المجازر الصهيونية التطبيق العملي لأوامر التوراة (4)
مصطفى إنشاصي
فصلنا الحديث عن مجزرة دير ياسين لنحاول توصيل مدي البشاعة والإجرام والإرهاب الصهيوني الذي يتكرر في جميع المجازر التي ترتكب في حق أهلنا في فلسطين، حتى لا نكرر نفس المشاهد والروايات في المجازر الأخرى. علما أن بقية المجازر التي حدثت بعد مجزرة دير ياسين في فلسطين عام 1948، كانت لتحقيق الهدف نفسه الذي اُرتكبت لأجله مجزرة دير ياسين، وفي الوقت نفسه للانتقام لما كانوا يتكبدونه من قتلى بأعداد كبيرة، نتيجة المقاومة العنيفة التي كانوا يواجهونها في تلك المدن والقرى قبل اغتصابها.

مجازر دينية
إن الإرهاب الصهيوني لم يتوقف باغتصاب الجزء الأكبر من فلسطين 1948 - 1949 وإقامة كيان العدو الصهيوني عليه، فقد استمر الإرهاب طيلة الخمسينيات والنصف الأول من الستينات تمهيداً لحرب 1967 وإلى اليوم، ولم يكن يمر أسبوع دون قيام اليهود بعملية إرهابية ما، وإن كانت مجازر عامي 1947 ـ 1948 قامت بها عصابات المغتصبين الصهاينة غير الرسمية، فإن مجازر ما بعد 1948 قامت بها عصابات العدو الصهيوني الرسمية ما يدعى "جيش الدفاع الإسرائيلي". كما أن الطابع العام للمجازر التي اُرتكبت بعد اغتصاب اليهود فلسطين عام 1948 كان يغلب عليها الطابع الديني، والانتقام، وبهدف تسخين الأجواء مع دول الطوق لجرها إلى حروب جديد، من أجل استكمال اغتصاب ما تبقى من فلسطين، ولاستكمال مشروع (إسرائيل الكبرى) الديني من النيل إلى الفرات. لذلك كان الطابع العام لهذه المجازر هو الطابع الديني التعبدي، وإن كانت كل المجازر اليهودية هي مجازر دينية. هذا الصنف من المجازر اليهودية كثير جدا، ولكننا سنذكر أبشعها وحشية، والتي لا يمكن تبريرها صهيونياً إلا بمفاهيم دينية:

* مجزرة قبية في 14/10/1953
تقع قرية قبية على مسافة 22 كم شرق القدس، وتبعد 2 كم عن خط الهدنة، وكان عدد سكانها يوم المذبحة 2000 شخص، ولم تكن القرية في حالة حرب مع العدو الصهيوني. قامت وحدات من العصابات الرسمية الصهيونية ليلة 14/10/1953 بتطويق القرية بقوة قوامها نحو 600 جندي، وقامت بعزل القرية عن المناطق المحيطة بها، ودخل الجنود القرية وهم يطلقون النار في كل الاتجاهات، وقاموا بتفجير المنازل على رؤوس السكان، وقد كانت العصابات الصهيونية تطلق النار على كل من يحاول الهروب من بيته قبل تفجيره. واستمرت المجزرة أكثر من 32 ساعة، مارست فيها العصابات اليهودية صورا متعددة من أعمال الإرهاب والقتل والتدمير. وقد كانت حصيلة تلك المجزرة: تدمير 56 منزلاً ومسجد القرية ومدرستين، وخزان المياه الذي يغذيها، واستشهاد 67 مواطناً من الرجال والنساء والأطفال، وجرح مئات آخرين، وقد ثبت أن أسر كاملة أبيدت في المجزرة.
ومن أبلغ المشاهد التي تعبر عن مدى وحشية المجزرة، والذي بقي عالقا في ذاكرة كل من تابعوا همجية تلك العصابات التي كان يقودها الإرهابي أريئيل شارون، قائد الوحدة الخاصة رقم (101): (منظر امرأة عربية جالسة على كومة من الأنقاض، وقد أرسلت نظرة تائهة في السماء، إذ برزت من بين الأنقاض أيد وأرجل صغيرة هي أشلاء أولادها الستة، بينما كانت جثة زوجها الممزقة بالرصاص ملقاة في الطريق المواجهة لها).
وقد اعتبر الحاخام شاوول عزريئيلي عضو المجلس الحاخامي الأعلى في إسرائيل في مقالة بعنوان: "حادثة قبية وفقاً للشريعة اليهودية"، اعتبر فيه المجزرة عملاً مشروعاً وطاعة للرب، من أجل قتل أعداء اليهود انتقاماً أو منعاً لهم من العودة للمطالبة بوطنهم.

* مذبحة المسجد الأقصى في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990
كانت هذه المذبحة البشعة الأكثر إعداداً وتخطيطاً ونوايا مبيتة من قبل حكومة العدو الصهيوني، حيث قامت قوات كبيرة من العصابات الصهيونية الرسمية من مختلف الأجهزة بالتعاون مع عصابات المستجلبين اليهود المسلحين، بمحاصرة مدينة القدس، ومحاصرة الحرم القدسي الشريف، واقتحام باحة الحرم لمحاولة وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الحرم القدسي الشريف. ولتقترف أكبر مذبحة يهودية في ساحته الشريفة حتى ذلك الحين، حيث هب أهالي القدس لمنعهم من ذلك دفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك، فاشتبك المواطنون مع عصابة "أمناء جبل الهيكل"، وسرعان ما تدخلت العصابات اليهودية الرسمية بكثافة هائلة، وأخذوا يطلقون النار بكثافة مرعبة ومن كل صوب باتجاه المصلين المسلمين، ودون تمييز بين امرأة أو طفل أو شيخ أو شاب، فبلغ عدد الشهداء الذين سقطوا بالرصاص في تلك المجزرة 21 شهيداً، بينما أصيب أكثر من 800 مواطن مقدسي، واعتقل أكثر من 270 آخرون.
أما عن وصف بشاعة ووحشية المجزرة، نترك ذلك لمراسل وكالة فرانس برس الذي لخص مشاهد المجزرة بقوله: (غطت الدماء مسافة المائتي متر بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى .. لقد سالت الدماء في كل مكان على الأدراج الواسعة ولطخت البلاط الأبيض على امتداد ساحة الحرم الواسعة وعلى أبواب المسجدين، ورسمت على حيطان المسجد خطوطاً طويلة قانية نزفتها أياد مدماة. وخضبت الدماء ملابس المسعفات البيضاء وبدا الجرحى والناجون والمسعفون والصحفيون والجنود الإسرائيليين كأنهم يسبحون في الدماء). وقد منعت العصابات اليهودية الرسمية المواطنين من إسعاف الجرحى، وكذلك منعت المسعفين، وأطلقت النار على المواطنين والمسعفين وأصابت العديد منهم، كما أنها كانت تطلق النار على الجرحى أنفسهم.