منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 7 من 8 الأولىالأولى ... 5678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 71
  1. #61

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    تنقصنا الحلقة 67
    اليوم الثامن والستين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ******عثمان بن مظعون - رضي الله عنه .
    اخ الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضاعة
    تحدثنا عن عودة الصحابي من الحبشه لمكة المكرمة وتحمله العذاب من المشركين ورفضه لحماية وأمان الوليد بن المغيره كي لايكون أقل من بقية المسلمين الفقراء الذين لم يحميهم احد من المشركين ... نتابع...
    ويهاجر عثمان إلى المدينة ، حيث لا يؤرقه أبو جهل هناك ، ولا أبو لهب.... ولا أمية.. ولا عتبة ، ولا شيء من هذه الغيلان التي طالما أرقت ليلهم ، وأدمت نهارهم..
    يذهب إلى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهت عسرته ومشقته ورهبته ، والذين لم يهاجروا إلى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بل لينطلقوا من بابها الفسيح الرحب إلى كل أقطار الأرض حاملين راية الله ، مبشرين بكلماته وآياته وهداه..
    وفي دار الهجرة المنورة ، يتكشف جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة ، فاذا هوالعابد الزاهد المتبتل الأواب . وإذا هو الراهب الجليل ، الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيها الحياة.. بل يملأ الحياة بعمله ، وبجهاده في سبيل الله..
    أجل.. راهب الليل فارس النهار ، بل راهب الليل والنهار وفارسهما معا..
    ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا سيما في تلك الفترة من حياتهم ، كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل ، فان ابن مظعون كان له في هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه إمعانا رائعا ، أحال حياته كلها في ليله ونهاره إلى صلاة دائمة مضيئة ، وتسبيحة طويلة عذبة..!!
    وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى هم بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة.. فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن ، ولا يأكل الا الطعام الجشب..
    دخل يوما المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس ، وكان يرتدي لباسا تمزق ، فرقعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودمعت عيون أصحابه ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :
    " كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة ، ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تستر الكعب..؟!"..
    قال الأصحاب :
    " وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله ، فنصيب الرخاء والعيش"..
    فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا :
    " ان ذلك لكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..
    وكان بديهيا ، وابن مظعون يسمع هذا ، أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!
    واتّخَذَ عثمان بن مظعون بيتاً فقعد يتعبّد فيه، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فأخذ بعِضادتَيْ باب البيت الذي هو فيه فقال: { يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانيّة، مرّتين أو ثلاثاً، وإنّ خيرَ الدّين عند الله الحنيفيّة السمحة }.
    وحين سمع ابـن مظعـون ذلك زاد هربا من النعيم، بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى،
    فقد دخلت امرأةُ عثمان على نساء النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فَرَأيْنها سيّئة الهيئة، فقُلن لها: { مَا لكِ ؟ فما في قريش أغنى من بعلِك ؟}.
    قالت: { ما لنا منه شيءٌ، أمّا ليلهُ فقائمٌ، وأمّا نهارَهُ فصائم }.
    فدخل النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فذكَرْنَ ذلك له، فلقيهُ فقال: { يا عثمان بن مظعون أمَا لكَ بي أسوة }.
    فقال: { بأبي وأمي، وما ذاك ؟}.
    قال: { تصوم النهار وتقومُ الليلَ ؟!}.
    قال: { إنّي لأفعل }.
    قال: { لا تفعلْ، إنّ لعينيك عليك حقّاً، وإن لجسدك حقّاً، وإن لأهلك حقّاً، فصلّ ونمْ، وصُم وأفطر }.
    أتى عثمان بن مظعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: { يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي }.
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { ولِمَ ؟}.
    قال: { أستحيي من ذلك وأكرهه }.
    قال -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ الله جعلها لك لباساً، وجعلك لها لباساً، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم }.
    قال: { أنت تفعلُ ذلك يا رسول الله ؟}.
    قال: { نعم }.
    قال: { فمِنْ بعدِك }.
    فلمّا أدبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ }.
    فأتت امرأته على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عطرةُ عروس، فقُلنَ لها: { مَهْ ؟!}.
    قالت: { أصابنا ما أصاب الناس }.
    وأحبه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبا عظيما..
    وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة ، وأولهم ارتياد لطريق الجنة ، كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، هناك الى جواره..
    ولقد أكب على جبينه يقبله ، ويعطره بدموعه التي هطلت من عينيه الودودتين فضمخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظات اشراقه وجلاله..
    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودع صاحبه الحبيب :
    " رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الدنيا وما أصبت منها ، ولا أصابت منك"..
    ولم ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته ، بل كان دائم الذكر له ، والثناء عليه..
    حتى لقد كانت كلمات وداعه عليه السلام لابنته رقية ، حين فاضت روحها :
    " الحقي بسلفنا الخير ، عثمان بن مظعون"..!!!
    رحم الله عثمان بن مظعون وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ..
    *************
    اليوم التاسع والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** زيد بن حارثة - رضي الله عنه - لم يحب حبه أحد
    وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الاسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة ، قائلا :
    " عليكم زيد بن حارثة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب.. فان أصيب جعفر ، فعبد الله بن رواحة".
    فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟
    من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحب .. حب رسول الله..؟
    أما مظهره وشكله ، فكان كما وصفه المؤرخون والرواة :
    " قصير ، آدم ، أي أسمر ، شديد الأدمة ، في أنفه فطس"..
    صحابي جليل وهو حِبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم …وقد تبناه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فكان يُدعى بـ زيد بن محمد … ولقب بحِب رسول الله لشدة حب النبي له … ولما جاء الاسلام وحرم الله التبني اصبح زيد مولى رسول الله … ولقد نزلت في زيد آيات قرآنية وذكر اسمه في القرآن فيا له من شرف فهنيئا لك يا زيد .
    ولد زيد بن حارثة في السنة الخامسة والثلاثون قبل الهجرة و تبدأ قصة الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه عندما كان بصحبة أمه وهو صغير وكانت في زيارة لأهلها فخطف وبيع زيد في سوق عكاظ وكان غلاماً صغيراً واشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد”رضي الله عنها” فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره ، وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية..
    وفي أحد مواسم الحج. التقى نفر من حي حارثة بزيد في مكة ، ونقلوا إليه لوعة والديه ، وحملهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه ، وقال للحجاج من قومه"
    " أخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد"..
    ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أخذ السير إليه ، ومعه أخوه..
    وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له :
    "يا بن عبدالمطلب..أنتم أهل حرم ، تفكون العاني ، وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا ، فامنن علينا وأحسن في فدائه"..
    كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به ، وكان في نفس الوقت يقدر حق أبيه فيه..
    هنالك قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
    "ادعوا زيدا ، وخيروه ، فان اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وان اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!
    وتهلل وجه حارثة الذي لم يكن يتوقع كل هذا السماح وقال :
    " لقد أنصفتنا ، وزدتنا عن النصف"..
    ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى زيد ، ولما جاء سأله:
    " هل تعرف هؤلاء"..؟
    قال زيد : نعم .. هذا أبي.. وهذا عمي.
    وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد :
    " ما أنا بالذي أختار عليك أحدا ، أنت الأب والعم"..!!
    ونديت عينا رسول الله بدموع شاكرة وحانية ، ثم أمسك بيد زيد ، وخرج به الى فناء الكعبة ، حيث قريش مجتمعة هناك ، ونادى الرسول :
    " اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه"..!!
    وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حر ا فحسب ، بل وابنا للرجل الذي تسميه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..
    وعاد الأب والعم إلى قومهما ، مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيدا في مكة ، آمنا معافى ،
    ولكن الله انزل قرآن بعد ذلك بتحريم التبني وهي الاية ” ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” … من سورة الاحزاب …
    فدعي منذ ذلك الحين بزيد بن حارثة … و بعد نزول هذه الاية وبعد تحريم التبني نُسب كل من تبنى رجل من قريش إلى أبيه.
    لقد شهد الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه بدراً و أحداً و الخندق و الحديبية و خيبر، و كان من الرماة المعروفين … كما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى مكان يُسمى الفَردة و هي أول سرية خرج فيها زيد أميراً … ثم أرسله في سرايا أخرى … و كان الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته الى الطائف حيث ضيق عليه اهلها و رموه بالحجارة و كان زيد رضي الله عنه يقي النبي بنفسه حتى جرح في رأسه .
    كان النبي صلي الله عليه وسلم متبنيا زيد قبل الاسلام وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زيد من زينب بنت جحش بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم … وبعد فترة طلقها زيد و كان العرب يعتقدون أن آثار التبني هو نفس آثار البنوة الحقيقية، فيحل له، ويحرم عليه، ويرث ويعامل كالابن الحقيقي تماماً من دون فرق … فأمر الله نبيه بالزواج من زوجة ابنه بالتبني لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم وانزل ذلك التشريع في ايات قرآنية وذكر اسم الصحابي الجليل زيد فيها في قرآن يتلى الى يوم القيامة ( فيا له من شرف حظي به زيد رضي الله عنه ) وهذه الايات هي
    ” وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ” . فهنيئا لك يا زيد.


    لقد استشهد الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة ، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر استشهاد زيد بن حارثة مع جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم اجمعين قام وذكر شأنهم فبدأ بزيد فقال: ” اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد “. وقال له أصحابه: ” يارسول الله مارأيناك تبكي شهيدا مثله ” فقال: ” هو فراق الحبيب لحبيبه “
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #62

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السابع والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ******عثمان بن مظعون - رضي الله عنه .
    اخ الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضاعة .
    تحدثنا عن اسلامه وهجرته للحبشة وعودته بعدما انتشر خبر اسلام قريش ....
    نتابع معكم ....
    هنالك حمل المهاجرون أمتعتهم وطاروا إلى مكة تسبقهم أشواقهم ، ويحدوهم حنينهم.. بيد أنهم ما كادوا يقتربون من مشارفها حتى تبينوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش..
    وساعتئذ سقط في أيديهم ، ورأوا أنهم قد عجلوا.. ولكن أنى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر..!!
    وقد سمع مشركو مكة بمقدم الصيد الذي طالما أرادوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه.. ثم
    ها هو ذا الآن ، تحين فرصته ، وتأتي به مقاديره..!!
    كان الجوار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والاجلال ، فاذا دخل رجل مستضعف جوار سيد قرشي ، أصبح في حمى منيع لا يهدر له دم ، ولا يضطرب منه مأمن...
    ولم يكن العائدون سواء في القدرة على الظفر بجوار..
    من أجل ذلك ظفر بالجوار منهم قلة ، كان من بين أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بن المغيرة.
    وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا ، ومضى يعبر دروبها ، ويشهد ندواتها ، لا يسأم خسفا ولا ضيما.
    ولكن ابن مظعون.. الرجل الذي يصقله القرآن ، ويربيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يتلفت حواليه ، فيرى إخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين ، الذين لم يجدوا لهم جوارا ولا مجيرا.. يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب.. والبغي يطاردهم في كل سبيل.. بينما هو آمن في سربه ، بعيد من أذى قومه ، فيثور روحه الحر ، ويجيش وجدانه النبيل ، ويتفوق بنفسه على نفسه ، ويخرج من داره مصمما على أن يخلع جوار الوليد ، وأن ينصو عن كاهله تلك الحماية التي حرمته لذة تحمل الأذى في سبيل الله ، وشرف الشبه باخوانه المسلمين ، طلائع الدنيا المؤمنة ، وبشائر العالم الذي ستتفجر جوانبه غدا ايمانا ، وتوحيدا ، ونورا..
    " لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة ، قال : والله إن غدو ي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك ، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لايصيبني ، لنقص كبير في نفسي..
    فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له:
    يا أبا عبد شمس وفت ذمتك . وقد ردت إليك جوارك..
    فقال له : لم يا ابن أخي.. لعله آذاك أحد من قومي..؟
    قال : لا .. ولكني أرضى بجوار الله ، ولا أريد أن أستجير بغيره...
    قال ‏‏:‏‏ فانطلق إلى المسجد ، فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية ‏‏.‏‏
    فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد ،
    فقال الوليد ‏‏:‏‏ هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ؛
    قال ‏‏:‏‏ صدق ، قد وجدته وفيا كريم الجوار ، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره ؛
    ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان .
    فقال لبيد‏‏ :‏‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل
    قال عثمان ‏‏:‏‏ صدقت ‏‏.‏‏
    قال لبيد‏‏ :‏‏ وكل نعيم لا محالة زائل
    قال عثمان ‏‏:‏‏ كذبت ، نعيم الجنة لا يزول ‏‏.‏‏
    قال لبيد ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، والله ما كان يُؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ‏؟‏‏
    فقال رجل من القوم : ان هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدنّ في نفسك من قوله..
    فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضَّرها ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان ،
    فقال ‏‏:‏‏ أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، لقد كنت في ذمة منيعة ‏‏.‏‏
    قال ‏‏عثمان ‏‏:‏‏ بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ؛
    فقال له الوليد ‏‏:‏‏ هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد إلى جوارك ؛
    فقال ‏‏:‏‏ لا ‏‏.‏‏
    وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضج بالألم ، ولكن روحه تتفجر عافية ، وصلابة ، وبشرا..
    ولقد مضى في الطريق إلى داره يتغنى بشعره هذا:
    فان تك عيني في رضا الله نالها
    يدا ملحدا في الدين ليس بمهتدي
    فقد عوض الرحمن منها ثوابه
    ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
    فاني وان قلتم غوي مضلل
    لأحيا على دين الرسول محمد
    أريد بذاك الله ، والحق ديننا
    على رغم من يبغي علينا ويعتدي
    هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا ، هو له أهل ، وبه جدير..
    وهكذا شهدت الحياة انسانا شامخا يعطر الوجود بموقفه الفذ هذا..
    وبكلماته الرائعة الخالدة:
    " والله ان عيني الصحيحة ، لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر"..!!
    ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد رد جوار الوليد يتلقى من قريش أذاها ، وكان بهذا سعيدا جد سعيد..
    فقد كان ذلك الأذى بمثابة النار التي تنضج الايمان وتصهره وتزكيه
    وهكذا سار مع اخوانه المؤمنين، لا يروعهم زجر.. ولا يصدّهم اثخان..!!


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #63

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    الحلقة الثمانية والستون لاحقا:
    اليوم التاسع والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** زيد بن حارثة - رضي الله عنه - لم يحب حبه أحد
    وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الاسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة ، قائلا :
    " عليكم زيد بن حارثة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب.. فان أصيب جعفر ، فعبد الله بن رواحة".
    فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟
    من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحب .. حب رسول الله..؟
    أما مظهره وشكله ، فكان كما وصفه المؤرخون والرواة :
    " قصير ، آدم ، أي أسمر ، شديد الأدمة ، في أنفه فطس"..
    صحابي جليل وهو حِبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم …وقد تبناه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فكان يُدعى بـ زيد بن محمد … ولقب بحِب رسول الله لشدة حب النبي له … ولما جاء الاسلام وحرم الله التبني اصبح زيد مولى رسول الله … ولقد نزلت في زيد آيات قرآنية وذكر اسمه في القرآن فيا له من شرف فهنيئا لك يا زيد .
    ولد زيد بن حارثة في السنة الخامسة والثلاثون قبل الهجرة و تبدأ قصة الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه عندما كان بصحبة أمه وهو صغير وكانت في زيارة لأهلها فخطف وبيع زيد في سوق عكاظ وكان غلاماً صغيراً واشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد”رضي الله عنها” فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره ، وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية..
    وفي أحد مواسم الحج. التقى نفر من حي حارثة بزيد في مكة ، ونقلوا إليه لوعة والديه ، وحملهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه ، وقال للحجاج من قومه"
    " أخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد"..
    ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أخذ السير إليه ، ومعه أخوه..
    وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له :
    "يا بن عبدالمطلب..أنتم أهل حرم ، تفكون العاني ، وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا ، فامنن علينا وأحسن في فدائه"..
    كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به ، وكان في نفس الوقت يقدر حق أبيه فيه..
    هنالك قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
    "ادعوا زيدا ، وخيروه ، فان اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وان اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!
    وتهلل وجه حارثة الذي لم يكن يتوقع كل هذا السماح وقال :
    " لقد أنصفتنا ، وزدتنا عن النصف"..
    ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى زيد ، ولما جاء سأله:
    " هل تعرف هؤلاء"..؟
    قال زيد : نعم .. هذا أبي.. وهذا عمي.
    وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد :
    " ما أنا بالذي أختار عليك أحدا ، أنت الأب والعم"..!!
    ونديت عينا رسول الله بدموع شاكرة وحانية ، ثم أمسك بيد زيد ، وخرج به الى فناء الكعبة ، حيث قريش مجتمعة هناك ، ونادى الرسول :
    " اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه"..!!
    وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حر ا فحسب ، بل وابنا للرجل الذي تسميه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..
    وعاد الأب والعم إلى قومهما ، مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيدا في مكة ، آمنا معافى ،
    ولكن الله انزل قرآن بعد ذلك بتحريم التبني وهي الاية ” ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ” … من سورة الاحزاب …
    فدعي منذ ذلك الحين بزيد بن حارثة … و بعد نزول هذه الاية وبعد تحريم التبني نُسب كل من تبنى رجل من قريش إلى أبيه.
    لقد شهد الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه بدراً و أحداً و الخندق و الحديبية و خيبر، و كان من الرماة المعروفين … كما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى مكان يُسمى الفَردة و هي أول سرية خرج فيها زيد أميراً … ثم أرسله في سرايا أخرى … و كان الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته الى الطائف حيث ضيق عليه اهلها و رموه بالحجارة و كان زيد رضي الله عنه يقي النبي بنفسه حتى جرح في رأسه .
    كان النبي صلي الله عليه وسلم متبنيا زيد قبل الاسلام وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زيد من زينب بنت جحش بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم … وبعد فترة طلقها زيد و كان العرب يعتقدون أن آثار التبني هو نفس آثار البنوة الحقيقية، فيحل له، ويحرم عليه، ويرث ويعامل كالابن الحقيقي تماماً من دون فرق … فأمر الله نبيه بالزواج من زوجة ابنه بالتبني لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم وانزل ذلك التشريع في ايات قرآنية وذكر اسم الصحابي الجليل زيد فيها في قرآن يتلى الى يوم القيامة ( فيا له من شرف حظي به زيد رضي الله عنه ) وهذه الايات هي
    ” وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ” . فهنيئا لك يا زيد.


    لقد استشهد الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة ، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر استشهاد زيد بن حارثة مع جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم اجمعين قام وذكر شأنهم فبدأ بزيد فقال: ” اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد “. وقال له أصحابه: ” يارسول الله مارأيناك تبكي شهيدا مثله ” فقال: ” هو فراق الحبيب لحبيبه “
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #64

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي ، وخلقي -
    هو جعفر بن ابي طالب ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو علي بن أبى طالب رضي الله عنه لأبويه.
    انظروا جلال شبابه..انظروا نضارة اهابه.. انظروا أناته وحلمه، حدبه، وبرّه، تواضعه وتقاه..انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف.. وجوده الذي لايخاف الفقر..
    انظروا طهره وعفته..انظروا صدقه وأمانته...
    انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن، والفضيلة، والعظمة، ثم لا تعجبوا، فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول خلقا، وخلقا..أنتم أمام من كنّاه الرسول بـ أبي المساكين..
    أنتم تجاه من لقبه الرسول بـ ذي الجناحين..أنتم تلقاء طائر الجنة الغريد، جعفر بن أبي طالب..!! عظيم من عظماء الرعيل الأول الذين أسهموا أعظم اسهام في صوغ ضمير الحياة..!!
    أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما، آخذا مكانه العالي بين المؤمنين المبكرين.. أسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس..
    وحملا نصيبهما من الأذى ومن الاضطهاد في شجاعة وغبطة..
    فلما اختار الرسول لأصحابه الهجرة الى الحبشة، خرج جعفر وزوجه حيث لبيا بها سنين عددا، رزقا خلالها بأولادهما الثلاثة محمد، وعبد الله، وعوف...
    وفي الحبشة كان جعفر بن أبي طالب المتحدث اللبق، الموفق باسم الاسلام ورسوله..
    ذلك أن الله أنعم عليه فيما أنعم، بذكاء القلب، واشراق العقل، وفطنة النفس، وفصاحة اللسان..
    ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد.. أروع أيامه وأمجاده وأخلدها..فان يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحبشة، لن يقلّ روعة ولا بهاء، ولا مجدا..لقد كان يوما فذّا، ومشهدا عجبا...
    وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها، ولم يذهب من غيظها، ولم يطامن كم أحقادها، هجرة المسلمين الى الحبشة، بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم، ويتكاثر طمعهم.. وحتى اذا لم تواتهم فرصة التكاثر والقوّة، فقد عز على كبريائها أن ينجو هؤلاء من نقمتها، ويفلتوا من قبضتها.. يظلوا هناك في مهاجرهم أملا رحبا تهتز له نفس الرسول، وينشرح له صدر الاسلام..
    هنالك قرر ساداتها ارسال مبعوثين الى النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة، ويحملان رجاءهما في أن يخرج هؤلاء الذين جاؤوا اليها لائذين ومستجيرين...
    وكان هذان المبعوثان: عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وكانا لم يسلما بعد...
    كان النجاشي الذي كان يجلس أيامئذ على عرش الحبشة، رجلا يحمل ايمانا مستنيرا.. وكان في قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية، بعيدة عن الانحراف، نائية عن التعصب والانغلاق...
    وكان ذكره يسبقه.. وسيرته العادلة، تنشر عبيرها في كل مكان تبلغه..
    من أجل هذا، اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه..
    ومن أجل هذا، خافت قريش ألا تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للأساقفة، وكبار رجال الكنيسة هناك، وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاألا يقابلا النجاشي حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولا، وحتى يقنعاهم بوجهة نظرهما، ليكونوا لهم عونا عند النجاشي.
    وحطّ الرسولان رحالهما بالحبشة، وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة، ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها اليهم.. ثم أرسلا للنجاشي هداياه..
    ومضيا يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين، ويستنجدان بهم لحمل النجاشي، ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها.
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #65

