قراءة في المجموعة القصصية
النوم في دوائر الفراغ
درستها قديما وأعيد نشرها)
ريمة الخاني
قصص ريمة الخاني غاية في البساطة وكأنها تنقل من أرض الواقع بصور فوتوغرافية لكنها باللونين الأبيض والأسود فقط ، وكأنها خافت الكتابة بالملون حتى لا ينكشف جماليات النصوص والأبطال ، وهي كما يبدو لي مجموعة قصصية كتبتها في أول رحلتها عبر عالم الحرف والحدث والنص ، وهذا انعكس على طبيعة تكنيك القصة القصيرة ، فالقصة القصيرة تنتزع قطعة زمكانية من حياة أبطالها ، لأهميتها ، وتأثيرها ، واحتوائها على السمة الغالبة والأحداث الأكثر أهمية في حياة أبطالها .
ثم هي تركز على بلورة أحداث بعينها ، في إطار زماني مكاني محدود ، وتخلق عقدة ، وتشويقا ، وحلا ، ونهاية محددة أو مفتوحة .
والحقيقة أن قصص ريمة الخاني كتبت ضمن البعد الإنساني دلالة على رهافة إحساسها ، وحدة شعورها بمرارة الحياة وصعوبة تدبير مستلزماتها فهي دائما تقول على لسان أبطالها ما يوحي بصعوبة كسب لقمة العيش مثل :
إما أخوتي فإنهم يسعون في الأرض وراء لقمة العيش ، يعرضون للبيع أي بضاعة يمكن بيعها ، وتجلب ولو بعض الربح الضئيل..
وكذلك :
خرجت صباحا والحنق يملؤني بسبب غلاء المعيشة الذي حاصرني وطوق عنقي وجعلني اشعر بالاختناق.
تجولت في الأسواق مع ابنتي المقبلة على الزواج ، أتساءل بيني وبين نفسي :
ـ كيف سأتدبر أمر جهاز عرسها ، وتهيئة الأمور لأقول لعريسها ، ها هي عروسك ؟
صعب أن نفكر بتوفير كل الاحتياجات ، وهل نحتاج إلى مجاملة لتغطية عدم القدرة ؟ ربما نستطيع أن نخرج من الإحراج بقليل من المجاملة !
وكذلك :
ـ أنا مضّطر ، فقد وقعت في محظور ، إنه دين قاتل وأموري مرتبكة جداً..
ـ لا أستطع أن أدفع الثمن الآن ، وربما إلى وقت طويل ، فعالم التجارة صعب ، والأصعب هو أن تستوفي وتسترد نقودك من الزبائن .
وكذلك :
ـ توكلت على الله ، ولو بعت نفسي فأنا حريص أيضاً أن نفضّ هذه الشراكة منذ زمن طويل..
كانت هذه المرة هي المرة الخامسة التي يحشد فيها الحشود لأجل مال يجمعه ليلقي به دون مردود أو نجاح كامل عبر مؤسسته الخاصة التجارية , جهود متناثرة غير محسوبة بدقه.
لقد باع هذا الشريك المسكين كل ما يملك ، حتى منزله ، لكن جميع الحاضرين صمتوا ، حتى الأحبّة منهم ، وكأن مشاعر شماتة سرت في عروقهم ! وكأنهم نسوا كم كانوا يهتفون ويهللون له لحاجتهم للمال ، وكم كان صوتهم يعلو ويعلو.
وأمثلة هذا كثير .
والواقع كما يبدو لي أن الكاتبة سحبت مشاكلها ومشاكل مجتمعها اللصيق على أحداث قصصها لتكون واقعية في كتاباتها بشكل تصوير فوتغرافي ، وهذا يتسبب بعدم وجود أفق واسع للأحداث ، وهامش مناورة لخيال الكاتبة لتعميم الفكر وليس قصره على فئة خاصة .
أسلوب الكاتبة هاديء بسيط لذلك لا يوجد عنصر توتير القارئ ومفاجأته ، وهذا يقلل من عنصر التشويق الضروري ، ويجعل الكلام عاديا بغير إثارة تجبر القارئ على المتابعة وتشده للنص شدا ، ويبدو لي أن هذه المجموعة القصصية هي بداية الشاعرة الكبيرة والقاصة ريمة الخاني .
ويلاحظ أيضا أن القاصة مولعة بالصفات التي تجعل النص يبدو طبيعيا تصويريا ، وهذا ينقل الحدث من المكان للورق بلا دور تدخلي من القاصة حيث يجب أن تبرز بتدخلها لتعطي حرارة ودفئا للنص ، ومثال ذلك :
- صدمتها سيارة عابرة صدمة شديدة ألقتها صريعة على أرض الشارع ، أرى أنه لا داعي لصدمة شديدة ألقتها ويمكن القول صرعتها فورا . لأن ذلك يضعف تدفق سيل الحوار ويشتت انتباه القارئ ويزيد مساحة الزمن لاسترخاء ذهن القارئ .
- نبحث عن بصيص أمل يوحي بنور واسع يمكن أن يجتاحنا.. ، يمكن هنا الاستغناء
عن الكلمات المعلمة لزيادة السرعة الزمنية الشادة لأعصاب القارئ لا إرخائها بتفاصيل جانبية لا تضيف شيئا .
- أمه لجأت للسحرة والمشعوذين لجذب زوجها، وتشتكيه إلى صديقه لها في السوق وهي برفقتها..
التفصيل الشديد هنا لا أراه يضيف شيئا .
وأمثلة ذلك موجودة تضعف من البنيوية الترابطية للقصة .
كانت هناك نهايات غاية في الروعة مثل :
- ضمّها بين ذراعيه، وبكى بحرقة شديدة..
ولم يعد يدرك بعد ذلك.. هل هو الميت..؟!
النهاية التوحدية
- في صباح اليوم التالي اقتحمها سؤال:
ـ هل تخلّصت حقيقة من أعبائي التي كانت..!؟
النهاية التراجعية النكوصية ، وهي رغم ارتباطها بالعودة إلى الله لكن تلك العودة كانت عودة المهزوم لا عودة الرغبة الحقيقية النابعة من قناعة فكرية عميقة .
لكن هناك نهايات مفتوحة تحتاج لوجود عامل المنطق أو عامل الوجود .
مقترحات ونتائج :
- تجنب الحشو .
- تجنب الإضافات التفصيلية المملة .
- زيادة عنصر الإثارة .
- وصف الحالة النفسية للأبطال وزيادة فاعليتهم وعدم تحركهم في فضاء القصة باسترخاء .
- تحديد العقدة والصعود الحدثي لحلها .
- الكتابة التي تمثل البعد الإنساني غاية في الروعة فاكتبي عنها وفيها لأنك مؤهلة بالفعل بإحساس الشاعرة للخوض الناجح في هذا البعد .
- الاهتمام بالنهايات ألا تكون نهايات ضائعة ، فالنهايات المحددة تحل العقدة وأما النهايات المفتوحة فتضع القارئ أمام عدة حلول ينتقي منها ما يناسب رؤيته وذوقه أما النهاية الضائعة فتجعل القارئ يتساءل هل انتهت القصة ؟ وماذا بعد ؟