أمر سامة
قال ابن إسحاق : فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان ، وكان بها . ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج إلى عمان . فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها ، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها ، ثم نهشت سامة فقتلته . فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون
عين فابكي لسامة بن لؤي
علقت ما بسامة العلاقه
لا أرى مثل سامة بن لؤي
يوم حلوا به قتيلا لناقه
بلغا عامرا وكعبا رسولا
أن نفسي إليهما مشتاقه
إن تكن في عمان داري ، فإني
غالبي ، خرجت من غير ناقه
رب كأس هرقت يا ابن لؤي
حذر الموت لم تكن مهراقه
رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي
ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه
وخروس السرى تركت رذيا
بعد جد وجدة ورشاقه
قال ابن هشام : وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " آلشاعر " ؟ فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله
رب كأس هرقت يا بن لؤي
حذر الموت لم تكن مهراقه
قال أجل .
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر حديث سامة بن لؤي حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد بنيه فانتسب له إلى سامة فقال له عليه السلام آلشاعر بخفض الراء من الشاعر كذا قيده أبو بحر على أبي الوليد بالخفض وهو الصحيح لأنه مردود على ما قبله كأنه مقتضب من كلام المخاطب وإن كان الاستفهام لا يعمل ما قبله فيما بعده ولكن العامل مقدر بعد الألف فإذا قال لك القائل قرأت على زيد مثلا ، فقلت : آلعالم بالاستفهام كأنك قلت له أعلى العالم ونظير هذا ألف الإنكار إذا قال القائل مررت بزيد فأنكرت عليه فقلت أزيدنيه بخفض الدال وبالنصب إذا قال رأيت زيدا ، قلت : أزيدنيه وكذلك الرفع . ومن بني سامة هذا : محمد بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري ، وبنو سامة بن لؤي زعم بعض النساب أنه أدعياء وأن سامة لم يعقب وقال الزبير ولد سامة غالبا والنبيت والحارث . وأم غالب ناجية بنت جرم بن زبان واسمها : ليلى سميت ناجية لأنها عطشت بأرض فلاة فجعل زوجها يقول لها : انظري إلى الماء وهو يريها السراب حتى نجت فسميت ناجية وإليها ينسب [ بكر بن قيس ] أبو الصديق الناجي الذي يروي عن أبي سعيد الخدري وأبو المتوكل الناجي ، وكثيرا ما يخرج عنه الترمذي ، وكان بنو سامة بالعراق أعداء لعلي - رحمه الله - والذين خالفوا عليا منهم بنو عبد البيت ومنهم علي بن الجهم الشاعر قيل إنه كان يلعن أباه لما سماه عليا بغضا منه في علي - رحمه الله - ذكره المسعودي .
الرسول والمرسل
وقوله بلغا عامرا وكعبا رسولا . يجوز أن يكون رسولا مفعول ببلغا إذا جعلت الرسول بمعنى : الرسالة كما قال الشاعر
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم
بليلى ، ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة وإنما سموا الرسالة رسولا إذا كانت كتابا ، أو ما يقوم مقام الكتاب من شعر منظوم كأنهم كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب فتبلغه الركبان كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول وكذلك الشعر المبلغ فسمي رسولا . وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في فهم قول الله عز وجل وأرسلناك للناس رسولا [ النساء 79 ] فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال أرسلناك مرسلا ، ولا نبأناك تنبيئا ، كما لا يحسن ضربناك مضروبا ، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا ، واختصار القول فيه أن ليس كل مرسل رسولا ، فالرياح مرسلات والحاصب مرسل وكذلك كل عذاب أرسله الله وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل . ويجوز أن يكون رسولا حال من قوله بلغا عامرا وكعبا رسولا ; إذ قد يعبر بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ تقول أنتم رسولي ، وهي رسولي ، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث . وفي التنزيل فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين [ الشعراء 16 ] فيكون المفعول على هذا : أن نفسي إليهما مشتاقة ويكون أن على القول الأول بدلا من رسول أي رسالة .
وقوله وخروس السرى تركت رذيا . إن خفضت فمعناه رب خروس السرى تركت ، فتركت في موضع الصفة لخروس وإن نصبت جعلتها مفعولا بتركت ، ولم يكن تركت في موضع صفة لأن الصفة لا تعمل في الموصوف والسرى : في موضع خفض لخروس على المجاز كما تقول نام ليلك . يريد ناقة صموتا صبورا على السرى ، لا تضجر منه فسراها كالأخرس ومنه قول الكميت
كتوم إذا ضج المطي ، كأنما
تكرم عن أخلاقهن وترغب
وقول الأعشى :
كتوم الرغاء إذا هجرت
وكانت بقية ذود كتم
وإنما قال خروس في معنى الأخرس لأنه أراد كتوما ، فجاء به على وزنه . قال البرقي وكنت ماوية بنت كعب تحب سامة أكثر من إخوته وكانت تقول وهي ترقصه صغيرا :
وإن ظني بابني إن كبن
أن يشتري الحمد ويغلي بالثمن
ويهزم الجيش إذا الجيش أرجحن
ويروي العيمان من محض اللبن
يقال كبن وأكبن إذا اشتد .
وذكر قول جرير لبني جشم بن لؤي
بني جشم لستم لهزان فانتموا
لأعلى الروابي من لؤي بن غالب
يقال إنهم أعطوا جريرا على هذا الشعر ألف عير ربي وكانوا ينتسبون إلى ربيعة ، فما انتسبوا بعد إلا لقريش .