الدكتورة إجلال خليفة
الفلاحة الأمية التي تحدت الصعاب وحصلت على الدكتوراه
كتب/خطاب معوض خطاب
هي فلاحة كانت تجهل القراءة والكتابة ولم يتعد عمرها 18 عاما، أتت بصحبة إخوتها الشباب الأربعة لتخدمهم وتهتم بشئونهم وترعى مصالحهم وهم يدرسون بالقاهرة، فكافحت وجاهدت وتغلبت على الظروف المحيطة بها، وتعلمت حتى أصبحت أستاذة جامعية، إنها الدكتورة إجلال خليفة التي تعد واحدة من المهمشات في تاريخ مصر رغم إنجازاتها ورغم ما حققته طوال حياتها، وقد شرفت بالكتابة عنها في الجزء الثاني من كتاب "شخصيات مصرية بين التهميش والنجومية" لكونها نموذجا من النماذج الملهمة، وكفاحها في مسيرتها العلمية يعد مثالا يحتذى ويستحق التأمل والتدبر والاقتداء، ونحن في الحقيقة في أشد الاحتياج حاليا إلى نموذج مضيء وقدوة يقتدى بها في هذه الأيام التي تكاد تكون معتمة.

والدكتورة إجلال خليفة ولدت في يوم 16 أبريل سنة 1924 بالمحلة الكبرى، وهى ابنة عم المرحومة والدة المخرج الإذاعي الكبير محمد مرعي رئيس إذاعة صوت العرب سابقا، والفنان الراحل أحمد مرعي ومهندس الديكور الراحل صلاح مرعي، وأما إخوتها الذين كانت ترعى مصالحهم في القاهرة في مراحل تعليمهم العالي فهم الدكتور عبد المنعم الذي تلقى تعليمه في إنجلترا، والمهندس عزت، والأستاذ دكتور مهندس يسري الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة القاهرة وصاحب العديد من الأبحاث العلمية في مجال العلوم الهندسية على مستوى العالم، والأستاذ دكتور أحمد سامي عالم طب الأطفال والأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس وصاحب الأبحاث العلمية العالمية في هذا المجال، والأستاذة عائشة المحامية.

وكانت إجلال خليفة وقتها مثل معظم الريفيات في ذلك العصر البعيد حيث لم يخطر لها على بال أن تتلقى أي نوع من التعليم، ولكنها في داخلها كانت تمتلك روحا مثابرة وطموحة، وإرادة قوية مكنتها بعد وصولها إلى القاهرة من الحرص على الدراسة والتعلم رغم كبر سنها، وقد حصلت على شهادة محو الأمية بعد دراستها في أحد الأقسام الليلية بإحدى المدارس، حيث كانت تخدم إخوتها نهارا، وتتلقى دروسها في المدرسة ليلا، وقد حصلت على شهادتها تلك بعدما تجاوزت الثلاثين عاما، محققة بذلك إنجازا كبيرا كامرأة مصرية تحدت ظروفها وتعلمت في زمن لم يكن يشجع تعليم المرأة.

ورغم أنها في ذلك الوقت أبهرت جميع من حولها بما فعلته، إلا أنها واصلت مسيرتها التعليمية، محققة ما يشبه الإعجاز بحصولها على ليسانس الآداب قسم الصحافة في ستينيات القرن العشرين، ولكنها لم تكتف بما حققت بل واصلت طريقها التعليمي، فحصلت على ماجستير دراسات تعليمية، ثم ماجستير في "الصحافة النسائية في مصر من سنة 1919 إلى سنة 1939"، واستكملت إنجازها الإعجازي حيث حصلت بعد ذلك على شهادة الدكتوراة في "الصحافة النسائية في مصر من سنة 1940 إلى سنة 1965" وهي التي كانت أمية تجهل القراءة والكتابة يوما ما.

وعملت الدكتورة إجلال خليفة في مؤسسة دار الهلال الصحفية، وفي جريدة الأهرام وفي الهيئة العامة للإستعلامات، وبالإضافة إلى ذلك عملت في وزارتي العلاقات الخارجية والسياحة، كما أنها عملت بالتدريس الجامعي في مصر، وأيضا عملت أستاذا زائرا بعدد من الجامعات بالدول عربية منها المغرب وليبيا والسودان والكويت والعراق والإمارات، والجدير بالذكر أنها تولت رئاسة قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة في منتصف سبعينيات القرن العشرين، ثم تولت وكالة كلية الإعلام لشئون الدراسات العليا والبحوث في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، كما أنها كانت عضوا بعدد من جمعيات الرعاية الإجتماعية.

وقد أصدرت عددا من الإصدارات مثل كتاب "الحركة النسائية الحديثة"، وكتاب "إتجاهات حديثة في فن التحرير الصحفي"، وكتاب "المرأة وقضية فلسطين"، وكتاب "علم التحرير الصحفي وتطبيقاته العملية"، وكتاب "الوسائل الصحفية وتحديات المجتمع الإسلامي المعاصر"، وهكذا كانت حياة الدكتورة إجلال خليفة مثالا يحتذى في تحدي الصعاب وإثبات الذات، حيث لم تستسلم يوما لواقع كاد يفرض عليها أن تظل أمية كمثيلاتها من الريفيات في ذلك الزمن البعيد، بل كافحت وصبرت وصابرت حتى أصبحت من أعلام الإعلام في مصر، رحم الله الدكتورة إجلال سامي خليفة التي عاشت راهبة في محراب العلم حيث أنها لم تتزوج، وعاشت حياتها من أجل العلم حتى وافاها الأجل في يوم 17 نوفمبر 1997.

*كل الشكر والتحية والتقدير للصديق المحترم الأستاذ محمد مرعي Mohammad Marei المخرج الإذاعي الكبير والرئيس الأسبق لإذاعة صوت العرب الذي أهداني صورة الدكتورة إجلال خليفة بعدما أعياني البحث عنها شهورا طويلة.

#إعادة_نشر