بسم الله الرحمن الرحيم
" الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقى الاثنان " ......رديارد كبلنج ( 1865-1936م)
الجزء الأول: تحليل العبارة
من القائل؟
متى قالها؟
أين قالها؟
لمن قالها؟
هل الظروف و الاحوال السائدة ،الاجتماعية و السياسية و الأدبية و الشخصية لها تأثيراً على ما كتبه؟
" كبلنج" شاعر يمثل الامبراطورية الانجليزية
"كبلنج" شاعر....و قال ما قال....فما معناه؟
وهل ينطبق عليه قول العرب.. " المعنى فى بطن الشاعر"؟
الشاعر كبلنج تأثر بشىء ما فى الشرق ...و كتب ابياتاً من الشعر لتعبر عن
-- رؤية ما و خبرة متراكمة تفجرت فى لحظة ما فى بيت من الشعر
-- رد فعل..لم يحقق ما كان يحلم به من معوقات من الشرق مقارنه بحياته فى بلده الغرب
-- انفعال شاعر من لحظة مؤثرة متأثرة بخلفيته عن المكان "الشرق" الذى أثر فيه فى ظروف ما...
فهل كانت ابيات الشعر ل.."كبلنج"..
تأييداً للاستعمار وتعليلاً أو تبريراً له ؟
أم اقناعاً للحكام غير الانجليز ؟
أم تنويما للساسة و المفكرين والمثقفقين؟
أم وصفاً حقيقاً لفروق جذرية بين شرق و غرب؟
أم ماذا وراءها من مضامين فكرية و سياسية و اجتماعية ، وعسكرية و اقتصادية ، و...؟
وعلى العموم فعبارة كبلنج...
1) لا تفيد معرفياً
2) غير علمية
3) صحيحة منطقياً
4) غير سليمة منطقياً
5) غير واضحة فكرياً
****************
1) لا تفيد معرفة
لا تفيد معرفة لا بالشرق ولا بالغرب و ما المتشابه وما المختلف وما هو التناقض ولماذا عدم الالتقاء؟
2) غير علمية
00- استقراء غير كامل لفترة زمانية قصيرة بالنسبة لعمر الشعوب و من نماذج بشرية معددودة فى مناطق جغرافية قليلة
00- تعميم دون تحقق شروط التعميم من دراسة المجتمعات الإنسانية و التجمعات البشرية
00- تنبوء مستقبلى ( لن يلتقياً) ، دون معرفة اسس التنبوء
-- فى العلوم المادية و هى الأكثر تقدماً يصعب التنبوء ( مثلا الطقس )
-- و فى العلوم الأقل تقدما يصعب معرفة سلوك السوق من الأسعار و العملات فى الشهور التالية
وإذا كان التنبوء هذا حاله فى العلوم الأكثر تقدما من العلوم الاجتماعية...فكيف يمكن التنبوء هكذا بسهولة بعدم الالتقاء بين الشرق والغرب؟
إذن الاساس العلمى للحكم بعدم الإلتقاء حاضراً و مستقبلاً غير موجود
3) العبارة سليمة منطقياً
إذا قلنا....
س= الشرق
ص= الغرب
فالعبارة تقول...
س هو س ، و ص هو ص ، و لن يلتقى ص مع س
منطقياً-1: الشرق هو الشرق؟ بديهية استاتيكية متحققة دوما ، و لا تفيد معرفة لانها لا تقل ما هو الشرق ، ولا تصلح للحكم العام إلا بإضافة شروط عدم التغير مع الزمن لهذا غير المعرف " الشرق"
بمعنى: الشرق هوالشرق.....وهذا الشرق هو الشرق فى كل الأزمان
منطقياً-2: الغرب هو الغرب؟ بديهية استاتيكية متحققة ذاتياً ، و لا تفيد معرفة لانها لا تقل ما هو الغرب ، ولا تصلح للحكم العام إلا بإضافة شروط عدم التغير مع الزمن لهذا غير المعرف " الغرب"
بمعنى: الغرب هوالغرب.....وهذا الغرب هو نفسه الغرب فى كل الأزمان
منطقياً-3: عدم الالتقاء....ما هو الاساس المنطقى للحكم بعدم الإلتقاء؟
إذا كان الحكم جغرافيا على اساس ان الأرض غير كروية فالغرب لن يلتقى مع الشرق بالتأكيد ، فمنطقة الشرق هى فى الشمال دائما لمنطقة الغرب ولن يلتقياً..الغرب والشرق هنا مثل اليمين و الشمال ، ولأن اليمين دائما يختلف عن الشمال ، فلن يلتقيا
4) العبارة غير صحيحية منطقياً
أما إذا كان الحكم جغرافياً على اساس كروية الأرض ، فتعريف الشرق والغرب هو تعريف نسبى و سياسى. فاعتمادا على الموقع فكل مراقب له شرق و له غرب ، و يختلف الشرق والغرب بإختلاف مكان المراقب. فعند كل خط طول هناك شرق على يمينه وغرب على شماله. أما اختيار خط جرينتش كنقطة معيارية لتحديد اوقات الشرق والغرب ، فهو اختيار اعتمد على ظروف تاريخية و ليس كحقيقة طبيعية تحتم اختلاف الشرق عن الغرب جغرافياً. و كروية الأرض و الهجرات والغزوات والحروب و اختلاط الثقافات و تنوع الحضارات و اعتماد الحضارات الحديثة على ما قبلها يشير إلى الدوران والتنقل والاختلاط فى الأفكار..
إذن العبارة غير صحيحة منطقيا باعتبار الارض فى الحقيقة كروية وفى الفترات الزمانية الطويلة فالحضارات تتنقل من مكان لمكان، و بنفى معانى الجغرافيا والتاريخ من الشرق والغرب ، وبتحليل العبارة اكثر فنحن امام غرب و شرق كتوصيف عقائدى و ايديولوجى ومناهج فكرية و عقلية و ملامح شخصية وعادات وتقاليد.
5) غير واضحة فكرياً
ولتوضيح هذا سوف اعتمد على عدة احتمالات لتفسير ما فى بطن الشاعر من حيث ما يقصده بالشرق والغرب و عدم اللقاء
تجربة فكرية: لوفرضنا اننا قد قرأنا هذه العبارة ونحن معاصرين ل "كبلنج" فما هى تصوراتنا و فهمنا لهذه العبارة فى ذلك الوقت...الشرق ، والغرب ، وعدم اللقاء؟
ثم نتصور انفسنا الآن عام 2010 ، و نعيد قراءتها بعد هذه الفترة الطويلة و من ثم نسأل انفسنا عن تصوارتنا و فهمنا لهذه الثلاثية: شرق و غرب و لقاء...
فهل هناك اختلافات بين التصورين؟
مثلاً: لو سألنا انفسنا أيام كبلنج
-- هل الشرق هوالهند..تركيا...الصين..اليابان...مصر...امريكا الجنوبية..بلاد شمال افريقيا ....؟
-- هل الغرب بريطانيا.. المانيا ، تركيا...البرتغال..فرنسا..ايطاليا...امريكا الشمالية...كندا...؟
ثم سألنا نفس السؤال الآن و اضفنا البلاد...كوريا الجنوبية ، وكوريا الشمالية ، و باكستان ، و بنجلاديش و فنزويلا ، والبرازيل و جنوب افريقيا!
فهل التصنيف مازال صالحاً؟
هل تصور كبلنج كان عن اختلاف الثقافات و اللغات والعقائد والعقليات بين الشرق و الغرب و ان ثقافات ولغات وعقائد وعقليات الشرق و الغرب لن تلتقى؟
هل تصور كبلنج خاص بحالة خاصة فقط ( الهند أو الدولة العثمانية) فى فترة زمانية محددة بالإمبراطورية التى لم تغرب عنها شمس؟
و للحديث بقية فى الجزء الثانى..
الجزء الثانى: مناقشة عدة احتمالات لقول "كبلنج"
و تحياتى