الجنة هي أنعم مكان في الوجود ... فهل يوجد فوقها طموح ؟!!
هشـــام الخــــاني
تدفعنا الفطرة ونحن نتمتع بكل مصنوع جميل أن نسأل عن الصانع، فاللوحة البديعة والبيت الجميل والتصميم المتميز هي إنجازات بشرية تدفعنا طبيعتنا إلى حب التعرف إلى من أنجزها وأبدعها. وعندما نرى طبيعة خلابة جميلة لم يصنعها بشر، أو وجها جميلا لم تكونه الأم ولا الأب، فإننا نتفكر بالخالق المبدع (جل وعلا) نسبح بحمده ونشكر آلاءه. وهكذا يسرح العقل فيما يرى ويلمس من الإبداع والجمال حوله.
إن تفكيرنا بالمبدعين من البشر يتجه إلى أدائهم قبل وجوههم أو قاماتهم. لكن تفكيرنا بالخالق المبدع (جل شأنه) يجعلنا نسبح بحمده ونثني عليه دونما وسيلة لتخيل وجهه أو شكله لأنه (تعالى) ليس كمثله شئ. وإن التفكر بالجنة، التي هي تحفة الرحمن لأحبابه، يذهب بالنفوس إلى آفاق لا حدود لها لأن العقول في تصورها تذهب والقلوب تتوه. علما بأن الله شبهها مثلا ولم يصفها على حقيقتها، لأن الذي فيها لا يوجد مقابل له في أعين أو آذان البشر .. فقال الله: "مثل الجنة ...." ولاشك بأن هذا من باب اللطف والتشويق لأن حقيقتها فوق تصور عقول البشر.
ما للقلوب التي صفت لمحبوبها تتجه في تفكرها باتجاه آخر يحدوها الشوق والوجد، يتجاوز الموجودات كلها، إلى الموجد الاعلى، وفق شوق تنفطر منه القلوب، ويضيع معه الشوق إلى الجنة على جمالها؟ لكن لوما لا يقع على هذه الزمرة التي علا نقاؤها لأنهم يتفكرون بالعقل ويرون أن جمال المبدع لا يقارن بجمال المبتدع. وإن أصحاب هذه الزمرة ينسون أنفسهم وواقعهم حينما يتفكرون في لقـــاء المحبوب والنظــر إلى وجهــه الكريــم .
إن الفــرق بين الشــوق إلى الجنة والشوق إلى البديع الذي أمرها فنشأت يعــادل الفــرق بين الخالــق والمخــلوق. فالجنة لا تعـدو عن كونهـا مخلوقا أبدعتـه يد الخـالق. ولوﻻ قضــاء اللــه في كون الدنيــا مزرعة للآخـرة، وأن وجودنــا فيها تقديــر من اللــه لا يمكننا مخالفته، لتهـافت المحبــون العاشــقون على الدنيا يدوســونها وزخرفها، ينهون أمدها بأيديهــم، والشــوق يحدوهم إلى لقاء الوجه الكريم الذي أطلق جماله. ولئن لبوا دعوة ربهم إلى (يوم المزيد) وكشف لهم الحجاب عن النور المبين فإنهم ينسون كل نعيم عاينوه في الجنة .. وهذا ما أكده حديث النبي (عليه الصلاة والسلام).
إن حب الله هو طريق الولاية. وإن الولاية هي الأمان في الدارين من الخوف والحزن. ولئن والى امرؤ ربه ووالاه ربه أضحى ذاهلا عن الدنيا وزخرفها، وبات متصلا بالعزيز الكريم، يرى ويسمع ويفعل ويمشي تبعا لتقدير الله .. وأنعم به من تقدير. وإن قلبا واعيا تولع بالعزيز القدوس لا يستبدل جنــة عرضهــا الســموات واﻷرض، ونظرة كريمة تعلوها علوا، بزخـرف زائــل يكاد يفارقــه ييـن يوم وســاعة. وإن المشتاقين إذ ينتظــرون موعد اللقاء مع المحبوب فإن أرواحهم تكاد تزهــق من شدة الشوق. ومن هنا ضرب الله (تعالى) أجــلا لأهل المحبة يؤكد لهم اللقاء (فضلا منه ورحمة) كي تهدأ نفوسهم فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله ﻵت وهو السميع العليم" - (العنكبوت).
.....