إطلالة
لكي تصبح كاتباً«في سن الخامسة قلت لأمي: لقد اكتشفت هوايتي، أريد أن أصبح كاتباً.
أجابتني بحزن: يا بني أبوك مهندس، وهو رجل منطقي، وعاقل، ولديه رؤية دقيقة للعالم. فهل تعرف ما معنى كاتب؟.»
هذا الكلام ليس لي، بل للبرازيلي باولو كويللو الذي بحث عن صفات الكاتب، فتوصل إلى أنه يضع نظارة باستمرار، وشعره غير مصفف.
يمضي نصف وقته غاضباً من كل شيء، والنصف الآخر محبط يعيش في البارات متحدثاً مع كتاب آخرين يضعون نظارات وغير مصففي الشعر.
ومن واجب الكاتب ألا يكون مفهوماً من جيله، وإلا فإنه لا يعدّ عبقرياً أبداً، وحدهم الكتاب الآخرون يفهمون ما يعنيه الكاتب ومع ذلك فهو يكره الكتاب الآخرين سراً.
والكاتب يبرع في استخدام موضوعات ذات أسماء مخيفة: «سيموطيقا- ابيستمولوجيا..».
يقول الكاتب لكي يغري امرأة: «أنا كاتب».
ونظراً لثقافته الواسعة فإنه يجد دائماً عملاً كناقد أدبي.
وأنا أقرأ هذه الكلمات من مقدمة نصوص «كالنهر الذي يجري» خمنت أن كويللو إما أنه قد عاش مع كتابنا سنوات طويلة، أو أن الكثير منهم قد قرؤوا هذه المقدمة وقرروا العمل ببنودها من الألف إلى الياء عساها تعينهم على بلوغ النجومية بأسطع أنوارها. ففي الأمس القريب، دعتني إحدى زميلات المهنة لمرافقتها إلى إحدى الندوات الخاصة بعدد من الأدباء والأديبات، والتي دعيت إليها، ولأنني اعتبر نفسي في أحايين كثيرة متطفلاً على المشهد الثقافي وعلى العمل في مجال الثقافة أيضاً رأيت أن أذهب مستكشفاً ولاسيما أن أحداً منهم لن يعرفني لكوني شخصاً غير معروف في الوسط، وقد كنت أتصور أن الندوة ستكون ضمن قاعة كبيرة بكراسٍ مصفوفة أجلس على أحدها وأنصت بشغف وإعجاب لما يتفوه به المنتدون الذين يعتلون منبراً هيّاباً، لكن وما أن دخلنا الفندق، مكان الندوة، وأخذنا الدرج النازل نحو «القبو» حتى تسمرت في مكاني لثوانٍ معدودة مندهشاً أو مصدوماً مما رأيت، عدد قليل من النساء والرجال يجلسون حول طاولة بيضوية الشكل إلى حد ما، وبيد كل واحد منهم سيجارة مشرعة نحو الأعلى ينفث دخانها بمزاجية توحي بالعظمة والعلو، وأمامهم كؤوس مليئة بالمشروبات المتنوعة. ولأنني لست مدعواً أولاً، ولست أديباً ثانياً وتفاصيل تلك الأجواء لا تنطبق على تفاصيل يومياتي قررت الاعتذار من زميلتي والعودة من حيث أتيت دون أن يشعر أحد بخروجي، لكنني وللحق أقول: لم أخرج خالي الوفاض بعد أن استفدت إيما فائدة بتعرّفي على صفة أساسية من صفات الكاتب التي حددها كويللو، لربما أعمل بها يوماً ما، فأصبح كاتباً لا يشق له غبار، يجمع المجد من أطرافه، أو تعينني على أن أغدو شخصاً معروفاً في الوسط الثقافي، يُدعى إلى هكذا جلسات دون أن يشعر بالغربة فيها.

آصف ابراهيم

http://www.albaath.news.sy/user/?id=582&a=53491