-
باحث في علم الاجتماع
قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام (5)
قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام (5)
مصطفى إنشاصي
أشكر الإخوة الكرام الذين تواصلوا على الخاص ليعبروا عن إعجابهم بأسلوبي في الكتابة، والشكر موصول لمن تُعجبه كتاباتي وأسلوبي في الكتابة ويتابعون ولم يتواصلوا، وأنتهز هذه الفرصة وأكتب لعشاق التاريخ رأي وما يشكله التاريخ لدي من قيمة:
يقولون: التاريخ ذاكرة الأمة! ذلك لا يعني أن الذاكرة حافظة للأحداث، وأن قراءة التاريخ للمعرفة به والمتعة، أو لدغدغة المشاعر .. مواساة أو تخدير أو هروباً من الواقع لأمجاد الماضية ... إنما نقرأه للتعلم لتبقَ ذاكرتنا حية، لنتجنب تكرار أخطاء الماضي، لنتعلم من تجارب الماضي لفهم الواقع لاستشراف المستقبل .. لنرتقِ بمستوى وعينا لنصنع ونكتب تاريخنا قبل أن يكتب عنا التاريخ ..
عام 2006 كتبت بحث طابعه أكاديمي لتصحيح فهمنا لبعض المصطلحات التي نتداولها على ألسنتنا يومياً ونحن لا نعرف حقيقة معانيها ودلالاتها ورمزيتها بعنوان: "الحضارة الثقافة العولمة هي الدين"! ونشرت مختصر له حوالي خمسون ورقة في مجلة مُحكمة، أقتطف لكم منه فقرة لها علاقة بما يشكله التاريخ في وعيي وثقافتي وفهمي، سبق أن نشرت هنا جزء من ذلك المفهوم:
علاقة الثقافة بالتاريخ والوعي:
يقول مالك بن نبي لكل تاريخ ثقافة، و"لا يمكن أن نتصور تاريخاً بلا ثقافة، فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتماً تاريخه. ذلك يعني أنه هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والتاريخ، أو أنهما شيئان متلازمان، لا غنى عنهما لأي أمة أو شعب .. كما يعني وجود علاقة قوية بين الثقافة وسلوك الإنسان، وبين تاريخ أي شعب ووعيه بأحداث ماضيه، وقيم حاضره.
ولفهم علاقة الثقافة بالتاريخ والوعي أختصر نظرية الفيلسوف والمفكر الألماني هانز ألبرت شتيغر في عبارات مهمة جداً أن يعيها عشاق التاريخ:
* نحن في حاجة إلى إعادة دراسة التاريخ الثقافي لإعادة النظر في مفهومنا للثقافة، فالتاريخ والثقافة متلازمان، فإذا كان التاريخ هو الظاهرة أو الحدث، فمما لا شك فيه أن الثقافة هي الوعي.
* وإن كان الحدث يسبق الوعي فلا قيمة له إطلاقاً، لأن أي حدث يقع خارج دائرة الوعي لا قيمة له، ويشترط لكي يكون الحدث حدثاً بالفعل، وجود الوعي بذلك الحدث.
* الوعي لا يعني المعرفة المجردة، لأنه لو كان كذلك لوجدنا الثقافة عملية جمع المعلومات فقط وحفظها لحين الحاجة، فالوعي هو الذي يفرق بين الثقافة والمعرفة.
* كما أنه هناك فرق بين الثقافة والمعرفة، وهناك فرق بين الثقافة الأكاديمية والثقافة ـ الممارسة. ففي الأولى تكون الثقافة جزء من التاريخ، ونتاج التاريخ أيضاً، وفي الثانية تكون الثقافة هي الوعي، وهنا يمكننا القول أن الوعي بدأ قبل التاريخ، أي أن الوعي بالحدث هو الذي يدخل الحدث إلى التاريخ.
* وكذلك يمكننا القول أن التاريخ هو جزء من الثقافة، أي أنه جزء من الوعي، ينجم عنه ويتأثر به.
* ويمكن اختصار العلاقة بين الثقافة والتاريخ، والعلاقة بين الثقافة والوعي، بأنه لا يمكن لإنسان أن يكون مثقفاً دون وعي، يمكن أن نسميه أي شيء ولكن ليس مثقفاً بالمعنى التاريخي والحقيقي للكلمة، لأن الثقافة "فعل إرادة"، ولا يتأتى ذلك بدون "الوعي".
أبسط المعنى هنا في عبارات أيضاً:
* الوعي يسبق التاريخ ..
* الوعي بالحدث هو الذي يُعطي للحدث قيمته التاريخية ..
* الوعي هو الذي يجعل من الحدث حدثاً تاريخياً ..
* الوعي بقيمته الحدث وأهميته هو الذي يحول الحدث ليصبح جزء من ثقافة جماعة ما أو شعب ما ..
* الوعي بقيمة وأبعاد الحدث وأثره في حياة أصحابه هو الذي يُكسبه الصفة الجمعية في وعي أي أمة .. ويحوله إلى ثقافة وممارسة يومية ويُكسبه رمزيته ..
* الوعي بالحدث هو الذي يُعطيه بُعده العالمي أيضاً إن استطاع أصحابه أن يُكسبوه ذلك البعد ليتحول إلى رمز عالمي يحمل أبعاد سياسية أو اجتماعية أو غيرها، يكون لها دلالتها ومعناها الذي ما أن يُذكر حتى يستحضرها السامع مباشرة ..
وعن نفسي أنا لا أعيد نقل التاريخ وحوادثه، لكني أحاول قراءة وكتابة التاريخ بوعي يشكل عقلية القارئ وفهمه للتاريخ في سياق متسلسل ومترابط، لفهم واقعه وعلاقاته المتشابكة مع الإقليم والعالم، ويحدد أعداءه وأساليب حربهم المتنوعة ضد الأمة، وغاياتهم وأهدافهم ضد الدينه والأمة وثرواتنا البشرية والمادية، لفهم واقع الصراع اليوم والمخرج من عنق الزجاجة التي نمر بها في هذه المرحلة ...
لذلك بعد حلقتان لن أكتب التاريخ حوادث وقصص إنما تجارب وعبر وفهم لواقعنا الذي تشكل ليس في القرنين الأخيرين كما يعتقد البعض ولكن في زمن الحروب الصليبية ...
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى