هبل وإساف ونائلة
قال ابن إسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل .
قال ابن هشام : سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه .
قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما ، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت سمعت عائشة - رضي الله عنها - تقول ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم ، أحدثا في الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين والله أعلم .
قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم
بمفضى السيول من إساف ونائل
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
قال ابن إسحاق : واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد قالت قريش : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ ص : 5 ] وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ; لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده .
العزى واللات ومناة
فكانت لقريش وبني كنانة : العزى بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم ، حلفاء بني هاشم .
قال ابن هشام : حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان .
قال ابن إسحاق : فقال شاعر من العرب:
لقد أنكحت أسماء رأس بقيرة
من الأدم أهداها امرئ من بني غنم
رأى قدعا في عينها إذ يسوقها
إلى غبغب العزى فوسع في القسم
وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه في من حضرهم . والغبغب المنحر ومهراق الدماء .
قال ابن هشام : وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة في أبيات له . والسدنة الذين يقومون بأمر الكعبة .
قال رؤبة بن العجاج :
فلا ورب الآمنات القطن
[ يعمرن أمنا بالحرام المأمن ]
بمحبس الهدي وبيت المسدن
وهذان البيتان في أرجوزة له وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه .
قال ابن إسحاق : وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سدنتها وحجابها بنو معتب من ثقيف .
قال ابن هشام : وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه .
قال ابن إسحاق : وكانت مناة للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد .
قال ابن هشام : وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة .
وقد آلت قبائل لا تولي
مناة ظهورها متحرفينا
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن هشام : فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها ، ويقال علي بن أبي طالب .
--------------------------------------------------------------------------------
فصل
وذكر إسافا ونائلة وأنهما رجل وامرأة من جرهم ، وأن إسافا وقع عليها في الكعبة فمسخا ، وأخرجه رزين في فضائل مكة عن بعض السلف ما أمهلهما الله إلى أن يفجرا فيها ، ولكنه قبلها ، فمسخا حجرين فأخرجا إلى الصفا والمروة ، فنصبا عليهما ، ليكونا عبرة وموعظة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ، ونصبهما على زمزم ، فطاف الناس بالكعبة وبهما ، حتى عبدا من دون الله .
وأما هبل فإن عمرو بن لحي جاء به من هيت ، وهي من أرض الجزيرة حتى وضعه في الكعبة .
وذكر الواقدي أن نائلة حين كسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها ، وتنادي بالويل والثبور وذكر باقي الحديث . وقول عائشة أحدثا في الكعبة أرادت الحدث الذي هو الفجور كما قال - عليه السلام - من أحدث [ فيها ] حدثا ، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله [ والملائكة والناس أجمعين ]
وقال عمر حين كانت الزلزلة بالمدينة : أحدثتم . والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم
وقول أبي طالب من إساف ونائل وهو ترخيم في غير النداء للضرورة كما قال أمال بن حنظل . وذكر قول الشاعر
رأى قدعا في عينها والقدع
ضعف البصر من إدمان النظر
وقوله في الغبغب وهو المنحر ومراق الدم كانه سمي بحكاية صوت الدم عند انبعاثه ويجوز أن يكون مقلوبا من قولهم بئر بغبغ وبغيبغ إذا كانت كثيرة الماء . قال الراجز بغيبغ قصيرة الرشاء . ومنه قيل لعين أبي نيزر البغيبغة . ومعنى هذا البيت الذم وتشبيه هذا المهجو برأس بقرة قد قربت أن يذهب بصرها ، فلا تصلح إلا للذبح والقسم .
وذكر فلسا في بلاد طيئ بين أجأ وسلمى . ويذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن أجأ اسم رجل بعينه وهو أجأ بن عبد الحي وكان فجر بسلمى بنت حام ، أو اتهم بذلك فصلبا في ذينك الجبلين وعندهما جبل يقال له العوجاء ، وكانت العوجاء حاضنة سلمى - فيما ذكر - وكانت السفير بينها وبين أجأ ، فصلبت في الجبل الثالث فسمي بها .