المبحث الرابع
اولا
التوجهات السياسية لعرب 1948 م
تقديم
إن دراسة أشكال وطبيعة المشاركة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل تقتضي تناول مسائل ثلاث :
المسألة الأولى : تتعلق بموقف العرب في التصويت لانتخابات الكنيست ، والمجالس البلدية والمحلية ، وكذلك الاتحادات الطلابية.
المسألة الثانية : تتعلق بموقف العرب من الأحزاب الإسرائيلية القائمة سواء الأحزاب الصهيونية كالماباي والمابام أو غير الصهيونية في الحزب الشيوعي ( راكاح ).
المسألة الثالثة : وتنصرف إلى المحاولات التي بذلت لتشكيل تنظيم سياسي عربي في استقلال كامل عن الأحزاب الإسرائيلية.

المسألة الأولى : تصويت العرب في الانتخابات العامة والمحلية : -
1- الكنيست :
بالرجوع إلى الإحصائيات المنشورة عن انتخابات الكنيست يبدو ارتفاع نسبة العرب الذي يدلون بأصواتهم بالنسبة لإجمالي من لهم حق التصويت ، فحين كانت هذه النسبة عند أدنى مستوى لها في انتخابات الكنيست الأولى عام 1949 ، فإنها بلغت 79.3% ، في انتخابات الكنيست الثاني 1951 . وفي انتخابات الكنيست الرابع عام 1959 بلغت 88.9 % وفي انتخابات الكنيست الخامس 1961 كانت النسبة في المدن العربية 85.8 % ، وفي القرى العربية 89% وبلغت نسبة تصويت العرب في انتخابات الكنيست السادس عام 1965 بلغت 87.1% في المدن العربية و 87.9 % في القرى العربية الكبيرة , ويمكن تحديد العوامل التي تفسر نسبة تصويت العرب في انتخابات الكنيست متمثلة في الأتي : أن الانتخابات تعد فرصة لأعضاء هذه الأقلية كي يعبروا عن مواقفهم من السياسات المتبعة إزاءهم . ولأن سياسة السلطات الإسرائيلية ذاتها الرامية إلي رفع مستوي تصويت العرب من خلال اختيار أعضاء قوائمها العربية من عائلات وطوائف ذات نفوذ اجتماعي كبير ، وعادة ما كان التنافس بين مرشحي هذه العائلات سببا . ولأن اتساع نطاق المصالح العربية التي تؤثر عليها التشريعات والقوانين المختلفة التى تصدر في دولة إسرائيل, وبخاصة فيما يتعلق بملكية الأراضي والأوضاع للقري العربية . ولازدياد عدد سكان المدن بين الأقلية العربية منذ عام 1948
2- المجالس المحلية :
اكتسبت الانتخابات المحلية أهمية مضافة بالنسبة للعرب بصفة خاصة ، لأن تركزهم الجغرافي يمكنهم من التعبير عبر هذا الانتخابات عن إرادتهم السياسية بدرجة أعلي مما هو متاح في الانتخابات العامة .ويمكن التمييز بصدد الانتخابات المحلية بين أوضاع المدن ذات الأغلبية العربية ، وبين القري او المدن العربية الصغيرة ، ففي المدن تعكس الانتخابات المحلية – بدرجة عالية – التنافس بين الأحزاب الرئيسية في الحياة السياسية الإسرائيلية ، أما في المدن والقري الصغيرة ، فيجري التنافس بين أنواع ثلاثة من القوائم : قوائم محلية تستند إلي أوضاع وعلاقات عائلية ، أو ترتبط بعضوية جماعة دينية معينة. و قوائم ترتبط بأحد الأحزاب النشطة علي مستوي الدولة . و قوائم لا ترتبط أساسا بالأوضاع العائلية أو الجماعات الدينية او الأحزاب الكبري بل تستند إلي أساس شخصي. ولعل أهم نماذج الانتخابات المحلية التي حظيت دراستها بإهتمام واسع هي تلك الخاصة بمدينة الناصرة ، ذلك ان الناصرة تعد أكبر مدينة عربية في اسرائيل من حيث عدد السكان ، كما تعود أهميتها إلي تركز النشاط ذلك ان الناصرة تعد أكبر مدينة عربية في اسرائيل من حيث عدد السكان ، كما تعود أهميتها إلي تركز النشاط الثقافي والفكري العربي فيها بدرجة كبيرة ولارتفاع درجة " تسيس" المواطنين العرب فيها ومن هنا فإن من يحصل علي الأغلبية في المجلس المحلي للناصرة ، لابد أن يتمتع بنفوذ كبير في اوساط الأقلية العربية في اسرائيل ككل ، لأن المزاج السياسي في الناصرة علي حد قول الاستاذ لانداو يحدد بدرجة كبيرة السلوك السياسي للعرب داخل الكيان الصهيوني .
3- الأتحادات الطلابية :
أن دراسة هذه الانتخابات وتلك الأنشطة تتيح مجالا لتبين الاتجاهات السياسية وأشكال المشاركة التي يتبناها الجيل العربي الشاب ويمكن أن تعد أحد المصادر الرئيسية لتزويد الأقلية العربية بقيادات الحاضر والمستقبل خاصة مع ارتفاع نسبة التعليم بين الشباب العربي والضعف التدريجي للبنية الاجتماعية التقليدية في المجتمع العربي تحت الاحتلال والذي كانت القرية تعد أهم معاقلة . ولعل أهم نماذج المشاركة السياسية العربية علي المستوي الطلابي تتمثل في اللجنة الطلابية العربية في الجامعة العبرية وتكمن أهميتها في حقيقة أنها تعد أقدم الأشكال التنظيمية المعبرة عن المشاركة الطلابية العربية من ناحية وأنها عبرت في انشطتها عن مضمون سياسي بارز يحظي بتأييد غالبية الطلاب العرب الذين قاموا بتشكيلها من خلال انتخابات منظمة ويبدو المضمون السياسي لهذه اللجنة بالنظر الي ميثاقها الذى تعمد إغفال ذكر كلمة إسرائيل .واستعاض عن ذلك بكلمة " البلاد " وفي مقابل ذلك فقد أكثر من الإشارة إلى مصطلح " الأمة العربية " . وفي عام 1971 قامت جماعة من خريجي الجامعات من العرب بتشكيل اتحاد خاص بهم تحت اسم " اتحاد الجامعيين العرب " ، يبدو بوضوح من النظر إلى الأهداف المحددة له التزام الطلاب بالتصدي للمشكلات التي تواجه الاقلية العربية في ظل دولة إسرائيل ، وللسياسة التي تتبناها السلطات إزاء تلك الاقلية أيضاًُ ، فقد كانت هذه الأهداف على النحو التالي : تنظيم جميع الجامعين العرب في إسرائيل من أجل الدفاع عن حقوقهم وحل مشاكلهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية . و العمل على رفع المستوى الثقافي والاجتماعي للمواطنين العرب والقيام بحركة ثقافية واسعة بينهم . والعمل على رفع المستوى التعليمي في المدارس العربية . و العمل على محو الأمية على المستوى العربي. و تشجيع التعليم الثانوي والعالي بين العرب. و تشجيع تعليم الفتاة العربية وتحريرها من القيود . والدفاع عن حقوق المواطنين العرب في البلاد في سائر المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية .
4- العرب والأحزاب الإسرائيلية .
وفي مجال دراسة موقف العرب من الأحزاب الإسرائيلية يجدر التمييز بين الأحزاب الصهيونية من ناحية والأحزاب غير الصهيونية من ناجية أخرى . حيث تفاوت موقف العرب من كليهما ، وتباينت مبررات وأشكال مشاركتهم في أنشطة هذه الأحزاب ، ولكن يمكن القول بصفة عامة أن مشاركة بعض العرب في الأحزاب الإسرائيلية قد استندت إلى عدم وجود بديل أخر لأن نظم الكيان الصهيوني قد حظرت أي خيار غير هذا ، وبذا لها البعض أنه يتعين العمل من خلال القنوات والأطر التي تعد " مشروعة " وفقاً لنظم هذا الكيان من أجل التعبير عن المطالب الخاصة بالاقلية العربية وعرض مشكلاتها ، وأن كان كثير من هؤلاء قد أدرك بالتجربة محدودية النتائج التي يمكن تحقيقها .
( أ )- المشاركة في الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية :
من بين الأشكال التقليدية لمشاركة العرب في الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية ، تكوين قوائم منفصلة خاصة بالمرشحين العرب تضاف أو تلحق بقوائم الحزب في الانتخابات العامة وعادة ما تلجأ هذه الأحزاب إلى ترتيب أسماء المرشحين العرب على نحو يأخذ في الاعتبار انتماءاتهم إلى جماعات أو طوائف دينية بعينها، ومثال هذا ما حدث في انتخابات الكنيست عام 1955 حين رتب الماباي قائمة مرشحيه من العرب فجعل الأول مسلماً والثاني مسيحياً كاثوليكيا والثالث درزيا كما تخضع مشاركة العرب في تلك القوائم إلى اعتبار أخر وهو تمثيل المناطق الجغرافية المختلفة .
ونظراً لأن حزب المابام كان من أول الأحزاب الصهيونية التي وجهت بعض الانتقادات لنظام الحكم العسكري ورفعت شعارات تدعوا إلى وقف عملية التمييز التي تمارس ضد الأقلية العربية في إسرائيل فقد أقدم بعض العرب على المشاركة في صفوفه ، وخاصة أنه قد سمح للعرب بالحصول على عضوية كاملة فيه منذ عام 1954 . إلا أن درجة المشاركة العربية في المابام ظلت محدودة للغاية إذا ما قيست بالحجم الضخم من المادة الدعائية التي تصدر عن هذا الحزب والتي يبدو فيها باعتباره مدافعاً عن مصالح العرب في إسرائيل، ولعل السبب الأول وراء هذا يعود إلى حقيقة أن المابام كان شريكاً دائماً في جميع الإئتلافات الحكومية في إسرائيل ، إلى جانب أن المابام كان بحكم موقفه منافسا لكل من الماباي ذي النفوذ والسطوة التقليديين والحزب الشيوعي الذي تبنى موقف المعارضة المبدئية لسياسات الحكومة تجاه العرب بل إن معارضة الحزب المتكررة والمعلنة لسياسات مصادرة الاراضي العربية ، لم تحل بينه وبين الشروع في إقامة كيبوتزات له عليها كما في حالة قرية كفر برعم ، وهذا يفسر أيضاً محدودية تأثير الماباي في أوساط العرب في إسرائيل