عبد القادر عبد اللي مترجم مسلسل نور التركي:
التنـاول النقـدي للمســلسلات المدبلجـة غيـر موضـوعيلم يهدأ موبايل عبد القادر عبد اللي خلال عرض مسلسل نور، فالجميع يسأله كونه المترجم عن أحداث المسلسل وأحداث الحلقات القادمة «فقال غاضباً: حقق لي مسلسل نور من الشهرة ما عجزت عنه كل هذه المؤلفات التي ترجمتها واللوحات التي رسمتها». عبد القادر عبد اللي «مترجم مسلسل نور التركي» في جعبته أكثر من 40 عملاً مترجماً عن التركية في مختلف الأنواع الأدبية ما بين الشعر والرواية والقصة والمسرح وصولاً إلى الدراسات. ومن أهم ترجماته «أنطولوجيا القصة القصيرة في تركيا»، والأعمال الشعرية الكاملة لـ «أورهان ولي» الذي يُعدُّ من أهم شعراء تركيا، وترجمات روائية لـ «أورهان باموك» «يشار كمال»، «أحمد حمد طان ينر» من كلاسيكيي الأدب التركي، عبد اللي أيضاً فنان تشكيلي وناقد تشكيلي، آخر معرض فردي له عام 1993 في دمشق.
انشغل في العامين الأخيرين بترجمة المسلسلات التركية التي بدأت تسود الشاشات العربية بكثرة، التقينا الفنان والناقد والمترجم عبد القادر عبد اللي الذي قال عن بدايات ظاهرة المسلسلات التركية المدبلجة: «منذ البداية ظهرت الفكرة لدبلجة الأعمال التركية إلى اللهجة السورية، لأن الدراما عموماً إن كانت سينمائية أو تلفزيونية غالباً ما تؤدى باللهجات العاميّة، وأقول اللهجات لأنّ هناك أكثر من لهجة في كل لغة وفي كل بلد، فمنطوق الشخصية يُعبر عنها في كثير من الأحيان، وأعترف أن الفكرة الأساسيّة بهذا الاتجاه جاءت من المنتج «أديب خير» صاحب شركة «ساما» للإنتاج الفني والدرامي، وهو الذي طرح الفكرة على بعض المسؤولين في محطة m.b.c وتم الاتفاق على هذا الأمر، وبدأت التجربة من هنا عام 2006، بالطبع هناك تجارب سابقة لدبلجة أعمال مكسيكية أو سواها، لكن نجاح الأعمال التركية يقوم باعتقادي على نجاح اللهجة السورية في التوصيل الدرامي.
وأهم الأعمال التي قام عبد اللي بترجمتها؟ «بدأنا بمسلسل نور»، ثم «دموع الورد»، «وادي الذئاب»، «قلب شجاع»، «دقات قلب»، بالإضافة إلى مسلسل «روابط الحياة»، الذي تمّت دبلجته إلى اللهجة العراقية، وكلها لصالح تلفزيون «أبو ظبي»، وأخيراً «ليلة حزيرانية» لصالح m.b.c وهناك ثلاثة أفلام سينمائية تمّت دبلجتها أيضاً لصالحها.
وعن رأيه بالانتقادات الموجهة للمسلسلات التركية يقول عبد اللي: «في الحقيقة هناك آراء متطرفة جداً حول الموضوع، وأنا شخصياً لا أتفق مع الكثير من الأشياء أو المسائل المطروحة في هذه المسلسلات، ولكن مع الأسف فإن تناولها النقدي لا يتم بشكل موضوعي، وإنما ينطلق غالباً من مواقف مسبقة أو من دوافع ايديولوجية وليست فنية، الدراما التلفزيونية عموماً تقوم على مفارقة ليست شائعة في المجتمع، مثال ذلك عندما يتناول مسلسل تلفزيوني سوري قضية الإيدز، فهل يستطيع أحد الادعاء أن الإيدز يُشكل ظاهرة إجتماعية وصحية لها وزنها في سورية؟! هذا المثال يمكن أن يُسحب على أكثر من عمل درامي، لأن الدراما غالباً ما تتناول أشياء وظواهر متميزة، أو حالات لها خصوصية ملفتة للانتباه.
وعن سبب طول هذه الأعمال يقول عبد القادر: «هذه القضية فيها سوء فهم كبير، مثلاً عندما دبلج مسلسل «ليالي الحلمية» المصري إلى اللغة التركية، وعرض في تركيا، استغرب المشاهد التركي الطول الشديد لهذا العمل الذي زادت حلقاته عن مئة وخمسين حلقة. المشكلة هنا أن الجهة المنتجة تشتري المسلسل بكافة أجزائه، وتتم الدبلجة ليعرض العمل دفعة واحدة وبشكل متسلسل، هذه النقطة تساهم في إظهار العمل وكأنه طويل جداً.
النقطة الثانية أن المعدل الوسطي لطول الحلقة في تركيا حوالي 75 دقيقة تطول أو تقصر، بينما يجري التقطيع عندنا بعد الدبلجة إلى وسطي الحلقات 45 دقيقة، وهذا يساهم في زيادة عدد الحلقات بالنسبة للمشاهدين، فيظهر المسلسل التركي طويلاً كما ظهر مسلسل «ليالي الحلمية» بالنسبة للمشاهد التركي، بينما نحن لم نشعر أنه مسلسل طويل!. إضافة إلى مسألة أخرى، فالمسلسلات التركية تعرض بشكل أسبوعي وليس كل يوم كما يجري في فضائياتنا العربية.
أما بخصوص انتشار هذه الأعمال على الشاشات التركية واتهام البعض بعدم اهتمام الجمهور التركي بها يرى عبد اللي أن هذا الاتهام «بعيد كل البعد عن الواقع، ولكن له أسبابه أيضاً. لأن الدراما التلفزيونية لا تحتل في سلم أولويات المشاهد التركي إلا الدرجة الرابعة أو الخامسة أحياناً، فالرياضة تحتل الدرجة الأولى بالنسبة لذلك المشاهد، ثم تأتي المنوعات والفضائح، ثم الأخبار المحلية وأخيراً الدراما التلفزيونية، لذلك عندما نستطلع مثلاً آراء شريحة من المثقفين الأتراك، سنجد أن 95 منهم لا يعرفون هذه المسلسلات ولم يسمعوا بأسماء الممثلين، لأنهم أساساً لا يتابعون الدراما التلفزيونية.
النقطة الثانية وهي مهمة جداً للوقوف على رأي المثقفين، ورأي مشاهدي الدراما، لأن أول عمل تركي عرض مدبلجاً إلى العربية هو «إكليل الورد»، وكان قد حظي بسمعة طيبة بالنسبة للمثقفين الأتراك، بل هناك إجماع على أنه أفضل عمل درامي قدم خلال العشرين سنة الأخيرة في تركيا، لكنه بالمقابل لم يستطع أن يجذب المشاهد العربي في نسخته المدبلجة، مع أنه كنص وسيناريو وأداء من أهم الأعمال التركية! ونقول للمفارقة أيضاً أن مسلسل «ليالي الحلمية» الذي حظي باهتمام المشاهدين العرب، كان مصيره في تركيا مشابهاً لمصير «إكليل الورد» لدينا، إذ لم ينجح في استقطاب المشاهدين الأتراك. ما أريد الوصول إليه أن ما ينجح لدى المشاهد العربي ليس بالضرورة أن يكون ناجحاً لدى المشاهد التركي، ولا يجوز إطلاق أحكام عشوائية دون تدقيق ومتابعة، فالأمور تبقى نسبية.
ورداً على القول إن هذه الأعمال تصنع خصيصاً للدبلجة إلى العربية، أقول إننا آخر من أخذ هذه الأعمال، فكلها تمّت دبلجتها إلى اللغات الأوربية وإلى اللغة الروسية تحديداً، وذلك قبل أن تحظى باهتمامنا نحن كعرب، مع أننا بدأنا مؤخراً نقوم بدبلجة بعض الأعمال الحديثة بالتوازي مع اللغات الأخرى، كما حصل مع مسلسل «دقات قلب» الذي بدأ عرضه مؤخراً على فضائياتنا.