الغرب والإسلام
الإسلام المستهدف الرئيس (45)
مصطفى إنشاصي
أصبح واضحا لنا أن الصراع بيننا وبين الغرب اليهودي - الصليبي أبعد وأعمق مما يبدو عليه ولا يقف عند حدود فلسطين فقط وأنه هو في جوهره صراع بين دينين وحضارتين متباينتين لم يهدأ منذ ظهر الإسلام حتى هذه اللحظة، ومنذ تحقق الانتصار للحضارة الغربية وتحولت من موقف الدفاع إلى الهجوم في أواخر القرن السابع عشر وغدت تصفية الإسلام وملاحقته بكل الوسائل والأساليب تشكل محوراً أساسياً في الهجمة والإستراتيجية الغربية، وأن إخراج فلسطين من أيدي المسلمين يعتبر انتصاراً لكل الغرب على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية، وأن إقامة (إسرائيل) لتكون "أداة" الحفاظ على "أنظمة التجزئة" التي رسمت حدودها معاهدة سايكس - بيكو وغيرها أخطر ما في الهجمة، لأن فلسطين في المنظور التوراتي – الصليبي دينياً واستراتيجياً مهم لفرض هيمنتهم الحضارية على الوطن من المحيط إلى المحيط، واستمرار الهيمنة الثقافية والسياسية والعسكرية والتبعية الكاملة للغرب، ونهب ثرواتنا ومواردنا المادية والبشرية.
وسوف أعرض بعضاً من أقوال وتصريحات ومخططات الغرب التي تؤكد وحدة العداء بين كل دوله ومذاهبه للإسلام.

موقف الدول الصديقة ظاهراً
نبدأ بموقف الدول التي ظاهرها أنها كانت صديقة ومازالت لنا ولحركات التحرر في العالم على رأسها روسيا القيصرية ووريثها الاتحاد السوفيتي، وسنعرض لموقفها من (وعد بلفور) و(الوطن القومي اليهودي) في فلسطين منذ قبل انتصار الثورة البلشفية علم 1917 وقيام النظام الشيوعي الماركسي:
وقبل ذلك نذكر بموقف روسيا القيصرية التي كانت شريك مع بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس – بيكو التي مزقت وحدة وطننا جغرافياً ووافقت أيضاً على أن تكون فلسطين مشروعاً لـ(الوطن القومي اليهودي)!
أما إتباع ماركس داعية الأممية وتحرير الشعوب من هيمنة النظام الرأسمالي وظلمه فقد سبقوا الغرب في وضع أيديهم بأيدي اليهود لإقامة (الوطن القومي اليهودي) في فلسطين، ففي عام 1916 تم اللقاء بين لينين (للعلم لينين ومعظم قادة الثورة البلشفية كانوا يهود) ووايزمان خلال سلسلة الاجتماعات التاريخية التي عقداها في زيورخ بسويسرا قبل الثورة البلشفية بأكثر من عام، حيث قال لينين لوايزمان: "على نجاح الثورة الاشتراكية في روسيا يتوقف تحرير اليهود من كابوس ملوك أوروبا وحكامهم ورفعهم إلى أعلى المناصب في الدولة وفرض احترامهم وشخصيتهم في العالم وسوف تحقق الثورة للشعب اليهودي ما عجزت عن تحقيقه لهم الثورة الفرنسية 1789م". فقال وايزمان: "إن فتح أبواب الشرق لاستقرار اليهود في فلسطين يتوقف بالدرجة الأولى على تدمير الإمبراطورية العثمانية، وفي تدميرها تزول الحواجز والعقبات التي تعترض المسيرة إلى أرض الميعاد.. لا بد من إنشاء دولة يهودية في فلسطين على أسس اشتراكية بعد أن تحقق الثورة الروسية الاشتراكية أهدافها".
وبذلك التقى وعد لينين 1916 من الشرق الشيوعي مع وعد بلفور 1917 من الغرب الصليبي على إقامة (الوطن القومي اليهودي) في فلسطين تنفيذاً لمخططات اليهودية العالمية. وبعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وفي الأسبوع الأول من حكم لينين أصدرت الحكومة السوفيتية قرارين رئيسيين كما أوردتهما مجلة "فرنسا القديمة" في العدد 160 مجلد 1920:
الأول: "يؤكد اعتبار العداء لليهود جريمة يعاقب عليها القانون خصوصاً وأن الغالبية الساحقة من زعماء الحكم البلشفي في روسيا كانوا من اليهود".
الثاني: "إعلان الحكومة السوفيتية برئاسة لينين التأكيد الكامل لحق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين".
وقد أشارت المصادر الرسمية السوفيتية إلى هذين القرارين 1917".
وكما أن الموقف الغربي الصليبي والموقف الأمريكي التوراتي لهما جذورهما التاريخية في العداء بالإسلام والمسلمين ودعم الخرافات اليهودية التوراتية، فإن الموقف الروسي الذي تمثله الحكومة الاشتراكية الأممية في موسكو أيضاً له جذوره التاريخية التي رسمها له أساتذته الأولون التي تفوح منهم رائحة الحقد والعداء للإسلام، ومن يقرأ الكلمات التالية ويعرف من قائلها ومتى؟ سيعرف أي حقد يضمره الإنسان الغربي للإسلام بغض النظر عن الفلسفة التي يتبناها أو يتحرك من خلالها، اقرأ معي:
"لن يكون ممكناً قهر قرصنات دول البربر الجزائر- تونس- المغرب التي امتنعت الحكومة الإنجليزية عن التدخل في شئونها ما دامت لا تتحرش بسفنها إلا بإخضاع واحدة من هذه الدول" هذه العبارة قالها أبو الماركسية الثاني انجلز. أما المناسبة فهي غداة ضرب المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر حيث بارك انجلز الاستعمار الفرنسي للجزائر وبرره واعتبر ذلك عمل ميمون من أجل تقدم المدنية واعتبر أعمال بيجو الوحشية لا تستحق اللوم، لأننا قوم متوحشون وبرابرة في نظره نستحق كل ذلك.
وهنا يلاحظ كيف أن أبا الماركسية يقف موقفاً مناهضاً لكل الفلسفة الماركسية التي علمونا إياها، فهو بدل أن يقف مع المضطهدين أي نحن ضد الرأسماليين، يقف مع الرأسماليين ضدنا نحن المضطهدين! وتفسير ذلك أنه لم يستطع تجاوز عنصريته باعتباره أوروبياً كما لا يستطيع تجاوز انتماءه الحضاري، إذ لما أصبح الأمر يتعلق بين الوقوف مع الحضارة المادية الغربية أو مع الحضارة الإسلامية، وقف مع الأولى بالرغم من تناقض موقفه مع فلسفته. ومعنى هذا أن انتماءه الحضاري غلب على انتماءه الطبقي، وهي ضرورة في الصميم للنظرية الماركسية".
أما عن الأحزاب الشيوعية التي أسسها اليهود في فلسطين والمنطقة العربية والإسلامية وعداءها الصارخ للإسلام والمسلمين ولقضايا أمتها المصيرية ووقوفها على أرضية العداء المطلق لأمتها وتاريخها وانتماءها الحضاري وتبني موقف اليهودية والشيوعية من قضايا أمتها، فالحديث يطول كثير جداً لكن مختصر القول فيها: إنها كانت تبني مواقفها في صراعها مع اليهود على أساس من الموقف الروسي بكل حذافيره، بل إن الحملة التي قادتها وسائل الإعلام الروسية ضد المجاهدين المسلمين في فلسطين عام 1948م ترددت أصداءها على لسان الأحزاب العربية الشيوعية وهذا دليل على مدى التبعية لقبلتهم الجديدة موسكو وتحديهم الصارخ لمشاعر أمتهم وعدائهم لها، فكما قلنا كانوا يتبنون الموقف الروسي بحذافيره دون مناقشة أو تغيير، ويزول العجب إذا ما عرفنا "أن معظم – إن لم نقل كل - مؤسسي الأحزاب الشيوعية وقادتها في الوطن العربي كانوا من اليهود ففي مصر مثلاً كان هناك أربعة تنظيمات شيوعية، ورؤساؤهم كلهم يهود هنري كوربيل، إيلي سوارترز، أوديت وزوجها سلامون سدني، يوسف درويش وريموند دويك كذلك فإن السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني السوري جاكوب تبير يهودي جاء من فلسطين ليتراس الحزب، وعندما تشكلت قيادة جديدة برئاسة خالد بكداش تم اختيار فرج الله الحلو حيث أرسل إلى تل أبيب للتنسيق، كما تم استقدام نخمان ليفنسكي اليهودي ليكون مستشاراً للقيادة الجديدة...".
ولمزيد من معرفة الموقف الروسي من مجموع المخططات الغربية بعد الثورة البلشفية: في لقاء عام 1943م بين الحاخام اليهودي الأمريكي الإصلاحي ستيفن وايز والرئيس الأمريكي روزفلت لمناقشة بعض القضايا المتعلقة بـ(الوطن القومي اليهودي) في فلسطين ومستقبله وموقف السوفيت منه، نجد أن وايز لم يكن "مهتما بالمعارضة السوفيتية وقد نقل الحاخام لروزفلت ما قاله له الرئيس التشيكوسلوفاكي بنس من أن الزعيم السوفيتي ستالين لا يعارض فكرة الدولة اليهودية إذا وافقت أمريكا وبريطانيا على ذلك". وما هي إلا أربع سنوات تقريباً على هذا اللقاء حتى تأكد كلام وايز لروزفلت عن الموقف الروسي المتعاطف مع المنظمة الصهيونية العالمية، بل وكان صوت روسيا في الأمم المتحدة عام 1947 لدى التصويت على قرار التقسيم هو الصوت الذي رجح صوت الغالبية وهكذا كان موقف الدعم لإسرائيل من بدايتها.