-
باحث في علم الاجتماع
استثمروا إيجابيات مونديال قطر
استثمروا إيجابيات مونديال قطر؟! (1)
عن نفسي لست من عشاق ولا محبي كرة القدم ولا أعرف عنها شيء منذ أن توقفت عن التشجيع عام 1978، ولم أشاهد أي مباراة في منديال قطر لكنني من خلال المنشورات لدي تصور كافي عنه، ولا أحد يختلف على أن المبالغ التي أنفقت على اﻹعداد للمونديال حسب شروط الفيفا، وطموحات أمير قطر أن يجعل منه رسالة حضارية للإسلام والعروبة، كان الأفضل استثمارها في مجالات أخرى تفيد المسلمين، لكن ما حدث حدث .. وكيف يمكننا استثمار إيجابيات المونديال لصالح الأمة والقضية؟
بداية نهنئ قطر وأميرها على هذا النجاح الرائع الذي شرف العرب والمسلمين، وكشف حقيقة الغرب الذي لم يعد يأبه من إظهار موقفه العدائي لديننا وأمتنا، حتى في حدث رياضي لا علاقة له بالسياسة، ونسجل لأمير قطر اعتزازه بسلام وعروبته وعدم منافقة الغرب ولا التنازل أمام موجة الضغوط والسياسية، وحملة التشهير التي شنتها وسائل اﻹعﻻم الغربية ومنظمات حقوق اﻹنسان ضده وضد قيمنا الدينية، في محاولة منهم لإضعاف موقفه وتمرير ما كانوا يمنون أنفسهم بتمريره ليكون رسالة للعالم، بأن هذا مصيركم جميعا، وعلى رأسها، الترويج للمثلية والشواذ والانحطاط الأخلاقي ...
واضطرار كل من أساء من الغربيين إلى اﻻعتذار، واعتراف عقلاء من الغرب بوضاعة أخﻻقهم وقيم حضارة الرجل الإبيض الذي يرى أنه سيد العالم ومعلم البشرية الحضارة والمدنية، ويريد أن يعولم قيم حضارته المادية المنحلة المعادية ومناقضة للفطرة على العالم، وتمنوا أن يأت يوما يرون لاعبيهم وشعوبها يحتضنون والديهم في المﻻعب، ويقدسون الحياة الأسرية، وقوة الروابط الاجتماعية و... ولا يلقون آباءهم وأمهاتهم في ملاجئ كبار السن والعجزة ...
لماذا لا نستثمر تلك الهزيمة النفسية والمعنوية والأخلاقية للغرب وحضارته في زرع الثقة في شبابنا بدينهم وقيمهم وسمو أخﻻقهم على الحضارة الغربية المبهورين بها، وتكون نقطة انطلاق لمثقفي ومفكري الأمة للاستفادة من كل وسيلة إعلامية وغزو الغرب فكريا وثقافيا وحضاريا ورفع شأن ديننا وقيمنا في الغرب وكل مكان وتسفيه وتدمير حضارة الغرب، واستعادة دورنا الرسالي في قيادة العالم في جميع المجاﻻت، خاصة وأن من لم يسلم ممن جاء من كل أنحاء العالم إلا أنه تأثر بدرجات متفاوتة بأصالة ديننا وثقافتنا الإسلامية وكرم وحسن الضيافة العربية ... وانبهر بكل تأكيد بإسﻻمنا وتغيرت نظرته للإسلام والمسلمين ...؟!
-
باحث في علم الاجتماع
استثمروا إيجابيات مونديال قطر؟! (2)
بعض الأصدقاء انتقد تهنئتي لقطر وأميرها على النجاح الرائع للمونديال، على أساس أن تلك التهنئة تتعارض مع طبيعة شخصيتي ومواقفي، ومعهم حق. إلا أن الأمر ليس كما قد يكون وقع في نفوسهم!
أثناء المونديال أرسل لي صديق مقالة تنتقد الأموال التي أنفقت على المونديال، وتبادلنا الحديث وقلت سأكتب بعد انتهاء المونديال عن كيفية استثمار إيجابيات المونديال بدل النقد السلبي.
أول أمس أرسل صديق آخر مقطع فيديو له عن المونديال ﻷعلق عليه، فكان ردي ما كنت عازما الكتابة عنه بعد انتهاء المونديال، وقسمته ﻷجزاء لنشره على صفحتي، موجهة للمثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي لماذا ﻻ يستثمروا الإيجابيات لمصلحة الدين والقضية، ولتكون نقطة انطلاق لكشف حقيقة عداء الحضارة الغربية لديننا وأمتنا، وإعلاء قيم حضارتنا الإسلامية بعد الهزيمة النفسية والفكرية التي حدثت عند بعض ذوي الرأي الغربيين، فالمنشورات موجهة للآخرين ليكتبوا عن تلك اﻹيجابيات.
وكان يجب أن يكون بعد التهنئة الفقرة التالية التي تأجلت لليوم، وتأجيلها أحدث اللبس، كفكرة يكتب عنها كل بأسلوبه لحثه على الإنفاق لمصلحة اﻷمة:
وفي الوقت نفسه ما يمنع أن نحث أمير قطر وغيره كما أنفق كل تلك المليارات لنجاح المونديال وقد توفق ونجح نجاحا باهرا، لماذا لا ينفق مثلها بل أقل بكثير جدا، على نصرة دينه الذي كان عنوان المونديال، وانفاقها في تسديد ديون بعض الدول الفقيرة، وإستثمارها في مجاﻻت متنوعة لبناء اقتصادات وطننا ونكتف ذاتيا في الاحتياجات الغذائية، ونضع أسس لصناعة متطورة تغنينا عن الاستيراد ... نؤسس لنهضة عامة في أمتنا
-
باحث في علم الاجتماع
استثمروا إيجابيات مونديال قطر؟! (3)
قلتها مرات سابقاً:
نحن لدينا كتبة ونجوم فيسبوك ومداحين ومجاملين لهم، حتى لو قالوا ريان يا فجل!
لا يوجد لدينا مثقفين ممارسة وعمل، وليس لديهم معلومات ومعارف!
ليس لدينا مفكرين يغتنمون الفرص ويضعوا لبنات تؤسس لنهضة الأمة ووحدتها!
كم صرخت:
نكرر للمرة المليون: مَن لشرف تلك المهمة؟!
مَن لشرف النهوض بالأمة، أو التأسيس لجيل نهضتها من جديد؟!
مَن لمسح عار تلك الفصائل الفاشلة المسمسرة بالدين والقضية؟!
مَن ...؟!
مَن ...؟!
وكل مرة أسمعت لو ناديت حياً .. لم أسمع إلا صدى صوتي!
كم مرة كتبت وكررت:
الوعي يسبق التاريخ ..الوعي بالحدث هو الذي يُعطي للحدث قيمته التاريخية ..الوعي هو الذي يجعل من الحدث حدثاً تاريخياً ..الوعي بقيمة الحدث وأهميته وأبعاده وأثره في حياة أصحابه هو الذي يُكسبه الصفة الجمعية في وعي الأمة .. ويُكسبه رمزيته .. ويجعله جزء من الثقافة والممارسة اليومية لأي أمة أو شعب أو جماعة ..
الوعي بالحدث هو الذي يُعطيه بُعده العالمي أيضاً إن استطاع أصحابه أن يُكسبوه ذلك البعد، ويحولوه إلى رمز عالمي يحمل أبعاد سياسية أو اجتماعية أو غيرها، يكون لها دلالتها ومعناها الذي ما أن يُذكر حتى يستحضرها السامع مباشرة ..
ذلك هو الفارق بين الشعوب أفراد وجماعات؛ التي وعت بالفطرة معنى فلسطين القضية المركزية للأمة وصدحت بها وأصبحت ثقافة شعبية وعالمية تمارسها في كل حياتها! وهزت وجلجلت بها في مدرجات مونديال قطر، وتغنت بها ورفعت علمها، لاعبين ومشجعين، ومثلها التوحد خلف منتحب المغرب من جاكرتا إلى الرباط وبقية أنحاء العالم!
وبين فاقدي الوعي الذين تعاملوا كما يتعاملوا مع كل حدث بسطحية وضحالة فكرية لأننا لسنا مفكرين، لا نحمل هم الأمة حقيقة ... فاقدي الوعي الذين حولوا فلسطين إلى قضية جدلية وتنظيرية .. فاقدي الوعي الذين لديهم الوحدة شعار ولا يفكروا كيف يستثمروا هكذا أحداث لتحويلها إلى واقع بعيداً عن اختلافات الأنظمة السياسية!
أدرك أن المرحلة ليست مرحلة الوعي وصناعة التاريخ، وأدرك منذ زمن أنه لم يعد للكلمة قيمة ولا معنى في زمن الفوضى الخلاقة، وكلما عزمت على التوقف عن الكتابة لأنها مضيعة للوقت، أراجع نفسي وأخشى أن يكون لدي ما يفيد وأتحمل الذنب!
-
باحث في علم الاجتماع
استثمروا إيجابيات مونديال قطر؟! (4)
بعد إعلان نتيجة امتحان دبلوم الماجستير التقيت دكتور ربطت بننا علاقة طيبة من كثرة اختلافاتي معه وحواراتنا تجاوزت علاقة دكتور بطالب، وسألني: اخترت موضوع لرسالة الماجستير؟ أجبت: لم أختر بعد.
قال: ما رأيك أعرض عليك بعض العناوين بشرط أن أكون أنا المشرف على رسالتك!
ولأني أصبحت على معرفة بأسلوبه وتوجهاته ولا أريد أن أختلف معه عند الكتابة كان لا بد لي من طرح سؤال مباشر وواضح عليه قبل الموافقة أو الرفض:
من الذي سيكتب؛ أنا أم أنت؟! أجاب: أنت طبعاً!
قلت؛ بمعنى أدق: ما هي حدود تدخلك فيما سأكتب؟ هل ستنحصر في الجانب الأكاديمي أم ستتجاوزه إلى إبداء آرائك فيما أكتب؟ رده: في الجانب الأكاديمي فقط، وأنت حر في ما تكتبه!
قلت: إذن أنا موافق!
وقد عرض عدة عناوين موضوع واحد منا له علاقة بصميم القضية المركزية للأمة والوطن، لكنه طُرح فترة وجودي في السجن ولا أعرف عنه إلا شذرات، وكان هو متشجع له أكثر من بقية العناوين الأخرى، وقال: أنت أقدر واحد يمكنه الكتابة في هذا الموضوع، وتقديم رؤية مستقبلية له!
قلت: نعم؛ الموضوع مهم وخطير ويهمني أن أكتب فيه خاصة وأنه جديد ولم يسبق الكتابة عنه إلا مقالات إخبارية أو تحليلية فقط، وأنا أميل إلى أن أكون من المبادرين في الكتابة عن هكذا موضوعات! المهم وافقت، وكان عنوان الرسالة: "أثر السوق الشرق أوسطية السياسي والاقتصادي على دول المنطقة"!
وعندما أعددت الباب الأول المكون من أربعة فصول، وقدمته له وحدثته عن مضمون كل فصل، توقف واعترض على العمق التاريخي الذي يبرز جذور الصراع!
فقلت: المنهج الغربي في البحث والدراسة وخاصة عندنا لا يركز على الجذور في دراسة أي قضية لها علاقة بالصراع مع الغرب والعدو الصهيوني، لكنه سطحي يتناول الجذور القريبة الظاهرة المعروفة للجميع، وذلك يُفقد أي دراسة عمقها التاريخي المطلوب، فتأتِ الدراسة ونتائجها سطحية، وتقدم رؤية غير عميقة وغير دقيقة للصراع، وذلك ما أوصلنا إلى الحال التي نحن عليها اليوم. فطلب استبعاد بعض الفصول أو دمجها، رفضت! واستمر الأخذ والرد نحو أربعة شهور!
قلت له: سأقدم طلب لعميد الكلية أطلب فيه تغيير الدكتور المشرف على الرسالة. لكنه استبعد أن أفعلها لِما كان بيننا من علاقة وتفاهم! وعندما قدمت الطلب للعميد هو الآخر اندهش وقال: معلوماتي أن علاقتكم متينة وبينكم تفاهم كبير، ممكن تعطيني فرصة أتحدث معه؟ قلت: كما ترى.
وعندما حضر إلى الكلية وحدثه قال: أعطيني مهلة وأرد عليك.
وكنت كثيراً ما أعود معه في السيارة وأنا مروح فسكني في طريقه لوزارة الخارجية، كان مسئول شؤون الأمريكيتين في الوزارة، وأثناء العودة حاول إقناعي بأن العلاقة مع الغرب وأمريكا ليست علاقة صراع دائماً خاصة هذا العصر! بقيت مصراً على موقفي: أنها منذ فجر التاريخ وهي علاقة صراع ومازالت. إلى أن وصلنا لموازاة الشارع الذي يؤدي إلى سكني، وفتحت باب السيارة وهممت بالنزول، وكانت كلماتي:
"دكتور؛ لقد اتفقنا من البداية أن الرسالة رسالتي، وأنا الذي سأكتب وليس أنت"! قال: نعم.
قلت: وهذا رأي وقناعتي اقرأ أولاً ثم اعترض إن كان هناك اعتراض منهجي أو توثيقي.
قال محاولاً إقناعي برؤيته: يتوجب علينا أن نقدم الإسلام للغرب بأسلوب ألطف ونخاطب عقلية الغرب باللين حتى لا يحدث شُك عنده". قلت له لحظتها بانفعال:
"أنا لم أعيش في الغرب أنا عِشت هنا، ومن صغري وأنا أتـقلب في المآسي والمصائب والنكبات التي صنعها الغرب لنا، لذلك لا أرى في الغرب الرسمي تحديداً إلا أنه عدو للإسلام، أنا لا أكتب للغرب ولا يهمني رأي الغرب موافقته أو رفضه لرأي، أنا أكتب لأبناء وطني وأمتي الذين تجرعوا مرارة العذاب والمعاناة بسبب مؤامرات الغرب التي لا تتوقف ضدهم، أنا أكتب ما أحسه وألمسه كل يوم من مآسي سياسة الغرب ضدنا، أنا أكتب لأبناء المعاناة التي صنعها الغرب وصنعتنا هي بدورها، أنا ابن النكبة والمعاناة ولست ابن الغرب، الغرب يعادي فيّ الإسلام ويعمل على تدميره، لماذا الغرب لا يحاول هو أن يلطف لهجته عند الحديث عن الإسلام ولا يجاهر بأنه هو العدو الرئيس له"؟!
فقال عبارته المشهورة التي كان يرددها لي ولغيري عني: "أنت ما عندك مشكلة في عقلك، مشكلتك في إصرارك على ما تكتب"! وتلى قوله تعالى: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40). وعلق قائلاً: إن الصراع هو سنة الله في خلقه وأخذ الأوراق وانطلق".
تلك السطحية أفقدتنا وعينا وأصبحت منهجاً لدى مثقفينا، لذلك لم يدركوا أهمية تفعيل ما حدث في مونديال قطر لصالح الإسلام ومواجهة محاولة الغرب عولمة قيم حضارته المادية المعادية للفطرة الإنسانية، عملاً بسنة التدافع، في الوقت الذي أدرك فيه الغرب خطورة ما حدث على مستقبل سيادة حضارة الرجل اﻷبيض فشن حملته العدائية ضد الإسلام!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى