... وإذا أردت إيجاز المقال في شأن هذا المقام حول الإجابة على سؤاك قلت: إن نظرتي لتلك الحروف، سواء في السرد أم الوصف أم الحوار القصصي، تتجاوز في مداها الدلالي قضية الربط بين الجمل والعبارات، ولا تنحصر في دائرة القواعد النحوية، إذ أن لتك الحروف شحنة دلالية كامنة، بل لها من الإيحاء والتلميح القصصي ما لا يخفى على القارئ المبدع الغواص، الذي يقدر صدفات الحروف العربية حق قدرها، أما عن الحذف، والتقديم، والتأخير، فلكل مقامه الذي يتطلبه وسياقه الذي يقتضيه، وذلك بناء على ما يخدم الحبكة القصصية ...
وإذا تحريت الإجابة أكثر مما ذكرت حول استهلال قصصي بنقط الحذف الثلاث متبوعة بحرف عاطف في الغالب، فسأجيب قائلا: إن ملاحظتك في محلها، وقد لاحظها كثيرون واستفهموا حولها طلبا لمعرفة حقيقتها، وقد أفصحت لهم عما تعنيه وتدل عليه في رأيي، وما عنصر الاستأنافية القصصية إلا إشارة من بين الإشارات التي أقصد إليها، والتي قد يفطن إليها بعض القراء ببذل قسط من الجهد على مستوى التلقي الإبداعي، إذ أرى في ما أرى أن أي قصة لها ما قبلها ولها ما بعدها، بقدر ما أن لها ماهو كامن متوار خلفها، فالرأي عندي أن للقصة بداية / استهلال على الأقل محتملة متقدمة عن (بداية / استهلال) المتن القصصي المخطوط المرئي، أو لها بدايات / استهلالات محتملة متوارية متقدمة عن (بداية / استهلال) ذات المتن القصصي، وكذلك الشأن بالنسبة إلى نهاية القصة / خاتمتها، فليست للقصة، في نظري، نهاية / خاتمة واحدة يتيمة، بل إن لها نهاية / خاتمة واحدة على الأقل محتملة متوارية متأخرة عن (خاتمة / نهاية) المتن القصصي المخطوط المرئي، أو لها نهايات / خواتم محتملة متوارية متأخرة عن (بداية / خاتمة) ذات المتن القصصي، والخلاصة في هذا الشأن هي أن ليس لأي قصة مخطوطة مكتوبة بداية / استهلالا وحيدا يتيما، وأن ليس لها في الآن ذاته نهاية / خاتمة وحيدة يتيمة ...
فما نقط الحذف الثلاث التي تتقدم قصصي وتنتهي بها إلا إشارة إلى انفتاح النص القصصي على بداية / استهلال محتمل أو على بدايات / استهلالات محتملة، وما هو إلا تلميح إلى انفتاحه على نهاية / خاتمة محتملة أو على نهايات / خواتم محتملة، وهذا يعني على مستوى آخر أن كل قصة تمثل فضاء مفتوحا على القارئ المتلقي الفطن من كلا الواجهتين: البداية / الاستهلال ثم النهاية / الخاتمة، وله أن يجتهد ما وسعه الاجتهاد بقصد اقتفاء أثر تلك البداية / الإستهلال المخفي أو تلك البدايات / الاستهلالات القصصية المتوارية، وله أن يوظف مخيلته الخصبة وذاكرته المشتركة مع بني جنسه ليكتشف تلك الخاتمة / النهاية المستورة أو تلك البدايات / النهايات القصصية المحجوبة ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com