المبدعة الفاضلة والأخت العزيزة ريمة:
شكرا لنقلك الحوار إلى موقعك الراقي.
يسعدني تواجدي هنا.
كل الود
لقاء ننقله عن ديوان العرب:
***********
في حوار جديد لها مع ديوان العرب:
لبنى ياسين ترسم بالكلمات وتعزف بأوتار الحروف
٢٥ آذار (مارس) ٢٠١٠، أجرى الحوار: عادل سالم
كاتبة فنانة تجيد الرسم بالكلمات كما أجادت الرسم بالريشة والألوان من قبل، شقت طريقها عبر الرسم، والنحت قبل أن تحمل القلم، فتعلمت كيف تزخرف كلماتها وتنحت في الأدب والسرد قصصا تعجب القراء فيطيلون النظر إليها، كأنها تماثيل تحاكي الواقع، لكنها تماثيل حية متحركة تنبض بالحياة، تحاول أن تقترب منها، تسلم عليها، فتجد نفسك تعيش معها وجها لوجه.
مبدعة لا ترضى بغير الإبداع أدبا، تبحث دوما عن ملامح لقلمها، مثل الغواص الذي كلما وجد لؤلؤة في البحر تابع البحث عن أخرى لعلها تكون أكبر وفريدة من نوعها، كأن ما تبدعه يحثها ويستصرخها لإبداع أشقاء له كي لا يكون وحيدا في مواجهة ملايين النصوص التي لا تستحق القراءة.
كتب عنها كثيرون، وحاورها أكثر ويطمح أن يراسلها المئات فزادها ذلك تواضعا، وإصرارا على العطاء. تعشق اللغة العربية التي تتلاعب بأحرفها كما كان يتلاعب الموسيقار الراحل فريد الأطرش بأوتار عوده، ولكن ليس لكي تسكرنا على أنغام كلماتها وإنما لتحث عقولنا على التفكير والابتكار. وتتمنى أن لا تعيش ليوم يغير العرب مفردات لغتهم الجميلة.
تحب أبطال رواياتها، تعيش معهم، تلازمهم، تفكر معهم، ترثي لحالهم كأنها تتقمص شخصياتهم كممثلة سينمائية للقيام بأدوارهم على الورق فتخرج تعابيرها عنهم بشكل صادق قريب من عقل القارئ وإحساسه، بحيث يتحول في لحظة من لحظات السرد كمشاهد يستعين بخياله ليرى ما يقرأه بعيونه.
أم مثالية أبدعت في تعليم ابنتيها وأصرت على أن تحملهما على كتفيها كما حملتهما في رحمها فانطلقتا في عالم الإبداع يسرقن الأضواء والأنظار، والانبهار.
تعترف أن لوالدها تأثيرا كبيرا عليها وفضلا عظيما، حيث تقول: «هو من رعاني ووجهني، وهو من ساعدني على اكتشاف موهبتي، وهو من وجهني للقراءة واختار لي، هو أيضا أول من قرأ نصوصي وأعطاني ثقة بقلمي، وكان يعطيني أشعاره وكتاباته فأقرؤها، ويسألني عن رأيي فيها، إمعاناً منه في توجيهي إلى تذوقٍ متميز للكلمة، وأهم من كل ذلك أنه كان يطلب مني بألا أقيد قلمي بأي شيء لا أؤمن به، وأن خطوطي الحمراء أضعها أنا، ولا يفرضها أحد علي لكي تكون الكلمة صادقة بما يكفي للوصول إلى قلب القارئ. وما زال أبي حتى الآن أول من يقرأ نصوصي».
عندما لبست الحجاب اعتقد بعض القراء أنها ستختفي من عالم الأدب والثقافة، لكنها فاجأت الجميع عندما واصلت طريقها بقوة لتقول لهم: إن حجاب المرأة في الأسلام لا يمنع المرأة من الإبداع، والكتابة، بل يحثها على ذلك ويدعوها دائما أن تكون السباقة في كل الميادين.
زوجها وفر لها الوقت وشجعها وأعطاها الأمان والدعم فاستحق التحية، والتقدير، فهناك عشرات غيرها اضطررن للتوقف عن الكتابة بضغط من أزواجهن.
قبل سنوات دعوناها لتغرد في حديقة «ديوان العرب»، واستمتعنا بحوارها وردودها، واليوم نعيد معها الكرة من جديد لا لكي نستمع لنفس الكلمات، ونفس اللحن، ونفس الألبوم ولكن لتتحفنا بأشياء جديدة لم نسمعها منها من قبل. فتعالوا معا نقرأ ما تقوله الأديبة العربية أولا والسورية ثانيا لبنى ياسين، فلا تبخلوا عليها باستفساراتكم.
كتاباتك هل تعبر عنك؟ أم عن شخصيات عاشت معك؟ أم هي مجرد ابتكار من بنات خيالك؟
الفكرة بحد ذاتها ابتكار ومن بنات أفكاري، إلا أنها لا بد وأن تكون معجونة ببعض من تجاربي، وممارساتي، وقناعاتي، وعلاقاتي، والشخصيات التي قابلتها يوماً، أو حتى لاحظتها يوماً، ومخزوني الثقافي والفكري الذي راكمته شيئاً فشيئاً خلال حياتي، إذ أن عين الكاتب تعمل مثل عدسة المصور، وتترك الصور بعدها لتتداخل فيما بينها، وفي النهاية أنت نفسك ككاتب لا تستطيع أن تحكم تماماً، إلى أي حد تدخلت الشخصيات والمواقف والأحداث التي مرت عليك في الحياة في تكوين شخصية من شخصيات قصصك.
لماذا تكتب لبنى ياسين؟ للتسلية؟ لمتعة في الكتابة؟ ؟ أم لأن الكتابة طريق الحياة؟
أول الأمر، لا بد أنك تعلم ككاتب أن الكلمة بالنسبة للكاتب هاجس محبب، وقلق جميل، وهذا القلق يرفض أن يبقى ساكنا في أعماقك، ولا بد له من الخروج بشكل أدبي ما.
ومن جهة ثانية، الكلمة تحمل فكرة، والفكرة هي البذرة الأولى للتغيير، لذلك أحلم أن يحمل قلمي من خلال رسائله الإنسانية بشائر تغيير للإنسان العربي، وبالطبع نحو الأفضل.
اعتمدت الرواية قديما على القراءة بشكل خاص، لكنها اليوم تستخدم للأفلام، والمسلسلات. هل يجب على الروائي أن يكتب مباشرة إلى السينما؟
الرواية اختصاص، وكتابة السيناريو اختصاص آخر، رغم أن غالبية الناس ينظرون إليهما، أي الرواية والسيناريو المأخوذ عنها، بمنظور واحد غالباً، وهي تخصص معروف في الأكاديميات الدولية وإن كان مفقوداً عندنا عربياً، على أن جميع كتاب السيناريو على الصعيد العربي تقريباً جاؤوا من عالم الصحافة والأدب.. وفي أدبنا العربي، وعلى رأسه أديب نوبل الروائي نجيب محفوظ، لم يعرف عنه أنه قام بكتابة السيناريو السينمائي أو حتى التلفزيوني لأي من رواياته، رغم أنه في بداياته قام بكتابة عمل أو عملين للسينما، بل كان يعرف عنه أنه لا يتدخل حتى بما يقوم به السيناريست من إضافات أو تعديلات على شخصيات وأحداث رواياته مع أن رواياته منشورة ومتوفرة للنقاد لمن يريد أن يعقد أية مقارنة بين الفيلم أو المسلسل وبين الرواية الأصلية.. ومثله كبار كتاب الرواية كيوسف السباعي، ويوسف إدريس، و إحسان عبد القدوس من مصر، وحنا مينا وعبد السلام العجيلي من سورية، والطاهر وطار من الجزائر، وغيرهم ممن غزت رواياتهم السينما والتلفزيون، إذ لم يقم واحد منهم بكتابة سيناريو لأي من أعماله..
ومن هنا لا أرى ضرورة أن يقوم الروائي بكتابة سيناريو لأعماله لتحويلها إلى فيلم أو مسلسل إلا إذا كان يريد أن يمتهن الاختصاصين معاً وهو أمر متروك للكاتب نفسه، ذلك أن الروائي عندما ينشر روايته يكون قد حدد لها كافة تفاصيل شخوصها ووقائعها وأهدافها، ثم يأتي السيناريست لإعدادها سينمائياً أو تلفزيونياً، فيكون ملزماً بإضافة تفاصيل وشخصيات مساندة ومشتقة من عالم الرواية، ليتمكن من ملء زمن الفيلم من ساعتين، أو المسلسل الذي يصل غالباً إلى ثلاثين ساعة، وقد لا تكفي الرواية زمنياً لأكثر من ساعتين فكيف بثلاثين ساعة؟! وفي المحصلة ليس ثمة ما يوجب على الروائي أن يكتب مباشرة للسينما، إلا إن أراد هو ذلك، فللرواية جمهور لا يستخف به، ومن وجهة نظري فان الرواية تنقل لنا ما لا تستطيع أن تنقله السينما أو الشكل المصور للرواية، فحين يصف الروائي العالم الداخلي للبطل، ومشاعره غير المرئية، قد لا تترجم تلك المشاعر في الصورة بالدقة نفسها، أو على الأقل فإن تأويلها وقراءتها يختلفان من شخص لآخر.
المسرح اليوم ليس مسرح قبل قرنين من الزمان، اختلفت المواضيع التي تطرح على خشبته، وسلبت السينما الكثير من شعبيته. هل المسرح في طريقه إلى الزوال؟
بالتأكيد المسرح اليوم ليس مسرح مـا قبل قرنين من الزمان، والمواضيع التي تطرح على خشبته تختلف، فالتطور الهائل الذي حدث في هذين القرنين في شتى النواحي والمجالات من ثورات علمية وثقافية، ومفاهيم حضارية حديثة، وحتى مصيرية على مستوى الشعوب والأمم، قد فرضها جميعها التطور الطبيعي للعالم (من الثورة الصناعية إلى الثورات الثقافية والسياسية والاجتماعية و المعلوماتية والفضائيات) الذي انعكس بدوره على مواضيع المسرح، وبالتالي على نوعية تناوله لهموم الناس، وعلى تقنياته التي دخلها التطور التكنولوجي والتقني الحديث، من إضاءة وديكور وموسيقى وتقنيات فنية إضافة إلى أداء الممثل نفسه… أما عن أن السينما سلبت الكثير من شعبية المسرح، وهل المسرح في طريقه إلى الزوال؟ فإني وإن اتفقت معك في الشق الأول على أن السينما والتلفزيون قد سلبا الكثير من شعبية المسرح، إلا أني أرى أن المسرحيين أنفسهم وخاصة في وطننا العربي هم من أفقدوه مكانته بتحول غالبيتهم إلى المسرح التجاري ذي النفع المالي (الذي يعتمد الإثارة الحركية و اللفظية الرخيصة و النقد السياسي والاجتماعي السطحي). إلا أنه مع ذلك يبقى للمسرح النظيف والجاد مكانته المحترمة، ورواده وجمهوره وخصوصية طرحه، وفي هذا تأكيد على أن المسرح العربي ليس في طريقه إلى الزوال، وإنما هو يمر بأزمة قد ينقذه منها عودة القطاع العام المسرحي إلى مكانته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما كانت مسرحيات مسرح الدولة مهيمنة تماماً على عالم المسرح بشتى مناحيه ومكوناته ، وعلى المسرح النظيف الثقافي والممتع الذي لم يفسح بسبب هذه المزايا أي دور لمسرح القطاع الخاص " التجاري المسفّ ". وربما ينقذ الوضع تبني الدول العربية مشروعاً عربياً لسينما ومسرح الدولة لدى وزارات الثقافة تنفذه القنوات التلفزيونية التابعة لوزارة الإعلام في كل دولة يعتمد المسرح التلفزيوني، ويقدم عيون المسرح المحلي والعربي والعالمي كمسرح تلفزيوني دائم على أنه مسلسل تلفزيوني مسرحي دائم كبقية المسلسلات التي تنتجها، وبذلك تنهض بالمسرح من جديد من ناحية، وتقدم الاعمال المتميزة بكواضيعها ودراميتها، ومن ناحية أخرى تنقذ الفنانين من الحاجة المادية التي تدفع بهم إلى قبول العمل ضمن المسرح التجاري الرخيص الذي بدأ يهيمن في السنوات الاخيرة على عالم المسرح ويبعد المسرح الجاد والمحترم من الساحة.
هل للقصة القصيرة مستقبل أفضل من الرواية؟
للرواية جمهورها، وللقصة القصيرة جمهورها، رغم أن الانسان العصري يسابق الوقت الذي يحتاجه في لهاثه وراء لقمة العيش أولا، ومن ثم وراء متعة، ولو ثقافية، توفرها له قنوات التلفزيون المتعددة التوجهات الثقافية والترفيهية وحتى شبه الإباحية والإباحية، ولذلك قد لا يصرف وقتاً طويلاً على قراءة رواية مكتفياً بالقصة القصيرة التي تتوافق مع طبيعة عصر السرعة المعتمدة على ثقافة الوجبات السريعة في الغذاء والثقافة وكل شيء، إلا أن متعة الاستغراق في قراءة رواية لا تعادلها متعة أخرى، لذلك أرى أن متذوقي هذه المتعة، حتى وإن تناقص عددهم، إلا أنهم لن يقبلوا عن الرواية بديلاً.
من رواد الرواية العربية المعاصرة في نظرك؟ من وجهة نظري لا شك أن نجيب محفوظ أديب نوبل هو أحد أهم رواد الرواية العربية، إن لم يكن رائدها الأهم، والطيب صالح، وعبد الرحمن منيف، وحنا مينا، وإحسان عبد القدوس.
الكتاب الشباب يشقون طريقهم بصعوبة. من تتنبئين له بمستقبل واعد في مجالات:
الشعر: شريف الشافعي، وهو شاعر مصري اعتمدت مجموعته الشعرية «الأعمال الكاملة لإنسان آلي» لتدرس في جامعة «آيوا» الأمريكية،الذي أنجزه الشافعي في تسع سنوات (1999-2008)، واعتبرت المجموعة (اختيارا مناسبا لطبيعة المنهج) باعتبار الديوان نموذجًا أصيلاً متفردًا لقصيدة النثر العربية..
شريف الشافعي القصة: كريمة الإبراهيمي وهي كاتبة جزائرية تمتلك قلماً مرهفا ً، مرام الموسى، سارة الخضير وهما كاتبتان سعوديتان.
الرواية: أستبشر بأمنية صغيرتي «هيا قره كهيا» وهي في الثانية عشرة من عمرها، وبعد أن نالت لقب أصغر كاتبة عربية خلفاً للفلسطينية ياسمين شملاوي، هي تطمح للقب أصغر روائية، وإن حققته، فلا شك أنه سيكون لها باع في الرواية.
هيا قره كهيا المسرح: رشا فاضل: وهي صاحبة قلم مبدع من العراق الجريح، وما قرأته لها يبشر بروائع تتحفنا بها مستقبلاً.
رشا فاضل النص الأدبي: ياسمين شملاوي وهي طفلة فلسطينية مبدعة في الخامسة عشر من العمر.
ياسمين شملاوي القصة القصيرة جدا لم تننتشر بشكل واسع لا عربيا ولا عالميا ما الأسباب حسب وجهة نظرك؟
من وجهة نظري الشخصية، رغم وجود كتاب أبدعوا في القصة القصيرة جداً بطريقة رائعة، ووجود نصوص لافتة بل وساحرة، ومقتنصة بطريقة تشي بإبداع صاحبها، إلا أن هناك عيـبـين في هذا النوع الأدبي حدا من انتشارها ووقوفها نداً لبقية الأنواع الأدبية، أولها: أنها تفقدك متعة القراءة، فأجمل شيء في القراءة الأدبية، هو أنك تتقمص حالة البطل، أو تحلق في زمان تلك القصة أو في مكانها، وربما تسمع الأصوات التي تحيط بـبيئة البطل فتصغي إلى أصوات الأمواج، أو تشم رائحة الياسمين.. القصة تخرجك إلى عوالمها، تجبرك على العيش في تفاصيلها، لكنك في حالة القصة القصيرة جداً تفقد هذه المتعة، وما أن تبدأ القراءة حتى تنهيها، قبل أن تشعر بشيء منها يتسرب إليك، والعيب الثاني : أنها أصبحت البوابة لمدّعي الابداع، وكل من يريد أن يضع لقب كاتب أو مبدع أمام اسمه، وبالنسبة إليهم ونظراً لقلة ثقافتهم الأدبية وضحالتها، فهم يعتقدون أن كل ما يحتاجه الموضوع هو كتابة سطرين، دون أن يدركوا حجم التكثيف اللازم، ولا مكونات وشروط القصة القصيرة جدا ً، ولا مدى صعوبة كتابتها واخراجها بطريقة تستوفي شروط القصة القصيرة جداً وتقنع القارئ، فقد ترى نصاً من نوعية: (كنت أحمل إبريق الشاي، وصببت الشاي في فنجاني، بينما سحاب سيجارتي يتطاول نحو السماء ويتشظى، ونظرت فإذا بي أصب في فنجاني أشلاء وردة صفراء)، وقد وضع تحت خانة قصة قصيرة جدا ً، وأنا لا أمازحك، فقد قرأت نصوصاً من هذا النوع، ووجدت تطبيلاً يفقدك صوابك إن أنت قرأته، نصوص دخيلة مثل هذه أضعفت من قوة هذا النوع الأدبي برمته، وجعلته يعاني من تساؤلات وانشطارات بين المبدعين أنفسهم حول استقلالية هذا النوع من القص.
بعض الكتاب الشباب يتهمون رواد جيل الشيوخ بأنه يضع العراقيل أمامهم. هل أنت مع هذا الإتهام؟ (إن كان الجواب نعم) هل يمكن أن توضحي لنا بعض تلك العراقيل؟
لست مع هذا الاتهام لرواد جيل الشيوخ بأنهم يضعون العراقيل أمام بعض الكتاب الشباب، خصوصاً وأن غالبيتهم قد رحلوا، أو لم يعودوا في مجال السلطة الإعلامية أو الثقافية، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات في أن بعضهم متصلب بآرائه برفضه للتجديد (وخاصة الشكلي كالشعر الحديث المتمرد حتى على شعر التفعيلة وعلى القافية) إلا أنه من المتعارف عليه أن كل جديد يعاني عند ولادته من الرفض والتهميش حتى يثبت وجوده وقدراته، فمثل هذا الرفض مثلاً لم يمنع المتمكنين من قدراتهم الإبداعية أن يقفوا بقاماتهم الإبداعية العملاقة كالماغوط، ومن قبله السياب، ونازك الملائكة، ومثل هؤلاء وأولئك شعراء المهجر، وشعراء الأندلسيات الذين أتحفونا جميعا بإبداعاتهم الخارجة عن القواعد المتعارف عليها آنذاك.. فالإبداع هو الإبداع، ومتى كنت مبدعاً فلا مجال لأية قوة أن توقف مسيرتك.
الصحافة الورقية ما زالت تمارس دكتاتوريتها في مجال نشر النصوص الأدبية، فتنتقي ما ترغب في نشره وتهمل الباقي، ماذا تقولين لها؟
أعتقد أن الإنسان المبدع يحلو له ومن خلال موقعه أو السلطة المنوطة به أن ينشر ويرفع من قدر النصوص المتميزة التي يقرؤها، بعيداً عن المحسوبيات، وعن العلاقات الشخصية بجيدها وسيئها، أما محدود الفكر والرؤية، فهو من يقيد النشر بما يتناسب ورؤيته من زاويته الضيقة.. إلا أننا في زمن الأنترنت، ولم يعد باستطاعة أي إنسان أن يحد من انتشار شخص مبدع، وبينما سيستمر المبدع في زرع ياسمينه ليتلقاه القارئ بالترحيب، سيندثر ذاك مع أثره السلبي تحت الغبار، وكما قيل" لو دامت لغيرك ما وصلت إليك".
أشكال الكتابة الأدبية تغيرت من الماضي إلى الحاضر هل تتنبئين بأشكال جديدة ستطفو على السطح؟
ليس تنبؤاً بقدر ما هو هاجس، أخشى أن الأجيال القادمة، ونتيجة ضعف اللغة العربية، ستكتب باللغة العربيزية، أو العربنسية كلغة بديلة للعربية الاصيلة تتكون من مزيج بين العربية والانكليزية، أو العربية والفرنسية، وأرجو ألا أعيش حتى أرى ذلك اليوم.
كيف يمكن استغلال الشبكة في خدمة الأدب والثقافة بشكل عام؟
هنالك مواقع أدبية محترمة وملتزمة، وتتمتع بالمصداقية الكافية لمتابعتها، أظن أن مثل تلك المواقع تخدم الأدب والثقافة بشكل جيد، كما أن المواقع التي تقدم الأدب المترجم، أو تقوم بترجمة أدبنا العربي إلى لغات أجنبية، هي أيضا تسير في الطريق نفسه، وغير هذا وذاك، فإن إمكانية الحصول على أغلب الكتب من الشبكة ساعدت على انتشار القراءة، وعجلت من وصول الكتب إلى يد طالبها، فلا تكاد تطلب كتاباً إلا وتجد أن بإمكانك تحميله من موقع ما دون عناء الانتظار أو البحث.
بوجود الشبكة العنكبوتية، هل تعتقدين أن عصر التخلف والتجهيل قد انتهى، أم بدأ عصر جديد من إخفاء الحقائق؟
أظن أن عصراً من البهلوانية قد بدأ للتو مع إمكانية النشر دون رقابة أو قيود، فصار بإمكانك أن تسمع قصصا ما أنزل الله بها من سلطان، وشائعات مريبة تفقد المرء صوابه، وسجالاً سياسياً غير منطقي، ولا مسؤول.. باختصار، كل من يريد أن يبين وجهة نظره وجد منبراً، وهذا أمر لا غبار عليه، لكن المشكلة أن كل من أراد أن يلتحف بالحق، ويجعله لنفسه، صار بإمكانه بواسطة الشبكة العنكبوتية أن يخترع من الأكاذيب ما يشبه " الفيل الطائر" في وضوحه دون خجل.. وأثناء حرب غزة، كانت تصلني رسائل من الفريق المعادي لحماس والمقاومة، فيها من الأكاذيب ما يندى له الجبين، حتى أنني اضطررت مرة –ونتيجة للغضب الذي أصبت به - أن أرد على ما يسمي نفسه بالمكتب الإعلامي برسالة أفهمته فيها أن ما يرسله في مثل هذا التوقيت العصيب على الأمة العربية بأكملها، هو عيب فيه هو شخصياً وانعدام نظر، وطلبت منه ألا يرسل لي الهراء الذي يخترعه.
المشكلة في هذا الزمن كـمّ المتناقضات التي نقرؤها كل يوم دون أن نعلم من الصادق، لكنني أعتقد أننا في داخلنا نملك ترمومتراً يعطينا الإشارة بأن هذا محض كذب، وذاك صادق، وفي مثل هذا الوقت لا بد أن يعمل هذا " الترمومتر" بأكبر طاقة له لئلا نصاب بحمى التجهيل أو الطائفية أو التعصب الأعمى.
المواقع الأدبية على الشبكة زادت بشكل ملفت هل حققت تلك المواقع ما يطمح إليه أدباؤنا أم ما زالت في بدايتها؟
هناك العديد من المواقع الملتزمة والجادة، تحقق ما يطمح إليه الكاتب بشكل كبير، إلا أنه كعادة هذا الزمان في التعاطي مع ما ينضوي تحت خانة الالتزام، تعاني المواقع الجادة من قلة الانتشار، بعكس المواقع الأخرى.
كيف ترين (ديوان العرب) على الساحة الأدبية هل تؤدي رسالتها بشكل سليم أم تحتاج إلى تطوير؟ ماذا تقترحين على ديوان العرب في سبيل النهوض بالحركة الثقافية والأدبية؟
أرى «ديوان العرب» من رواد المواقع الجادة والملتزمة التي تتطور وتتجدد وتبحث بكل الطرق عما يرفع من سوية أدائـها، وهي تتبنى العديد من المشاريع الرائدة والجادة، كتكريم المبدعين، والمسابقات السنوية، والمجموعة البريدية الملفتة في تواترها المدروس، ولا أدري إن كان بإمكاني أن أقترح مسابقات أدبية أو فنية لأطفال العالم العربي حول مواضيع تخص قضايانا في الشرق الأوسط، كي تزيد من وتيرة التواصل مع الطفل العربي، وترفع سوية إدراكه لقضاياه في ظل فضائيات ال(واوا) التي همشت قضايانا العربية عند جيل الشباب.
أحيانا نقرأ أسماء شخصيات أدبية وغير أدبية تشارك في لجان تحكيم مسابقات أدبية عريقة دون أن يكونوا نقادا حقيقيين، أو أصحاب خبرة واطلاع واسعين، وكثيرا ما تكون لغتهم العربية ركيكية. ماذا تقولين للمشرفين عن تلك المسابقات؟ ولماذا هذا الإهمال في اختيار الكفاءات المناسبة لاداء عملها؟
الحقيقة أنا أؤمن بمثل شعبي يقول «أعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه»، وبالنسبة لي فمعرفتي بأنه في لجنة التحكيم شخصيات غير أدبية لا من قريب ولا من بعيد يجعلني أفقد الثقة بكل ما تطرحه تلك المسابقة، ولا أعرف سبباً لمثل هذا الإهمال، إلا إن كان ذلك من أجل ترشيح أسماء بعينها دون النظر إلى ما قدمته.
القصة القصيرة في العالم العربي، هل تختلف من دولة إلى أخرى؟ أم أنها تتشابه في المجالات التي نطرقها؟
بشكل عام تتشابه القصة القصيرة في العالم العربي، فالهموم نفسها هنا وهناك، وتبقى فروق صغيرة عند الاشارة إلى بعض العادات والأعراف الخاصة، والمستوى التعليمي والثقافي بمكان أو بلد بعينه، أو مسميات أو أشياء من هذا القبيل، إلا أنها في أغلبها تخبرك بأن المواطن العربي يعيش أزمة لقمة العيش، وأزمة حرية، وأزمة هوية، وأزمة إيمان بحكومته، وأزمة مباحث ومخابرات، ولأخواننا الفلسطينيين والعراقيين وحدهم خصوصية في طرحهم من حيث أزمة القنابل، والبيوت المتهدمة فوق رؤوس أصحابها، والتهجير، والاحتلال.
ثمة أدباء مغمورون في دولنا العربية. كيف نساهم في وضعهم في مكانهم المناسب؟
أظن أن عليك أن تطرح علي هذا السؤال عندما أشغل منصب وزيرة ثقافة كي أستطيع أن أعطيك جواباً شافياً، وحلا ًحقيقياً لأقلام مبدعة تجد صعوبة في شق طريقها نحو الشمس، لكن من موقعي الحالي أرى أنه ربما يتيح لهم الانترنت فرصا للنشر والانتشار، خصوصا وان غالبية وسائل الإعلام العربية صحفاً، ومطبوعات، وقنوات تلفزيونية مغلقة في وجه الجميع تقريبا لصالح المقربين والمحسوبيات.
بعض المؤتمرات الأدبية التي تعقد ليست أكثر من مؤتمرات إعلامية يدعى إليها المقربون من اللجان المشرفة كيف تفسر ذلك؟
محسوبيات، ورد جميل على مبدأ «من شافني بعين أشوفه بعينتين».
معظم الكتاب الشبان لغتهم العربية ركيكة. هل يتحملون مسؤولية ذلك؟ أم أن أساليب التدريس المدرسية هي السبب؟
أظن الأمر أبعد من ذلك، فالإنسان العربي خاصة جيل الشباب يعاني من أزمة هوية، ومن انشطار حاد بينه وبين نفسه، وغالباً ما يحلم منذ نعومة أظفاره بالهجرة إلى بلاد العم سام، والكرت الأخضر، والجنسية، وهو يشق طريقه معتمداً على تلك الأحلام، فيهتم باللغة الأجنبية أكثر من اهتمامه بالعربية، لأن تلك اللغة ستمنحه جناحين يهرب بهما خارج حدود المكان الذي لا يحترم إنسانيته، أذكر أنني استنكرت مرة على ناشئ في الثالث المتوسط عدم معرفته بالجار والمجرور وهي من أبسط قواعد اللغة العربية، فرد علي بعفوية : ولماذا أهتم باللغة العربية، أنا لا أريد أن أبقى هنا، سأهاجر إلى أمريكا..
ما أبرز المشاكل التي تواجه الأدب العربي، والحركة الأدبية والثقافية في الدول العربية؟ وكيف نتغلب عليها؟
أبرزها أن الأدب لا يطعم خبزاً، لذلك بالكاد تجد أديباً عربياً متفرغاً لإبداعات قلمه، والرقابة الشديدة المعلقة كسيف فوق الرقاب، وعدم وجود مؤسسات تتبنى إنتاج الأديب لطباعته ونشره، مما يعني أن الأديب لن يفلح في نشر نتاجه بطريقة مرضية ما لم يكن ميسور الحال، وبالطبع الشللية التي تحكم الأندية الأدبية، والمهرجانات، وكل ما من شأنه أن يساعد الكاتب العربي في الظهور، وغياب مشروع نقدي حقيقي، وندرة الترجمة من وإلى العربية، أما كيف نتغلب عليها، فذلك بحاجة إلى مشروع متكامل تتبناه الدول العربية جميعها، ينهض بالثقافة ويرتقي بها، ويعيد للأديب مكانته اللائقة ، وربما من خلال الجامعة العربية التي فقدت جميع أدوارها المنوطة بها، فلا أقل من المساهمة في دعم الحركة الأدبية والثقافية العربية من خلال برنامج متكامل يشمل جميع النواحي الثقافية والأدبية.
تعليقات الكتاب على إبداعات زملائهم حسبما نقرؤها على الشبكة يغلب عليها طابع المجاملات والمديح بعيدا عن الرأي الناقد، لماذا هذا التصرف؟
لا أدري، ربما تبادل المجاملات، أثني على نصك فتعود وترد الدين عند قراءة نصي، أو لأننا بشكل عام لا نتقبل النقد، فلا القارئ رغم أنه كاتب بالدرجة الأولى قادر أحياناً على توجيه نقد موضوعي للنص بشكل لا يمس صاحبه، ولا الكاتب " صاحب النص" قادر على فصل نصه عنه، واعتبار أن انتقاد النص ليس انتقادا شخصياً له، ولا محاولة للنيل منه، وهذا الحال للحق يسيء لكاتب النص والمعلق عليه على حد سواء..
