أسامينا.. شو تعبو أهاليناالاسم دليلٌ وعنوانٌ، ولا شخص بلا اسم أبدًا مهما كان الاسم، يلصق بصاحبه منذ ولادته أو في ذهن والديْه منذ زواجهما. ولا يثبتُ الاسم رسميًّا لصاحبه إلّا بشاهديْن للحصول على وثيقة ولادة؛ ليكون في تعداد السكّان وإعطائه رقمًا وطنيًّا يرافقه مدى حياته في جميع وثائقه حتّى وثيقة وفاته ومعاملات الإرث بعد مماته.
مقالات ملفقة (٢/٢٢)
بقلم محمد فتحي المقداد
وفيما بعد الهويّة وجواز السّفر هي التي توثّق الاسم، وبغيرها سيبقى صاحبه مجهولًا لأنها المُعرّف المعتمد ولا تعدو غير قطعقة كرتونية وحديثًا بلاستيكيّة ممهورة بالخاتم الرسميّ الذي يُكسبها الحقيقة الموثوقة لدى دوائر الدّولة على مختلف مساراتها.
لعلّي مثل الكثيرين غيري، أستمع لأغنية فيروز (أسامينا..) تسحبني موسيقاها الرقيقة إلى عوالم فسيحة من ارتياح النفس وذكريات ربما أجهلها، إلا اسمي منها. بتدقيقي في المقطع الأوّل انفتحت آفاق فلسفية أبدعها الشاعر اللّبنانيّ (جوزف حرب): "اسامينا .. شو تعبو أهالينا تلاقوها .. و شو افتكرو فينا الأسامي كلام .. شو خص الكلام .. عينينا هِنّي أسامينا).
بالرّجوع إلى المعجم اللغويّ نجد:" كلمة اسم، والجمع : أسماء ، أساميُّ و أسامٍ، وهو
ما يُعْرف به الشيءُ ويُستدلُّ به عليه. وعند النُّحاة: ما دلّ على معنًى في نفسه غير مقترن بزمن".
والاسم الأوّل لا يُعتبر دليلًا تعريفيًّا كافيًا على صاحبه، فلا بدّ من اقترانه باسم الوالد والنسبة(اسم العائلة أو العشيرة أو القبيلة). من خلال البحث والتقصّي هناك من يحمل نسبةً عائدة إلى مهنة مُتوارثة أبًا عن جدّ، وصار منسوبًا إلى مهنته المُستبدلة باسم العائلة الأساسيّ، هذا ما نلاحظه عند سكّان المُدن على الأخصّ.
وأبناء القبائل والعشائر القادمة من الجزيرة العرب عصر الفتوحات كانوا يأنفون المهن. وفي بعض البلاد كاليمن مثلًا ينظرون بدنيّة إلى المِهنيّ، حتى أن التصاهر والتزاوج غير مسموح به إلا كلّ من طبقته، فالحلّاق لا يتزوّج إلا ابنة حلّاق، وهكذا ينسحب الأمر على باقي المهن. وللمُتتبّع أنّ العرب لم يمتهنوا الحِرَف المختلفة، كما ورد (خمّار روميّ)، (صانع سيوف يهوديّ)، (طبيب نصرانيّ).
عاد الموضوع إلى ذهني عندما اغتيل الصحفيّ السعوديّ (جمال خاشقجي) قبل سنة في تركيا، فتوقّفت عند نسبته (خاشقجي)؛ فتذكرت أنّنا أحيانا كنّا نستخدم كلمة (خاشوقة..)، وهي ملعقة الطعام كانت دارجة عند الفلاحين في حوران.. وهي كلمة تركية.. وخاشقجي سيكون له علاقة بهذا المعنى، إمّا صانعا أو بائعا.
وهو ما درجت عادات المدن من إطلاق اسم المهنة على الصانع لها، أو المُتاجِر بها، ومع الأيّام صار اسم لعائلته وضاع نسبه الأصلي بمرور الزّمن.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أورد بعضًا منها: (الحبّال، السّيوفي، السّروجي، حلونجي، السمّاك، ملبنجي، قزاز، رزّاز، المُنجّد، الشراباتي، الملّاح، الحدّاد، النجّار، خدّام، البوّاب).
وهناك ألقاب ورُتب اجتماعية صارت أسماء لعائلات (الآغا - الوزير - الباشا)، وللرّتبة الدينيّة ومن امتهنها امتداد اجتماعي لتصبح نسبة لأشخاص ( الشيخ - الخوري - مطران أو المطارنة - الشّرع - الخطيب - الرّفاعي - الشاذلي - السنوسي - الحريري).
وللجغرافيا وهجها لتفرض شروطها الاجتماعيّة لتصبح نسبة لمجموعة أشخاص غير مترابطين أصلًا في بلادهم بِصِلات دمٍٍ أو قرابة، وكلّ من ارتحل من بلده أطلقوا عليهم اسم المكان القادم منه (المصري - السوداني - المغربي - الشامي)، فالأماكن مرتحلة فينا، نغادرناها ولا تغادرنا.
وأنا لن أغادر أرض حوران مع نشاط ذاكرتي، لاستعادة أسماء علماء ولدوا فيها، وانتسبوا لمناطقها، منهم:
أ - (ابن كثير البصروي) العالم والمحدّث والمُفسّر فهو منسوب لمدينة بُصرى الشام في حوران. ويعتبر كتابه الأشهر على الإطلاق (تفسير القرآن العظيم) وكتاب (البداية والنهاية) في التاريخ.
ب - ابن القيّم الجوزيّة الزّرعي أو (الأزرعي) نسبة لمدينة إزرع في محافظة درعا الريف الأوسط، وهز فقيه ومُحدّث ومُفسّر وعالم مُجتهد، أهمّ مؤلّفاته (زاد المعاد في هدي خير العباد) و (الرّوح).
ج - الإمام النّووي، نسبة إلى مدينة نوى في محافظة درعا الريف الغربي، التي ولد فيها سنة ( 1233— 1277م) وهو (أبو زكريا يحيى بن شرف النووي) مُحدّث وفقيه ولغوي، أشهر تصانيفه كتاب (رياض الصّالحين) و(الأربعين النوويّة).
قيل: "أنّ لكلّ إنسان من اسمه نصيب"، ربّما يكون الاسم (همّام) وصاحبه كسول خائر القوى، وبعض تأتي على أصحابها بالمصائب والإنحراف، وأذكر من أسمى ابنه (جُعَل) صرصور الصحراء الذي يبحث عن مخلّفات الإنسان والحيوان ليصنع منها كُرة يدحلها ويدفعها على الرّمال.
عموم العرب تتفاخر بانتحال أسماء أبنائهم، مُتّخذين منها سببّا من أسباب القوّة لبثّ الرّعب في قلوب أعدائهم (صقر - نمر - أسد - صخر - حرب - شاهين). والاسم عنوان صاحبه مهما علا أو دنا. فمن يمُت يبقى اسمه حيًّا لا يَمُت، منهم من يستجلب الرّحمات أو اللّعنات، ولو بعد قرون من موتهم.
عمّان - الأردن
١٠ / ١٠ / ٢٠١٩