصحف العالمية . (..) وأخيرا قالت : - هذا لم يحدث حتى في عهود التفتيش في بلادنا هذه .. وهي عهود يضرب في قسوتها المثل .. وقلت :إنني سأقدم إليك هذا السجل من القصاصات،وسأسلمك أيضا مجموعة من الدراسات باللغة الإنجليزية كلها مدعمة بالأسانيد التاريخية،وكل رجائي أن تتحدثي عن عدالة قضيتنا بين إخوانك وزملائك من الكتاب والأدباء .. فقالت بحماس :يسعدني جدا أن أفعل هذا .. فليس أحب إلى الإنسان من المساهمة في الوقوف إلى جانب قضية عادلة .. وقدمت إليها دراسات عن القضية الفلسطينية،ووضعت الكاتبة هذه الدراسات،وسجل القصاصات في حقيبة يدها الكبيرة بعناية،وقالت : - أرجو أن تسمحوا لي باستضافتكم لتناول الغداء معي .. وكنت أتوقع هذه الدعوة،ولهذا قلت بسرعة مشيرا إلى الزميل عبد الحميد :لولا أننا وعدنا صديقنا المغربي بتناول الغداء معه،لقبلنا دعوتك شاكرين جدا .. (..) وبعد أن ركبت سيارتها ولوحت بيدها مودعة،نظرت في ساعة يدي فإذا بها الواحدة بعد الظهر. أي أننا لم نستغرق غير ساعتين منذ وصولنا إلى محطة الجنوب،وفي خلال هاتين الساعتين شعرت أني قمت بعمل كان يحتاج إلى أسبوعين ..) {ص 290 - 303 }. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي -المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  4. #14

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    حول العالم على كرسي متحرك "14"
    وبعد جولة في حديقة بمدريد،وتناول الطعام فيها ... (كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة حين عدنا إلى المحطة لنتخذ الإجراءات اللازمة قبل ركوب القطار،وهنا – أعترف – أني عثرت على (جو) أسباني لأول مرة في الرحلة،كانت فتاة في نحو الثلاثين من عمرها،وكانت مع أمها تشتري الحلوى من نفس المخبز الذي اشترينا منه،وفي أثناء انشغال الأم بالشراء،تبادلت معها النظرات وابتسمت .. وابتسمت .. وطلبت من الله أن تتأخر حنان ومحسن في عملية الشراء بالداخل بعض الوقت. وكان إبراهيم وعبد الحميد واقفين يتفرجان على الفطائر المعروضة،ولما أوشكت الفتاة أن تغادر المحل،أومأت برأسها إليّ مودعة،وظللت ملتفتا إليها وهي تبتعد تدريجيا .. ونظرت خلفها ثلاث مرات .. باسمة .. وظننت أن هذه المغامرة "الخفافي"قد انتهت عند هذا الحد – ولكنني فوجئت بنفس الفتاة واقفة مع أبيها في كشك فاخر ببهو المحطة الداخلي،واقفة تساعد في البيع بعد أن تكاثر الركاب،وكان الكشك يبيع الصحف والمجلات وبطاقات السياحة الملونة فضلا عن ألوان من الحلوى والشيكولاته والسجائر ..أما الأم فقد جلست بالقرب من الكشك .. وجلست أنا بطبيعة الحال في أقرب مكان من "الجو"وظللنا مدى نصف ساعة ونحن نتبادل النجوى بالنظرات والابتسامات – من وراء ظهر الأب والأم .. والزملاء الذين سيفاجئون بقراءة هذا الآن ... وكانت الفتاة أو "السيدة"جميلة والشهادة لله .. طويلة القوام،ممتلئة الجسم إلى حد ما،وردية الوجه،سوداء العينين،(؟؟) ولم أكن "مغرورا"حين ذكرت أن هذا"الجو"أراد أن "يلاغيني"فإنها لم تكن في العشرين من العمر،وإنما كانت بين الثلاثين والخامسة والثلاثين،أي السن التي تفضل فيها المرأة الرجل"المستوي".ولما بدأنا الاستعداد لركوب القطار،رأيت الفتاة تسرع نحوي،غير مبالية بوالديها،وتقدم يدها مصافحة بحرارة وتقول عبارة لم أفهم منها شيئا أكثر من كلمة "سنيور" ولكنني أومأت إليها وقد أحسست بالنار تكتسح وجهي،وقالت حنان ونحن نمضي إلى مركبة الدرجة الثانية : - والله عال يا سي بابا ... دي البنت الأسبانية كانت ... وضاعت كلماتها في صفير القطار .. ولكنني لا زلت أذكر حتى اليوم،ولا أظن أني سأنسى،عيني الفتاة أو السيدة – السوداوين وهي تنظر إلي .. لقد خيل إلي أني رأيت في أعماقهما عالما بعيدا ... بعيدا لا نهاية له ... وتحرك القطار وأنا تائه في هذا العالم البعيد .. (..) لم يكن بالمقصورة غيرنا ونحن في الطريق إلى هانداي على الحدود الفرنسية الأسبانية ومن ثمة كانت الرحلة مريحة نسبيا إذا كان من الممكن أن يجد الإنسان راحة في النوم جالسا أو نصف راقد على زفيف القطار وحركته الرتيبة (..) ووصل القطار متأخرا ساعة ونصف ساعة عن موعده،أي وصل في التاسعة والربع تماما،وما إن بدأنا نهبط في محطة هانداي حتى رأينا قطارا آخر ينطلق من الرصيف المقابل،وسمعنا الزميل عبد الحميد يقول بدهشة :- لقد تحرك قطار باريس .. ونظر بعضنا إلى بعض ما معنى هذا؟ لقد تعودنا أن نجد القطار الذي سيقلنا إلى المرحلة التالية واقفا في الانتظار مهما تأخر قطارنا عن موعده. وأسرع عبد الحميد يسأل موظفا فرنسيا بالمحطة،وجاء يحمل الإجابة: - علينا استقلال قطار الثانية والنصف بعد الظهر. - ومتى يصل هذا القطار الثاني إلى باريس ؟ - في العاشرة والنصف تقريبا. وقلت لإبراهيم ومحسن :- لكن برقيتنا لمكتب الجامعة العربية تقول أننا سنصل إلى محطة استرلنز في الخامسة بعد الظهر :وقالت حنان : - نرسل برقية الآن للمكتب .. ومع ذلك فإن الذي سيأتي لاستقبالنا في الخامسة سوف يعرف أن هناك قطارا آخر سيصل في العاشرة والنصف .. وأحسست بالضيق الشديد .. ماذا لو كان موظف المكتب الذي سيكون في استقبالنا في الخامسة مساء يرفض العودة في العاشرة؟ ولكن هل يمكن هذا؟ هل يمكن ألا نجد أحدا في استقبالنا بعد أن تأكد لدينا أن إدارة الإعلام بالجامعة في القاهرة أرسلت إلى مكتبها في روما وباريس لاستقبالنا وتقديم كافة التسهيلات لنا ... بهذا المنطق تحررت من الشعور بالضيق .. ولم تستغرق إجراءات التأشيرات على جوازات السفر غير دقائق خرجنا بعدها إلى هانداي،أول مدينة فرنسية أراها في حياتي.الجو كان ممتعا رغم البرودة البسيطة التي كانت تشع فيه،الشارع الممتد أمام المحطة بالعرض،يمينا ويسارا،عريض نظيف تقوم المساكن على جانبيه في تناسق وهندسة معمارية تستريح لها العين،السيارات الفرنسية الحديثة الأنيقة تملأ الفناء الداخلي للمحطة،رينو وبيجو وستروين وغيرها كثير .. كلها جديدة وكلها من أحدث طراز،النساء جميلات،كلهن جميلات،حتى العجائز،ويبدو أن كلمة "عجوز"بدت تتلاشى من قاموس المرأة،بالرموش الصناعية،والباروكات التي أصبحت تستعمل كالقبعات قديما،وألوان النظرية {هكذا} والعطور الباريسية،والملابس التي تكشف أكثر مما تخفي،والحيوية،والإقبال على الحياة،والضحك،والحركة السريعة،كل هذا لم يجعل لكلمة "عجوز"مكانا فيما كان يجري أمامي.وتناولنا الإفطار في كافتريا المحطة،وكان لها بابان أحدهما على المحطة والآخر على الشارع،ولم يكن الإفطار يتجاوز الشاي وقطعة كرواسو وزبد ومربى "إفطار دولي" كما عرفت بعد ذلك (..) وعدنا إلى الرصيف لنجد القطار الذي سيقلنا إلى باريس في انتظار"تشريفنا"له بالركوب،وصعد إبراهيم ومحسن لحجز الأماكن الملائمة لنا بجوار مدخل المركبة كالمعتاد،ثم صعدنا جميعا ليتحرك بنا القطار إلى باريس في الثانية والنصف بعد الظهر. كان ثمة إحساس غامض بالقلق يفرش قلبي والقطار ينهب الأرض إلى باريس،إلى المدينة التي طالما قرأت عن دورها العجيب (..) دورها في انبثاق أول ثورة دموية قامت على الظلم الطبقي،ودورها في نشر العلم،ثم دورها كعاصمة لدولة استعمارية،وأخيرا دورها كعاصمة لدولة تؤيد السلام في كل مكان .. ما أكثر ما قرأت عن باريس في الروايات التاريخية،وما أوسع ما تخيلت عن قصور ملوكها وأمرائها ونبلائها،وما كان يجري داخل هذه القصور من حفلات البذخ والترف التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا،ومن مؤامرات وخيانات وتكتلات ومناورات سياسية،حتى انتهى هذا كله إلى تلك الثورة الدموية التي أكلت أبناءها مع أعدائها. وما أكثر ما سمعت من أصحابي عن شوارع الشانزلزيه،وسان أونريه،وكنيسة مادلين، ومونمارتر و مونبارناس والأوبرا والكونكورد وحي سان جرمان وبرج إيفل،وحدائق فرساس وغابة بولوني،ونهر السين (..) هل سأرى هذا كله بعد ساعات؟ إذن لماذا هذا القلق الغامض؟ ليكن ما يكون بعد أن أعيش ولو ساعات في كل هذه الأحلام التي ستغدو حقائق ملموسة.يكفي أن يجري بي مقعدي المتحرك في شارع الشانزليزيه،في ميدان الكونكورد حيث تقوم المسلة المصرية الرائعة؟ في حدائق التويلري في دهاليز أبهاء قصر اللوفر،يكفي هذا،وليكن بعد ذلك ما يكون؟؟ - دير لنا شاي يا إبراهيم .. وضحك إبراهيم وأنا أتحدث باللهجة الليبية .. وقال : - باهي .. ولكن لنأكل أولا .. وقال محسن بالمغربية : - مزيان .. وقالت حنان وهي تلوي لسانها لتكون مثل بنت باريس :- تري بيان وانحسر القلق الغامض عن نفسي وتنالونا غداء شهيا نصفه تفاح وبقيته الفطائر الأسبانية وشربنا الشاي (..) وظلت المناظر الرائعة تتوالي،حقول إلى غاية البصر،غابات من أشجار الحور والبان،أميالا بعد أميال،مصايف متناثرة على خليج بسكاي،حدائق ومخيمات،البيوت القروية النظيفة المنسقة وكأنها لوحات ملونة،تتوسطه قطع من لخضرة الناضرة (..) كان كل شبر من الأراضي التي يخترقها القطار منزرعا،مثمرا،لم أر قطعة أرض في مساحة شبر مهملة،أو متروكة أو بورا؟ وكان طبيعيا أن أعقد المقارنة،هنا شعب عرف كيف يستفيد من كل شبر في أرض بلاده زراعيا وصناعيا ولم يكتف بذلك وإنما مد أياديه المسلحة ليستغل أراضي غيره من شعوب أخرى،ثم يتركها بورا .. لقد تذكرت الأرض الهائلة في تونس والجزائر والمغرب التي تصلح للزراعة ولكنها متروكة مهملة بائرة (..) دير لنا قهوة يا إبراهيم حتى نصحصح .. ودار لنا إبراهيم ومحسن القهوة التي شربناها باللبن مع قليل من الفاكهة واللوز (..) وقيل لنا أننا نقترب من ضواحي باريس،ووصلنا إلى الضواحي،وأخذت أمد عيني لأرى أضواء باريس من بعيد،لاشك أننا سنطرف بأعيننا من فرط سطوع هذه الأضواء حين يصل القطار إلى باريس،إن محطة السكة الحديدية في قلب المدينة كما سمعت،وأن استرلنز واحدة من أربع محطات على ما أذكر في داخل المدينة،أي لابد أن يخترق القطار قلب المدينة،أو جانبا منها على الأقل،ليصل إلى المحطة،وظللت أبحلق منتظرا مهرجان الأضواء والأنوار الباريسية،ولكنني لم أر إلا أعمدة النور العادي تجري تباعا من ورائها ستائر من الظلام الدامس،وفجأة بدأ القطار يهدئ من سرعته ثم يدخل فيما يشبه النفق،ثم يتوقف في ممر طويل مسقوف .. وشعرنا بالبرد الشديد حين فتحت أبواب المركبات وبدأ الركاب في الهبوط،وما كدنا نخرج من القطار إلى الرصيف حتى ارتدعت بشدة من فرط البرد،الساعة حقا العاشرة والنصف مساء،والمحطة نصف مضاءة أو نصف مظلمة،وسرنا مع السائرين إلى باب الخروج لأنه لم يكن في وسعنا أن نفعل غير هذا،وقدمنا التذاكر وجوازات السفر إلى الموظفين الواقفين بالباب،ثم تجاوزناه إلى بهو واسع جدا لم أستطع أن أرى له حدودا بسبب الظلام المنتشر الذي لم يكن يخفف منه إلا بعض المصابيح الخافتة المتناثرة هنا وهناك .. - إلى أين يا إبراهيم؟ وقال إبراهيم بصوت خاف :- علمي علمك .. - عبد الحميد يا خويا .. أين نحن ذاهبون؟ - سترى بعد قليل .. وكنت أتوقع في أية لحظة أن أسمع من ينادي علينا،أو أن يدوي الميكروفون طالبا من "المسيو هوسين كاباني"مقابلة مندوب مكتب الجامعة العربية في قاعة الاستقبال،وكنت قد طلبت من الزميل المغربي أن يفتح آذانه لمثل هذا النداء .. ولكننا لم نسمع صوتا لا في الميكرفون أو غيره بل الشهادة لله،سمعنا الميكرفون ينادي بعض الأسماء،ويلقي بعض العبارات التي قال عبد الحميد أنها لا تخصنا في شيء،وفيما نحن نتحسس طريقنا خشية أن يسقط مقعدي المتحرك في فجوة أو في طوار{هكذا} مرتفع،إذا نحن نجد أنفسنا بجوار باب واسع يؤدي إلى قاعة الانتظار .. وتنهدنا في ارتياح ونحن ندخل القاعة،ووجدنا بعض الأشخاص جالسين هنا وهناك على المقاعد الخشبية الصلبة،ولكن البرد كان أكثر مما نحتمل،وقلت لإبراهيم وأنا أرتعد وأنظر إلى الحقيبة الكبيرة التي كانت معنا : - ألا نجد في هذه الحقيبة بعض الملابس الإضافية؟ فهز إبراهيم رأسه وقال وهو يفتحها :- لا أظن .. ربما نجد فيها بعض الملابس الداخلية فقط .. وأحسست لأول مرة طوال الرحلة أني أواجه خطرا حقيقيا ربما يقضي على حياتي،لقد كانت البرودة أشد من برودة شهر يناير في بلادنا،رغم أننا كنا في السابع عشر من أغسطس،أي كانت حوالي العشر درجات فوق الصفر،وكان الهواء البارد جدا ينساب لاذعا من جميع الجهات في القاعة الكبيرة،بل لاحظت أن بعض الأجانب،فرنسيين أو غير فرنسيين،كانوا يرتعدون وهم ملتصقون بعضهم ببعض.وهتفنا في ارتياح حين فتحنا الحقيبة ووجدنا بها : بالطو أبيض من الصوف الفاخر من ملابس حنان الخارجية فاختطفته وارتدته بسرعة وهي تقول "الحمد لله.. سلمت يد من وضع هذا البالطو هنا" ووجدنا جاكيت من الجلد الشمواه كنت اشتريته من سوق المشير في طرابلس،وسعدت به وأنا أرتديه فوق القميص الصيفي الذي كان"كالثلج"فوقي .. ووجد محسن الفهلاو جاكيت من الجلد الأسود المبطن بالصوف .. ووجد ولدنا إبراهيم بلوفرات صوفية ارتدي منها اثنين وشعر بالدفء المعقول . - هذه نفحة من رعاية الله لنا .. هل كان منكم من يعلم بوجود هذه الملابس في هذه الحقيبة.وهز إبراهيم رأسه وقال : - الحقيقة أنا وضعت هذه الملابس .. ولكنني كنت أظن أنني وضعتها في حقيبة أخرى من الحقائب التي شحناها إلى باريس وجلسنا ننتظر ... ننتظر ماذا أو من؟ ) {ص 306 - 319}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي -المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  5. #15

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    حول العالم على كرسي متحرك "15"
    وجلس الأستاذ(القباني) ورفاقه ينتظرون .. (ننتظر ماذا أو من؟ربما تحدث معجزة أخرى كمعجزة الملابس ونفاجأ برؤية مندوب مكتب الجامعة يقترب منا،ويحيينا باسما،ويرحب بنا .. ثم يحملنا إلى حديث الدفء والراحة .. والبلبطة في الماء الساخن،ومضت الدقائق وهذا الحلم يمضي معها،يتلاشى تدريجيا. وحاولت أن أتسلى بالنظر فيما يجري حولي،لا شيء كثير،فتاة يبدو أنها كانت تتوقع أن تجد أحدا في انتظارها،فلما لم تجده استبدت بها حالة عصبية وراحت تبكي،وانتهز الفرصة شاب فراح يهدئ من روعها،ويسير بجانبها ذهابا وإيابا داخل القاعة،ثم توقف معها أمام التلفون ويتحدث نيابة عنها،وشيئا فشيئا بدأت الفتاة تهدأ،ثم تستكين،ثم تجلس بجانبه على مقعد مستطيل ثم (؟؟؟) ؟(..) ولم يعد في القاعة أحد غيرنا وغير شابين من الجنود،ورجل عجوز رث الهيئة كان ينام على مقعد مستطيل أمامنا،وتعلقت عيناي بهذا الرجل،فطالما هو نائم،فنحن هنا في مأمن رغم البرودة الشديدة القارسة،إن القاعة أفضل من الشارع على كل حال،وكان الزميل عبد الحميد قد اتصل ببيوت الشباب – وكنا جميعا مشتركين بها- فلم يجد مكانا خاليا في واحد منها(..) وكان إبراهيم ومحسن قد خرجا يبحثان عن شيء ينقذنا من هذا الموقف(..) وعاد إبراهيم ومحسن ونظرت إليهما في أمل،وقال محسن بوجه مكتئب : - توجد قاعة أخرى للانتظار مكيفة الهواء،دافئة .. تحت .. في الدور الذي يقع تحت المحطة .. فقلت بسرعة : - هلم إليها،إننا لو بقينا هنا ساعة أخرى فسوف نموت حتما ... وحملنا حاجياتنا إلى السلم المتحرك الذي يفضي إلى أبهاء المحطة التحتية. ولكنني خشيت أن أستعمله بمقعدي المتحرك،وآثرت أن أهبط الدرجات بمساعدة حنان ومحسن وإبراهيم والزميل المغربي. وهبطنا نحو عشرين درجة،وسرنا في دهليز لنهبط نحو عشر درجات أخرى،ثم انعطفنا إلى ممر طويل أنيق دافئ،كل شيء فيه يلمع،الأبواب الزجاجية والجدران،والأرضية،وكل شيء .. ووصلنا إلى غرفة ذات باب زجاجي ضخم،الغرفة صغيرة نسبيا مقاعدها من الجلد الفاخر التي يمكن أن يصنع كل مقعدين ما يشبه السرير،وشعرت بالارتياح الشديد وقلت في نفسي أننا لن نجد مكانا مثل هذا نقضي فيه ليلتنا حتى الصباح .. وكان عبد الحميد يمضي معنا كأنه واحد منا،بنفس الهدوء والاستسلام وضبط الأعصاب. ولم يكن بالغرفة غير شاب نائم في جلسته،وسيدة جالسة بجوار زوجها النائم على مقعدين واثنين من الجنود يتحدثان في همس .. وذهب إبراهيم ليعود بالحقيبة الكبيرة التي تركناها في القاعة العليا،ولما وصل إلينا رأيته متجهم الوجه : - مالك يا إبراهيم ؟ - قال أحد الحراس أن جميع غرف المحطة ستغلق في منتصف الليل تماما ... لن يستطيع أحد أن يزحزحني من هذا المكان ولو بالشرطة .. ولكن الكلام شيء،والتنفيذ شيء آخر،فما إن بلغت الساعة منتصف الليل،حتى رأينا ثلاثة من الحرس يقبلون لإغلاق الباب،ونهض زملاؤنا في الغرفة ليغادروا بهدوء،ويبدو أنهم كانوا من ركاب القطار الذي سيتحرك في الثانية عشر والنصف،ولم يسعنا إلى أن نخرج .. تماما كما خرج آدم وحواء من الجنة .. وعدنا إلى القاعة العليا فوجدناها مغلقة الأبواب،ولم يسعنا إلى أن نخرج إلى الرصيف لأن الأوامر اقتضت هذا .. لابد من إغلاق باب المحطة الخارجي أيضا .. هذه إن باريس .. يا للهول!! ويا للكراهية التي شعرت بها نحوها وأنا جالس على مقعدي المتحرك فوق رصيف شارع واسع في منطقة هادئة تماما .. حتى السيارات المأجورة لم يكون لها أثر،لا شيء .. لا آدميون ولا عفاريت !!ولمحت ضوءا في الجانب المقابل،ضوء مشرب أو مقهى ينساب من باب زجاجي،وأسرع إبراهيم وعبد الحميد إليه،ثم عادا ليقول إبراهيم : - إنها قهوة صغيرة .. ولكن العمال كانوا يكنسونها ليغلقونها.وللمرة الأولى أحسست بخطر مسؤوليتي عن زملائي هؤلاء الأربعة. أنا الذي دفعت إلى الرحلة،وأنا المسؤول عن هذا الوضع الذي انتهينا إليه.(..) ماذا نفعل؟لا شيء .. لم يكن أمامنا ما نفعله .. أربعة رجال وفتاة على رصيف الشارع بعد منتصف الليل في باريس،في جو بارد شديد البرودة،فقد تلاشت كمية الدفء التي اكتسبناها في الغرفة المكيفة بمجرد خروجنا إلى الشارع،كانت أسناننا تصطك،وأطرافنا ترتعد،ولولا الملابس التي عثرنا عليها – مصادفة{!!!!} – في الحقيبة لفقدت وعيي ولاسيما وأنا أعاني طبيعيا من هبوط في الضغط .. ورأينا من بعيد سيارة مأجورة،وأشرنا إليها بالتوقف ووقفت. وذهب عبد الحميد ليتحدث مع السائق .. وعاد يقول : - إن السائق لا يحمل غير ثلاثة منا. وهو لا يعرف مكانا خاليا في أي فندق،إلا في مونبارناس .. - ليكن .. اذهب واطلب منه أن يحملنا على دفعتين .. واسأله عن أجر الإقامة في الفندق.وعاد عبد الحميد ليقول : - أجرة السيارة في المشوار الواحد إلى مونبارناس ستين فرنك .. وأجر مبيت الشخص الواحد خمسين فرنكا في الليلة الواحدة .. وتبادلنا النظرات .. إن ما معنا أقل كثيرا مما هو مطلوب،ويبدو أن سائق السيارة لم يعجبه ترددنا فانطلق لا يلوي على شيء .. (..) واتجه إبراهيم يمينا واتجه عبد الحميد يسارا (..) ولم يلبث أن عاد إبراهيم قائلا :رأيت وراء مبنى المحطة مكانا يمكننا أن نقضي فيه الساعات الباقية على الصباح. وكالغريق الذي يتعلق بقشة أسرعنا إلى ما وراء المحطة عبر شارع هادئ لم نر فيه مخلوقا،حتى لو كان رجل شرطة. (..) ووصلنا إلى الجانب الخلفي من المحطة،أو لعله الجانب الأمامي،فأنا لم أعد أعرف أين الحقيقة في تلك الساعات،ورأينا ركنا صغيرا يمتد على طول باب زجاجي مغلق،ولكننا وجدنا في الوقت نفسه الهواء البارد يضرب فيه بعنف جعلنا نهرب منه بسرعة لنبحث عن مكان آخر،ورأينا بابا مفتوحا فاستبشرنا خيرا،ودخلنا من الباب لنجد درجات صاعدة جرى فيها ولدنا إبراهيم بسرعة ليرى إلى أين تنتهي،ثم عاد وقال أنها تؤدي إلى محطة المترو العلوي – وكنا أثناء سيرنا حول المحطة قد رأينا شريط المترو العلوي القائم على دعائم من الخرسانة الضخمة. ونظرنا حلونا،ووجدنا المكان مثل غرفة صغيرة يمكن أن تتسع لنا إذا أغلقنا الباب علينا أمكننا أن نجو من الهواء اللاذع،ولكنها فرحة أخرى لم تتم،فما لبثنا أن رأينا حارسا نصف مخمور يهبط غاضبا ممسكا بهراوة وقد حسبنا جماعة من صعاليك باريس المخمورين يريدون أن يبيتوا في المكان،ولم ننتظر حتى نشتبك معه في معركة،فالأمر لا يستحق،وغادرنا المرفأ لنبحث عن مكان آخر يصلح إلى حد ما – لقضاء الليل. (..) ووصلنا إلى دهليز مفتوح على الشارع خلف المحطة،دهليز له درجات صاعدة جلس عليها جماعة،رجل وسيدة وفتاتان،أسرة (..) ورأينا أيضا خمسة من الهيبز،فتاتان وثلاث شبان جلسوا بجوار عمود خرساني في البهو يتحدثون همسا،وفي الجانب الآخر ذلك الصعلوك السكير الذي رأيته في قاعة الانتظار بالمحطة،وبدا بوضوح أن هذا هو أنسب مكان لقضاء الساعات الباقية على الصباح،فلاشك أن مثل هذا الرجل خبير في الأماكن المناسبة ليقضي صعاليك الليل لياليهم .. ونظرت في البهو،ورأيت مكانا مستورا من ثلاث جهات،والجهة الرابعة مواجهة للبهو نفسه لا للشارع،أي مكان نموذجي في مثل هذه الظروف،ولكنه كان مزدحما بهذه العربات الصغيرة التي يستعملها الحمالون في نقل الحقائب من القطار إلى أرصفة المحطة وبالعكس،وكان ثمة سلسلة حديدية تمتد على طول المكان كأنما تقول "ممنوع الدخول"ولكنني لم أهتم بالأمر وطلبت من إبراهيم ومحسن أن يرفعا جانبا من السلسلة وأن يفسحا لنا مكانا في ركن من المكان ولو اقتضى الأمر أن يضعا بعض العربات فوق بعض،,لم تستغرق هذه العملية غير دقائق معدودة وجدنا أنفسنا بعدها في ركن بعيد عن تيار الهواء على الأقل،وفرشنا على الأرضية كل ما كان معنا من ورق وصحف ومجلات(..) وبقيت على كرسي المتحرك بطبيعة الحال،ولكنني وضعت على ساقي منشفة كبيرة لتقيني بعض البرد القارس،ونامت حنان بمعطفها الأبيض الصوفي بجوار مقعدي ونام الباقون فيما عدا إبراهيم في الجانب الآخر،وشغل إبراهيم نفسه في صنع براد كبير من الشاي الذي ساعد على احتمالنا للبرد (..) وقررت أن أجعل الزميلين المغربيين يوقعان على شهادة مكتوبة بخطهما للمسؤولين في القاهرة إثباتا لما حدث إذا حاول المشرفون على المكتب الإنكار .. وظللت أجتر هذه الخواطر وأنا أرتعد من البرد وفجأة ابتسمت وقد وجدت نفسي جالسا كذكر البط الساهر على فراخه ليدرأ عنهم الخطر،وكانت آلام المفاصل قد عادت إليّ بعنف شديد بعد أن كنت قد تخلصت منها قبيل الرحلة،ولكنني لم أهتم فقد كان اهتمامي منصرفا إلى إبراهيم ومحسن وحنان وكانت نظراتي لا تفارقهم لحظة بعد أخرى (..) ومضت الساعة الأخيرة كأنها طاحونة غير منظرة تطحن أعصابي،ونهض الجميع حين سمعنا جلبة في أعلى المحطة وأسفلها،ونهضت حنان وهي تضع يدها على جنبها الأيمن قائلة أنها تجد صعوبة في التنفس وألما مع كل نفس،ولم يسعني أن أفعل شيئا أكثر من أن أجز على أسناني في انتظار اللحظة التي سأسوي فيها الحساب مع المشرفين على مكتب الجامعة بباريس .. وغادرني الزملاء عدا عبد الحميد الذي أصر أن يبقى معي رغم إلحاحي عليه في الهبوط ليتلمس الدفء،ولكن يبدو أن الشاب كان من النوع "الحار الدماء"الذي لا يبرد أبدا .. وفي حوالي السادسة إلا ربعا،عاد الزملاء لنمضي جميعا ونقف مع الواقفين أمام باب كافتريا المحطة الخارجي،وكنا حوالي عشرين رجلا وسيدة وفتاة بعضهم من الهيبز،وكان عمال الكافتريا قد فرغوا من إعداد المكان وجلسوا يشربون الشاي أو القهوة باللبن ويتبادلون الحديث دون أن يهتموا حتى بالنظر إلينا،وكان البرد قد بلغ حدا رهيبا في تلك الساعة أو ربما كان الإجهاد قد جعل أجسامنا تشعر به مضاعفا،أو لعل الدفء القريب منا والطعام الساخن في الجنة التي لم يكن يفصلنا عنها غير باب زجاجي مغلق،قد ضاعف شعورنا بالبرد والجوع والمهانة. نعم. أحسست تماما كأننا مجموعة من القطط الجائعة التي طالما رأيتها تتمسح في أرجل الطاعمين بالمطاعم في انتظار لكسرة خبز أو قطعة عظم.وفجأة ازداد إحساسي بالمهانة بعد أن رأيت العمال مصرين على ألا يفتحوا الباب إلا في السادسة تماما،وكان باقيا عليها عشرة دقائق (..) وقلت لإبراهيم بلهجة لا تقبل الجدل : - هلم يا إبراهيم إلى المشرب القائم أمام الباب الآخر للمحطة .. - ربما لم يكن مفتوحا - إن الذهاب والعودة لن يستغرقا أكثر من خمس دقائق،وهذا أفضل على كل حال من الوقوف هكذا كالمتسولين.وتحركنا نحو المشرب الآخر،ولما وصلنا وجدانه مفتوحا وبعض الزبائن جالسين في هدوء يتناولون الإفطار،وأحسست وأنا أجلس إلى المائدة في الدفء أني عدت إلى الحياة من رحلة رهيبة كان الموت خلالها يتعقب خطواتنا بإصرار) {ص 319 - 328}.ثم عثروا على مكتب الجامعة العربية،ولكن لم يحصلوا على طائل،الشخص الموكل باستقبالهم،لم يذهب بسبب بحثه عن شقة،كما ادعى مدير المكتب أن الخطاب لم يصل،ثم عثر عليه،وعليه شرحه،ثم اعتذروا بأن الوقت غير مناسب،لإقامة الندوات والمحاضرات،ويحتاج إلى حجز الأماكن،والحصول على مترجم ،ثم صرفوا له – دون مرافقيه – مبلغا زهيدا،ولكنه حصل على (تقرير) بما حصل،ثم ذهبوا إلى السفارة المصرية،وتم الاتفاق على أن يحجز لهم المكتب تذاكر إلى القاهرة،على أن يسددوا قيمة التذاكر في مصر،فوافق،على أن يدفع بعد أن يضع الموضوع بتفاصيله أمام المسؤولين في القاهرة،وقد زار الأستاذ (القباني) رجل عرض عليه أن يقدمه عبر برنامج حواري،وسوف يحصل على مكافأة مجزية،فرفض،ثم عرف أن الرجل سبق له أن قدم نفس الخدمة لشخص آخر،وكانت النتيجة أن اضطر ذلك الرجل إلى مصافحة (إسرائيلي) !!! سنة 1970 .. كان مجرد مصادفحة عربي لإسرائيلي (إنجازا) يستحق أن (يخطط له)!! والآن؟!!! .. ومع ذلك فقد زار الأستاذ تلك الأماكن التي كان يحلم بها،ومنها متحف اللوفر .. (وبدأت أحملق .. وتمنيت لو أن كل حواسي تحولت إلى عيون،لقد قرأت كثيرا عن اللوفر،عن الكنوز التي يحتويها،وخطر لي أحيانا أن بعض الكتاب كانوا يبالغون في وصف بعض هذه الكنوز (..) لوحة مثل لوحة "الأختان" للرسام ت. تشاسو،كيف يمكن التعبير – بغير الريشة والألوان – عن مثل هذه الوداعة،والبراءة،والحب المشترك،و الرضى،وتدور رؤوسنا،أو رأسي أنا على الأقل،وأنا أنتزع انتزاعا من لوحة لأخرى (..) وهذه اللوحة الهائلة،أربعة أمتار في ستة على الأقل،إنها – على ما أذكر – لكوربيت،تصور نابليون في إحدى انتصاراته وأحد الأسرى يهجم على قدمه في الركاب لقبلها مستعطفا،هل أستطيع أن أصور بالقلم إمارات الضراعة والأمل وقد امتزجت كلها على ملامح الأسير الممزق الثياب .. أم .. الشموخ والاعتداد والزهو والدهشة وقد اختلطت كلها على وجه القائد المنتصر،أم العضلات البارزة والأخرى المشدودة التي بدت مترقرقة تحت جلد الحصان وهو يرفع ساقيه منفعلا مدهوشا،محتجا. أم الألوان التي اصطنعها الفنان لتتناسق هنا،وتتنافر هناك،حارة هنا،باردة هناك،هادئة هنا،ثائرة هناك،ولكنها كلها تنساب من نبع واحد (..) وبقيت أنظر إلى الجيوكندا مبهورا وأنا أحاول أن أستعيد في ذاكرتي ما قرأته عنها،ولم يكن هناك شك في أن "شهرة"هذه اللوحة العالمية كان لها أثر كبير في شعور"الانبهار"الذي ملأني وأنا أستوعبها بنظرات نهمة،وحاولت أن أتخلص من هذا الأثر بقدر الإمكان،حاولت أن أنظر إليها على أنها صورة جميلة لسيدة جميلة،ولكنني لم أستطع،وأدركت لماذا وضع في وصفها أكثر من أربعمائة كتاب بمختلف اللغات،لم يكن هناك شك في أن كل كاتب حاول أن يضيف جديدا في تصوير مشاعره وهو ينظر إلى الصورة،ولم يكن هناك شك في أن نظرة الرسام إليها تختلف عن نظرة الأديب،وعن نظرة الشاعر،وعن نظرة الموسيقار،وعن نظرة رجل الشارع .. إنني لست رساما متخصصا،ولست أيضا من هواة اقتناء اللوحات والتحف،لسبب بسيط،وهو ضيق اليد،ومثل هذه الهواية لا تنمو إلى على أطنان من الذهب الرنان (..) لقد تحدثوا كثيرا عن ابتسامة الموناليزا الغامضة الساحرة،وتحدثوا كثيرا عن نظراتها الهادئة التي تنبع من نفس راضية مطمئنة،ولهم الحق، وتحدثوا عن جمال اليدين والأنامل،وكأنها صنعت من الزبد الممزوج بالشهد والورد وتحدثوا كثيرا عن روعة الخلفية المتناسقة مع "جو"الابتسامة والنظرة والهدوء المرتسم على الوجه .. ولهم الحق،كل الحق (..) ماذا يمكنني أن أقول أكثر من أنني بقيت أنظر إلى اللوحة وقد غبت تماما عن كل شيء حولي .. فلم أعد أسمع الطنين الهادئ الصادر من المتفرجين .. ولم أعد أرى غير هذا الوجه الهادئ الباسم الذي يكاد ينبض بالحياة .. وغير هاتين اليدين بأناملهما البضة وكأنها لم تخلق إلا للقبل ..(..) وفي الواحدة تماما بعد منتصف الليل، قبلت عجلات الطائرة أرض الوطن،وقبلته معها قلوبنا ومشاعرنا .. ) {ص 399 - 407}. إلى اللقاء في "سياحة" جديدة في كتاب آخر .. إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  6. #16

    رد: حول العالم على كرسي متحرك/ الأستاذ حسين القباني

    بعد انتهاء مسلسل (حول العالم على كرسي متحرك) ..
    وصلني تعليقان من بُنيتين كريميتن من بنياتي .. من الماء إلى الماء .... من الخليج أولا جاء تعليق البُنية الكريمة ليقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوتهانينا على ختام العرض للكتاب،الفريد في نوعه "والذي جعلني أعرف نظرة المقعد للمرأة!! يظل رجلا ..")وأتى التعليق الثاني من ماء المحيط .. (وعندي ملاحظة تقاسمناها {تقصد مجموعة من صديقاتها} جميع وهي أن الكاتب عينو زايغة وكنتخيلو شنو لو كان يمشي على رجل).هذان التعليقان .. أعاداني إلى كُليمة كتبتها قبل فترة .. تحت عنوان (الطيبات من الرزق أو "الكائن اللذيذ") .. طبعا هذه نظرة يبدو أنها تنتشر بين الرجال على مستوى العالم ... شرقا ... وغربا .. قبل المقالة :أولا : قد أتحرج من هذه الملاحظة .. ولكن الإنسان الذي يعاني نقصا في جزء من جسده .. لا يعني أنه مختلف من حيث الرغبات البشرية .. وربما يكون أشد رغبة في بعض الأحيان.ثانيا : سبق لي أن كتبت عن وجهة نظري في التعامل الإسلامي مع المرأة .. أو تلك (الحصون) التي وضعها الإسلام :1 – الحث على الزواج المبكر (الإعفاف) .. وعمدا وضعته قبل (الوازع الديني)2 – الوازع الديني.3 – غض البصر.4 – (هل ترضاه لأمك .. هل ترضاه لأختك).5 – التزام المرأة بالحجاب .. وعدم (التجمل) إن كانت تقلد من يقول بجواز كشف الوجه ... لا يمكن أن تتعرى المرأة ... وتتجمل .. ثم تلوم الرجل إذا (فُتن) بها.وإلى المقال :

    ******************************

    الكائن اللذيذ!!{الطيبات من الرزق)!!!المرأة ضد المرأةالعنوان الذي يعلو هذه السطور بني على مقالة، كتبها الأستاذ عبد الله القفاري،وقد جاءت تحت عنوان ( المرأة تصوّت ضد المرأة)، ومما قال،بعد أن تحدث عن المرأة والانتخابات في مصر، والعراق، وفلسطين، والجزائر، والمغرب، والكويت نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وأي قارئ في ملامح مشهد ثقافي وسياسي، يدرك أن ثمة علاقة ليست على ما يرام بين المرأة المرشحة والمرأة الناخبة){ جريدة الرياض العدد 13895 في 14 / 6 / 1427هـ.}. نُشر المقال يوم الاثنين،وفي نفس اليوم شاهدت مقطعا من لقاء، بثته القناة الأمريكية( الحرة)، مع رجل لم أتبين اسمه، وذلك في برنامج ( مساواة). ذكر ذلك الرجل أنه يُؤمن بتاريخية النصوص، وأن الثابت في الإسلام، هو ألوهية الله، أما بقية النصوص فهي غير ذلك، ثم تساءل متهكما، إذا جاءتك ماري كوري، والتي حصلت على جائزة نوبل مرتين، هل تعد شهادتها بنصف شهادة،حارس عمارة؟ ثم قال، وهو يخاطب المحاور الافتراضي : إنها سيدتك، وسيدتي. ثم ذكر أنه لا يقبل أن يناقش أصحاب اللحى، في مسألة شهادة المرأة، وقال، وهو دائما يخاطب شخصا افتراضيا، إن ناقشتك في هذا أشاركك في الجهل.وفي يوم الثلاثاء، شاهدت عبر قناة ( الجزيرة)، جزء من برنامج ( الاتجاه المعاكس)، وقد تحدث الدكتور فيصل القاسم، مقدم البرنامج، عن عدم تصويت المرأة الكويتية، لصالح أختها المرأة الكويتية، وفضلن التصويت للرجل.هذا الخطاب الذي نطالعه بين حين وآخر، والذي يدور في محوره، حول، المرأة ضد المرأة، وكلما أبدت امرأة رأيا لا يعجب البعض، وُصفت بأنها ضد بنات جنسها، هذا الخطاب الذي تسرب إلينا، يحمل في طياته، أفكار الأنثويات، المتعصبات، مثل دعوة السيدة ( مورجان)، والتي أسست ( جمعية تقطيع أوصال الرجال)، ومثل جرمين غرير، التي أعلنت في كتابها ( الجنس العقبة)أن جنس النساء ليس لطيفا، وإنما هو عقبة لا تزال المرأة تحاول تجاوزها، وفي رأيها أن العقبة الوحيدة التي منعت المرأة من إنتاج فن عظيم هو الشعور بالنقص الذي أوصلها إليه الرجل، ولكنها تراجعت بعد ذلك عن بعض آرائها. ألائك الكارهات لأنوثتهن، والكارهات للرجال من باب أولى، أوجدن خطابا حادا، لا يخلو من عنصرية، وبالتالي فهن يلمن المرأة لأنها لا تقف مع أختها المرأة، في وجه (العدو المشترك) الرجل، قلت أنه خطاب لا يخلو من عنصرية، لأن صاحبة جمعية( تقطيع أوصال الرجال)، كانت تتعجب، من مساندة المرأة البيضاء، للرجل الأبيض، وتخليها عن دعم أختها المرأة السوداء! لاشك أن في ذلك بعض العجب، والأعجب منه، أن يتسرب خطاب (الأنثويات) ذلك إلينا!!! إذا أخذنا مسالة الانتخابات كمثال، فقد قيل لنا ( صوتك أمانة)، فلو فرضنا، جدلا، أن الأمانة اقتضت أن أصوت لبرنامج امرأة، فمن واجبي أن أصوت لها، ولا أصوت للرجل، لمجرد أنه رجل! ولو سارت الأمور كما يريد الذين يرون أن المرأة يجب أن تصوت، لأختها المرأة، فهل يريدون أن يصوت الرجل، أيضا لأخيه الرجل؟!!. أما ذلك الذي يتحدث عن شهادة المرأة، والذي قال أنه لن يناقش أصحاب اللحى، لأنه لو فعل فسوف يشاركهم في الجهل!! نحن نحيي هذه الأريحية في الحوار ، وقبول الرأي الآخر،و نسأل، وماذا لو جاءه شخص ينكر وجود الخالق؟ ألن يدخل معه في نقاش خشية أن يشاركه في الكفر!!. هناك إشكال كبير لدى كثير من العلمانيين بشأن فهم بعض ما جاء به الإسلام، وهم يكررون نفس الشبه التي يثيرها الغربيون، ومن تلك الشبه، بطبيعة الحال، مكانة المرأة، والتي يرونها متدنية جدا، وتكون المقارنة دائما، بضرب الأمثلة التي تبدو فيها المرأة هي الأقل شأنا، ونؤكد هنا لذلك الذي قارن بين شهادة ماري كوري، وحارس العمارة، أن البرت إنشتاين، لو طلب الزواج من ابنة حارس العمارة – المسلمة - لما زوجها له، لأنه مع احترامنا لعقله، ولرجولته، ولنوبل التي حصل عليها، إلا أنه ليس (كفؤا) لابنة صاحب العمارة ، هاهو الإسلام يجعل ( امرأة) أعلى من ( رجل)، في مكانة (النوبلي) العريق. إذا كنا في الأسطر السابقة نرصد العجائب،فلا بأس أن نضيف هذه العجيبة. في هذا العام 2008م، جرت انتخابات في الكويت. وقد رأيت سيدة تتحدث في الموضوع، وتحث الرجال، والنساء على التصويت للمرأة ( تشجيعا لها)!! أين الأمانة؟! أين اختيار المترشح صاحب البرنامج الأكثر الأصلح؟!!!! المرأة هل هي فتنة؟!... نعلم يقينا أن الحديث عن كون المرأة فتنة لا يروق لأصحابنا من الحداثيين .. اللبراليين .. العلمانيين.. وخصوصا في عصر ( الإنترنت) والقنبلة الذرية .. إلى آخر تلك العبارات التي يكررونها دائما ... ولكننا نتعامل مع حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول في الحديث الصحيح، والذي أخرجه البخاري ومسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء ). ونحن أولا لا نرى أن الأحاديث الشريفة لها تأريخ صلاحية تنتهي فيه! وبالتالي فنحن نؤمن بأن المرأة ( فتنة) كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وإن كان ذلك لا يمنع من أن نفهم الحديث على أكثر من وجه، إذا كان النص يحتمل ذلك. ففتنة المرأة، قد تكون هذا المعنى الأولي الذي يتبادر إلى الأذهان، من فتنة الجمال، وسطوته التي لا يستطيع أحد أن ينكرها. وقد يكون في الحديث ( إعجاز)، وذلك حين يقع الظلم على المرأة، فيتسبب ذلك الظلم في أن تتحول المرأة إلى (قضية)، ثم إلى ( فتنة)، تتجادل حلوها الأمة، وقد تكون مدخلا للنيل من الإسلام، وقد تكون ( الفتنة) في هذا العري الذي سوف يغزو الأمة، وتصبح هناك شروط أخرى، وظروف أخرى، مختلفة كل الاختلاف عن واقع وظروف المرأة المسلمة، في العهد النبوي الشريف .. الخالكائن اللذيذ!!{ الطيبات من الرزق} إذا كان حديثنا السابق لا يعجب الحداثيين، فسوف ندير دفة الكلام بعيدا عن كلام (الدراويش)، ونأخذ جولة في علاقة الغرب بالمرأة، وهو الجهة التي يستقي منها أصحابنا جل أفكارهم، وتنظيراتهم، وخصوصا ما يتعلق بالمرأة، وحقوقها.قبل سنوات قرأت مقولة لأحد الكتاب، يصف فيها النساء بأنهن من ( الطيبات من الرزق)، وقد رأيت – ذلك الوقت – أن في ذلك الوصف إساءة للمرأة، ثم اكتشفت أن منهن من لا تراه كذلك! حين نصف المرأة( بالكائن اللذيذ)، فذلك نظرا للطريقة التي يتم التعامل بها مع المرأة، من قبل (معظم) الذكور! فهذا أحد الزعماء يقول عن إحدى السيدات نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي .. أدخلتني روضة الأطفال ... اختصرت في شفتيها قصة الأنوثة ... وأعلنت الثورة من سفوح نهديها. لقد غيرت شرائع الدنيا ... وخريطة الحلال والحرام{!!} ... ثم إنها حلت عقدي ... وثقفت جسدي (..) كانت( سرتها ) مركز الكون ... وعلى محيط خصرها اجتمعت كل العصور ... وراحت الكواكب تدور وتدور.وفي لحظة العشق اجتاحتني كالبركان ... أحرقتني .. أغرقتني .. كسرتني ألف قطعة مثل فازة من الكريستال.هذا الاعتراف الناعم (..) ليس لشاعر (..) وإنما لفلاح فقير تحول إلى ثائر .. ثم إلى زعيم .. ثم إلى عاشق مجهول .. هو ماو تسي تونج. أما المرأة التي وقع في هواها (..) فهي تشانج تشينج العاهرة الأسطورية..){ ص 47 ( حكومات غرف النوم) .}. أما إيميلدا ماركوس،فقد أعادت الدفء إلى العلاقات الأمريكية الفلبينية!! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي تأزمت العلاقة من جديد .. وبدت واشنطن كمن فض يده من الرئيس الفيلبيني فرناندو ماركس .. زوجها .. فدعت وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز للحضور إلى مانيلا .. العاصمة .. وفي المطار وأمام عشرات المستقبلين، انحنى شولتز على يد إيميلدا وقبلها .. ثم .. عانقها .. وبعد أن شعر بالدفء، قال للصحفيين : ( إن صداقة أمريكا والفيلبين لن تضعف ولن تتبدل ){ ص 160 ( المرجع السابق).}. وعن إيميلدا يقول الأستاذ عادل حمودة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أخطر ما في إيميلدا أنها تستخدم أنوثتها المغطاة بالبراءة في إسالة لعاب أقوى حكام العالم .. فهم في النهاية بشر ... يفضلون التفاوض مع امرأة مثلها عن الجلوس منفردين في حجرة مغلقة مع امرأة مثل جولدا مائير .. وتعرف إيميلدا ذلك .. تقول :" أنا لست جولدا مائير ... أنا امرأة جميلة .. جذابة" هكذا ببساطة وجرأة وصراحة .. وقد وصفت الرئيس السوفيتي الأسبق برجنيف بأنه طفل " لقد رأيته سعيدا بأوسمته وهو يحركها أمامي وكأنه صبي يداعب لعبته الملونة " ووصفت وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بأنه بلاي بوي " أهبل " لقد تصور أن قبلة يختطفها من شفتيها هو ثمن باهظ تدفعه مقابل أن تدعم الولايات المتحدة زوجها : " إنني قبلته كما يقبل الجليد النار .. وقد تصورت أنه لن يكتفي بذلك .. ولكنه اكتفى فكان أن ضحكت في سري من تواضع رغباته" ..){ ص 164 – 165 ( المرجع السابق).}. يبدو أن ضعف الرجل أمام المرأة لا نهاية له : ( من الرؤساء الذين صُوروا في أوضاع خاصة الرئيس الإندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو .. كان مولعا بالنساء .. وكان يسقط في أحضان أي امرأة توضع في فراشه ... ولم يصور فقط في القاهرة{!!!} بل صورته المخابرات الروسية أيضا في موسكو .. ولكن .. عندما أرادوا ابتزازه وعرضوا عليه الصور الفاضحة .. طلب نسخة منها ليأخذها إلى بلاده وينشرها علنا، ثم قال :" سيكون شعبي فخورا بي بالتأكيد" فلم يحالوا متابعة تجنيده){ ص 239 ( المرجع السابق). }.سنترك( سوكارنو) منتشيا بانتصاراته!، ونلتفت إلى فضيحة الوزير البريطاني، جون بروفيمو، ونترك ( حمودة) يحدثنا ببداية القصية نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي في إحدى أمسيات صيف 1961 .. كانت كرستين كيلر تسبح عارية في قصر اللورد آستور .. إنها حسب وصف اللورد نفسه : قطعة من الجاتوه ... فراشة من الحرير وريش العصافير .. جسد ممشوق مثل السيف أو السهم ... مباشر مثل قطعة الرصاص ..(..) في تلك الأمسية استقبل اللورد مجموعة من ضيوفه، وسار أمامهم في اتجاه بوابة السور المحيط بحمام السباحة .. وما إن ولجوا من البوابة حتى وجدوا أمامهم حسناء عارية تخرج من الماء، وتبعد بيديها شعرها الأحمر الطويل عن عينيها .. وبينما اتسعت ابتسامة الغرباء، صرخت الحسناء العارية مطالبة بملابسها التي رماها رفاقها بعيدا عنها. كانت كرستين كيلر هذه الحسناء العارية، وكان بين الضيوف جون بروفيمو .. وكان هذا المشهد هو المشهد الافتتاحي في الفضيحة .. أما المشهد الثاني فكان سقوط بروفيمو في هوى كرستين ... لقد افقده جسدها العاري السمع والبصر والفؤاد .. ولم يعد ينتبه لما يدور حوله (..) لم يعرف بروفيمو في ذلك اليوم 8 مايو 1961 علاقة كرستين بالجاسوس السوفيتي إيفا نوف .. ولا علاقتها بالعميل المزدوج ستيفن وارد.. ){ ص 213- 214 ( المرجع السابق).}. أصبحت كرستين، تنقل الأخبار التي يبثها إياها بروفيمو، الذي كانت تصفه بــ(الزهرة)،إلى الجاسوس السوفيتي، الذي تصفه بــ(البلطة)!! وعندما وقعت كريستين في ضائقة مالية،سعت لبيع قصتها للصحافة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وعرف رئيس الحكومة هارولد ماكميلان، فحاول التدخل لمنع النشر بحجة الحفاظ على الأمن القومي .. وأسرار الدولة العليا .. ولكن لا أحد استجاب لهذه الحجة .. وقامت الدنيا ولم تقعد بعد النشر .. وقبضت كرستين من صحيفة واحدة 23 ألف جنيه .. واضطرت الحكومة إلى فتح التحقيق الذي كشف عن تورط أكثر من 50 شخصية مسؤلة في الدفاع والمخابرات، عرفوا الفضيحة، وتستروا عليها على أمل أن ينالوا كرستين كيلر ولو مرة واحدة){ص 216 – 217 ( المرجع السابق).}. قضي على مستقبل بروفيمو السياسي،وربما تكون الحكومة كلها استقالت.وهنا نشير إلى مسألتين، الأولى : كيف كانت الفضائح الجنسية للسياسيين، تؤدي إلى الاستقالة، وقد تقضي، بالكامل، على المستقبل السياسي لصاحب الفضيحة. وكيف تغير الوضع لتصبح الفضائح السياسية مجرد عناوين كبيرة في الصحف، ويظل صاحب الفضيحة في مكانه! والأغرب أن هناك ظاهرة أخرى، وهي موقف زوجة السياسي صاحب الفضيحة، فقد أصبح كل همها أن تغطي على فضيحة زوجها، فالمناصب والمكاسب أهم بكثير من مجرد ( خيانة)!! .. وما هيلاري كلنتون عنا ببعيد. المسألة الثانية، ما ورد عن وجود كرستين كيلر، عارية في قصر اللورد، آستور، فذلك يذكرني بقصة أوردها روجيه فاديم في مذكراته، عن الماركيز الإيطالي سيرجيو دوسان ستيفانو، أحد كبار النبلاء الإيطاليين، والذي تعرف عليه(فاديم) في روما، سنة 1955م. زار فاديم صديقه الماركيز،فأعد له الأخير مفاجأة : ( كانت( المفاجأة ) من نوع الحماقات الإيطالية الشائعة حينها، وكان صاحب المنزل، قد استأجر عددا من الفاتنات الرومانيات، وكلفه ذلك ثروة تكفي لترميم جناح بكامله من قصره،عند منتصف الليل " أطلقت: الحسناوات في حديقة القصر عاريات تماما، ( كان ذلك في مطلع فصل الصيف) وأعطى سيرجيو إشارة بدأ الصيد، وإن قبضت على إحدى الفتيات فهي لك طيلة الليلة){ ص 220 ( من نجمة إلى نجمة)/ مذكرات روجيه فاديم/ ترجمة : نضال حواط / دمشق/ دار طلاس للنشر / 1987م/ الطبعة الأولى.}. هذه صورة من صور النفاق الغربي، فلو أن هذه القصة رويت عن ( ثري عربي)، وليس عن (ماركيز إيطالي)، لأنتج عنها فاديم نفسه فيلما، يرتدي أبطاله ( اللباس العربي)، ولكن ما دام الفاعل من أصحاب الدم الأزرق، فالمسألة ليست أكثر من(( "مفاجأة" من نوع الحماقات الإيطالية الشائعة حينها))!!!!إذا عدنا إلى موضوع ( الكائن اللذيذ)، فلا بد أن نقفز قفزة عالية فوق أرتال من فضائح السياسيين، الغربيين، بما فيها الفضيحة الأكثر شهرة، قضية( مونيكا و كلينتون)، لنصل للطبعة الأخيرة، أو موديل هذا 2006م، وما نقصده ليس فضيحة من تلك الفضائح التي تعودنا عليها في الشرق والغرب، ولكنها حادثة ( صغيرة)، نترك المجال لجريدة ( الشرق الأوسط)، لتروي لنا ما حدث، نقلا عن ( نيويورك تايمز) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وقف الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال أعمال قمة الدول الصناعية الثماني في سان بيترس بيرغ الأسبوع الماضي ومشى خلف المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل التي كانت تجلس في المقعد المخصص لها، ووضع يده على كتفها وضغط عليه مرتين، كما بدا في الصورة، وما كان من المستشارة الألمانية إلا أن رفعت يديها في الهواء وبدت على وجهها تكشيرة استياء. ترك الأمر لوسائل الإعلام والمشاهدين ليفكوا شفرة ما حدث لمعرفة ما جرى بالفعل. وسائل الإعلام الألمانية انتقدت بقسوة{هل كان ذلك من باب الغيرة مثلا؟!!