ما أنا بكاتب (1 ) : بين ابن لعبون والحارث بن عباد
نعم. ما أنا بكاتب .. ولكنني "أخربش" على الورق ..
من الكتب التي أسفت على عدم السياحة فيها ... مذكرات الأستاذ عزيز ضياء،وذكريات العهود الثلاثة لمعلم الصبيان محمد حسين زيدان .. فأنت تستنشق فيهما عبق أزقة المدينة (زقاف القفل) و"زقاق الحبس" .. والأحواش "حوش كرباش أو قره باش" و"حوش خميس" .. ومعالم أصبحت – بحق – أثرا بعد عين .. لم "أسح"فيها ... قدر الله وما شاء فعل.
لكنني كنت (أتنفه) – ولا أعرف هذه الكلمة إلا أن أمي رحمها الله،ورحم أبي،كانت تستعملها،بمعنى "نتمشى" – كنت "أتنفه"في كتاب"العهود الثلاثة" .. توقفتُ عند أمور كثيرة .. مثل قول معلم الصبيان،عن مدرسة دار الأيتام :
(كان رجال من أهل المدينة حربا على دار الأيتام وكنت الحرب عليهم كانوا يقولون "ايش دار الأيتام ما فيها إلا بدو وتكارنة"وأثور على كلمة"بدو"وأنتصف لكلمة تكارنة ينطلق لساني في كل مجلس وأخطب في كل حفل ){ ص 173 ( ذكريات العهود الثلاثة / محمد حسين زيدان / الطبعة الأولى 1408هـ = 1988م}.
ويقول في نفس السياق :
(سلمت على الأستاذ رأيت الدموع في عينيه،قلت"أيش بك؟لماذا تبك؟" قال قربت الساعة لقد رأيت جنازة يحملها ثلاث نسوة و رجل واحد،لم يجد الميت من يحمل نعشه من الرجال فجادت النساء يحملن النعش،قبل دقائق مرت إلى البقيع،إنها جنازة بدوي والنسوة بدويات (..) قلت ولماذا لم تصنع شيئا،عطل الدروس وكلف الأساتذة أن ينزلوا ليحملوا نعش ميت عربي مسلم بل ابن هذه الأرض،قال ليتني فعلت (..) وكان لدار الأيتام دور فكم من يتيم وجدته أنا والأستاذ حسن إسماعيل تحت جدار لا أم ولا أدب ولا أحد حملناه إلى دار الأيتام .. ممزق الثوب جلده عليه أوضار من الوسخ،كان مجدرا شفي أخذناه إلى الحمام حسن يصب الماء وأنا أغسل الطفل ..){ ص 179}.
لعلها المرة الأولى التي أقرأ فيها كلاما سلبيا عن أخينا محمد أسد – رحم الله والديّ ورحم الجميع – بل وللمرة الأولى أعلم أنه اسمه"أسد الله"!! وللمرة الأولى أعلم أنه"طرد"! قابله المؤلف في الهند،وتجاهله،ثم برر ذلك بقصة حدثت في المدينة المنورة :
(كنت جاسا بعد عصر في دكان الخياط عبد الكريم الجاوي وأقبل أسد الله فاحتفيت به وبقي واقفا يقول : كيف رضي رشيد رضا والبقية من السلفيين أن يصلوا وراء الشيعي محمد حسين كاشف الغطا،قلت : كما صلى الأباضي إبراهيم اطفش وسليمان باشا الباروني،كما صلى الحشوي وما أكثرهم كلهم كانوا المسلمين أسقطوا الخلاف فأتلفوا وراء إمام واحد نذرا إلى قومك الأوربيين الذين ما صنعوا وعد بلفور وما مزقوا تركة العثمانيين بمعاهدة سايكس بيكو وما أكثر ما ظلموا،هذا النذير من أول كلمة قالها كاشف الغطا في ليلة المعراج في المسجد الأقصى قال الكلمة التي عشقتها وما زلت أرددها يسمعها المؤتمرون من مذاهب شتى،قال"إن كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة هما دعامتا الإسلام"صلى بهم ،فهذا الإمام الشيعي قارب حين كان الحوار يجري بينه وبين الشيخ أحمد شاكر (..) كان حوار التقارب والتقريب،وليس فيه حرارة الابتعاد أو شعوبية الاعتقاد،قلت له أعني أسد الله ،إنهم في المؤتمر الإسلامي يحاربون عن الكلمة"لا إله إلا الله محمد رسول الله"قد أسقطوا الخلاف عما يعتقدون في الرجال،فلم يكن في المؤتمر،الذي رأسه أمين الحسيني،حينذاك شيغي إباضي سلفي حشوي،كلهم " لا إله إلا الله محمد رسول الله". فانفتل كاسفا،وأخذت على نفسي ألا أكون معه،هنا أترحم بكل التقدير على الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم (..) لأنه قد أبعده بعد أن عرف ما يستأهل الإبعاد){ ص 198 - 199}.
ثم وقف "؟؟ الشيخ في العقبة" وتبخرت"النفهة" – إن صح التعبير- وذلك عند ما كتب الأستاذ"الزيدان" :
(وفي جمادى الأولى سنة 1358هـ دعاني للإفطار حسن موسى،فول وسمن ولبن زبادي وتميس،وكأنه أراد أن يدهن فمي لأتداهن مع مطلبه،قال"الشيخ حامد عبد المنان وقد عرفك في المدينة يوم زار دار الأيتام كما عرف عنك الكثير من ثنائي عليك يريدك أن تكون سكرتيرا لمشايخ الجاوة"وأبت الظروف والتي لم أعد أطيقها،لا من قلة المادة وإنما من ربكة المعاني،كان الراتب 35 ريالا،لا أضيق به ولكن الترتيب الذي جرى كان فيه بعض التعذيب،فالأمر كما قال الحارث بن عباد :
لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صال
هذا البيت من قصيدة مطلعها : كل شيء مصيره للزوال .. غير ربي وصالح الأعمال.){ ص 217}.
لم يستطع عقلي أن يستوعب أن يقول جاهلي :
كل شيء مصيره للزوال .. غير ربي وصالح الأعمال!!
بل ذكرني المطلع بقصيدة"عامية" للشاعر محمد بن لعبون،كنت أحفظ بعضها ..
ذهبت إلى آية الله"قوقل" .. فوجدت القصيدة في أكثر من موقع،بنفس المطلع .. بحثتُ عنها في كتاب "شاعر وقصيدة" وكان في مكتبتي .. فوجدته افتتح القصيدة بهذا البيت :
(قل لأم الأغر تبكي بجيرا .. حيل بين الرجال والأموال
ولعمري لأبكين بجيرا .. ما أتى الماء من رؤوس الجبال .){ ص 107( ديوان العرب شاعر وقصيدة) / العماد مصطفى طلاس / دمشق / دار طلاس }.
بحثت عن ديوان الشاعر،فوجدته .. وقد قال محققه :
(وقد خصص الحارث القصيدة الأكثر شهرة من سائر قصائده لرثاء بجير وقد بدأها بقوله :
كل شيء مصيره للزوال غيرُ ربي وصالح الإعمال
وترى الناس ينظرون جميعا ليس فيهم لذاك من احتيال ){ ص 107 ( ديوان الحارث بن عباد ) / جمعه وحققه : أنس عبد الهادي أبو هلال / هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث 2008}.
طردتُ جيوش الشك،فهذا ديوان الشاعر .. ولكن ..
وأنا أوثق .. وقعت عيني على تاريخ النشر (2008)!!
وكنت حديث عهد بقصة رواها الدكتور ناجي حين .. تتلخص في حذف بعض المسائل من أحد كتب أبي الحسن الأشعري،ومن تحقيق علمي!! ولكن تلك قصة أخرى.
بحثتُ مرة أخرى .. فوقعتُ على القصيدة في الأصمعيات .. بتحقيق الشيخين "شاكر"و"هارون" .. وفي الأصمعيات وجدت الآتي :
(17 – الحارث بن عباد
قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيال
لم أكن من جناتها علم اللــــه،وإني بحرها اليوم صال ){ ص 70 ( الأصمعيات ) / تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر و عبد السلام هارون / الطبعة الخامسة "ديوان العرب مجموعات من عيون الشعر" : نسخة إلكترونية"}
من أين تسرب ذلك المطلع إلى الأستاذ"الزيدان"ومن تبعه!!
بقي لكم في ذمتي – من هذه الخربشة – بعض قصيدة ابن لعبون .. طالما أنني كتبت اسمه في العنوان!
يقول الشاعر محمد بن لعبون،في قصيدة رغم جوها العام،إلا أنها مشحونة بألفاظ مباشرة!!:
- كل شيء غيرربك والعمل
- لو تزخرف لك مرده للزوال
- ما يدوم العز عز الله وجل
- في عدال ما بدا فيه الميال
- ـــــــــــــــــ
- استغفر الله عن كثر الزلل
- وستعين عنايته في كل حال
- زال دهرك يا محمد بالغزل
- والغزال اللى تهزأ با لغزال
- ـــــــــ
- عن سفاهك في هواهم لاتسل
- يامحمد ما بقى فيك احتيال
- ـــــ
- توبة لله عن ذيك النجل
- وال؟؟؟ اللى كما طعس الرمال
- ـ
- توبة المغتر حاط به الأجل
- بالعجل يا ايها الراجى محال
- بادره مادام لك فيه مهل
- فالمنايا رايحات بك عجال
- ــــــ
- كم رأينا من نعيم واضمحل
- مع حبيب نازل فيها وشال
- ياعديم الرأي لوهى بالعقل
- ما سوت عندك على بختك عقال
- مختلف بالوصف من زهرالنفل
- لو تزخرف لك مرده للزوال
خربشها لكم : أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني