الموضوع يحتاج تركيز واطلاع واسع
اسمحيلي بإضافة قراءة عن كتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف
نظرا لاهمية هذه القراءة في توضيح أمور مهمة في الموضوع
عرض كتاب الهويات القاتلة
تأليف: أمين معلوف عرض: الصباح
لاننا نعيش في مرحلة اعادة انتاج الهوية،فان قراءة كتاب (الهويات القاتلة)لامين معلوف، تأخذ اهميتها في انها تشير الى ابعاد عملية اعادة الانتاج عن الاقصاء والعنف الذي يحدث،بسبب وقوع بعض الجماعات العراقية تحت اسر الماضي واحداثه
يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، موزعة بين 230 صفحة من الحجم الوسط. وأعطى لفصول الكتاب العناوين :هويتي وانتماءاتي.عندما تأتي الحداثة من عند الآخر.زمن القبائل الكونية.ترويض الفهد.
يتناول المؤلف في الفصل الاول، مفهوم الهوية الشخصية للفرد ومركباتها التي تتكون عبر مراحل العمر وتحت تأثير الظروف المختلفة والمناخات المتلونة. وهذا ما يبرر بالتالي تخلخل الأولويات في عناصر الهوية، فالمتقدم من هذه العناصر ليس الأسبق ولادة إنما الأكثر تعرّضاً للخطر والتحدي.
كما يبين أن أي عنصر من العناصر المشكلة للهوية ليس مطلقاً ونهائياً، إنما هو نسبي خاضع لمنطق الزمان والمكان كما أنه خاضع أيضاً للتبدل والتغيير. إن المواجهات التي يتعرض لها الفرد بسبب أحد عناصر هويته أو بعضها، عامل رئيس في توليد الشعور بالخوف لديه، ما قد يدفعه إلى حمل السلاح قسراً و تحويله إلى مجرم رغماً عنه. والتجربة المريرة والقاسية التي عاشها الكاتب وأفراد عائلته، كما عاشها الكثيرون أثناء الحرب اللبنانية الماضية، هي دليل قاطع على أن العناصر المكونة للهوية المفترض أن تكون أسباب حياة ونمو وارتقاء يمكن أن تتحول إلى أجزاء من وحوش تكمن في الدخائل بانتظار لحظة الانقضاض.. فيبحث الكتاب في مسألة الانتماء ويسأل تحديدا في "الهويات المركبّـة" ودور أصحابها في نسج العلاقات وامكانية ان يبقى المرء أمينا بجذوره وقيمه وتراثه من غير أن يجعل الآخرين يتقوقعون داخل انتماءاتهم الضيّقة.لا يمكن فصل الافكار التي يطرحها امين معلوف عن الهوية في هذا الكتاب ، عن تجربته الشخصية المباشرة ، هو الذي يحمل جنسيتين ولغتين ، حيث يعيش في فرنسا ويكتب بلغتها ، فيما تعيش بداخله مكونات حضارة عربية اسلامية شكلت وعيه مثل ملايين آخرين باختلاف دياناتهم ، يقطنون المنطقة ذاتها من العالم ،اذ يقول معلوف ( هل انا نصف فرنسي،وبالتالي نصف لبناني؟ لا ابدا فالهوية لاتتجزأ ولاتتوزع مناصفة او مثالثة ، ولاتصنف في خانات محدودة ومنفصلة عن بعضها البعض) ولا يعترف معلوف بعنصر وحيد مسيطر على بقية عناصر الهوية ، بل يرى انها تتكون من عدة عناصر يختلف ترتيب اهميتها بحسب الزمن حسبما يقول(انا لااملك هويات متعددة بل هوية واحدة مؤلفة من العناصر التي صنعتها وفقا لجرعة خاصة لاتتطابق بين شخص وآخر) ويعبر عن حلمه في ان تنفصل الحاجة الى الروحانية عن الحاجة الى الانتماء ، ويقول : "ان فصل الكنيسة عن الدولة ليس كافيا ، وما يوازيه اهمية هو فصل الدين عن الهوية". وهو يعتقد بامكانية ان يتعايش الفرد مع هوياته المختلفة مضمنا هويته بعدا" جديدا" هو الشعور بالانتماء الى المغامرة الانسانية بحسب تعبيره. وفي رأيه ، ان الافراد الذين سيضطلعون بهذه المهمة ، مهمة صيانة الهويات المختلفة والدعوة الى احترام تأثيراتها ، هم القادرون على تشكيل عالم جديد اكثر تسامحا وعطاء". ويرى معلوف ان كل فرد منا مؤتمن على ميراثين ، احدهما عمودي ورثه عن اجداده وتقاليد شعبه وجماعته الدينية ، والآخر افقي اكتسبه من زمانه ومعاصريه ، ويؤكد ان الميراث الثاني هو الاكثر تأثيرا وتحديدا" لهوية الشخص وانتماءاته . وهذا التأثير يتعاظم بحسب ما يقول : في ظل العولمة وثورة الاتصالات التي تشكل ما يسميه بثقافتنا المشتركة ، والعولمة في رأيه تمنح فرصا" لاثبات الخصوصية وتأكيد الهوية . اما الاحتماء بعنصر ما من عناصر الهوية تلتف حوله الجماعة كالدين او اللغة . فهو امر يحدث - كما يقول - حين يتهدد هذا العنصر وتتهدد الجماعة ذاتها في وجودها ، فاذا ما نعمت الجماعة بالهدوء والسلام ، واذا ما عاش الافراد في داخلها متساوين في حقوق المواطنة ، فان كل دعاوى التعصب والتوترات الاثنية والعرقية والدينية واللغوية ستزول.
الفصل الثاني: عندما تأتي الحداثة من عند الآخر
يناقش الكاتب في هذا الفصل، من يتبنى تصورات وأحكاماً مسبقة عن الآخرين لتلصق بهم تهماً تمس جوهر هوياتهم وتأخذ صفة التعميم والاستمرار، كما أولئك المدافعون ضد هذه التهم أيضاً مستخدمين حججاً وتبريرات مصطنعة وغير كافية. فلا يجوز أن نصدر أحكامنا ضد مذهب معين بمجرد أن أحد أفراده المنتمين إليه قد ارتكب ما يدعو للاستنكار والرفض. فما يتعرض له الإسلام مثلاً من تهم مختلفة في التخلف والإرهاب ومعاداة الحرية والديمقراطية، لا تبرأ منها أية عقيدة دينية أو سياسية.والشواهد على المنازعات والحروب داخل الكنيسة المسيحية وفي صلب جوهرها، ليس بعيداً عن أعين التاريخ، لا بل إن ما تؤكده الوقائع عن التزام الإسلام بمبدأ التسامح والتعايش مع الشعوب الأخرى والديانات الأخرى، وخلال قرون طويلة أيضاً، لم تدركه أية عقيدة من العقائد. والمسألة هنا لا تكمن في العقائد وروحها التي لا تتغير عبر العصور، إنما تكمن في ممارسات أصحابها القابلة للتبدل والتغيير تبعاً للظروف والأحداث. وإن ما يسمونه تعصباً دينياً عند مذهب من المذاهب هو بالحقيقة "عصبيات شقت الأديان أو أدارت لها ظهرها".أما مسألة تقبل الحداثة القادمة من خارج الحدود، فإن أمر رفضها أو التردد تجاهها أو مواجهتها، ليس بسبب الدين الإسلامي تحديداً، بل هي سمة عامة من سمات تحدي الهوية أو تهديد أحد عناصرها، تشترك فيه جميع شعوب العالم.
الفصل الثالث: زمن القبائل الكونية
يحلل الكاتب صعود الظاهرة الدينية أمام غيرها من عناصر الهوية، أو ما يسميه "روح العصر" ويعيدها إلى الأسباب التالية:إنهيار العالم الشيوعي وفشل النظرية الماركسية في الاستجابة للحاجات الإنسانية والأزمة التي يعانيها الغرب الذي يدعي قيادة العالم في حل مشاكل الفقر والبطالة والجنوح والمخدرات وغيرها وأزمة العالم العربي الذي فقد آماله التي بناها على الشيوعية أو على القومية أو على الجنة الغربية المزيفة، فوجد نفسه أمام ملاذ الانتماء الديني فضلا عن أثر ثورة المعلومات والاتصالات ورياح العولمة، وما رافق ذلك من تهيب وقلق ولّد "الحاجة الروحانية" التي توفر الحماية المعقولة.
إن تجاوز الانتماء الديني بمفهومه التعصبي المتزمت، لا يكفي تحقيقه بفصل الدين عن الدولة، بل بفصل الدين عن الهوية، وبمعنى آخر نزع الألغام المزروعة في هذا العنصر المتجذر في الهوية، وليس نزع العنصر نفسه الذي يعتبر حاجة أساسية في البناء الإنساني. وهنا تتبدى العولمة، بما تحمله من رحابة الاستيعاب والشمولية والرؤية الإنسانية، وعلى الرغم من المخاوف الكبيرة والتحفظات العميقة حولها، الحل الممكن لمقاربة مسألة الانتماء الديني بالطرق السلمية. فالتسارع المذهل في انتقال المعلومات والاكتشافات والتغيرات، تقلّص الكثير من اختلافات الشعوب وتزيد من التشابه فيما بينهم، دون أن يعني ذلك، تنميط الحياة ودورانها في فلك واحد فقير ومقيت. فلكي تؤتي العالمية ثمارها في التقارب والتعايش الإنساني لا بد أن تعترف بالقيم التي تشمل البشر جميعهم دون تمييز أو تحيّز، كما لا بد أن تحترم خصوصية كل حضارة.إن هيمنة الصورة الواحدة والحقيقة الواحدة "كنوذج أميركي مطلق" على حساب التنوع الثقافي والتعددية الحضارية الخاصة هي ما يثير المخاوف الحقيقية في وجه العولمة، التي قد تقود أصحاب الثقافات والهويات المهددة بالتلاشي إلى تبني مواقف أكثر جذرية وأكثر إنتحارية.
الفصل الرابع: ترويض الفهد
يحاول الكاتب في الفصل الأخير من كتابه، أن يقدم رؤيته، بناء على التجارب الإنسانية شرقاً وغرباً، في تجنب الانفجارات المتوقعة في وجه العولمة وجعل تداعياتها أٌٌقل فتكاً. ولا يمكن ذلك إلا بعد أن تتخذ العولمة الطابع الإنساني الشامل وتتخلى عن طابعها الآحادي الأميركي المهيمن. صحيح أن أميركا قد خرجت منتصرة بعد انتهاء الحرب الباردة، لكن انتصارها ليس على ثقافات العالم ولغاته وتراثاته، وليس قطعاً على هوياته.وما هو مطلوب من الشعوب المتخوفة والمناهضة للحداثة المتمثلة بظاهرة العولمة أن تناضل وتنخرط وتتفاعل في إثبات خصوصياتها واختلافاتها ضمن مفاهيم التنوع والغنى، وبعيداً عن الانغلاق والتصادم.وتبرز برأي الكاتب في هذا الصدد، مسألة اللغة الوطنية، في مقدمة التحديات التي يجب مواجهتها، كونها من أكثر عناصر الهوية منافسة للدين. فاللغة الخاصة بكل من شعوب الأرض جديرة بالحماية التامة، لأنها الانتماء الأكثر تجذراً على مر العصور ولأنها حاجة أساسية للإنسان لا يمكن أن يعيش بدونها حتى لو أمكنه أن يعيش من غير دين محدد، وكما أنها بعكس الدين عامة وليست حصرية إذ بإمكان الفرد أن يمتلك عدة لغات ولا يمكنه أن يعتنق أكثر من دين واحد. ولو تمكنت أوروبا الساعية إلى الاتحاد والتكتل، أن تتفق دولها على عملة واحدة أو دستور واحد أو نظام اقتصادي أو سياسي واحد، لكنها قطعاً لا يمكنها أن تتجاوز مسألة اللغة الوطنية لكل دولة من دولها.ويخلص الكاتب إلى التأكيد على مركزية الرؤية التي يتبناها والقائمة على الدعوة للمحافظة على التنوع الخاص بكل فرد وتحويل الانتماء المزدوج لدى اي منهم إلى فعل تلاق مع الثقافات الأخرى دون تمزق أو تردد أوخوف.وإذ يعلن الكاتب بصوت عال اعتزازه بانتمائه المتعدد فلكي يدعو إلى القضاء على زمن القبائل من اجل إقامة السلم الاهلي ولكي يعطي لهويته وهويات الآخرين بعداً إنسـانياً أكبر وأشمل.
ولي عودة إن شاء الله
صمت-العراق-منتديات البيارق