-
باحث في علم الاجتماع
جدلية العلاقة بين القومية والدين: المشترك الإنساني في زمن العولمة (3)
جدلية العلاقة بين القومية والدين: المشترك الإنساني في زمن العولمة (3)ولضيق الوقت سأحاول المرور سريعاً على أهم ما تضمنته الورقة، وأبدأ بما بدأت به الورقة؛ المشترك الإنساني في زمن العولمة الذي جعلت منه الورقة متغير ثابت ضمن مكونات الهوية القومية! وبتقديري هذا يعتبر إلغاء للهوية القومية نفسها!وملخصه: {حيث أن متغيرات العصر العلمية والتقنية الهائلة جعلت من العالم قرية صغيرة، تحول فيها ما هو خاص في الهوية من متغير مستقل إلى متغير تابع أو ثانوي لما هو عام في المشترك الإنساني كمتغير مستقل وأساس. وبالتالي فإن الحديث عن مفاهيم الهوية والقومية والثقافة والدين وغير ذلك مما هو خاص بكل مجتمع أو أمة اليوم هو حديث عما هو خاص في إطار ما هو مشترك وإنساني عام سلباً وإيجاباً.يؤكد ذلك على سبيل المثال أن ما يؤثر بالقضية الفلسطينية كقضية قومية عربية هو المتغير القومي والإنساني العام أكثر بكثير من المتغير السياسي العربي الرسمي الخاص، فإن التقرير الدولي "لجولد ستون" اليهودي الأصل والقومية والدين قد كان على عكس موقف النظام السياسي العربي بتأكيده على جرائم (اسرائيل) ضد شعب أعزل في غزة، بل ووقوف السواد الأعظم من شعوب أوروبا والعالم ضد ذلك وضد الغزو الأمريكي للعراق أكثر مما وقف الساسة العرب وبعض الشعوب العربية تحت بطشهم}.الورقة من البداية كالت بمكيالين: أظهرت انحيازها الأيديولوجي الرافض للهوية الإسلامية للأمة، أو أن يكون للإسلام أي دور رئيس في تكوينها! وجعلت من اليهودية بكل أبعادها الدينية هوية لجولد ستون، فوصفته باليهودي الأصل والقومية والدين، ولم تنسبه إلى قومية بلده (جنوب إفريقيا) ولكنها نسبته إلى دينه. والمعلوم أن اليهودية دين وليست قومية عرقية، أي أنها أمة دينية! وأن هذا الوصف الذي استخدمته الورقة لجولد ستون هو مفهوم الدين لدى اليهود، فاليهودي لا يعترف له بأصل ولا قومية ولا دين غير اليهودية! وسآتي على مزيد من التوضيح لذلك تالياً. وللعلم أن يهود العصر أكثر من 90% منهم أصله خزري وليس من سلالة بني إسرائيل، والبقية ينتمون لكل قوميات العالم.نعم العالم أصبح قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات التي ألغت المسافات والحواجز الجغرافية، وأصبح الحدث في أي بقعة من الكرة الأرضية يصل إلى العالم أجمع في ثوانٍ، ذلك المقصود بالقرية الصغيرة وليس معناه أن العالم تعولم، ولا أنه علينا الأخذ بالقيم الغربية وكل ما هو غربي، ولا أن نفكر بالعقلية الغربية ونستجيب لكل ما يطلبه الغرب منا وإن كان فيه هلاكنا ودمار وجودنا.العالم أصبح قرية صغيرة ذلك لا يعني عولمة هوية العالم ثقافياً، ولا تحول المشترك الإنساني من متغير ثانوي إلى متغير ثابت في مكونات الهوية القومية لأي مجتمع. ولو صح هذا الزعم لَما فشل الغرب في فرض العولمة نظاماً حياتياً عالمياً على شعوب العالم، بسبب اصطدامها بالخصوصية الدينية والثقافية للمجتمعات غير الغربية.العالم أصبح قرية صغيرة لا يعني ألا نحذر من الأفكار الغربية ونُفقد مجتمعنا حصانته بزعم أنه لم يعد هناك غزو فكري وأن الحرب الفكرية والثقافية انتهت، متغافلين أن رونالد رامسفيلد وزير الحرب الأمريكي الأسبق أعلن مع بدء التحضير لغزو العراق: علينا أن نبدأ حرب الأفكار. نفس ما أعلنه لويس التاسع عام 1250 بعد هزيمة الصليبيين: علينا أن نبدأ حرب الكلمة لهزيمة المسلمين!ويستحيل أن يحدث ذلك مهما ازداد حجم تأثير المشترك الإنساني إلا في حال تحققت الهزيمة النفسية والمعنوية لدى النخب السياسية والفكرية لأبناء أي قومية، كما يحدث لبعض النخب السياسية والثقافية لدينا، التي تنادي بتطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي، والعمل بروشتة البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة الجات العالمية، وترفع شعارات العولمة الكاذبة، مثل: الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق المواطنة وحقوق المواطن والحريات الفردية والعامة وحرية التعبير عن الرأي وتحرير المرأة وغيرها، التي حولت أقطار وطننا إلى صراعات داخلية دمرت المشترك في مكونات هويتنا الوطنية والقومية والدينية، وصبغت لون الجغرافية العربية بلون الدم، وجعلتنا حقل تجارب لكل أنواع الأسلحة المصنعة في الدول المصدرة لنا تلك الشعارات لتمزق أجسادنا كما مزقت جغرافيتنا، ودمرت البنى التحتية كما دمرت مكونات هويتنا!وبالعودة لمثال القضية الفلسطينية؛ إن مراجعة سريعة لتاريخ القضية يؤكد أن ما حققته من إنجازات على الصعيد الوطني والقومي والعالمي حققته عندما كان المشترك الإنساني مكون ثانوي، وأنها خسرت كل ذلك في زمن العولمة وتَحُول المشترك الإنساني إلى متغير ثابت في الهوية القومية، كما تزعم الورقة. ويؤكد ذلك تقرير جولد ستون نفسه، الذي حولت آلة إعلام العولمة باطله لحق، وجعلت كاتبه حامي حمى القضية الفلسطينية، واتخذت منه الورقة مثالاً على صحة ما ذهبت إليه! ولو عُدنا إلى نص التقرير لتأكد لنا صحة رد جولد ستون على اتهامات نتنياهو له: بأنه يهودي وصهيوني أكثر من نتنياهو، وأنه حمى العدو الصهيوني من أدانه دولية قاسية. فقد اتهم التقرير المقاومة الفلسطينية بالحرف: أنها ارتكبت (جرائم حرب ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية)، ووصف جرائم العدو الصهيوني بأنها (انتهاك للقانون الدولي) وشتان بين التهمتين قانونياً. وهذا تأكيد لفعل المشترك الإنساني في حال الهزيمة النفسية لأي أمة!قبل المشترك الإنساني الذي تفخر به الورقة كانت المقاومة حق للشعب الفلسطيني من أجل التحرر من الاحتلال وتقرير مصيره، وفي زمن المشترك الإنساني أصبحت جريمة حرب ضد الإنسانية. وطبعاً بالمفهوم الديني اليهودي فالإنسان الوحيد على وجه الأرض هو اليهودي فقط، وبقية المخلوقات حيوانات خُلقت على هيئة الإنسان لتليق بخدمة سيد الكون اليهودي! ذلك اليهودي الذي بدأ دعوته لتجميع اليهود من كل شعوب وقوميات العالم وإعادتهم إلى أرضهم القومية المزعوم أنها –فلسطيننا-، متزامنة مع الدعوة القومية العربية بمفهومها الغربي العلماني، وقد نجحت الحركة الصهيونية في اغتصاب فلسطيننا لأنها حافظت على هويتها اليهودية، وفشلت القومية العربية لأنها لم تحافظ على هويتها الإسلامية؛ ليس فقط في تحرير فلسطين، أو تحقيق الوحدة العربية، ولكن في الحفاظ على الهوية القطرية لأقطار سايكس- بيكو، وتحولت الجغرافية العربية إلى أسوأ مسرح صراع دامي في تاريخها، وتسير بأيدي أهلها إلى التشظي إلى كيانات فسيفسائية تحت مشاريع هويات متعددة، شرق أوسطية، وأورومتوسطية، قُطرية، مذهبية، طائفية، علمانية غربية وغيرها.وفي زمن العولمة والمشترك الإنساني نجد العدو الصهيوني يطالب العالم أجمع وعلى رأسهم الفلسطينيين أصحاب الحق الشرعي في فلسطين الاعتراف بالهوية اليهودية لكيانهم غير الشرعي، ونحن نطالب بدولة مدنية بمفاهيم علمانية غربية، ونتحدث عن هوية قومية عربية موجودة منذ 2000 سنة ومازالت وستبقَ إلى أن يشاء الله، كما ورد في الورقة! لم نتعلم كيف نحترم خصوصية هويتنا التي شوهناها طوال قرنين من الزمن بعد أن حولناها هي الأخرى لحقل تجارب لأفكار غربية علمانية فاشلة!أما وقوف شعوب أوروبا والعالم ضد العدوان الصهيوني وضد الغزو الأمريكي للعراق. من المؤسف أن الورقة قاست ذلك على موقف الأنظمة العربية الرسمي، وذلك بتقديري أنه قياس خاطئ، ولم ترى تلك المظاهرات المليونية التي استمرت طوال سنوات الانتفاضة في شوارع عواصم ومدن أمتنا من جاكرتا إلى طنجة، ولم ترى في المشترك الإسلامي متغير ثابت في هوية الأمة أكثر من المشترك الإنساني في زمن العولمة!وللعلم يُجمع أكثر الباحثين أن العولمة بأبعادها المختلفة هي (دين) كونها في الواقع تتحكم في كل العلاقات الإنسانية سواء كانت اجتماعية -عالمية أو فردية! وتحاول الدول الكبرى اقتصادياً وعلى رأسها الولايات المتحدة فرضها ديانة جديدة على العالم، وهي لن تكون فقط نهاية التاريخ بل موت للتاريخ ولفكرة الإله التي توجد فيه، والعولمة بحسب المفاهيم الغربية للدين هي "مفهومية دينية" لأنها تقوم بدور الدين الوظيفي، لذلك قيمها التي ذكرنا بعضها وتحولت لمشترك إنساني خطيرة على هويتنا سواء (القومية –العروبة- مجازاً لأنه ليس لنا هوية قومية بدون الإسلام) أو الإسلامية!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى