جَشَعٌ
... ثم أراد بغير حقٍّ أن يخلو له ويصفو وجه التي لم يرثها وحده عن أبيه دون أشقائه وشقيقاته، فحشد ما تراكم لديه من مكر وخداع ليظفر منفرداً بالتي حسب أن عينيه ستقران بها، وبتلك التي ظن واهماً أن باله سيخلد إلى الراحة بعد الاستحواذ عليها، وكذلك راهن عبثاً على أن قلبه سيخفق بالطمأنينة فور وضع يده عليها ...
لم يدخر جهداً من أجل أن تصير خالصة له، وأجهد نفسه كثيراً ليُري بني وبنات أبيه وأمه ما يرى في شأنها، وليقروا له بأنه الأحق بها دونهم، فجادلهم وأكثر جدالهم بمنطق يزعم بينه وبين نفسه سحره ونفاذه، وألح عليهم بنصْبه واحتياله شديدَ الإلحاح طمعاً منه في أن يجيبوا دعوته، ويشاطروه رأيه في الطي السريع للذي بينهم وبينه من أمر حول التي وعد نفسها بها ...
عز عليهم أن تتعالى أصواتهم مستنكرة أذيته لهم في كل مرة يلقاهم فرادى أو يصادفهم مجتمعين، وضاقوا ذرعاً بكل ما يلفظ من كلمات جوفاء تفشي كذبه ونفاقه، وانقبضت قلوبهم ممَّا يواريه من خبث، واشمأزت نفوسهم ممَّا يخفيه من وجه قبيح، ثم ما إن أصابهم منه نصبٌ شديد، وما إن صم أذنيه عن سماع نصحهم، وطمس بصيرته بسوء سيرته بينهم رغبة عن تذكيرهم له بخشية الله، وباتقائه في نفسه وفيهم، حتى صاروا مكتفين بإلقاء نظرة شفقة عليه كلما عرض لهم من قريبٍ أو لاَح لهم من بعيدٍ ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com