بعض النقاد والكتاب يجاملون كثيرا الكاتبات، ويغرقنونهن بالمديح، هل النقد العلمي أصبح غائبا؟
هو غائب جزئياً، لأن الناقد كالكاتب غير متفرغ لمشروعه النقدي، وهو يشغل وظيفة، أو ربما وظيفتين لإعالة أسرته مما يمنعه من إضاعة وقته الباقي في المرور على نصوص الكتاب، وفي غياب النقاد ظهر بعض المتطفلين من غير المتخصصين في مجال النقد الأدبي، فاعتبروا النقد مشروع "غزل " مجاني، وأنا لا أتحدث هنا عن أقلام نقدية كثيرة غير متخصصة أكاديمياً، إلا أنها اكتسبت خبرتها عبر الإطلاع والمواظبة والبحث والتطور المستمر، مما أفسح لها مكانة ، وأجبر الآخرين على احترام أقلامها وما تكتبه من نقد فاستحقت التقدير، إنما أتحدث عمن أقحموا أنفسهم في ساحة الأدب والنقد لأسباب بعيدة تماماً عن النقد والأدب والإبداع.
لماذا يعاني معظم الأدباء العرب من سوء الوضع الاقتصادي، ويعتمدون في معيشتهم على أعمال إدارية، وليس على ريع إبداعاتهم؟ من المسؤول؟
من وجهة نظري المسؤولية تقع على الحكومات في الدرجة الأولى، فبينما تجد أن البطالة المقنعة تكاد تطغى على بلادنا العربية، وفي كل مكان عدد لا يستهان به من الوظائف التي لا تعرف وجهاً لأصحابها وشاغليها إلا أول كل شهر عند قبض الراتب، هذا إن تكرموا وكلفوا أنفسهم عناء الوصول إلى مقر العمل، ولم يرسلوا السائق بدلاً عنهم، ترى من جهة أخرى الأدباء مضطرين للعمل من أجل راتب شهري يغطي مصروفات عائلاتهم، وبينما هم في أمس الحاجة إلى ذلك الوقت ليمنحوه لمخاض القلم. ومن جهة أخرى من أين يأتي ريع إبداعاتهم؟ إن كان الأديب لا يحصل على مقابل لروايته أو مجموعته القصصية أو ديوانه إلا على عدد قليل من النسخ لا يصل في أحسن حالاته إلى مائة نسخة، يقدم معظمها إهداءات إلى هذا وذاك.
الأطفال: ماذا قدم أكاديميونا وأدباؤنا وشعراؤنا لهم؟
ما يقدم للأطفال يعد حتى الآن متواضعاً جداً من حيث الكم والكيف، وكان يمكن للأدباء والأكاديميين والشعراء أن يقدموا لهم الكثير والجيد جداً من الإبداع، ولكن هات أية جهة رسمية أو خاصة تتبنى إبداعات الأدباء الخاصة بالطفل.. وأنا واثقة جدا أن الكثير من الإبداعات الرائعة يفارق أصحابها الحياة دون أن ترى النور ويـدفن الكثير منها – للأسف - مع مبدعيها، لكن يبدو لي أن حركة حثيثة نحو التقدم بأدب الطفل بدأت تخطو خطاً خجولة، أتأمل أن تتزايد تلك الخطوات وتفرض أدب أطفال متميز ينهض بثقافة صغارنا وقدراتهم، ويشدهم نحو القراءة.
حدث بارز في حياتك يعد نقلة في نشاطك الثقافي؟
تزكية مجموعتي الأولى من المبدعين الكبار في مكانتهم (أسامة أنور عكاشة، فتحية العسال، ومحفوظ عبد الرحمن )، واختياري على مستوى الوطن العربي في مجال القصة لأفضل عشرة قاصين وأكثرهم تأثيراً في القصة العربية ضمن نجوم الثقافة العربية لعام 2009 في نور الأدب، خاصة وأنه من بين العشرة وأهمهم طبعاً الكاتب المعروف زكريا تامر، والكاتبة السورية المعروفة غادة السمان.
هل أنت عضوة في اتحادات أدبية أو ثقافية؟
نعم أنا عضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات في مبادرة لإعطاء العضوية الفخرية للمرة الأولى لكاتبة غير مصرية، وعضو اتحاد كتاب الإنترنت.
هل ساهم الحاسوب في زيادة نتاجك الأدبي؟
لا، لم يلعب الحاسوب دوراً في زيادة إنتاجي الأدبي، بقدر ما لعب دوراً في مسائل الحفظ، والتصنيف، وأشياء تعتبر تنظيمية أكثر مما هي إبداعية.
ماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية كأديبة؟
أضافت الشبكة العنكبوتية لي علاقات متميزة مع أصدقاء من الوسط الأدبي، وتواصلاً مميزاً مع القارئ، وانتشاراً لنصوصي كان في بعض الأحيان غريباً من نوعه، فبعض نصوصي مثل «وأزهر الياسمين»، و«إلا أنت»، ومقالي القصصي الساخر «شارب زوجتي» إن وضعت أسماءها في غوغل لهالك عدد نسخها ولصقها في المواقع من مكان لآخر، مما أعطاني انطباعاً بملامستها لنقاط حساسة في قلب القارئ، ومن جهة أخرى منحني كماً من السرقات الأدبية لا يستهان به، فسترى النصوص ذاتها التي ذكرتها وقد وضعت من دون اسم أحياناً، ومذيلة باسم آخر نسخها ولصقها على أنها من بنات أفكاره وقلمه، وربما كان أكثر وقاحة فبدأ بعبارة ما رأيكم فيما خطه قلمي أو جملة من هذا القبيل.
هل تستشيرين أحدا قبل إصدار او نشر أعمالك؟
عندما أنتهي من كتابة نص، غالباً ما يرافقني نصي لأيام، أعيد قراءته فيها مرات ومرات، وعادة أرسل نصوصي لوالدي، ومن طبع والدي - حفظه الله - أنه لا يتدخل نهائياً في نصوصي، لكنه يقرؤها ويخبرني دائماً أن هناك ملامح خاصة لقلمي بإمكانه من خلالها أن يعرف نصي دون أن أكتب عليه اسمي.
لمن أهديت أول عمل أدبي لك؟
لعائلتي الكبيرة، أمي وأبي، وأسرتي الصغيرة : زوجي وابنتيّ.
متى كتبت أول محاولتك الأدبية؟ كم كان عمرك؟
كنت في الصف الخامس عندما كتبت أول قصة، لكنها بالطبع كانت قصة أطفال، لكن إن كنت تتحدث عن القصة القصيرة بملامحها المعروفة، فقد كنت في الخامسة عشر من العمر، وسميتها " الوصول إلى المنعطف "، وكانت تتحدث عن شاب فلسطيني عاد ألى حارته لينتقم لعائلته التي قتلها الصهاينة، ويومها أدهشت القصة والدي، فنشرها كما هي تماماً، ودون تغيير كلمة واحدة فيها، بعدها عدت وطبعت تلك القصة ضمن مجموعتي القصصية الأولى، لأنني أعتبرتها المبشر الأول بنضوج قلمي، وولادة القاصة فيّ.
هل أنت راضية عن عطائك الأدبي؟
إلى حد ما، لكن أحلامي أكبر بكثير مما يخطر في بال أي إنسان.
هل يوفر لك زوجك الوقت المناسب لمتابعة الكتابة والإبداع؟
نعم، وهو يعمل جاهداً على دفعي لمواصلة كتاباتي.
هل اشترطت عليه قبل الزواج أن لا يتدخل في شؤونك الإبداعية؟
لا لم اشترط، وحتى لم يخطر في بالي، فقد كنت طالبة في الجامعة، وأكثر ما يشغلني هو إنهاء دراستي الجامعية من جانب، ومن جانب آخر زوجي رجل يحب الانجازات الكبيرة، والنجاحات المميزة، لذلك لم يكن هناك أي داع لأشترط عليه حتى ولو شفهيا ً.
- كونك الآن حاجة وتلبسين الحجاب هل فرض ذلك عليك أن تغيري من موضوعات قصصك؟
لا أبدا، فمنذ البداية ملكت قلماً ملتزماً بقضايا الوطن والإنسان، ولم يكن لقلمي هفوات تستوجب العودة عنها أو تغيير مساره باتجاه آخر.
هل شجعك والدك الكاتب السوري محمود ياسين على الكتابة، أم حاول أن يثنيك عن ذلك؟
لا أظن أن هناك كاتباً يمكنه أن يحاول إثناء ابنه أو ابنته عن الكتابة، فكيف بأبي، هو الذي يعد الكلمة مسؤولية، ورسالة، والحقيقة أن أبي شجعني في كل مرحلة من مراحل عمري على المضي قدماً في هذا الطريق.
الأديب محمود ياسين والد لبنى أذكر مرة، ولم يكن قد نشر لي إلا تلك القصة اليتيمة " الوصول إلى المنعطف"، حضرت مسرحية مع أبي، وكان بطلها الممثل المعروف أسعد فضة، وهو من أصدقاء أبي، فدخلنا بعد انتهاء المسرحية إلى ما وراء الكواليس لإلقاء التحية، وما كان من أبي إلا أن عرفه عليّ على أنني "مشروع كاتبة سيقرأ لها الكثير "، يومها شعرت بأن هذا اللقب واسع عليّ، فكل ما في جعبتي آنذاك قصة واحدة منشورة، لكنني أظن أنه يومها أيضاً وبطريقة غير مباشرة، حملني أبي مسؤولية المضي قدماً في طريق الكتابة.
هل تفكرين بالرواية؟
في الحقيقة أنهيت روايتي الأولى، وأنا ألاحق إجراءات الطباعة حالياًً.
عندما تكتبين هل تتقمصين شخصية أبطالك، وتعيشينها حتى تتجسد حقيقة على الورق، أم هي مجرد أفكار تأتي وتغادر على الفور؟
عادة أتعمد تقمص شخصية البطل، لأستطيع أن أشعر بشعوره، وأكتب بلسانه ما يبدو متناسباً مع حالته، وثقافته، وشخصيته المفترضة التي قدمتها في القصة بهذا الشكل أو ذاك، ولولا هذا التقمص لخرج الحديث بمفرداتي وقناعاتي وثقافتي أنا، وبدت الشخصية غير مقنعة.
هل بكيت يوما ما لموقف تعرض له بطل من أبطال قصصك؟
نعم، قصة «تجيء ويغضي القمر» أبكتني مرة تلو الأخرى كلما قرأتها، ولم يكن غريباً إذ ذاك أن غالبية القراء، إن لم أقل كلهم، تعاطفوا معها، وظنوا أنها قصتي أنا وليست من بنات الخيال، وكانوا يصابون بالدهشة عندما أرد على رسائل التعزية والمواساة، بأنني لست بطلة القصة، وأن أمي تعيش حياتها وبأحسن حال، حتى أن إحدى القارئات أصيبت بالدهشة عندما رأت صورتي المنشورة على الشبكة العنكبوتية قبل الحجاب بشعر قصير، فقد توقعت-كما أخبرتني لاحقاً - أنني لم أقص شعري أبداً بعد الحادثة المذكورة في القصة .
حركة النشر الورقي عالميا بدأت تقل بعد انتشار الشبكة، أيهما تفضلين أن تقرئي كتابا على الورق أم على الشبكة؟ لماذا؟
أفضل الورق بالتأكيد، وحدث أن حمـّلت بعض الروايات من الانترنت، وعندما شرعت بقراءتها، وانغمست في طقوسها الرائعة، عدت واقتنيتها، وأكملت القراءة عبر النسخة الورقية، ذلك أن ملمس الورق، ورائحته، وصوت تقليب الصفحات، تعتبر بالنسبة لي من الطقوس الهامة التي تجعلني أستغرق في القراءة.