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الحادي والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي ، وخلقي -
    تحدثنا عن صفاته النبيلة وعرفنا أنه كان على رأس المهاجرين للحبشة ...
    ولحقهم وفد من قريش لاستردادهم من ملك الحبشة النجاشي
    نتابع .....
    وفي وقار مهيب ، وتواضع جليل ، جلس النجاشي على كرسيه العالي ، تحفّ به الأساقفة ورجال الحاشية ، وجلس أمامه في البهو الفسيح ، المسلمون المهاجرون ، تغشاهم سكينة الله ، وتظلهم رحمته.. ووقف مبعوثا قريش يكرران الاتهام الذي سبق أن ردّداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذ الاجتماع الحاشد الكبير :
    " أيها الملك.. انه قد ضوى لك إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، بل جاؤوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم ، أعمامهم ، وعشائرهم ، لتردّهم اليهم"...
    وولّى النجاشي وجهه شطر المسلمين ، ملقيا عليهم سؤاله :
    " ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، واستغنيتم به عن ديننا"..؟؟
    ونهض جعفر قائما.. ليؤدي المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ابّان تشاورهم ، وقبل مجيئهم إلى هذا الاجتماع..
    نهض جعفر في تؤدة وجلال ، وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارهم وقال:
    " يا أيها الملك..
    كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان..
    وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء..
    ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات.. فصدّقناه وآمنّا به ، واتبعناه على ما جاءه من ربه ، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا ، وحرّمنا ما حرّم علينا ، وأحللنا ما أحلّ لنا ، فغدا علينا قومنا ، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ، ليردّونا إلى عبادة الأوثان ، وإلى ما كنّا عليه من الخبائث..
    فلما قهرونا ، وظلمونا ، وضيّقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك"...
    ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر ، فملأت نفس النجاشي إحساسا وروعة، والتفت الى جعفر وساله :
    " هل معك مما أنزل على رسولكم شيء"..؟
    قال جعفر : نعم..
    قال النجاشي : فاقرأه علي..
    ومضى حعفر يتلو لآيات من سورة مريم ، في أداء عذب ، وخشوع
    كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * إلى الآيات : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا
    فبكى النجاشي ، وبكى معه أساقفته جميعا..
    ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة ، التفت الى مبعوثي قريش ، وقال :
    " ان هذا ، والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة..
    انطلقا فلا والله ، لا أسلمهم إليكما"..!!
    انفضّ الجميع ، وقد نصر الله عباده وآرهم ، في حين رزئ مندوبا قريش بهزيمة منكرة..
    لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة ، لا يتجرّع الهزيمة ، ولا يذعن لليأس..
    وهكذا لم يكد يعود مع صاحبه إلى نزلهما ، حتى ذهب يفكّر ويدبّر ، وقال لزميله :
    " والله لأرجعنّ للنجاشي غدا ، ولآتينّه عنهم بما يستأصل خضراءهم"..
    وأجابه صاحبه : " لا تفعل، فان لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا"..
    قال عمرو : " والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ، كبقية العباد"..
    هذه اذن هي المكيدة الجديدة التي دبّرها مبعوث قريش للمسلمين كي يلجئهم الى الزاوية الحادة ، ويضعهم بين شقّي الرحى ، فان هم قالوا عيسى عبد من عباد الله ، حرّكوا ضدهم أضان الملك والأساقفة.. وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم...!!
    وللموضوع تتمة إن شاء الله
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #66

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الرابع والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** عبد الله بن رواحة - يانفس ، الا تقتلي تموتي -


    عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة ، يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى ، كان هناك عبد الله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء ، حملة الاسلام الى المدينة والذين مهدت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله ، والاسلام..
    وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية ، كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
    وبعد هجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة واستقرارهم بها ، كان عبد الله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه ، وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبي الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها ، والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة ، فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام . في حين مضى عبد الله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرةمنيرة ، أفسدت على ابن أبي أكثر مناوراته ، وشلت حركة دهائه..!!
    وكان ابن رواحة رضي الله عنه ، كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..
    وكان شاعرا ، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
    ومنذ أسلم ، وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
    وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
    جلس عليه السلام يوما مع أصحابه ، وأقبل عبد الله بن رواحة ، فسأله النبي :
    " كيف تقول الشعر اذا أردت أن تقول"..؟؟
    فأجاب عبد الله :" أنظر في ذاك ثم أقول"..
    ومضى على البديهة ينشد :
    يا هاشم الخير ان الله فضلكم على البرية فضلا ما له غير
    اني تفرست فيك الخير أعرفه فراسة خالفتهم في الذي نظروا
    ولو سألت أو استنصرت بعضهم في حل أمرك ما آووا ولا نصروا
    فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
    فسر الرسول ورضي وقال له :
    " واياك ، فثبت الله"..
    وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء
    كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:
    والله لولا الله مـا اهتدينا * ولا تصدقنـا ولا صلينـا
    فأنزلن سكينـة علينـا * وثبت الأقـدام إن لاقينـا
    إن الأُلَى قد بغـوا علينـا * وإن أرادوا فتنـة أبينـا
    وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
    وللموضوع تتمه إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #67

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثامن والستين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ******عثمان بن مظعون - رضي الله عنه .
    اخ الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضاعة
    تحدثنا عن عودة الصحابي من الحبشه لمكة المكرمة وتحمله العذاب من المشركين ورفضه لحماية وأمان الوليد بن المغيره كي لايكون أقل من بقية المسلمين الفقراء الذين لم يحميهم احد من المشركين ... نتابع...
    ويهاجر عثمان إلى المدينة ، حيث لا يؤرقه أبو جهل هناك ، ولا أبو لهب.... ولا أمية.. ولا عتبة ، ولا شيء من هذه الغيلان التي طالما أرقت ليلهم ، وأدمت نهارهم..
    يذهب إلى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهت عسرته ومشقته ورهبته ، والذين لم يهاجروا إلى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بل لينطلقوا من بابها الفسيح الرحب إلى كل أقطار الأرض حاملين راية الله ، مبشرين بكلماته وآياته وهداه..
    وفي دار الهجرة المنورة ، يتكشف جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة ، فاذا هوالعابد الزاهد المتبتل الأواب . وإذا هو الراهب الجليل ، الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيها الحياة.. بل يملأ الحياة بعمله ، وبجهاده في سبيل الله..
    أجل.. راهب الليل فارس النهار ، بل راهب الليل والنهار وفارسهما معا..
    ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا سيما في تلك الفترة من حياتهم ، كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل ، فان ابن مظعون كان له في هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه إمعانا رائعا ، أحال حياته كلها في ليله ونهاره إلى صلاة دائمة مضيئة ، وتسبيحة طويلة عذبة..!!
    وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى هم بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة.. فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن ، ولا يأكل الا الطعام الجشب..
    دخل يوما المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس ، وكان يرتدي لباسا تمزق ، فرقعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودمعت عيون أصحابه ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :
    " كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة ، ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تستر الكعب..؟!"..
    قال الأصحاب :
    " وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله ، فنصيب الرخاء والعيش"..
    فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا :
    " ان ذلك لكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..
    وكان بديهيا ، وابن مظعون يسمع هذا ، أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!
    واتّخَذَ عثمان بن مظعون بيتاً فقعد يتعبّد فيه، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فأخذ بعِضادتَيْ باب البيت الذي هو فيه فقال: { يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانيّة، مرّتين أو ثلاثاً، وإنّ خيرَ الدّين عند الله الحنيفيّة السمحة }.
    وحين سمع ابـن مظعـون ذلك زاد هربا من النعيم، بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى،
    فقد دخلت امرأةُ عثمان على نساء النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فَرَأيْنها سيّئة الهيئة، فقُلن لها: { مَا لكِ ؟ فما في قريش أغنى من بعلِك ؟}.
    قالت: { ما لنا منه شيءٌ، أمّا ليلهُ فقائمٌ، وأمّا نهارَهُ فصائم }.
    فدخل النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فذكَرْنَ ذلك له، فلقيهُ فقال: { يا عثمان بن مظعون أمَا لكَ بي أسوة }.
    فقال: { بأبي وأمي، وما ذاك ؟}.
    قال: { تصوم النهار وتقومُ الليلَ ؟!}.
    قال: { إنّي لأفعل }.
    قال: { لا تفعلْ، إنّ لعينيك عليك حقّاً، وإن لجسدك حقّاً، وإن لأهلك حقّاً، فصلّ ونمْ، وصُم وأفطر }.
    أتى عثمان بن مظعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: { يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي }.
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { ولِمَ ؟}.
    قال: { أستحيي من ذلك وأكرهه }.
    قال -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ الله جعلها لك لباساً، وجعلك لها لباساً، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم }.
    قال: { أنت تفعلُ ذلك يا رسول الله ؟}.
    قال: { نعم }.
    قال: { فمِنْ بعدِك }.
    فلمّا أدبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ }.
    فأتت امرأته على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عطرةُ عروس، فقُلنَ لها: { مَهْ ؟!}.
    قالت: { أصابنا ما أصاب الناس }.
    وأحبه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبا عظيما..
    وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة ، وأولهم ارتياد لطريق الجنة ، كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، هناك الى جواره..
    ولقد أكب على جبينه يقبله ، ويعطره بدموعه التي هطلت من عينيه الودودتين فضمخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظات اشراقه وجلاله..
    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودع صاحبه الحبيب :
    " رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الدنيا وما أصبت منها ، ولا أصابت منك"..
    ولم ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته ، بل كان دائم الذكر له ، والثناء عليه..
    حتى لقد كانت كلمات وداعه عليه السلام لابنته رقية ، حين فاضت روحها :
    " الحقي بسلفنا الخير ، عثمان بن مظعون"..!!!
    رحم الله عثمان بن مظعون وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ..
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #68

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    هناك الحلقات 75 و 76
    اليوم السابع والسبعين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** خالد بن الوليد - سيف الله - لا ينام ولا يترك أحدا ينام -
    تحدثنا عن اسلام هذا القائد العسكري العبقري الذي فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه .
    نتابع ...
    أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟
    لقد كانوا زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة..
    لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل ، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..
    وتذكرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:
    " أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
    ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى قتل شهيدا..
    ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا".
    كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية ،
    هذه البقية هي:
    " ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ، ففتح الله علي يديه".
    فمن كان هذا البطل..؟
    لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع إلى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش : زيد ، وجعفر ، وعبد الله ابن رواحة ، والذين استشهدوا بنفس الترتيب على أرض المعركة الضارية..
    وبعد سقوط آخر القواد شهيدا ، سارع إلى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا يعثر الفوضى صفوفه..
    ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا إلى خالد بن الوليد ، قائلا له:
    " خذ اللواء يا أبا سليمان"...
    ولم يجد خالد من حقه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..
    أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها أهل وبها جدير!!
    هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم :
    " لا آخذ اللواء ، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..
    وأجابه ثابت :" خذه ، فأنت أدرى بالقتال مني ، والله ما أخذته الا لك".
    ثم نادى في المسلمين : اترضون امرة خالد..؟
    قالوا : نعم..
    واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه إلى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاجب سيقطعه البطل وثبا.. في حياة الرسول وبعد مماته ، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...
    ولي خالد إمارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون ، وجناهم مهيض..
    وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح ، ظافر مدمدم..
    ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا ، فتجعل المغلوب غالبا ، والغالب مغلوبا..
    وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه ، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام ، والخروج ببقيته سالما ، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.
    بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان.. ولكن ، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد ، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!
    هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر ، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه ، والقتال دائر ، إلى مجموعات ، ثم يكل إلى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة ، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى . بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!
    وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..
    سيف الله ...
    وللموضوع تتمه إن شاء الله تعالى
    *****************
    اليوم الثامن والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** خالد بن الوليد - سيف الله - لا ينام ولا يترك أحدا ينام -
    عرفنا لماذا أطلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لقب سيف الله على القائد خالد بن الوليد .
    نتابع ...
    تنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..
    وعلى الجناح الأيمن من الجيش ، يجعل الرسول خالدا أميرا..
    ويدخل خالد مكة ، واحدا من قادة الجيش المسلم ، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قو اد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..
    وتخطر له ذكريات الطفولة ، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب ، حيث ملاهيه الصاخبة.. ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..
    وقبل أن يعض الندم فؤاده ينتفض تحت روعة المشهد وجلاله..
    مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول ، يعودون إلى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا ، يعودون إليه على صهوات جسادهم الصاهلة ، وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحول همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس ، إلى تكبيرات صادعة رائعة ترج مكة رجا ، وتهليلات باهرة ظافرة ، يبدو الكون معها ، وكأنه كله في عيد.!!
    كيف تمت المعجزة..؟
    أي تفسير لهذا الذي حدث؟
    لا شيء إلا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم إلى بعض فرحين قائلين : (وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!
    ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في إجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه : أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!
    ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا ، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام إلى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام .
    ويظل خالد إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه ، ونذر له كل حياته .
    وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى ، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة ، وتهب أعاصير الردة غادرة ماكرة ، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصم وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. إلى سيف الله ، خالد بن الوليد..!!
    وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين إلا بجيش قاده هو بنفسه ، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادخر خالدا ليوم الفصل ، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا ، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
    عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة ، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه ، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم . ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهمية وقداسة ، لا يؤكدها في رأيه إلا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان ، وبين جيوش الضلال والردة ، وإلا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..
    ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة ، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرد عارض..
    لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة ، سواء بين قبائل العرب ، أم على الحدود ، حيث يجثم سلطان الروم والفرس ، هذا السلطان الذي بدأ يحس خطر الاسلام الأكبر عليه ، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!
    عبأ أبو بكر المسلمين وقادهم إلى حيث كانت قبائل بني عبس ، وبني مرة ، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
    ودار القتال ، وتطاول ، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
    ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة . حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
    وكانت أنباء المرتدين وتجمعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني ، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم ، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة ، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ، ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له :
    " الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
    اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
    لم سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
    وأمام اجماع مصمم من المسلمين ، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسم الجيش إلى إحدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
    وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
    ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه ، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه :
    " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نعم عبد الله. وأخو العشيرة ، خالد ابن الوليد ، سيف من سيوف الله. سله الله على الكفار والمنافقين"..
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #69

