وعد بلفور وعلاقته بالطائفية ...! (2 -3)
جاء وعد بلفور تجسيداً عملياً لوضع نتائج موتمر لندن (1905) وتقرير كامبل بنرمان الصادر عنه (1907) موضع التنفيذ، وكانت توصيته العاجلة: تقسيم الأمة إلى شعوب، وتقسيم الشعب العربي بدلاً من شعب ودولة واحدة إلى اثنا أو ثلاثة وعشرون قبيلة وعشيرة، ولكل منها علم ونشيد وطني وتاريخ استقلال و... ثبت بها حدود سايكس - بيكو حدوداً سياسية تاريخية لتلك القبائل! وبعد ضياع فلسطين عام 1948 بدأ التخطيط لتفتيت وتمزيق القبائل إلى عشائر وطوائف. فقد جاء في كتاب "قتل مصر، من عبد الناصر إلى السادات": "إن التفكك الكامل الذي ينبغي أن نجعله مصيراً محتوماً للبنان هو المصير المحتوم للعالم العربي كله ابتداءً من مصر إلى سوريا ثم العراق وشبه الجزيرة العربية، كلها يجب أن تنحل إلى كيانات من أقليات دينية وعرقية، ذلك يجب أن يظل الهدف الرئيس على المدى الطويل، بينما يظل الهدف على المدى القصير إضعاف الدول العربية كلها عسكرياً وإشعال الحروب بينها". ووسيلتهم في ذلك إثارة النعرات الطائفية والدينية، والقومية، واتخاذها سبيلاً لمزيد من التمزق والضياع.مصطفى إنشاصيبداية يجب أن نعِ: أن مخططات العدو اليهودي - الغربي عادة يجتمع ويختلط فيها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري، ويمكن اختزال غاياتها في هدفان رئيسيان: إضعاف قوة الأمة ومنع وحدتها ونهوضها الحضاري خشية استرجاع قيادتها للعالم لاستمرار الهيمنة والنهب لثرواتنا، وتوفير الأمن لكيان العدو الصهيوني ودمجه في نسيج وطننا الاجتماعي قائداً ورائداً لنا. لذلك لا يمكننا الحديث عن مخططات التفكيك لجغرافية وطننا وتحويل الأمة إلى شيع وطوائف دون أن يكون حضور الإسلام كدين في مخططاتهم! فبعد تأميم البترول واستخدامه سلاح استراتيجي ضد الغرب أثناء حرب رمضان عام 1973 عجل الغرب مخططه لتجزئة المجزء، وأصدر (زيبغينينو بريجنسكي) مستشار الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) للأمن القومي كتاباً بعنوان "بين جيلين"، قدم فيه معلومات مغلوطة لا صلة لها بالحقائق التاريخية والعرقية والحضارية عن شعوب وطننا، في محاولة منه لدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تشكيل خريطة وطننا، لتسهيل دمج العدو الصهيوني فيه، جاء فيه: أن الشرق الأوسط مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة يجمعها إطار إقليمي، فسكان مصر ومناطق البحر المتوسط غير عرب، أما داخل سوريا فهم عرب، وعلى ذلك فسوف يكون هناك (شرق أوسط) مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة، على أساس مبدأ الدولة الأمة، تتحول إلى (كنتونات) عرقية وطائفية يجمعها إطار إقليمي (كونفدرالي). ويمضي بريجنسكي في أطروحته قائلاً: وهكذا سيسمح للكنتون (الإسرائيلي)، أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة القومية. ذلك سيكون خلاصة رؤية (شيمون بيريز) لـ(لشرق الأوسط الجديد) عنوان كتابه بعد توقيع اتفاق أوسلو! وقد لخص بريجنسكي رؤيته لتحقيق ذلك من خلال إعادة الدعوة لتبني المخططات القديمة، التي طرحها السابقين من يهود وغربيين، وضرورة استخدام القومية العربية كسلاح لإفشال الوحدة الإسلامية ونهضة الأمة، واستمرار تمزيق هذه الأمة إلى دويلات صغيرة، فلخص نظريته بتبني أسلوب "نسف التوجه القومي من الداخل من خلال تأجيج الصراعات الطائفية واتخاذ الدين نقيضاً للقومية على أساس من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالشكل الذي لا يمكنها من الانبعاث والنهوض وأداء دورها الحضاري والرسالي من جديد". ذكرت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية أن مبعث الخوف من دور الإسلام الحضاري عائد إلى تزايد نشاط الحركات الإسلامية، خاصة الإسلام الراديكالي، الذي دفع الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) أن يطلب من وكالة الاستخبارات الأمريكية أن تُعد دراسة عن نشاط الحركات الإسلامية في العالم. كما ذكرت أن بريجنسكي قال: "إن الإدارة الأمريكية تشعر بقلق بالغ إزاء تزايد نشاط الحركات الإسلامية المنتشرة ليسهل على الإدارة الأمريكية وأصدقائها في المنطقة الإسلامية مراقبتها عن كثب حتى لا تفاجأ باندلاع ثورات إسلامية في أي مكان من العالم الإسلامي، لأن أمريكا حريصة على عدم السماح للإسلام المتشدد بأن يلعب دوراً مؤثراً في السياسة الدولية"! وقد تزامن مع المخطط الأمريكي لتفكيك الوحدة الجغرافية لأقطار سايكس – بيكو مخططاً يهودياً كان أكثر وضوحاً لما ينتظر جغرافيتنا السياسية من تفتيت، نعيش آثاره عملياً وواقعياً في أكثر أقطار وطننا الآن! دراسة صدرت عام 1982م بعنوان "إستراتيجية (إسرائيل) في الثمانينات" بقلم الكاتب اليهودي (وديد إينون) التي نشرت في مجلة "اليهودية والصهيونية" الصادرة عن صحيفة الصهيونية العالمية في القدس. وتناولت هذه الدراسة مخططات القيادة (اإسرائيلية) آنذاك لتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة، والتركيز على ضرورة تمزيق الأقطار العربية إلى دويلات طائفية وأقليات عرقية. جاء فيها: "إن إنشاء دولة قبطية في مصر العليا، هو محرك التطور التاريخي الحتمي على المدى الطويل، وإن كانت تعوقه حالياً اتفاقية السلام ... إن تقسيم لبنان إلى مقاطعات خمس، يجسد سلفاً ما سيحدث في سائر العالم العربي، وتقطيع سوريا والعراق إلى مناطق على أسس دينية وعرقية يجب أن يكون على المدى الطويل هدفا أولوياً لـ)إسرائيل) حيث تكون أولى خطوات تنفيذه العملية تدمير القدرات العسكرية لهذه الدول ... والعراقالغني بالنفط وضحية صراعاته الداخلية يقع بدوره في نطاق المرمى (الإسرائيلي ... (إن البنية العرقية لسوريا تعرضها للتفكك مما يؤدي إلى خلق ثلاث دول: واحدة شيعية على طول الخط الساحلي، وأخريين سنيتين في حلب ودمشق، بالإضافة إلى كيان درزي يحتمل أن يقيم دولته على أراضي الجولان ... إن حرباً سورية عراقية ستسهم في تدمير البلدين من الداخل قبل أن تمتلك هاتان الدولتين قدرات تؤهلها في دخول حرب واسعة معنا ... بدورها الجزيرة العربية، مكرسة بكليتها للتفتت، بسبب الضغوط الداخلية. وهذه الحال تطال المملكة العربية السعودية وسائر دول التعاون الخليجي. لذا فإن تصاعد الأزمات الداخلية وسقوط الأنظمة، يندرجان في منطق بنيتنا السياسية الحالية ... إن كل صراع عربي سيعود بالنفع علينا وسيعجل ساعة التفجير". وللعلم عندما سئل الكاتب كيف تكشف هذه الإستراتيجية للعرب، قال: إنهم لا يحملون ما تعلنه (إسرائيل) عن مخططاتها محمل الجد! نفس ما قاله موشى ديان لأحد مقدمي برامج التلفزيون البريطاني عندما سأله: ألم تخشى أن يفطن العرب لخطتك لحرب 1967 التي كشفها في مقال له قبل نحو سنتين من الحرب؟! فرد: "إن العرب لا يقرأون وإذا قرءوا لا يفقهون وإذا فقهوا لا يعلمون"! والشاهد أن مخططات اليهود والغرب معلنة في كل مناسبة وغير مناسبة، ونحن ننفذها بأيدينا، وندمر أقطار وطننا ليل نهار! ... يُتبع التاريخ 5/11/2019تجــــزئة المجـــزء