} ما حدث من جانب الرئيس بوش، فيما وصف كتاب محافظون ولبراليون أمريكيون في مواقع على لإنترنت ما حدث من الرئيس بوش بأنه إما دفء في العلاقة{!!!} أو شيء آخر أكثر إثارة للاستياء،مثل الملاطفة والمداعبة على الطريفة القديمة{!!!}. مهما كان دافع بوش من وضع يده بالطريقة التي شوهدت، من الواضح أن ما حدث منه لم يرق للمستشارة الألمانية ولكن في سياق المس والمداعبات الخارجة على المألوف{هل هناك مس ومداعبات مألوفة؟!!} من جانب الساسة يمكن النظر إلى سياق زمان ما فعله بوش بأنه فعل غير ضار{!!!}،وإن كان سياق المكان غير مناسب{!!!}.(..) وفي نيومكسيكو واجه الحاكم بيل ريتشارسون، الذي يتطلع لترشيح نفسه للرئاسة، إلى انتكاسة سياسية في ديسمبر ( كانون الأول) الماضي عندما قالت نائبته دايان دينيش لمراسل ( البوكيرك جورنال) أنها تحاول أن تتحاشى الحاكم في المناسبات لأنه قرصها في عنقها ولمسها في وركها وجانب ساقها. ترى هل جن قادتنا؟){ جريدة الشرق الأوسط العدد 10102 في 26 / 7 / 2006م.}. هذا الهوس من قبل الرجل الغربي بالكائن الأنثى، في مجتمع ( مفتوح)!! فما هو تصوركم لما يحصل من الرجل الذي يعيش في مجتمع يعيش ( الكبت)، كما يقولون؟!! لربط الموضوع بواقعنا، فقد بدأت التساؤلات – إذا لم نقل الدعوات – عن الوقت الذي يتم فيه تعيين ( سفيرة) لحكومة خادم الحرمين الشريفين؟!! تم طرح هذا السؤال على وزير الخارجية السعودي!! يا ترى ماذا ستفعل (السفيرة ) السعودية مع ما أسماها المقال السابق : ( أفعال غير ضارة)؟!!!!!!!!!!!!!!! بعيدا عن الأفعال الضارة، أو غير الضارة، نترككم مع هذا الكلام( العلمي)، أو نتيجة إحدى الدراسات، كما جاء في مقال: ( فهل ترك له الجمال صوابا)، للأستاذ فهد عامر الأحمدي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي قبل فترة قرأت دراسة تثبت أننا – نحن الرجال – مرضى بالحسن والجمال .. فقد اتضح أن رؤيتنا للوجه النسائي الجميل ( والجميل فقط ) يفرز في أدمغتنا مخدرين طبيعيين الأول يدعى أندروفين والثاني السيروتونين .. والأندفروفين هرمون يفرزه الدماغ في أحوال كثيرة لبعث الشعور بالراحة والاسترخاء، أما السيروتونين فله مفعول إدماني لذيذ ويدعى ((هرمون السعادة)) لأن انطلاقه في الدماغ يسبب شعورا بالسعادة والانشراح ( وهو موجود أيضا في الشوكولاتة)!! .. والمشكلة لا تكمن فقط في انطلاق هذين المخدرين، بل في تكرار رؤية ( نفس الوجه الجميل) وإفراز هاتين المادتين بشكل متواصل .. وحين يتشبع المخ بهما يصعب على الرجل التفكير بشكل سليم ويجعله يستهين بالعواقب ولا يقدرها بشكل جيد ( وهو ما يفسر المراهقة المتأخرة لبعض الرجال وتهور بعض الساسة والمشهورين إكراما للوجه الجميل){ ذكر نماذج من الإغواء، عبر التاريخ.} .. وهذه النماذج تثبت تأثير الجمال على عقول الرجال وشل قدرتهم على التفكير المتزن (بسبب الإفراز الدائم لهرموني الإندروفين وسيروتونين) .. لكن، قبل أن نلوم(( المسكين )) يجب أن نتذكر أن هذا النوع من الانجذاب له أصل بيولوجي وغريزة طبيعة تحث على الارتباط والإنجاب، فالسؤال الذي شغل الفلاسفة والعلماء طويلا هو : لماذا ينجذب الرجل للمرأة الجميلة بالذات – وما الذي يحكم و يحدد عناصر الجمال أصلا؟ ... وفي السنوات الأخيرة فقط أدرك العلماء أن الجمال يرتبط بالخصوبة وأن الوجه الجميل يعني مستوى أعلى من الهرمون الأنثوي الأستروجين .. ففي جامعة سانت أندرو ( في ايرلندا) عمدت الدكتورة مريام سميث إلى جمع صور 56 طالبة بين سن الــ 18 و 24 وعرضتها على 30 طالبا بغرض تقييمها من حيث الجمال والجاذبية وتناسق الملامح .. وفي نفس الوقت أجرت تحليلا لمستوى هرمون الأستروجين ( المسؤول عن خصوبة المرأة وإعطائها الملامح الأنثوية المميزة) فوجدت تطابقا بين مستوى الهرمون المرتفع وجاذبية المرأة في عيون الرجل .. ليس هذا فحسب بل اتضح أنه كلما ارتفع مستوى الهرمون الأنثوي تمتعت المرأة بعينين أكبر وفكين أصغر وشفايف{هكذا شفايف،وليس شفاه!!} ممتلئة وشعر أكثر غزارة – وهي الصفات التي ينجذب إليها الرجال ( لسبب غامض لا يفهمونه أنفسهم ){هكذا}){ جريدة الرياض العدد 14260 في 25 / 6 / 1428هـ = 10 / 7 / 2007م }.يبدو أن الفرنسيين أدركوا مبكرا ما يفعله جمال المرأة بالرجل! فحين أنشئت بورصة باريس سنة 1724م، يقول بيار رامير : (ولأن المرأة كانت موضوع اشتباه بإمكانية إطلاق العنان لنشوة المضاربات والتفاوض على ديونها مقابل جمالها لم يُسمح للنساء بدخول المكان إلا في العام 1967) لم يتضح أن المرأة ( كائن لذيذ)، فقط، بل اتضح أنها ( قطعة شوكولاتة)!! يبدو أنني بدأت أعذر ( الغضبة المضرية)، لبعض الساعين إلى كشف حجاب المرأة!! من يقبل أن تظل ( قطعة الشوكولاتة)، مغطاة بهذا الحجاب، الذي يحرمهم من ( التلذذ بالشوكولاتة)!!ماذا كنا نقول؟ هل المرأة فتنة أم لا؟! وهل في الحديث إعجاز أم لا؟ هاهي المرأة تُظلم، ثم تصبح (قضية)، ثم تتعرى، فتصبح فتنة كبرى!! تسقط حكومات، وتذهب (عقول الرجال)! ثم يصبح صراعها مع الرجل، سببا في تفكيك الأسرة؟!! صدق حبيبنا صلى الله عليه وسلم( ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أسلب لذي لب من إحداكن). أو كما قال صلى الله عليه وسلمفي الحلقة القادمة نتحدث عن ( الحجاب السعودي) إذا أذن الله محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة Mahmood-1380@hotmail.com
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. قصة الشاعر القباني مع الرئيس صدام حسين
    بواسطة أبو فراس في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-14-2018, 06:32 PM
  2. محاضرة الأستاذ محمد حسين زيدان - رحم الله والديّ ورحمه - في نادي مكة المكرمة الأدبي (صور من تاريخ المدينة المنورة) :‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-26-2016, 06:49 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-06-2015, 09:38 AM
  4. العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبده الراجحي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-11-2011, 01:17 PM
  5. الأستاذ/عبد الله حسين عبد الله كراز
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-22-2009, 09:50 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •