اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
اليوم الخامس والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******أبو عبيدة بن الجر اح رضي الله عنه - أمين هذه الأمة -
نتابع معكم محطات من حياة هذا الصحابي الجليل ...
وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا ، عاش بعد وفاة الرسول أمينا.. بحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا..
ولقد سار تحت راية الاسلام أنى سارت ، جنديا ، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا ، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..
لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد ، حتى استكتمه الخبر ، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد ، فطن ، أمين.. حتى أتم القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ ، تقد م إليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين !!
ويسأله خالد :
" يرحمك الله يا أبا عبيدة ... ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟
فيجيبه أمين الأمة :
" إني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله اخوة".!!!
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام ، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا ... وعددا..
فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..
وحين ترامى إلى سمعه أحاديث أهل الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته ، وعظمته ، وأمانته..
" يا أيها الناس..
اني مسلم من قريش.. وما منكم من أحد ، أحمر ، ولا أسود ، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في اهابه"ّّ..
حياك الله يا أبا عبيدة..
وحيا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..
مسلم من قريش ، لا أقل ولا أكثر.
الدين : الاسلام ..
والقبيلة : قريش.
هذه لا غير هويته..
أما هو كأمير الأمراء ، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا ، وأشدها بأسا ، وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام ،أمره مطاع ومشيئته نافذة..
كل ذلك ومثله معه ، لا ينال من انتباهه لفتة ، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام ، ويسأل مستقبليه :
أين أخي..؟
فيقولون من..؟
فيجيبهم : أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة ، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه إلى داره ، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد إلا سيفه ، وترسه ورحله... وقدر ماء مغطى برغيف خبز ،
ويسأله عمر وهو يبتسم :
" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"..؟
فيجيبه أبو عبيدة :
" يا أمير المؤمنين ، هذا يبَلِّغُني المقيل ، هو للدنيا ، وهو على الدنيا كثير .
حينما وافت المنية أبا عبيدة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أوصى ، فقال :
((أقيموا الصلاة، وصوموا رمضان، وتصدّقوا، وحجّوا، واعتمروا، وتواصوا ، وانْصحوا لأُمرائِكم ولا تغشّوهم، ولا تلهكم الدنيا، فإنَّ المرء لو عمّر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون))
اِلتفت سيدنا أبو عبيدة إلى معاذ بن جبل ساعة احتضاره، وقال:
((يا معاذ، صل بِالناس ، ثم ما أن لبِث حتى فاضت روحه الطاهِرة ، فقال معاذ : يا أيها الناس ، إنكم قد فجعتم برجل ، والله ما أعلم أني رأيت رجلاً أبرَّ صدراً ولا أبعد غائلةً، ولا أشدَّ حباً للعاقبَة، ولا أنصح للعامَّة منهم فترحَّموا عليه يرحمكم الله))
كان أمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤون عالمه المسلم الواسع ، جاءه الناعي ، أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصتا بالدموع ..
وغاض الدمع ، ففتح عينيه في استسلام..
وترحم على صاحبه ، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه :
" لو كنت متمنيا ، ما تمنيت إلا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة "..
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس ، واضطهاد الرومان..
هناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل ، كان مستقرا لروح خير ، ونفس مطمئنة..
رحم الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين ..
***************
اليوم السادس والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -
هو من أخوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضاعة .
ترتبيه الرابع عشر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق سبقهم الزمني إلى الإسلام .
كان أول المهاجرين وفاة بالمدينة.. كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..
عندما كان الاسلام يتسرب ضوؤه الباكر الندي من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.. ومن كلماته ، عليه الصلاة والسلام ، التي يلقيها في بعض الأسماع سرا وخفية..
كان عثمان بن معظون هناك ، واحدا من القلة التي سارعت إلى الله والتفت حول رسوله..
ولقد نزل به من الأذى والضر ، ما كان ينزل يومئذ بالمؤمنين الصابرين الصامدين..
وحين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القلة المؤمنة المضطهدة بالعافية. آمرا إياها بالهجرة إلى الحبشة. مؤثرا أن يبقى في مواجهة الأذى وحده ، كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين ، مصطحبا معه ابنه السائب موليا وجهه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو الله أبي جهل. وضراوة قريش وعذابها.
وكشأن المهاجرين إلى الحبشة في كلتا الهجرتين... الأولى والثانية ، لم يزدد عثمان بن مظعون رضي الله عنه إلا استمساكا بالاسلام. واعتصاما به..
والحق أن هجرتي الحبشة تمثلان ظاهرة فريدة ، ومجيدة في قضية الاسلام..
فالذين آمنوا بالرسول صلى الله وصدقوه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، كانوا قد سئموا الوثنية بكل ضلالاتها وجهالاتها ، وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو معجونة من صلصال..!!
وحين هاجروا إلى الحبشة واجهوا فيها دينا سائدا ، ومنظما.. له كنائسه وأحباره ورهبانه..
وهو ، مهما تكن نظرتهم إليه ، بعيد عن الوثنية التي ألفوها في بلادهم ، وعن عبادة الأصنام بشكلها المعروف وطقوسها التي خلفوها وراء ظهورهم..
ولا بد أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جهودا لاستمالة هؤلاء المهاجرين لدينهم ، واقناعهم بالمسيحية دينا...
ومع هذا كله نرى أولئك المهاجرين يبقون على ولائهم العميق للاسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم.. مترقبين في شوق وقلق ، ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه إلى بلادهم الحبيبة ، ليعبدوا الله وحده ،
وليأخذوا مكانهم خلف رسولهم العظيم.. في المسجد أيام السلام.. وفي ميدان القتال ، اذا اضطرتهم قوى الشرك للقتال..
في الحبشة اذن عاش المهاجرون آمنين مطمئنين.. وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي لم ينس في غربته مكايد ابن عمه أمية بن خلف ، وما ألحقه به وبغيره من أذى وضر ،
وبينما المهاجرون في دار هجرتهم يعبدون الله ، ويتدارسون ما معهم من القرآن ، ويحملون برغم الغربة توهج روح منقطع النظير.. اذ الأنباء تواتيهم أن قريش أسلمت ، وسجدت عند الرسول لله الواحد القهار..
وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
اليوم الثالث والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******أبو عبيدة بن الجر اح رضي الله عنه - أمين هذه الأمة -
تحدثنا عن مكانة هذا الصحابي الجليل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
نتابع ....
إن أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحس من سير المعركة حرص المشركين ، لا على احراز النصر في الحرب ، بل قبل ذلك ودون ذلك ، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله ، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما إلى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل ترقبانه في حرص وقلق..
وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم ، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!
وفي إحدى جولاته تلك ، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين ، وكانت عيناه كعادتهما تحدقان كعيني الصقر في موقع رسول الله ، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي ، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف ، حتى فرقهم عنه ،
وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه ، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول : " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعهم إلى ربهم"..؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم لفوق رأسه قد دخلتا في وجنتي النبي ، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول ، فسقطت ثنية ، ثم نزع الحلقة الأخرى ، فسقطت ثنية الثانية..
وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته :
" لما كان يوم أحد ، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر .
أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا .
فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا هو أبو عبيدة بن الجر اح قد سبقني ، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فتركته ، فأخذ أبو عبيدة بثنية احدى حلقتي المغفر ، فنزعها ، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..
ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت ، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة ، والسفر بعيد ، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة ، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض ، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تمر ، حتى إذا أوشك التمر أن ينتهي ، يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة في اليوم.. حتى إذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيدون الخبط ، أي ورق الشجر بقسيهم ، فيسحقونه ويشربون عليه الماء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ، ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
وللموضوع تتمة إن شاءالله
***************

اليوم الرابع والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******أبو عبيدة بن الجر اح رضي الله عنه - أمين هذه الأمة -
تحدثنا عن قتال هذا الصحابي الجليل بغزوة احد وهو الذي كان مقاتلا وحارسا ومداويا عندما نزع الخرز من وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
نتابع ....
ومن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته هذا الموقف البارع فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لابنه أبو عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله ؛ فأنزل الله فيه هذه الآية:
{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
وما كان لأبي عبيدة أن يعزم هذه العزمة إلا بروح من الله، تنفض عن قلبه الطاهر السليم كل عَرَضٍ من أعراض الدنيا الفانية، وتجرده من كل رابطة وآصرة إلا رابطة العقيدة.
قد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين ، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام ، قال لهم رسول الله :
" لأبعثن معكم رجلا أمينا ، حق أمين ، حق أمين .. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه ، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" ما أحببت الإمارة قط ، حبي إياها يومئذ ، رجاء أن أكون صاحبها ، فرحت إلى الظهر مهجرا ، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، سلم ، ثم نظر عن يمينه ، وعن يساره ، فجعلت أتطاول له ليراني.. فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجر اح ، فدعاه ، فقال : أخرج معهم ، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة ؟..!!
إن هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..
انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية ، وهذا التقدير الكريم..
ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة ، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها ....
وللموضوع تتمة إن شاء الله