((النّسب الرفاعي بين الحقيقة وادِّعاءات آل الصيادي))
--------------------------------------------------------------------------------
د. محمد خلدون بن محمد مكي الإدريسي الحسني
الحلقة الأولى : بطلان النّسب للصحابي الجليل خالد بن الوليد
بسم الله الرحمن الرحيم
الخلط بين الحقائق والرّغبات
الحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمّد وعلى آله وأصحابه الميامين أما بعد :
فقد اطّلعتُ على الرّد الذي كتبه الأخ عماد الصيادي وقرأته كاملاً ، وكنتُ أتمنّى لو أجد فيه معلومة تاريخيّة مفيدة عن قصّة مدّ اليد للرفاعي أو عن أبي الهدى الصيادي أو عن الأنساب الرفاعية ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما وجدتُ أنّ الأخ عماد قد امتلأ صدره غيظاً مني وصار يكيل ليَ الذمَّ كيلاً ، والمسألة الرئيسية التي كان غاضباً لأجلها هي مسألة نسب آل الصيادي الرفاعيّة !!
وفي الحقيقة إنّه لأمرٌ يغيظ حقاً أن يتكلّمَ أحدٌ في نسب أسرةٍ ما دون علم أو خوف من الله تعالى ، ولكن الأكثر غيظاً من ذلك هو أن يهجُمَ شخصٌ ما على علماء الأمّة وعلى حقائق التّاريخ فيجعل كل من خالف رأيه وهواه من المبطلين أو المتحاملين ، ويمحو كلّ حقيقة تاريخيّة لا ترضيه وإنْ أثبتها الأَثْبات ، ويضع مكانها أموراً زائفة هي محضُ أوهام وتخيّلات !!وهو بعد ذلك يظنّ أنّه يخشى الله تعالى !
وكذلك فإنّ مما يُعاب على الأخ عماد تسرّعه في إطلاق الأحكام عليَّ وهو لا يعرفني !
فأنا والحمد لله لم أتكلّم في هذا الموضوع إلاّ بعد أن استكملت دراسته وبعد أن أنهيتُ دراسةَ علومِ الدّين والآلة وتخرّجتُ على أيدي علماء محقّقين أجازوني فيما أكتب وأنشر .وأنا من فضل الله عليّ مِنَ الذين يعرفون للناس أحسابهم وأنسابهم ! كيف لا وأنا سليل أعرق الأُسر الإدريسيّة الحسنيّة ! وبعد قدومنا من المغرب إلى دمشق بحثنا عن أعرق الأسر الشريفة في تلك البقاع فصاهرناها وناسبناها ، فجُمِعَ لنا النّسبان الحسني والحسيني وبأعلى إسناد !! وتوالى أجدادي نقابة الأشراف على مرّ العصور وكان منهم السيد الشريف نور الدّين ؛ النّقيب على عموم الأشراف في ممالك الدولة العثمانيّة ؛ ابن السيد الحسين بن السيد محي الدين الحسني الجزائري ثمّ الدمشقي المتوفّى سنة 1333هـ وهو ابن أخي الأمير عبد القادر الشهير . وكان منهم السيد الشريف محمد سعيد الحمزاوي الحُسيني آخر نقيبٍ للأشراف بدمشق المتوفّى سنة 1398هـ 1978م .
وكلّ مَن ادّعى منصب نقيب الأشراف بعده فإنّما هو مدّعٍ متطاول ؛ وطبعاً غير مُعتَرف به !
وأسرتي مليئة بالعلماء والأئمّة والخطباء وهم من الشهرة عند الخاص والعام بمكان ، وأنا بفضل الله مرجِعُ المعاصرين منهم اليوم في مسائل الأنساب وبيان أحوالها ! وأنا والله ما ذكرتُ نفسي في هذا المقام إلاّ لضرورة الحاجة للبيان التي ألجأني إليها الأخ عماد.
ونزولاً عند رغبة الإخوة في موقع الصوفيّة فأنا سأردّ على كل تهمة اتّهمني بها عماد الصيادي ظلماً وتعسّفاً ، وسأبيّن الأخطاء التي جاء بها . ولمّا كان الأمر سيطول بنا كثيراً فقد آثرتُ أن أتناول أهمّ القضايا وأعرضها على حلقات متتابعة ، فأقول بعد التّوكّل على الله تعالى :
قال الأخ عماد الصيّادي: إنني قمتُ بتضليل القرّاء في قضيّة أنساب الرّفاعيّة بحجّة مناقشة الفكر الصوفي .
وأنا بدوري أسأله أين وردَ في بحثي كلّه مسألة مناقشة الفكر الصوفي ؟؟ وأين في البحث كلّه الكلام على الصوفيّة وفكرهم ومذاهبهم ؟
إنّ بحثي كان منصبّاً على قصّة مدّ اليد للرفاعي تلك القصة التي صار يرويها عامّة الناس الصوفيّة وغيرهم لدرجة أنّ الكثير من مشايخ القوم صاروا يقولون بكفر منكرها ! وقد سمعتُ ذلك بنفسي عدّة مرّات من عدّة مشايخ في دمشق ، بل إنّ صاحب كتاب الشرف المحتّم ( وهو أبو الهدى الصيادي على الأرجح ) قال فيه: إنّ إنكارها من شوائب النّفاق .وكذلك صرّح في كتابه قلادة الجواهر !
لذلك بحثتُ فيها وأثبتُّ بالبرهان العلمي والعقلي أنّها لا تصحّ وأنّها مختلقة ! وفيها افتراءٌ على الشيخ أحمد الرفاعي وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلى المسلمين ودين الإسلام ! ومع ذلك فإنّ الأخ عماد الصيّادي يرى أنّ الكلام في هذه المسألة هو من إضاعة الوقت في أمر غير مفيد ! والحديث عنها لا يقدّم ولا يؤخّر في مكانة الشيخ أحمد الرّفاعي .
وهذا افتراءٌ افتراه عليَّ عماد الصيادي !!! فإنّ البحث ليس غرضه التنقّص من مكانة الرفاعي بل على العكس إنني سعيتُ لتبرئة الشيخ من هذه القصّة المكذوبة عليه . ولم أتعرّض في كلّ البحث للشيخ أحمد بأي تنقّص ، وإنني أطلب منكَ يا أخ عماد أن تأتيني بكلمة واحدة في بحثي فيها انتقاص للشيخ أحمد ! فلا داعي لأن تذكّرني بثناء الإمام الذهبي عليه لأنني لم آتي بما يُخالف ذلك إلاّ إذا كنتَ ترى أنّ نفيَ هذه القصّة عنه هو ذمٌ له ، وهذا يدلّ على أنّ القصّة عندك تقدّم وتؤخّر خلافاً لما قلتَ ، أو لأنّني ذكرتُ أنّ جميع العلماء المحققين لم يُثبتوا له نسباً لآل البيت .
على أنّه يجب عليك أن تفرّق بين حالتين، الأولى : هي أن يدّعي شخصٌ ما النّسب لآل البيت ثمّ ينكر عليه العلماء ذلك ويطعنون في نسبه .
والثّانية : أن لا يدّعي النّسب لآل البيت ولا يَنْسِبُه العلماء لآل البيت .
وكما ترى فإنّ الحالة الأولى فيها ذمٌّ للشخص ، وأما في الحالة الثانية فليس هناك أيّ ذمٍّ أو تنقّص وهذه بالضبط هي حالة الشيخ أحمد الرفاعي رحمه الله .
ـ وقد عنونَ عماد الصيادي ردّه قائلاً الخلط بين العمل والنّسب !
سبحان الله من الذي خلط هذا الخلط ؟؟
لم يرد في بحثي أي كلام فيه ربطٌ بين الأعمال المنحرفة والخاطئة للمتصوّفة وبين أنسابهم سواءٌ الصحيحة منها أو المختلقة ، وإنّما تحدّثتُ عن قصّة يجعلها الصوفيّة محوراً لأحاديثهم وعظاتهم وهي من أهمّ أعمالهم ، وليست لها أي علاقة بأنسابهم !! وعندما ننتقِدُ هذه القصّة على الصوفيّة لا يفهم أحدٌ منهم أننا ننتقدُ نسبه !
ولكن لمّا كان عماد الصيادي من المنتمين لأسرة الصيادي الرفاعي وجاء في أثناء البحث أنّ أبا الهدى الصيادي نسبَ نفسه لخالد بن الوليد وأحمد الرفاعي ، وعلّقتُ على ذلك بأنّ كليهما ليس له عقب ! ثارت ثائرته وطاش عقله فصار يريد أن يدافع عن هذا النسب بأي طريقة وحيلة ، فاتّهمني بأنني أخلط بين الأعمال والأنساب والحقيقة أنّه هو من فعل ذلك .
وأحبّ أن أذكّر الأخ عماد الصيادي أنّ بُنُوَّةَ الأنبياء هي بنوّة عَمَلٍ ! بدليل قوله تعالى لنبيّه نوح عليه السّلام في ابنه { إنّه عملٌ غيرُ صالح } وأضربُ مثالاً على ذلك ؛ في أيّامنا هذه ؛ داعية التصوف علي الجفري فإنّه لمّا زار دمشق منذ ثلاثة أعوام احتفلَ به معهد الفتح الإسلامي وجمعَ له العديد من مشايخ دمشق وطلاّب العلم فيها ودَعَوه لإلقاء كلمة فيهم. هل تدري ماذا كان محور الكلمة ؟ لقد كان عن قصّة مدّ اليد للرفاعي !! وتذوّقِ هذه الحادثة!! نعم لقد جاء من حضرموت إلى دمشق وجُمِعَ له الناس لكي يُخبرهم بهذه القصّة التي صار يحفظها النصارى في بلادنا لكثرة الكلام عنها ! والغطاء الذي كان يُغطّي به أغاليطه وانحرافاته وقصصه الخرافيّة هو غطاء النّسب ! وأنّه حُسينيّ من آل البيت !!! وأنّ ما يُقرره من الخرافات والأباطيل هو الصّواب ، وأنّ على الأمّة اتّباعه دون سائر العلماء غير المنسوبين !!
وإذا توجّه أحدُ الناس ؛ ولو كان من الشيوخ العلماء ؛ إلى الجفري بانتقاد ، قام الصوفيّة في وجهه وقالوا : إنّه من آل البيت فكيف تُغلّطه ؟!
أرأيتَ مَنْ الذي يخلط بين العمل والنّسب ! وينسى أنّ انتسابه للنبيّ صلى الله عليه وسلم يوجبُ عليه العمل بهديه .
ثمّ يقول الأخ عماد الصيّادي إنّه كان يتمنّى أن تكون المناقشة بشكل علمي دقيق ولا تتعرّض لمجال الأنساب .
وأقول : إنّ البحث الذي كتبته هو نتيجة دراسة علمية مستندة على الكتب والمراجع والوقائع وكلام العلماء وأهل الاختصاص ، وليس هو مناقشة مع أحد ! والحمد لله فإنّ النّاحية العلمية تَوَخّيْتُ فيها الدّقة !
فلا أدري لماذا لم يلاحظ ذلك الأخ عماد الصيّادي ؟! وليته نبّه على الإشكالات العلمية التي في البحث . ولكنّه للأسف تجاوز النتيجة العلمية الدقيقة والتي تُثبت بطلان قصّة مدّ اليد للرفاعي بدون أدنى شك ، وراح يدندن على مسألة نسب الصيّادي !!
وأنا لم أتعرّض لنسب أبي الهدى الصّيادي إلا عَرَضاً وبعد أن أثبتُّ بطلان القصّة ونبّهتُ إلى أنّ أصابع الاتّهام موجَّهة له ؛ جاء ذكر نَسَبِه على نحوٍ سريع فقلتُ : إنه نَسَبَ نفسه من طريق أبيه إلى الشيخ أحمد الرّفاعي ومن طريق أمّه إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه !