رضاء والمستوغر
قال ابن إسحاق : وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام
ولقد شددت على رضاء شدة
فتركتها قفرا بقاع أسحما
قال ابن هشام : قوله
فتركتها قفرا بقاع أسحما
عن رجل من بني سعد .
ويقال إن المستوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا ، وهو الذي يقول
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مئتان لي
وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا
يوم يمر ، وليلة تحدونا
وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي .
قال ابن إسحاق : وكان ذو الكعباتلبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة
بين الخورنق والسدير وبارق
والبيت ذي الكعبات من سنداد
قال ابن هشام : وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر :
أهل الخورنق والسدير وبارق
والبيت ذي الشرفات من سنداد
--------------------------------------------------------------------------------
فصل وذكر المستوغر بن ربيعة ، واسمه كعب . قال ابن دريد سمي مستوغرا بقوله
ينش الماء في الربلات منه
نشيش الرضف في اللبن الوغير
والوغير فعيل من وغرة الحر وهي شدته وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ ، ومعه ابن ابنه وقد هرم والجد يقوده فقال له رجل ارفق بهذا الشيخ فقد طال ما رفق بك ، فقال ومن تراه ؟ فقال هو أبوك أو جدك ، فقال ما هو إلا ابن ابني فقال ما رأيت كاليوم ولا المستوغر بن ربيعة فقال أنا المستوغر . والأبيات التي أنشدها له
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وعمرت من عدد السنين مئينا
إلى آخره . ذكر أنها تروى لزهير بن جناب الكلبي وهو زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وزهير هذا من المعمرين وهو الذي يقول
أبني إن أهلك فإني
قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أولاد سادا
ت زنادهم وريه
من كل ما نال الفتى
قد نلته إلا التحيه
يريد بالتحية البقاء وقيل الملك وأعقب هو وإخوته قبائل في كلب وهم زهير وعدي وحارثة ومالك ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله
أصم عن الخنا إن قيل يوما
وفي غير الخنا ألفى سميعا
وأخوه حارثة بن جناب وعليم بن جناب ومن بني عليم بنو زيد غير مصروف . عرفوا بأمهم زيد بنت مالك وهم بنو كعب بن عليم منهم الرباب بنت امرئ القيس امرأة الحسين بن علي وفيها يقول
أحب لحبها زيدا جميعا
ونثلة كلها ، وبني الرباب
وأخرى لأنها من آل لأم
أحبهم وطر بني جناب
فمن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة : زهير هذا ، وعبيد بن شرية ودغفل بن حنظلة النسابة والربيع بن ضبع الفزاري ، وذو الإصبع [ حرثان بن محرث ] العدواني ، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان ، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه وتقوم ظهره بعد انحنائه وفيه يقول القائل
لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها
وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه
ولكنه من بعد ذلك قد ماتا
وأمره عند العرب من أعجب العجب ومن أطول المعمرين عمرا : ذويد واسمه زيد بن نهد من قضاعة ، وأبوه نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة : بنو نهد بن زيد عاش ذويد أربعمائة عام - فيما ذكروا - وكان له آثار في العرب ، ووقائع وغارات فلما جاء الموت قال
اليوم يبنى لذويد بيته
ومغنم يوم الوغى حويته
ومعصم موشم لويته
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته
وقول المستوغر :
ولقد شددت على رضاء شدة
فتركتها قفرا بقاع أسحما
يريد تركتها سحماء من آثار النار وبعده
وأعان عبد الله في مكروهها
وبمثل عبد الله أغشى المحرما
ذكر ذا الكعبات بيت وائل وأنشد للأسود بن يعفر
أرض الخورنق والسدير ودارم
والبيت ذي الشرفات من سنداد
والخورنق : قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله واسم الذي بناه له سنمار وهو الذي ردي من أعلاه حتى قالت العرب : جزاني جزاء سنمار وذلك أنه لما تم الخورنق ، وعجب الناس من حسنه قال سنمار أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس حيث دارت فقال له الملك أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا ؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله وأمر به فطرح من أعلاه وكان بناه في عشرين سنة قال الشاعر [ عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي ] :
جزاني جزاه الله شر جزائه
جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة
يعلى عليه بالقرامد والسكب
فلما انتهى البنيان يوما تمامه
وآض كمثل الطود والباذخ الصعب
وظن سنمار به كل حبوة
وفاز لديه بالمودة والقرب
رمى بسنمار على حاق رأسه
وذاك لعمر الله من أقبح الخطب
ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان والسنمار من أسماء القمر وأول شعر الأسود ذهب الرقاد فما أحس رقادي . وفيها يقول
ولقد عمرت وإن تطاول في المدى
إن السبيل سبيل ذي الأعواد
قيل يريد بالأعواد النعش وقيل أراد عامر بن الظرب الذي قرعت له العصا بالعود من الهرم والخرف وفيها يقول
ماذا أؤمل بعد آل محرق
تركوا منازلهم وبعد إياد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم
ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض الخورنق والسدير وبارق
والبيت ذي الكعبات من سنداد
جرت الرياح على محل ديارهم
فكأنما كانوا على ميعاد
وأرى النعيم وكل ما يلهى به
يوما يصير إلى بلى ونفاد
ومعنى السدير بالفارسية بيت الملك . يقولون له " سهدلي " أي له ثلاث شعب وقال البكري : سمي السدير ; لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه فتسدر من علوه يقال سدر بصره إذا تحير .
يتبع