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الخامس والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** عبد الله بن رواحة - يانفس ، الا تقتلي تموتي -
    عرفنا عن الصحابي الجليل انه من النقباء الأنصار الذين بايعو الرسول صلى الله عليه وسلم الولى والثانية ... وكان شاعرا استخدم شعره كالسيف في خدمة الاسلام
    نتابع....
    حين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه ، يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:
    " يا نفس الا تقتلي تموتي"..
    وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:
    خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا ، فكل الخير في رسوله
    وجاءت غزوة مؤتة..
    وكان عبد الله بن رواحة ثالث الأمراء ، بعد زيد وجعفر..
    ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
    وقف ينشد ويقول:
    لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
    أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
    حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا
    أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أو طعنة رمح ، تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
    وتحرك الجيش الى مؤتة ، وحين استشرف المسلمون عدوهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل ، اذ رأوا صفوفا لا آخر لها ، وأعداد تفوق الحصر والحساب..!!
    ونظر المسلمون إلى عددهم القليل ، فوجموا.. وقال بعضهم :
    " فلنبعث إلى رسول الله ، نخبره بعدد عدونا ، فاما أن يمدنا بالرجال ، وأما أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
    بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار ، وقال لهم :
    " يا قوم.. إنا والله ، ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به.. فانطلقوا.. فانما هي إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة"...
    وهتف المسلمون الأقلون عددا ، الأكثرون إيمانا .. هتفوا قائلين:
    "قد والله صدق ابن رواحة"..
    ومضى الجيش إلى غايته ، يلاقي بعدده القليل مائتي ألف ، حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
    والتقى الجيشان وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
    وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
    وتلاه ثالث الأمراء عبد الله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته ، وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب ، الذي حشده هرقل..
    وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي ، كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة.. ...
    أما الآن ، وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته ، فقد بدا أمام ضراوة الروم ، وكأنما مرت به لمسة تردد وتهيب ، لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..
    أقسمت يا نفس لتنزلنه مالي أراك تكرهين الجنة؟؟
    يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
    وما تمنت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
    يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة : زيدا وجعفر..
    "ان تفعلي فعلهما هديت.
    انطلق يعصف بالروم عصفا..
    ولولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة ، لظل يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقت معلنة بدء المسيرة إلى الله ، فصعد شهيدا.. هوى جسده ، فصعدت إلى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
    وتحققت أغلى أمانيه :
    حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز ، وقد رشدا
    نعم يا ابن رواحة..
    يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
    وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة ، يحادثهم ويحادثونه..
    وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة ، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!! وطوفت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال :
    "أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
    ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى قتل شهيدا"..
    وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا :
    " ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها ، حتى قتل شهيدا"..
    ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل ، مطمئن ، مشتاق . ثم قال: " لقد رفعوا الى الجنة"..!!
    أية رحلة مجيدة كانت.. وأي اتفاق سعيد كان..
    لقد خرجوا إلى الغزو معا..
    وكانت خير تحية توجه لذكراهم الخالدة ، كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " لقد رفعوا إلى الجنة"..!!
    رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ********
    اليوم السادس والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** خالد بن الوليد - سيف الله المسلول - لا ينام ولا يترك أحدا ينام -
    إن أمره لعجيب..!!
    هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام..!!
    ألا فلنأت على قصته من البداية..
    ولكن أية بداية..؟؟
    انه هو نفسه ، لا يكاد يعرف لحياته بدءا إلا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا..
    ولو استطاع لنحى عمره وحياته ، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين ، وأيام..
    فلنبدأ معه اذن من حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله ، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن ، فانفجرت شوقا إلى دينه ، وإلى رسوله ، وإلى استشهاد عظيم في سبيل الحق ، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات....
    سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن الوليد بن المغيرة عن أخيه خالد قائلا له (أين خالد)، فرد الوليد يأتى الله به، فقال رسول الله (مامثله يجهل الاسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره)، وكانت هذه الكلمة لها أثر السحر
    خرج الوليد إلى مكة يبحث عن أخيه لكنه لم يجده، فترك له رسالة يقول فيها :
    ( بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد فانى لم ارى اعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام، وعقلك عقلك، ومثل الاسلام يجهله احد، وقد سألنى عنك رسول الله فقال أين خالد فقلت يأتى الله به، فقال مامثله يجهل الاسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره، فاستدرك ياأخي مافتاك فيه فقد فاتتك مواطن صالحة).
    فعندما قرأ خالد رسالة اخيه تاثر كثيرا وخاصة بجملة الرسول صلى الله عليه وسلم ولقدمناه على غيره، وبدأ خالد يفكر هل هذا الكون معقول أن يكون من صنع هبل، هل هذه النجوم تتحكم فيها أصنام، هل هذا النظام الكونى من صنع الالهة التى نصنعها بأيدينا، واستلقى خالد على سريره يفكر ويفكر حتى نام وراح فى سبات عميق، حتى رأى أنه فى بلاد ضيقة جرداء ثم خرج إلى بلاد خضراء واسعة، فتعجب خالد وقال إن هذه رؤية تريد أن ترشده لشىء.
    ذهب خالد إلى عكرمة بن أبى جهل، وقال له محمد ليس بساحر،وليس بشاعر، فكيف لا نتبعه، فصعق عكرمه وقاله له ماتنوى ياخالد ، فقال ياعكرمه كيف نعبد أصنام لاتنفع ولا تضر ، فقال عكرمه أنت تقول هذا الكلام بعد ماقتل محمد من اهلك وظل يعدد القتلى ، وقال والله لو لم يبق غيرى فى قريش ماتعبت محمد.
    وفى النهاية ذهب خالد بن الوليد إلى المدينه المنورة ليعلن إسلامه أمام رسول الله وكان الرسول سعيد باسلام خالد فقد أعز الله الاسلام بقائد عسكرى سيكون له دور فى الفتوحات الاسلامية.
    ولنصغ إليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وعن رحلته من مكة إلى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين :
    ".. وددت لو أجد من أصاحب ، فلقيت عثمان بن طلحة ، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة ، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص ، فقال مرحبا يا قوم ،
    قلنا : وبك..
    قال : أين مسيركم ؟ فأخبرناه ، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.
    فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوة فرد على السلام بوجه طلق ، فأسلمت وشهدت شهادة الحق..
    فقال الرسول : قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا الى خير..
    وبايعت رسول الله وقلت : استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله..
    فقال : إن الاسلام يجب ما كان قبله..
    قلت : يا رسول الله على ذلك..
    فقال : اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك..
    وتقدم عمرو بن العاص ، وعثمان بن طلحة ، فأسلما وبايعا رسول الله"...
    أرأيتم قوله للرسول : " استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله"..؟؟
    ان الذي يضع هذه العبارة بصره ، وبصيرته ، سيهتدي إلى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام..
    وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها..

    وللموضوع تتمه إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  10. #70

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السابع والسبعين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** خالد بن الوليد - سيف الله - لا ينام ولا يترك أحدا ينام -
    تحدثنا عن اسلام هذا القائد العسكري العبقري الذي فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه .
    نتابع ...
    أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟
    لقد كانوا زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة..
    لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل ، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..
    وتذكرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:
    " أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
    ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى قتل شهيدا..
    ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا".
    كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية ،
    هذه البقية هي:
    " ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ، ففتح الله علي يديه".
    فمن كان هذا البطل..؟
    لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع إلى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش : زيد ، وجعفر ، وعبد الله ابن رواحة ، والذين استشهدوا بنفس الترتيب على أرض المعركة الضارية..
    وبعد سقوط آخر القواد شهيدا ، سارع إلى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا يعثر الفوضى صفوفه..
    ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا إلى خالد بن الوليد ، قائلا له:
    " خذ اللواء يا أبا سليمان"...
    ولم يجد خالد من حقه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..
    أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها أهل وبها جدير!!
    هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم :
    " لا آخذ اللواء ، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..
    وأجابه ثابت :" خذه ، فأنت أدرى بالقتال مني ، والله ما أخذته الا لك".
    ثم نادى في المسلمين : اترضون امرة خالد..؟
    قالوا : نعم..
    واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه إلى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاجب سيقطعه البطل وثبا.. في حياة الرسول وبعد مماته ، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...
    ولي خالد إمارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون ، وجناهم مهيض..
    وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح ، ظافر مدمدم..
    ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا ، فتجعل المغلوب غالبا ، والغالب مغلوبا..
    وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه ، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام ، والخروج ببقيته سالما ، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.
    بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان.. ولكن ، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد ، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!
    هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر ، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه ، والقتال دائر ، إلى مجموعات ، ثم يكل إلى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة ، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى . بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!
    وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..
    سيف الله ...
    وللموضوع تتمه إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 7 من 8 الأولىالأولى ... 5678 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تفرق الصحابة بعد رسول الله في الأمصار و البلدان
    بواسطة ميساء حلواني في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2017, 07:52 AM
  2. وداعًا يا أديب عمان عبد الله رضوان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-17-2015, 07:19 PM
  3. نجوم باب الحارة الراحلين ، رحمة الله عليهم
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2014, 12:45 PM
  4. عددالانبياء والرسل صلوات الله عليهم اجمعين
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-29-2013, 07:03 PM
  5. معــاهد رعـايـة المـعّـوقين .. الجزء الأول .... بقلم : رضوان عبد الله
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الاحتياجات الخاصة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-28-2009, 11:51 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •