-
باحث في علم الاجتماع
الدولة الإسلامية: عالمية الأخلاق في الإسلام (14)
مصطفى إنشاصي
في الإسلام القيم والمعايير ثابتة وعالمية تشمل كل البشر ولا تخص المسلمين دون غيرهم ولأن قيم وتعاليم ومعايير الإسلام عالمية لا تخص المسلمين وحدهم إنما كل الناس (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) و(للناس كافة)، فجاء النهي عن القتل مثلاً في قوله تعالى: (مَنْ قتل نفساً كأنما قتل الناس جميعاً)، جاءت نكرة، أي نفس مسلمة أو غير مسلمة.
وفي الحديث قال صلَ الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ غش ليس منا" سواء غش المسلمين أو غيرهم، فأخلاق الإسلام ثابتة لا تتغير بحسب الزمان ولا المكان ولا بحسب دين المتعامل معه، ولأن المسلم الذي يعيش في معية الله واستشعار رقابته الدائمة عليه يكون قرآناً يمشي على الأرض كما وصف أحد الكتاب الغربيين المسلمين في عهودهم الأولى، فقد انتشر الإسلام في أراضي إسلامية اليوم لم يصلها جندي مسلم لكن وصلتها أخلاق الإسلام ورحمته وصدقه من خلال التجار فآمنوا بالإسلام لأنه دين الفطرة السوية، ووجدوا فيه ما لم يجدوه في أديانهم!
أما في اليهودية فالوصايا العشر تخص اليهود فقط ومحرمة بينهم لكنها حلال ومباحة مع غير اليهودي! أما دين المسيح عليه السلام الذي حرفه واحتكره الرجل الأبيض فقد اتخذه وسيلة لقتل واحتلال واستعباد وإبادة الشعوب الأخرى بزعم أنهم القدر المبين ومهمتهم تبليغ رسالة المسيح للعالم، وتمدين وتعليم وتثقيف وتطوير تلك الشعوب وتخليصها من الجهل والتخلف! فباسم المسيح تم خطف المسلمون الأحرار من أوطانهم في إفريقيا وبيعهم رقيق وإكراههم على تغيير أسماءهم ودينهم ليسهل لهم السيطرة عليهم بزعم الطاعة للسيد الأبيض، واحتلال ثلاثة أرباع العالم في آسيا وإفريقيا، واغتصاب وطن من سموهم الهنود الحمر وإبادتهم (حوالي 120 مليون نسمة) وتغيير أسم قارتيهم إلى (الأمريكتين)، والقضاء على حضارتهم المتقدمة على همجية قاتلهم!
والحديث يطول عن همجية الغرب ووحشيته مع الآخر غير الغربي لأن معاييره غير ثابتة وأخلاقه مادية، لذلك بعد أن حصلت كثير من الشعوب المحتلة في آسيا وإفريقيا على الاستقلال خاض كثير من كنائس تلك الأقطار حرب تحرير واستقلال أخرى، وذلك للتحرر من هيمنة دين الرجل الأبيض الذي ميز بينه وبينهم في المقاعد في الكنائس وفي المراتب والمناصب الدينية واستمرت الكنائس الغربية في استغلال الكنائس الآسيوية والإفريقية في استمرار تبعية أوطانهم للرجل الأبيض، وطالبوا باستقلال كنائسهم عن الكنائس الغربية وتشكيل مرجعيات دينية وطنية.
وفي عام 1980 عندما زار البابا الاكوادور أعاد الهنود الحمر له ما يسمونه (الكتاب المقدس) وقالوا له: أنتم في حاجة لتعاليمه ووصاياه أكثر منا. في إشارة إلى أنهم خدعوهم باسم السلام والمحبة!
من هنا يمكن أن نقول للقلقين على حقوق أشقائنا في الوطن من غير المسلمين:
إن مقاصد الشريعة الإسلامية عامة تشمل كل الناس سواء في حدود الدولة الإسلامية أو خارجها، وأنها هي الضمانة الأقوى لأن يأمن أشقائنا في الوطن من غير المسلمين على دينهم وأرواحهم ودماءهم وأموالهم وكنائسهم وكل ما يسمونه الحقوق المدنية ويريدونها دولة مدنية بزعم الخوف عليهم من الإسلام، فالإسلام حرم قتل أي نفس ولذلك لن يجرؤ مسلم يستشعر رقابة الله عليه على قتل أحد من غير المسلمين، وحرم الغش لكل الناس، أو السرقة، أو استباحة الحرمات، أو منع غير المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية …إلخ.
كما حارب الإسلام الجهل ودعا للتعلم لأن الجهل عدو الإنسان أي إنسان وليس المسلم، والمسلم حريص على أن يتعلم جميع أبناء الوطن مسلمين وغير مسلمين لإشاعة الوعي الذي به يحفظوا وحدة أوطانهم ومجتمعاتهم ويحترمون علاقات المودة بينهم …إلخ، لقد كفلت مقاصد للشريعة الإسلامية كل الحقوق المدنية لما يسمونه الأقليات في الوقت الذي فيه غير المسلمين في وطننا لا يعتبروا أقليات لكنهم مواطنون لهم كامل الحقوق إذا ما قبلوا بالولاية العامة للإسلام، فيكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهذه هي المواطنة الحقيقية وليس المواطنة التي يدعوا لها دعاة الدولة المدنية!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى