لا تسلبوا الفرحة من قلوب أطفالنا
بقلم – ماجدة البلبيسي
كغيري ممن سمع خبر إحراق المخيم الصيفي التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين " الاونروا " أصبت بخيبة أمل كبيرة، وصدمة غير متوقعة، خاصة وأنني كأم أولا كنت انتظر بفارغ الصبر انتهاء امتحانات طفلي كي ألحقه بأحدي هذه المخيمات ، كي أقف عند رغبته بتعلم السباحة ، التي يعشقها، و أتمني كغيري من الآلاف الذين ينتظرون انطلاق هذه المخيمات كي تنطق معها طاقات أطفالنا المأسورين لظروف الحصار وضيق الحال كي يجدوا متنفسهم الوحيد وضالتهم في هذه المخيمات رغم محاولات إجهاضها قبل موعد المخاض .
وهالني أكثر ليس التصرف في حد ذاته فحسب، بعدما أصبح كل شي مباحا في قطاع غزة في ظل نهج تقويض الحريات العامة والتضييق على المواطنين حتى في أماكن ترفيهم المحدودة أصلا ، ولكن منع محاولات الاستنكار من قبل المؤسسات ومنعها من التجمعات السلمية للاحتجاج من قبل الحكومة في غزة ، كان تصرفا صادما ومنافيا للقوانين المعمول بها .
والشيء الأكثر غرابة أن يحدث ذلك لمخيم تابع لوكالة الغوث الدولية المشهود لها بوقفتها دوما إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، والتي لم تتوان يوما ، في تقديم يد العون والمساعدة لآلاف اللاجئين في الوطن والشتات، ليس هذا فحسب فانجازات الوكالة سواء كانت بمشاريعها التي تستهدف جيوشا من الخريجين والخريجات,أو برامجها التشغيلية الأخرى، وغيرها من المشاريع التي تستهدف المؤسسات ، عدا عن الوقفة الشجاعة للقائم على هذه المؤسسة الدولية السيد جون كينج في أحلك الأوقات والظروف، وهي ظروف الحرب والعدوان على قطاع غزة ، ذلك الرجل الذي أبى أن يترك القطاع ويغادر إلى بلده واثر أن يرى الموت ، ويشارك الآلاف آلامهم ومعاناتهم ويكابد مثلهم أيضا .
لست هنا بصدد ذكر مآثر وانجازات الوكالة ولكن وددت أن اذكر لمن لم يعرف ويذكر انجازات وكالة الغوث التي تعيل آلاف اللاجئين الذين يعتاشون من خدمات وكالة الغوث بعد النكبة ، وما زالت الوكالة تنهض بالعديد من الجوانب الحياتية للاجئ الفلسطيني بدءا من تقديم الإعانات وانتهاء بحوسبة التعليم , والارتقاء بالمسيرة التعليمية ومواكبة العصر ، عدا عن مواقفها الراسخة تجاه كل أزمة مالية تعاني منها ، حيث ترفع صوتها عاليا وتؤكد وتجدد بأنها ستواصل تقديم كل ما يلزم للاجئين الفلسطينيين ولن تتخلى عن مسؤولياتها اتجاههم ، إلا بعدما تحل قضية اللاجئين حلا عادلا وشاملا .
ما حدث لا يمكن وصفه سوى بتصرف شائن وغير أخلاقي لمقترفي هذه الجريمة النكراء بحق الطفولة البريئة وأعداء الفرحة والبسمة ، ما حصل مؤشرا خطيرا يعكس ، التطرف والتعصب الأعمى لكل قيمة ومبدأ في هذه المجتمع ، خاصة وأن تجربة المخيمات حققت نجاحات ملحوظة خلال العامين الماضيين ، لذا جرى تكرارها كي يحظي آلاف الأطفال بقسط من السعادة والفرحة بعد عام مضني وشاق عايش فيه أطفالنا الحرب بمآسيها وويلاتها وتبعاتها ، وأتساءل هنا ليس من حق أطفالنا التمتع بالإجازة الصيفية أسوه بغيرهم من أطفال العالم؟000 ، رغم البون الشاسع بين الحياة التي يحيياها أطفال العالم وبين أطفالنا الذي يكابدون المعاناة يوميا ، وتنتهك حقوقهم كل يوم بقتل طفولتهم تارة ، وتحملهم المسؤولية تارة أخرى .
والأكثر مرارة أن موقف الحكومة في غزة المستنكر لهذه الفعلة تارة والصامت تارة أخرى ، يجعل الموقف أكثر قساوة على النفس أن تمنع الحكومة أي ردات فعل لاستنكار هذه الفعلة الشنعاء بحق أطفالنا ، وتلغي جميع الفعاليات المستنكرة لهذه التصرف ، وتواصل قتل حرية الرأي والتعبير بمنع التجمعات السلمية رغم حصول المؤسسات على إذن مسبق .
أتمني إن كانت حكومة غزة جادة في كشف الجناة وتقديمهم للعدالة وفقا لتصريحاتها عقب الجريمة بأنها ستفتح تحقيقا جديا بهذا التصرف بأن تكشف الجناة وتقدمهم للعدالة وأن يكون ذلك على مسمع ومرأى المواطن والرأي العام ، حتى لا يتجرأ غيرهم من هذه الزمرة التخريبية بتكرار هذه الجرائم وتكون النتيجة إرهاب الطفولة أولا والأسرة ثانيا وفرض الإقامة الجبرية على أطفالنا في بيوتهم ونضطر نعتذر لأطفالنا عن إجازتهم الصيفية وحرمانهم من أنشطة وبرامج هذه المخيمات التي أجزم قاطعة بأنها تقدم معظم السلوكيات والقيم الايجابية وفي مقدمتها قيم التسامح والتعاون والتعاضد والمساواة وعدم التمييز فضلا عن الجوانب الترفهيهة والثقافية الأخرى فلماذا تنسف هذه القيم ، ورغم ذلك يحدوني الأمل بأن تكون هذه الجريمة عابرة ولن تؤثر على سير هذه المخيمات وفق ما هو مخطط لها وأثنى أخيرا على موقف السيد جون كينج وجرأته وتصميمه على مواصلة برنامج العاب الصيف لرسم البسمة على شفاه أطفال فلسطين المحرومين .