حَتّـام َ يَـا هِيْفَـاْءُ أَنْتَظِـرُ ؟
هَيّـا وَإِلا يَنْقَـضِـي العُـمُـرُ
يَومَـانِ مَـرّا دُونَ رُؤْيَتِـكـمْ
إِنْ تَصْبُرِي لا لَسْـتُ أَصْطَبِـرُ
هِيْفَـاءْ فِيـمَ أَرَاكِ هَانِـئَـة ؟
وَأَنَـا بِقَلْبِـي النّـار ُ تَسْتَعِـرُ
أَوَلَسْـتِ عَاشِقَـة ً تُبَادِلُـنِـي
حُبَّا ً بِحُبِّ كِيـفَ يَـا قَمَـرُ ؟
إِنْ كُنْـتِ صَادِقَـة َ الـودَادِ ألا
زُرْتِ الْفَتَى كِي يَنْعَـمَ البَصَـرُ
هِيفَـاءُ قَـدْرَ مَحَبّتِـي لَـكُـمُ
يَهْوَى الْفُؤادَ الحـزنُ والكَـدَرُ
وَتَرِي حَزِيْـنٌ حِيْـنَ أَعْزِفُـهُ
إِنْ تُقبِلـي قـدْ يَفْـرَحُ الوَتَـرُ
هِيفَـاءُ حِيْـنَ سَقِيْتِنِـي نَكَـدَاً
أَسَفَاً بَكَى (الظّهْرَانُ) وَ (الْخُبَرُ )
هـذا هـواكِ اشْتَـدَّ سَاعِـدُهُ
فَأَصَابَ قَلْبِي الضّعْفُ وَالخَـوَرُ
لَـو نِلْـتُ مِنْكُـمْ مَـا أُؤمّلُـهُ
ما ضَرَّنِـي سُهْـدٌ وَلا سَهَـرُ
أَقْرَحْتِ رُوحِـي مِـنْ بُعَادِكُـمُ
فَكَـأَنَّ دَمْـعَ الْـرُوح ِ يَنْهَمِـرُ
هِيفَاء ُ كَادَ الْقَلْبُ مِـنْ فََـرَق ٍ
مِنْكُمْ إٍلَـى نِصْفِيـن ِ يَنْشَطِـرُ
إِنْ كَانَ هذا الْهَجْرُ مِنْ غُنُـج ٍ
مِنْ غير ِمـا جُـرْم ٍ سَأَعْتَـذِرُ
أو كانَ ذاكَ الصّدُّ مِـنْ مَلَـل ٍ
فَنِهَايَتِـي أنَّــي سأَنْتَـحِـرُ
فَعَسَى أَنَالُ بُعَيـدَ ذاكَ رِضَـا ً
فِي الْقَبْرِ حِيْنَ تَضُمُّنِي الْحُفَـرُ
بَلْ كِيفَ تَنْعَمُ رُوح ُ مُنْتَحِـر ٍ؟
مَـا كَـانَ مُعْتَبِـرا ً فَيَزْدجِـرُ
عَبْدٌ أَضَاعَ الْعُمْرَ فِـي لَعِـب ٍ
وَأَنَـابَ لَمّـا مَسَّـهُ الْضَـرَرُ
يَا رَبُّ فَاغْفِرْ ذَنْـب َ مُعْتَـذِر ٍ
أَنْـتَ الْغَفُـورُ وَأنْـتَ مُقْتَـدِرُ
شعر : ظميان غدير
**************
دراسه الشاعر الكبير عبد الرحيم محمود
ظميان غدير الشاعر الباحث عن العشق يرتاد أفق المستحيل
زورقه نحيل العيدان ، رقيق الشراع ، لين المجاديف ـ لا
تقوى
على الريح العاصف ولا القاصف ، ومع ذلك يغامر الشاعر
بروحة فيلقي بها في أمواج النينو !!
هو بقصد أو بغير قصد - وكثير من الشعراء لا يقصدون - هو
يستعمل الحروف الاستعلائية العميقة ، المفخمة ، كالصاد ،
والحاء ، والطاء ، القاف ... الخ ، والحروف الشديدة تلك
تعبر عن حالة الضيق التي هو بها ، فهم حينا يفتح له الباب
وحينا يصفق في وجهه ، فهو متذمر حائر يتفتت من داخله
فنراه يتساءل بضيق ويريد من هيفاء اختصار وقت انتظار
الجواب كما اختصر حتام ، فاتشديد دليل الضيق ، والاختصار
دليل رغبة شديدة لسرعة الجواب ، وعدم تطويل وقت عذابه
فهو يقول :
حَتّام َ يَا هِيْفَاْءُ أَنْتَظِرُ ؟= هَيّا وَإِلا يَنْقَضِي العُمُرُ
يَومَانِ مَرّا دُونَ رُؤْيَتِكمْ = إِنْ تَصْبُرِي لا لَسْتُ أَصْطَبِرُ
- وتهصف به ريح الشك ، فيتساءل :
هِيْفَاءْ فِيمَ أَرَاكِ هَانِئَة ؟ = وَأَنَا بِقَلْبِي النّار ُ تَسْتَعِرُ
أَوَلَسْتِ عَاشِقَة ً تُبَادِلُنِي =حُبَّا ً بِحُبِّ كِيفَ يَا قَمَرُ ؟
إِنْ كُنْتِ صَادِقَة َ الودَادِ ألا = زُرْتِ الْفَتَى كِي يَنْعَمَ البَصَرُ
- ثم يصف حالة تشتته وتمزق نفسه من الداخل فيقول :
هِيفَاءُ قَدْرَ مَحَبّتِي لَكُمُ = يَهْوَى الْفُؤادَ الحزنُ والكَدَرُ
وَتَرِي حَزِيْنٌ حِيْنَ أَعْزِفُهُ =إِنْ تُقبِلي قدْ يَفْرَحُ الوَتَرُ
هِيفَاءُ حِيْنَ سَقِيْتِنِي نَكَدَاً = أَسَفَاً بَكَى (الظّهْرَانُ) وَ (الْخُبَرُ )
هذا هواكِ اشْتَدَّ سَاعِدُهُ = فَأَصَابَ قَلْبِي الضّعْفُ وَالخَوَرُ
- ولكنه هنا يقع في ورطة فيضيء أمام هيفائه الضوء
الأحمر القاني ، فهو يحدد ما يريد ، ولكنه في ما ذكر قد
يثير الشكوك والارتياب والحذر في هيفاء ومن حقها أن
تحذر فاستعمال لو هنا جاء بإدانة لحبه هذا ، فيقول :
لَو نِلْتُ مِنْكُمْ مَا أُؤمّلُهُ = ما ضَرَّنِي سُهْدٌ وَلا سَهَرُ
- ترى لو نال ما يرجي ماذا سيكون موقفه ؟ هل يشتعل به
الشوق أم تهدأ براكين عشقه ، لن أجيب عنه فهو قد أجاب .
- ثم ينتقل لاستبطان داخلي ليستدر عطف هيفاء ، وأظنه
بعد البيت السابق لن ينجح ، فيقول :
أَقـْــرَحْتِ رُوحِي مِنْ بُعَادِكُمُ = فَكَأَنَّ دَمْعَ الْرُوح ِ يَنْهَمِرُ
هِيفَاء ُ كَادَ الْقَلْبُ مِنْ فَـَـرَق ٍ = مِنْكُمْ إٍلَى نِصْفِين ِ يَنْشَطِرُ
إِنْ كَانَ هذا الْهَجْرُ مِنْ غُنُج ٍ = مِنْ غير ِما جُرْم ٍ سَأَعْتَذِرُ
- ثم يوجه تهديدا قد تختبره به هيفاء فهل سينفذ تهديده
أم هو كلام شاعر فحسب ، فيقول :
أو كانَ ذاكَ الصّدُّ مِنْ مَلَل ٍ = فَنِهَايَتِي أنَّي سأَنْتَحِرُ
فَعَسَى أَنَالُ بُعَيدَ ذاكَ رِضَا ً = فِي الْقَبْرِ حِيْنَ تَضُمُّنِي الْحُفَرُ
بَلْ كِيفَ تَنْعَمُ رُوح ُ مُنْتَحِر ٍ؟ = مَا كَانَ مُعْتَبِرا ً فَيَزْدجِرُ
عَبْدٌ أَضَاعَ الْعُمْرَ فِي لَعِب ٍ = وَأَنَابَ لَمّا مَسَّهُ الْضَرَرُ
- ثم يتراجع لأنه يعرف أن المنتحر لا يغفر له فيستغفر
الله عن مجرد التفكير بالانتحار ، فيقول :
يَا رَبُّ فَاغْفِرْ ذَنْب َ مُعْتَذِر ٍ = أَنْتَ الْغَفُورُ وَأنْتَ مُقْتَدِرُ
وبهذا يرق حينا ويصعب حينا يعبر عن القلق الشديد الذي
يعتريه ، ويطلب العون والمغفرة بعد أن تعب وأخذ منه الجهد
كل مأخذ ، فينتظر الجواب ، وأنا لا أتوقع أن يصله جواب
سريع بما يفرحه فيستريح !!