هل انشغالك في الكتابة يعطلك عن القيام بواجباتك الاجتماعية أو البيتية؟
بالنسبة لي أضع سلم أولويات، فأعطي حقوق أسرتي وصغيرتيّ المكانة الأولى من وقتي واهتمامي وطاقتي، ومن بعدها تأتي طقوس الكتابة، وأخيراً الواجبات الاجتماعية التي تتعلق بأشخاص خارج نطاق أسرتي، لذلك فالتقصير غالباً على الصعيد الاجتماعي أكثر من أي شيء آخر، وكثيراً ما أواجه باللوم والعتب لأنني فوتت مناسبة ما أو " جَمْعَة " هنا أو هناك، أو تأخرت في التواصل، أظن أن أغلب من حولي اعتاد الآن على نمط حياتي وخياراتي.
كيف تصفين علاقتك بالأدب والثقافة؟ هل هي علاقة روحية يصعب فصلها أم هي مهنة، وتخصص كأي مهني آخر؟
هي علاقة روحية تماماً، وأظنني متورطة تماماً في هذه العلاقة، وبشكل استثنائي، أنا لا أعتبر الأدب عملاً، أعتبره إن شئت رسالة راقية من شأنها أن تنهض بالمجتمع، وتسجل تحولاته المفصلية، وتشحن من طاقات أبناء هذا المجتمع، أعتبر الأدب جزءاً هامـاَ مني، جزءاً غير قابل للانفصام.
بكلمات بسيطة كيف تصنفين نفسك لقرائك؟
إنسانة عربية أحلامها كبيرة جداً، وتحمل هموماً إنسانية في قلبها، وزوجة وأم تحمل هموم أسرتها في القلب نفسه، وقلم طموح لأن يرتقي ويصل إلى العالمية بمثابرته.
نصيحتك للكتاب الناشئين؟
القراءة والصبر والمثابرة، وعدم الاكتفاء بالتزود من مورد واحد، كالأدب العربي رغم ثرائه، بل الإطلاع على الأدب الغربي المترجم، كالأدب اللاتيني، والإفريقي والآسيوي، ففي كل منها إضافة إلى ثقافته، ومحصلته الإبداعية قد لا يدركها بشكل واضح، إلا أنها كفيلة في إنضاج قلمه .
هل تؤيدين ترجمة الأدب العبري إلى العربية وبالعكس؟ أم تعد ذلك نوعا من التطبيع مع العدو؟
قديماً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم لغة قوم أمن شرهم "، ولا أدري مدى صحة الحديث، إلا أنني أرى أن الأدب وعاء تصب فيه ثقافة الشعوب ومعتقداتها وفلسفتها، لذلك أجد أن ترجمة الأدب العبري أمر لا غبار عليه، بل وربما مطلوب في ظروف كهذه التي تمر بها أمتنا العربية، مع انزراع الكيان الصهيوني في جسد هذه الأمة كالسرطان الخبيث، وليست الحالة المعاكسة - الترجمة من العربية إلى العبرية - بنفس الأهمية، فنحن من يتوجب علينا أن ندرك كيف يفكر عدونا، وماذا يخطط، وما الذي يزرعه في جمهوره من أفكار ومعتقدات حولنا، وأثناء المنعطفات الصعبة كالحرب على غزة، والحرب على لبنان، كنت أبحث عن الأخبار المترجمة من الصحف العبرية، لأن رؤية الصورة من خلال عيونهم، وجمعها بالصورة التي نراها نحن، كفيلة بجعلك تفهم الكثير من الأمور التي لم تكن لتفهمها لولا أن رأيت كيف ينظر عدوك إليها، كما أن متعة النصر عليه لا تبدو كاملة قبل أن تقرأ اعترافهم بالهزيمة وما ترتب عليه من خلال الأخبار المعروضة في صحفهم المحلية.
الحب في حياة لبنى ياسين هل يشجع على مزيد من الإبداع؟
الحب طاقة دافئة تسري في عروقك فتجعلك تحب الحياة والمخلوقات أكثر، وتجعل رؤيتك للحياة أكثر تلوناً وإشراقا، ومن المؤكد أن هذا سيترك بصمة على ما أكتب، ويدفعني للمزيد، والمزيد من العطاء.
السيرة الذاتية أصبحت نادرة في الشارع العربي، لماذا؟ ألانها صعبة المراس؟ ربما لأن الكثير من الكتاب لا يرغبون بنشر تفاصيل حياتهم وبعثرة خصوصياتهم أمام عيون الملأ، فنحن العرب محكومون بثقافة العيب، والخصوصية الزائدة عن حدها في بعض الأحيان، والبعض يمتعض من معرفة الآخرين لاسم أمه حتى الآن، ومن جانب آخر بعض الذين يرغبون في نشر سيرهم الذاتية لا يجيدون التعبير عن أنفسهم، بكتابة سيرهم كعمل أدبي مع بعض الاستثناءات الجميلة كسيرة الكاتبة فتحية العسال التي قدمت من خلال سيرتها إبداعاً أدبياً متميزاً، وسيرة كفاح.
كثرة المواقع الأدبية على الشبكة، هل هو دليل انقتاح وتطور، أم انزلاق وتبعد؟ هو عامة انفتاح وتطور بلا شك، حتى وإن انزلق بعض تلك المواقع بعيداً عن شروط الإبداع المتميز، وهو دليل على سهولة اقتناء وافتتاح المواقع، والحاجة إلى حيز من حرية التعبير.
هل أصبحت المبدعات العربيات منافسات للرجل في الساحة الأدبية أم ما زلن في بداية الطريق؟
بل هن منافسات، وإلا ما تفسير وجود أسماء كبيرة منهن جنباً إلى جنب مع المبدعين من الرجال، أمثال غادة السمان – كوليت خوري – أحلام مستغانمي، نازك الملائكة التي كانت رائدة من رواد الشعر الحديث، وغيرهن، هذا على المستوى العربي، أما على المستوى العالمي فحدث ولا حرج، وإن كن هنا وهناك أقل عدداً من الرجال المبدعين فلأن طبيعة الحياة تأخذ من المرأة أولى سنوات شبابها في الزواج والحمل والولادة والإرضاع، والرعاية الأولية للأطفال حتى دخول المدرسة، وقد يستمر هذا الحال إلى عشرة سنوات أو أكثر بحسب عدد الأطفال الذين أنجبتهم، مما يستهلكها تماماً خلال تلك الفترة، بعدها تحتاج العودة إلى ساحة الإبداع إلى إرادة قوية وطاقة استثنائية، قد تعجز عنها الكثيرات.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article21898