اليوم الثالث والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******أبو عبيدة بن الجر اح رضي الله عنه - أمين هذه الأمة -
تحدثنا عن مكانة هذا الصحابي الجليل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
نتابع ....
إن أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحس من سير المعركة حرص المشركين ، لا على احراز النصر في الحرب ، بل قبل ذلك ودون ذلك ، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله ، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما إلى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل ترقبانه في حرص وقلق..
وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم ، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!
وفي إحدى جولاته تلك ، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين ، وكانت عيناه كعادتهما تحدقان كعيني الصقر في موقع رسول الله ، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي ، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف ، حتى فرقهم عنه ،
وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه ، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول : " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعهم إلى ربهم"..؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم لفوق رأسه قد دخلتا في وجنتي النبي ، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول ، فسقطت ثنية ، ثم نزع الحلقة الأخرى ، فسقطت ثنية الثانية..
وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته :
" لما كان يوم أحد ، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر .
أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا .
فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا هو أبو عبيدة بن الجر اح قد سبقني ، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فتركته ، فأخذ أبو عبيدة بثنية احدى حلقتي المغفر ، فنزعها ، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..
ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت ، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة ، والسفر بعيد ، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة ، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض ، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تمر ، حتى إذا أوشك التمر أن ينتهي ، يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة في اليوم.. حتى إذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيدون الخبط ، أي ورق الشجر بقسيهم ، فيسحقونه ويشربون عليه الماء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ، ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
وللموضوع تتمة إن شاءالله
***************
اليوم الرابع والستون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
******أبو عبيدة بن الجر اح رضي الله عنه - أمين هذه الأمة -
تحدثنا عن قتال هذا الصحابي الجليل بغزوة احد وهو الذي كان مقاتلا وحارسا ومداويا عندما نزع الخرز من وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
نتابع ....
ومن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته هذا الموقف البارع فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لابنه أبو عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله ؛ فأنزل الله فيه هذه الآية:
{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
وما كان لأبي عبيدة أن يعزم هذه العزمة إلا بروح من الله، تنفض عن قلبه الطاهر السليم كل عَرَضٍ من أعراض الدنيا الفانية، وتجرده من كل رابطة وآصرة إلا رابطة العقيدة.
قد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين ، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام ، قال لهم رسول الله :
" لأبعثن معكم رجلا أمينا ، حق أمين ، حق أمين .. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه ، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" ما أحببت الإمارة قط ، حبي إياها يومئذ ، رجاء أن أكون صاحبها ، فرحت إلى الظهر مهجرا ، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، سلم ، ثم نظر عن يمينه ، وعن يساره ، فجعلت أتطاول له ليراني.. فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجر اح ، فدعاه ، فقال : أخرج معهم ، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة ؟..!!
إن هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..
انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية ، وهذا التقدير الكريم..
ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة ، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها ....
وللموضوع تتمة إن شاء الله