الغرب والإسلام
عروبة نبي الله إبراهيم عليه السلام (61)
مصطفى إنشاصي
اخترت أن أبدأ في نفي كذبة الشعوب اللغات السامية من نبي الله إبراهيم عليه السلام الجد الأعلى لبني إسرائيل لأن معظم كتاب التاريخ ودارسي الكتب الدينية عند الحديث عن نبي الله إبراهيم عليه السلام وبني إسرائيل من بعده وقعوا في خطأ جسيم جداً، وذلك برفع نسبه إلى من تزعم التوراة أنه (سام بن نوح). وغالباً ما يذكره المؤرخون دون التطرق إلى أصله العرقي وأصل قبيلته التي انسلخ عنها بعد أن أوحى إليه الله تعالى بأن يترك قومه ويهاجر إلى الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، مما يُظهر بني إسرائيل واليهود كأنهم قبيلة متميزة عن غيرها من القبائل التي عاصرتها، ومستقلة عن جميع قبائل وأعراق الأرض منذ فجر التاريخ أو ما بعد الطوفان، في وقت الحقيقة فيه خلاف ذلك وهي:

نبي الله إبراهيم عليه السلام آراميا وليس سامياً
إن إبراهيم عليه السلام آرامي الأصل ولم يكن لا سامياً حسب رواية التوراة ولا أعجمياً كما قال بعض المفسرين والمؤرخين وأن ما كان يسمى حتى عهد الآراميين بالعناصر (السامية) صار هو نفسه العناصر العربية بعد ذلك، ولأن اللغة الآرامية التي هي امتداد للغة الكنعانية التي هي أول لهجات اللسان العربي التي أصبحت لغة، ولنقل أن اللغة الآرامية ورثت اللغة الكنعانية وطورت اللغة العرية إلى أن نزل بها القرآن الكريم. فالبداية عربية والنهاية عربية عرقاً ولغة وثقافة.
تناقضت التوراة المحرفة في ذكر نسب إبراهيم عليه السلام، فنحن عندما نرجع إلى شجرة الأنساب في التوراة في سفر التكوين؛ نجدها رفعت نسبه إلى أرفكشاد بن سام بن نوح، فقد جاء في التوراة: "وَسَامٌ أَبُو كُلِّ بَنِي عَابِرَ وُلِدَ لَهُ أَيْضاً بَنُونَ. بَنُو سَامَ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَأَرَامُ. وَبَنُو أَرَامَ: عُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشُ. وَأَرْفَكْشَادُ وَلَدَ شَالَحَ وَوَلَد شَالَحُ عَابِرَ وَوَلَد عَابِرُ َفَالَجَ وَوَلَدَ َفَالَجَ رَعُوَ وَوَلَدَ رَعُو سَرُوجُ وَوَلَدَ سَرُوجُ نَاحُورَ. وَوَلَدَ نَاحُورَ تَارَحَ. وَوَلَدَ تَارَحُ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. (يراجع سفر التكوين: الإصحاح 10،11). وفي موضع آخر ينسبونه إلى أرام بن سام بن نوح أخو أرفكشاد يكتبوا على لسانه: "أَرَامِيّاً تَائِهاً كَانَ أَبِي". (التثنية: 26/5). فأي النسبين الصحيح؟!
وكما تناقضت التوراة واختلفت في نسب إبراهيم عليه السلام فإنها تناقضت واختلفت في إن كان هاجر هو ووالده من أور بابل أم وحده! فقد ورد في التوراة: "وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطًا بْنَ هَارَانَ، ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ" (سفر التكوين: 11/31). وكما أن هذا النص يتعارض مع ما ذكرته الدراسات النقدية وما أثبته علم الآثار من أن اسم كلدية نسبة إلى قبيلة كلدية العربية التي هاجرت إلى جنوب العراق وأقامت فيها دولة بابل الثانية لم يظهر إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، أي بعد زمن إبراهيم عليه السلام بأكثر من ألف سنة، فإنه أيضاً يتناقض مع النص التوراتي الذي يقول: "وقال الرب لإبرام: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ" (سفر التكوين: الإصحاح 12/1).
ولم يذكر القرآن الكريم أن إبراهيم عليه السلام هاجر من بلاده ومعه أبيه، لأن أبيه لم يكن على دينه الذي دعا إليه قومه، حيث أن إبراهيم عليه السلام دعا قومه إلى عبادة الله تعالى الواحد الأحد، وإلى توحيد الخالق وترك عبادة الأصنام والأوثان والآلهة المتعددة التي كانوا يعبدونها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. (الأنعام: الآية 74). وعندما عجز أباه عن رده إلى عبادة الأصنام قال له: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً﴾. (مريم:46). وهذا دليلٌ على عدم صحة النص الأول في التوراة وصحة النص الثاني، والتأكيد على أن إبراهيم هاجر من غير أبيه إلى أرض محددة.

عروبة إبراهيم عليه السلام؟!
سنخالف ما درج عليه المؤرخون والكتاب عند ذكرهم إبراهيم عليه السلام وبني إسرائيل واليهود من بعده ونبدأ بإثبات نسبه العربي منذ ولادته، وكذلك أن الذي دفع العرب أبناء عمومة بني إسرائيل إلى كراهيتهم وعدم الترحيب بهم أو بجوارهم ومحاربتهم لهم، راجع إلى ما طُبع عليه بنو إسرائيل من طباع سيئة، وأخلاق عدوانية، منذ فجر تاريخهم، وقصتهم مع أخويهم من أبيهم نبي الله يوسف عليه السلام وأخاه بنيامين معروفة، فإن كان حقدهم وكراهيتهم وغيرتهم من أخويهم الأصغرين وصلت ذلك الحد فكيف ستكون مع غيرهم؟!
الراجح أن أصل إبراهيم عليه السلام من قبيلة آرامية عربية الأصل هاجرت إلى بلاد الشام والعراق مع الهجرة الآرامية في الألف الثالث قبل الميلاد وأن قسم منها سكن الجزء الجنوبي من العراق، وذلك النسب الذي رجحناه من نسبي التوراة "أَرَامِيّاً تَائِهاً كَانَ أَبِي". وقد كان الأموريون في مبدأ الأمر في شمال سورية ثم أخذوا ينتشرون بعد ذلك في مناطقها الوسطى وعلى الشاطئ حتى وصلوا إلى فلسطين وانتشروا نحو الشرق واستقروا في مناطق ذات حضارة قديمة. وأسسوا دولة لعبت دوراً كبيراً في تاريخ العراق ونشأت فيها أُسرة مدينة بابل حوالي عام 1894ق.م، التي قدر لسادس ملوكها وهو الملك حمورابي الذي بدأ حكمه عام 1728 ق.م أن يوحد البلاد كلها تحت سلطانه وأن ينشئ الإمبراطورية الشامية الثانية وأن يخضع له كل الدويلات الأخرى مثل دولة ماري ولارسا وعيلام ووصل جنوباً إلى (الخليج الفارسي).
كما هاجر الآراميون واستقرت قبائلهم في أعالي بلاد ما بين النهرين ومنطقة الفرات الأوسط وبلاد الشام وذلك في منتصف الألف الثاني ق.م، ومنهم قبيلة أقامت في جنوبي العراق، وقد ولد إبراهيم عليه السلام في تلك القبيلة بدايات القرن التاسع عشر ق.م على أقرب التواريخ للصحة ونشأ في مدينة أور بابل الواقعة في القسم الجنوبي من العراق، وهاجر منها إلي فلسطين، قال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾. (الأنبياء: الآيات من51ـ71).
وقد رد في تفسير هذه الآية عن ابن كثير والطبري والقرطبي وغيرهم: قالوا: عن الأرض التي بارك الله فيها للعالمين هي بلاد الشام. وما من ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس، ثم يتفرّق في الأرض. وقيل لها مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها؛ والبركة ثبوت الخير. وكان يُقال للشأم عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في بلاد الشام. وما نقص من الشام زيد في فلسطين، وكان يقال هي أرض المحشر والمنشر. وقيل: بيت المقدس؛ لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء لذلك قيل أنها معادن الأنبياء. وهي أيضاً كثيرة الخصب والنموّ، عذبة الماء. وبها مـجمع الناس، وبها ينزل عيسى ابن مريـم، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الكذّاب الدجال.
وقد هاجر إبراهيم عليه السلام وزوجه (سارة) وابن أخيه (لوط) والعدد القليل الذي آمن معه من سواد العراق إلى فلسطين والشام ابتغاء إظهار الدين والتمكن من نشره، وأقام إبراهيم وسط أبناء عمومته من القبائل العربية من سكان بئر السبع وفلسطين داعياً إلى الله تعالى. وقد قامت علاقة طيبة بينه وبين سكان البلاد الذين أحسنوا وفادته وضيافته لما رأوا من حسن خلقه وصلاحه وكرمه. واستمرت إقامته إلى أن حلت المجاعة بأرض فلسطين فارتحل إبراهيم إلى مصر، ولم يطل به المقام هناك لِما أخبرتنا به كُتب السير مما حدث بينه وبين فرعون مصر، فخرج منها عائداً إلى فلسطين بعد أن زوده فرعون مصر بالمال والماشية ووهب لزوجه (سارة) جارية اسمها (هاجر)، وقيل أنها أميرة من أميرات القصر أو أنها من الأسرة الحاكمة ولم تكن خادمة، وقد تكون صفة الجارية نقلها الكتاب عن التوراة.
وبعد عودته إلى فلسطين استقر فترة قصيرة تزوج إبراهيم من هاجر التي أنجبت له إسماعيل عليه السلام، وجاء في الحديث: أن هاجر لما ولدت إسماعيل غارت منها سارة زوجة إبراهيم فأمره الله تعالى أن يحمل ولده إسماعيل مع أمه من الشام إلى مكة فوضعهما عند دوحة مكان زمزم… وقد أراد الله تعالى أن يكون إسماعيل عليه السلام سبباً في إعادة العلاقة والصلة بين أرض الحجاز وفلسطين. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ. رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾. (إبراهيم: 35-37). قال المفسرون في مِن ذُرِّيَّتِي ولده إسماعيل وزوجه هاجر. وبعدها رزق إبراهيم بإسحاق من زوجه سارة، وأنجب إسحاق يعقوب المسمى (إسرائيل) وسميت ذريته بنو إسرائيل.
بعد أن أثبتنا نسب جد بني إسرائيل العربي سنرى ما زعمه علماء الآثار واللغات عن الشعوب واللغات السامية استناداً إلى الخرافة التوراتية عن أن أصل سكان الأرض يرجع إلى نبي الله نوح وأبناءه الثلاثة فقط.