ثانيا / انتخابات الكنيست (1992 – 1996) : -
على صعيد انتخابات رئاسة الحكومة ، اسفرت نتائج الانتخابات الاسرائيلية عام 1996م عن هزيمة مرشح حزب العمل ، رئيس الحكومة السابق" شمعون بيرس" وفوز مرشح الليكود بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة وكانت هذه اول مرة ينتخب فيها الشعب رئيس الحكومة بطريقة مباشرة ، تطبيقا لتعديل القانون الاساسى الخاص بالحكومة الذي اقره الكنيست فى اذار / مارس 1992 ، مع ارجاء تطبيقة الي انتخابات سنة 1996 وعلى صعيد انتخابات الكنيست اسفرت النتائج عن هزيمة ما يسمى " معسكر اليسار " او "معسكر السلام " فى اسرائيل وفوز معسكر اليمين القومى والدينى واعادة تشكيل الخريطة الحزبية على نحو ابرز بوضوح اكثر مما فى اى وقت مضى عمق الانقسامات فى المجتمع الاسرائيلى وتطور التعبير عنها سياسياً ، وعلى الرغم من انه لم يكن من المفروض ان تكون هناك عقبات من شانها عرقلة تاليف الحكومة الجديدة ، فقد واجه رئيس الحكومة المنتخب صعوبات شديدة فى تاليفها ، وكانت محصلة جهوده حكومة شديدة التطرف
وقد صدرت فى تفسير اسباب هزيمة بيرس وفوز نتنياهو تصريحات وتحليلات على ساسة ومحللين يهود وعرب حملت الناخبين العرب المسؤولية عنها استنادا الى حسابات مفادها انه لو صوتت نسبة اعلى من الناخبين العرب ( الذين بلغت نسبة مشاركتهم نحو 80% ) ، ولو يمنح 5.2 % منهم اصواتهم لنتنياهو ، ولو لم يحجب الـ 10.000 ناخب عربى اصواتهم عن بيرس احتجاجا على اغلاق المناطق الفلسطينية المحتلة وتجويعها وعلى العدوان على لبنان ومجزرة قانا ، لفاز بيرس فى الانتخابات . لكن هذا النمط من التفسيرات يتسم بالسطحية ، ويبقى اصح من التحليلات التى ارجعت هزيمة بيرس الى عوامل متعددة ، منها انحسار التاييد لاتفاقات اوسلو وسياسة بيرس السلمية فى اثر العمليات الاستشهادية فى القدس وعسقلان وتل ابيب فى شباط / فبراير و اذار / مارس الماضيين ومنها الصورة السلبية المرتسمة لبيرس فى اذهان كثير من الناخبين
ويمكن تلخيص ابرز هذه النتائج بعناوين ثلاثة عريضة :
انزلاق باتجاه اليمين والتطرف السياسى ؛ ضمور فى قوة الحزبين الكبيرين فى مقابل الاحزاب الصغيرة مع تعاظم فى قوة الاحزاب الاثنية / القومية والدينية .
فقد انخفض تمثيل حزب العمل من 44 مقعدا فى الكنيست السابق الى 34 مقعدا . وانخفض تمثيل الليكود من 40 مقعدا الى 32 مقعدا ، وبلغ تمثيلهما معاً الى مستوى متدن لا سابق له – 66 مقعدا مقارنة بـ 76 مقعدا فى الكنيست السابق و 95 مقعدا فى انتخابات سنة 1981
مع حصول المعسكر الدينى ( شاس + المفدال + يهدوت هتوراه ) ، اول مرة فى تاريخ الانتخابات الاسرائيلية ، على 23 مقعدا ، بعد ان كانت اعلى ذورة بلغها فى السابق 18 مقعدا ، وحصول الاحزاب العربية ( حداش / التجمع الوطنى الديمقراطى / القائمة العربية الموحدة ) ، اول مرة ايضا فى تاريخ الانتخابات الاسرائيلية ، على 9 مقاعد بعد ان كانت اعلى ذروة بلغتها فى السابق 6 مقاعد . مع نجاح حزب المهاجرين السوفيات " يسرائيل بعلياه " فى الحصول على 7 مقاعد ، على الرغم من انه تاسس قبل الانتخابات بفترة قصيرة وعلى الرغم من افتقاره الى الاداة الحزبية والخبرة التنظيمية والاموال المتاحة .
وترجع اسباب ضمور قوة حزب العمل الى العوامل التى ذكرناها اعلاه فى حديثنا عن اسباب هزيمة بيرس فى انتخابات رئاسة الحكومة ونضيف اليها ازدياد شدة تاثير عامل التصويت الاثنى / القومى فى انتخابات الكنيست 1999 عما كانت عليه فى الانتخابات السابقة ، وهو الامر الذى افقده كثيرا من اصوات المهاجرين السوفيات والناخبين العرب الذين صوتو له فى الانتخابات الماضية .
ونجاح حزب " الطريق الثالث " الذى اسسته مجموعة منشقة من الحزب ، فى جذب اصوات الناخبين من ذوى الميول " الصقرية " بمعايير حزب العمل وأما الاْحزاب الاثنية/الدينية/القومية الصغيره (شاس،المفدال ،"يسرائيل بعلياه"، الحزبان العربيان :حداش والقائمة العربية الموحدة)، فيرجع تعاظم قوتها الي تضافر العامل المتمثل في قانون انتخاب رئيس الحكومة المشار إليه أعلاه، مع تحويلات اجتماعية _ سياسية بعيدة المدي في المجتمع الاسرائيلي لا يتسع المجال للحديث عنها،ادت في محصلتها الراهنة إلي تعميق الانقسامات الاثنية والدينية والثقافية،وإلي بروز وتعاظم القوي السياسية المعبرة عنها.ويري العالم الاْجتماعي الاسرائيلي، "باروخ كيمر لينغ" أن اهم الدلالات الاجتماعية – السياسية للانتخابات، أنها كشفت بوضوح عن وجود ست ثقافات فرعية واضحة المعالم والحدود الاجتماعية، تمثلها الاْحزاب الصغيرة التي نجحت في تعزيز أو تثبيت قوتها في الانتخابات، في مقابل الثقافات الاسرائيلية الصهيونية العامة ، التى يمثلها حزب العمل والليكود والتى يدل ضمور قوتيهما فى الكنيست الجديد ، على انحسارها كما يري" كمير لينغ" ان نتائج الانتخابات الحالية تؤذن بنهاية مرحلة في الحياة السياسية الاسرائيلية وبدء مرحلة جديدة عنوانها حرب ثقافات
موقف الاحزاب العربيه :-
وفى بداية الحملة الانتخابية كان ثمة ثمانى قوى سياسية عربية او عربية – يهودية تستعد لخوض معركة الانتخابات وهذه القوى هى : الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة – حداش ( برئاسة هاشم محاميد ) ، التجمع الوطنى الديمقراطى ( عزمى بشارة ) الحزب الديمقراطى العربى ( عبد الوهاب درواشة ) الحركة الاسلامية ( عبدالله نمر درويش ) الكتلة العربية الاسلامية ( عاطف خطيب ) ، الحركة العربية للتغيير ( احمد طيبى ) ، التحالف الديمقراطى ( محمد زيدان ) منظمة العمل الديمقراطى ( اساف اديب ) . وقد تمت محاولات حثيثة لتوحيد القوائم العربية ، واجريت مفاوضات شاقة لهذا الهدف اسفرت عن تحقيقه بصورة جزئية . وبعد انسحاب الحركة العربية للتغيير من حلبة التنافس فى شان الاصوات العربية ، وتوصل عدد من القوى الى قوائم مشتركة استقر الحال على اربع قوائم خاضت الانتخابات ، منها قائمتان رئيسيتان هما حداش والقائمة العربية الموحدة وقائمتان لم تفلحا فى تجاوز نسبة الحسم المطلوبة لدخول الكنيست ( 1.5% من اصوات المقترعين ) وهما التحالف الديمقراطى ومنظمة العمل الديمقراطى
وفيما يلى لمحة عن القائمتين اللتين تمثلتا فى الكنيست :
قائمة حداش من اجل " دولة لكل مواطنيها " وضمت هذه القائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطنى الديمقراطى وقد قامت الشراكة بين الجبهة والتجمع كما جاء فى برنامجهما الانتخابى ، على اساس برنامج سياسى واجتماعى مشترك يتلخص فى النضال المثابر لتحقيق السلام الفلسطينى – الاسرائيلى و الاسرائيلى – العربى العادل والشامل والمستقر ، من اجل جعل دولة اسرائيل ديمقراطية ولكل مواطينها ومن اجل مساواة قومية ومدنية كاملة لمواطنى دولة اسرائيل ، يهودا وعربا ، وللدفاع عن حقوق العاملين ومساواة المراة ومن اجل المساواة الطائفية والاعتراف بالعرب مواطنى اسرائيل كاقلية قومية
القائمة العربية الموحدة : " وحدتنا ولدت يا عربى " : تالفت هذه القائمة من الحزب الديمقراطى العربى والحركة الاسلامية والكتلة العربية الاسلامية . و قد خاض انتخابات الكنيست وفاز بمقاعد فيه منذ سنة 1988 ، فان هذه المرة الاولى التى يشارك مع الاسلاميين فى هذه الانتخابات . اما فى الانتخابات السابقة فقد برزت داخل الحركة الاسلامية خلافات فى هذا الشان ، بين داع الى المقاطعة ، واخر يقول بالاشتراك فى قائمة عربية موحدة على راسها زعيم الحركة " عبدالله نمر درويش " وثالث يدعوا الاسلاميين الى دعم المرشحين العرب ..
وتجددت الخلافات هذه المرة واصر تيار المشاركة على راية وكان له ذلك ففاز اثنان من الاسلاميين فى القائمة الموحدة بعضوية الكنيست لكنها لقاء ثمن باهظ تمثل فى انشقاق الحركة الاسلامية ، وقد ضم الجناح الداعى الى المشاركة كل من " عبدالله نمر درويش " وعضوى الكنيست الجديدين " عبد المالك دهامشة " و "توفيق خطيب " ورئيس المجلس المحلى لكفر قاسم ابراهيم صرصور ، بينما ضم الجناح الاخر رئيس بلدية ام الفحم "رائد صلاح" ، وكلاً من " كمال خطيب و حسام ابو الليل ومنير ابو الهيجا و هاشم عبد الرحمن " ويبقى السؤال مطروحاً هل يتعمق هذا الانشقاق ويصبح نهائيا ام سيكون مجرد انقسام انتخابى يتبعه تصحيح المسار بحسب "حسن الخطيب" ، رئيس تحرير صحيفة الحركة ( صوت الحق والحرية ) ايا يكن الامر فان التركيب الشخصى للقائمة العربية الموحدة هو الذى يميزها من غيرها اكثر كثيرا مما يميز برنامجها الانتخابى فهى خلافا لقائمة الجبهة – التجمع ، كانت قائمة عربية محضة باعضائها المرشحين العشرة ، الذى احتل اربعه منهم مقاعد فى الكنيست الحالى . وهى بذلك تعتبر امتداد للتقليد الذى بداه الحزب الديمقراطى العربى سنة 1988 .
ويلاحظ ان نسبة مشاركة العرب كانت الاعلى فى تاريخ انتخابات الكنيست منذ اواخر الستينيات فقد بلغت هذه النسبة نحو 78% ( اى 340 الف مقترع تقريبا ) ، قياسا بـ 69.7% سنة 1992 و70% سنة 1988 و 72% سنة 1984 و 68% سنة 1981 . ويعود هذا الارتفاع الى مشاركة ناخبين من الحركتين القومية والاسلامية فى هذه الانتخابات لاول مرة كما انه يعود الى تعزز وضع القوائم العربية ، والاستقطاب الجارى بين القائمتين الرئيسيتين فيها ، واحتدام التنافس فى شان رئاسة الحكومة بين مرشح حزب العمل " شمعون بيرس " ومرشح الليكود بنيامين نتنياهو .