عندما يصرخ فينا الألم!
د. ريمه عبد الإله الخاني

للذين مرت ليلتهم وهم يشعرون وكأن الأرض على قلوبهم..
وللذين لم يستسلموا للوجع..فابتلعوه كنبتة برية سحرية..تعلمهم الصبر..

لكل الذين حافظوا على توقد روحهم وعطائهم وتفاؤلهم..ولم يفقدوا ابتسامتهم..
حتى إذا ما مروا من قنطرة النهاية بكل ماأوتوا من إيمان وقوة..تركوا لنا عبرة وحكمة..أهدي هذا النص...
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله:
الذنوب تكفرها المصائب والآلام والأمراض والأسقام وهذا أمر مجمع عليه.[1]
عندما نكون في مرحلة الشباب، من الصعب جدا أن نشعر بهؤلاء الذين يعانون من آثار تقدم العمر، فترانا نقدم لهم المعونة تكلفا، وحتى لو كان الأمر يتعلق بطارئ ألم بأحد الشباب تغرنا قضية العمر فنقول مازال شابا سيتجاوز المرحلة بنجاح، وننسى أن الألم أمر ممض صعب لايتجزأ فالألم ألم، فقد تحرم من تقلبك في الليل على فراشك، وقد ترحم النوم من ألمك، وقد ترهق معدتك كثرة تناول أقراص الدواء، خاصة إن كنت من أنصار مبدأ الغذاء لا الدواء، ويبقى التحدث عن أمور كهذه سهلا مقابل اختبارها والوقوع فيها....
ماهي طاقة الصبر لديك؟ شهر شهران أكثر؟قالتها لي عندما وقعت بألم طويل :
-مررت بتلك المرحلة لم يشعر بي أحد، كان الصمت والتسبيح ديدني الوحيد..
شابة وقد أثر بها حادث سيارة طارئ في لزومها السرير فترة غير قليلة...كأنها الملاك يعطي دروسا بالصبر...
الصبر اختبار الإيمان والخبرة والسعة المشاعرية والخبرة الحياتية، فالشكوى ضيق وضآلة إنسان..
شيماء عويضة تصف لنا الألم بطريقة كورونية فتقول:
كانت الأنبياء أكثر الخلق ابتلاءً من الله. وأكبر الأمثلة على ذلك سيدنا أيوب عليه السلام حين ابتلاه الله في أعز وأعظم ما يملك، حيث ابتلاه في جسده وماله وأولاده، ففقد ماله وأصيب جسده بالمرض الذي لا يستطيع أن يتحمله بشر ومات أولاده، بعد أن كان يملك الكثير من المال والأولاد وسائر أصناف وأنواع مختلفة من الأغنام والمواشي والأراضي الواسعة، صبر وقابل الابتلاء بالشكر والسجود لله سبحانه وتعالى والتوجه له بالدعاء حتى أعاد الله له ماله وصحته وكثر نسله. وكان سيدنا أيوب يردد دائماً:
- إن الله يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
قال تعالى: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" . (سورة ص: الآيات 41 - 44)
وبالنظر لما نعيشه اليوم يعد فيروس كورونا من الابتلاءات العظيمة ..والتي أراها اختباراً من عند الله للتمعن في قدرته جل جلاله ويعيد الكثير منا حساباته ويضعها في مكانها الصحيح.وبعد أن طال زمن هذا الفيروس اللعين وضاقت صدورنا منه حيث جلب مع مجيئه الكثير من المشاعر السلبية من خوف وفزع وقلق وشك، هذا بالإضافة إلى بعض السلبيات المرتبطة بالاقتصاد وحركة التجارة الدولية وكسب العيش اليومي وشل حركة الكثير والكثير، ضعف إيمان البعض ونفد صبرهم وتسلل الإحباط إلى قلوبهم وانتشرت الكثير من التعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي ونسوا أن الأمر كله بيد الله...ولكن صبراً أيها الإنسان ..عليك الصمود حتى تعبر المحنة ويأتي الفرج من عند الله
يقول الشافعي عن الصبر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً
وعند الله منها الفرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج[2]
مايمكننا القول هنا: تبقى العافية من أهم الأمور التي لايمكن للمال تعويضها في معظم الأحيان، فربة المنزل تنفق عمرها وهي تحاول متابعة أمور منزلها بدقة ناسية أو متناسية أنه قد تمر بها أياما لاتستطيع فيها القيام بعملها اليومي...وصاحب المهنة قد يغيب عن مهنته لأمر ما رغما عنه، فعلم الأولويات يقضي بأن هناك المهم والأهم، فلماذا نضحي بالأهم لأجل المهم؟ فنفيق في الثلث الأخير من العمر وقد أهملنا صحتنا ونسينا ترميمها حتى تعيننا في قابل العمر المتقدم؟، فلانحتاج منة ولا صدقة محبة، هذا إن لم يكن لدينا من الأولاد من يبحثون عن الرضى، وحتى لو كان، فهل ه مبرر للإهمال؟.للتضحية سقف يعتبر من يتعداه ساذجا أو غير ناضج فكريا، فالأنا أحيانا تكون مو ضع احترام عندما تكون في محلها وخاصة مايتعلق بالصحة..كل التضحيات تمر وتمضي إلا الأمور الصحية...فستترك أثرها واضحة بعد حين..ولمن لايملك رصيدا غيرها ليعتاش..فنقول له: أعانك الله ويسر لك في طريقك من يعينك على أمورك.توكلوا على الله واطلبوا منه العون فهو وحده القادر على نجدتنا..
قال تعالى:
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) سورة النمل.
قال الداعية مصطفى حسني إن هناك آلاما يتحملها الإنسان تُثقل ميزان حسناتك يوم القيامة، لقوله تعالى: {الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.. [البقرة - 1 : 5].[3]
وكما حاولت مبادئ البرمجة تقويتنا بعلاج الوهم اللذيذ، بحيث نحدث أنفسنا أننا أقويا وسنتجاوز الألم بإذن الله وعونه، فالنفس المتفائلة هي من تتجاوز تلك المرحلة بسلام،بانشغالها بأمور إيجابية منتجة تشدك لإنهائها والإنجاز فيها، أو أي أمر يبعد عنك التوحد مع الألم.كن قويا ومر من قنطرة الألم بسلام ولو مع بعض الآثار ليكتمل مشوار الحياة.
الخميس 29-10-2020م.


[1] ابن عبد البر، كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد هو كتاب في الفقه المالكي، ألفه الحافظ ابن عبد البر، يعتبر التمهيد كتاب فريد في بابه، وموسوعة شاملة في الفقه والحديث، وهو كتاب شرح فيه كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، ولكنه رتبه ترتيبا آخر يختلف عن ترتيب الإمام مالك، حيث أنه رتبه بطريقة الإسناد على أسماء شيوخ ... ويكيبيديا، ص 23/26


[2] شيماء عويضة، 2020م، مقال، الصبر على الألم فضيلة. جريدة النهار، بتصرف.

[3] سماح محمد، 2019م مقال، نوعان من الألم الصبر عليهما يُثَقِّل الميزان يوم القيامة،موقع مصراوي.