كان أقل مزاياه أنه يحفظ صحيح البخاري ، ويروي لك منه ما تشاء كأنه ينظر في الكتاب؛ وأنه يحفظ أسماء رجال الحديث ، ويجيبك عما شئته منها، وأنه يحفظ الألاف من متون العلوم المختلفة كالألفية والزبد والشاطبية والطيبة الخ. . . وأنه ألف نحواً من خمسين مؤلفاً قبل أن يتجاوز عمره الثلاثين؛ وأن له إطلاعاً في كافة العلوم حتى الرياضيات العالية فقد أقرأها لطلاب شعبة الرياضيات في المدرسة التجهيزية فأدهشهم وأدهش بإطلاعه معلميهم؛ وأنه ما انقطع عن الدرس والتدريس يوماً واحداً سبعين سنة على زهادة عجيبة، وورع نادرأنه العلامة و المحدث الأكبر 🌷 بدر الدين الحسني 🌷هو الشيخ المحدث محمّد بن يوسف المغربي المراكشي ، وينتهي نسبه إلى الشّيخ الجزولي صاحب كتاب (دلائل الخيرات) الذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن سبط النّبي صلّى الله عليه وسلّم.ولد الشّيخ بدر الدّين الحسني رحمه الله تعالى في دمشق سنة ١٨٥١مـ، وكانت ولادته في داره الملاصقة لدار الحديث الأشرفية التي كانت مقرّه ومقرّ أئمة الحديث الشّريف من قبله.انقسمت الحياة العلميّة للشّيخ بدر الدّين إلى ثلاثة أقسام:📚القسم الأول:تعهده والده بالرّعاية والتّهذيب والتّعليم، فتعلّم عليه مبادئ العلوم والكتابة والحساب، وأتمَّ حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ولما توفّي والده كان له من العمر اثنتا عشرة سنة فتولّت والدته وخاله الشّيخ صالح الكزبري رعايته، ومكث في غرفة والده بدار الحديث، يطالع الكتب الّتي خلَّفها والده بهمّة عظيمة، وحفظ من المتون المختلفة ما يقرب من اثني عشر ألف بيت بتوجيه من شيخه الشّيخ أبي الخير الخطيب رحمه الله تعالى، ثمّ اشتغل بقراءة شروحها وفهمها، يساعده على ذلك ذكاء وقّاد، وحافظة عجيبة، ممّا حدا بأستاذه إلى أن يجيزه في التّدريس العام، ولكن لحداثة سنّه ولأسباب أخرى ترك التّدريس العام وانقطع إلى العلم والعبادة في غرفته بدار الحديث.القسم الثاني:اعتزل في غرفته في مدرسة دار الحديث الأشرفية، وأكبّ على المطالعة والحفظ، وأقبل بكلّيّته على علم الحديث، حتّى صار فيه الحجّة البالغة والمرجع الأوحد للعامّ والخاصّ، ودامت خلوته هذه قرابة عشر سنين، حتّى حفظ الصّحيحين بأسانيدهما، وطائفة كبيرة من كتب الأسانيد والسنن.القسم الثّالث:وهي من ابتداء درسه في الجامع الأموي، وذلك بعد انتهاء خلوته الّتي أشرنا إليها، شرع الشّيخ في الدّرس العام في جامع السّادات، فقرأ درسا عامّاً عن ظهر قلبه من صحيح البخاري، وقد أعجبت النّاس بفصاحته وعلمه، فلمّا كثر الخلق عليه وضاق بهم الجامع انتقل الى جامع سنان باشا، فكان يقرأ ليلة الجمعة والاثنين من المغرب إلى العشاء، فلمّا ضاق المسجد بالنّاس انتقل الى الجامع الأموي، وابتدأ فيه درسه الأوّل بالحديث الأوّل من صحيح البخاري، فأجاد وأفاد حتّى أخذ بمجامع قلوب السّامعين من ولاة وحكّام وعلماء وخطباء وأدباء وحكماء وعامّة النّاس.لبث سبعين سنة يستيقظ للتهجّد، فيصلّي ما شاء الله أن يصلي، ثمّ يمضي إلى الجامع الأموي فيصلّي الصّبح مع الجماعة، فإذا قضيت الصّلاة عاد إلى غرفته ليتمّ بقية أوراده ثمّ يصلي صلاة الضّحى ثمّ يغفي إغفاءة وبعدها يبدأ دروسه الّتي تمتد إلى المغرب، فإذا صلّى المغرب جماعة أفطر ثمّ جلس للدّرس في بيته ويؤخّر صلاة العشاء لأجله، فإذا صلّاها مع الجماعة ذهب فوراً إلى مضجعه من غير أن يكلّم بعدها أحداً، فينام وهو ذاكر لله تعالى، ثمّ يقوم للتهجّد حتّى يقرب الفجر فيأتي الجامع الأموي فيصلّي فيه الفجر، لا يخالف هذا السّير ولا يتركه، وكان من برامجه تفقد أحوال النّاس، وتقديم ما يستطيع لهم من مساعدة وإعانة لمحتاج أو شفاعة لدى حاكم أو نصيحة له، وترحيب بزائر وصلة للأرحام وعيادة للمرضى ودعوة إلى الله تعالى، وكان يرغب كثيراً في زيارة الطّاعنين في السّن وإن نأت بهم الدّار وبعد بهم المزار طالباً الدّعاء من الجميع.كثيراً ما كان يحضر دروسه أجلّة علماء دمشق، ومَن يزورها من علماء الأقطار الإسلاميّة الأخرى، فكانوا يخرجون معجبين به:قال الشّيخ رشيد رضا من علماء الأزهر يصف درس الشّيخ بدر الدّيننقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيإنّه دائرة معارف).قال الشّيخ محمّد بخيت مفتي مصر عن الشّيخ بدر الدّين: (لو كان عندنا في مصر لم تحمله العلماء إلّا فوق رؤوسهم).وقال السّيد الكتّاني المغربي عنه: (إنّه منذ خمسمائة سنة لم يوجد له نظير.)وقال عنه شيخ الإسلام في الأستانة موسى كاظم أفندي: (إنّه قطب العالم الإسلامي).قال عنه الشّيخ عليّ الطّنطاوي رحمه الله: (آخر علماء السّلف الصّالح رضي الله عنهم، سرّ قوّة دمشق، رمز العصور الذّهبية الأولى، وصفحة حيّة من تاريخ المجد الإسلامي) وفاته رحمه الله تعالى:💔بعد أن صلّى الشّيخ صلاة الضّحى، وفي السّاعة التّاسعة صباح يوم الجمعة توفي رحمه الله تعالى، وكان ذلك في 28 من شهر حزيران سنة 1935م وقد أعلن المؤذنون وفاته بجميع المآذن فارتاعت المدينة ارتياعاً عجيباً، وحزنت حزناً شديداً على وفاته، وأقبلت النّاس إلى بيت الشّيخ وكانت الطرق تعجّ بهم، ثم خرجت جنازته إلى الجامع الأموي، وتعددت الصّلاة عليه لكثرة النّاس، ثمّ دفن في مقبرة الباب الصّغير رحمه الله تعالى."أبناء الشام"