اليوم الخمسون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
**** حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - عدو النفاق وصديق الوضوح -
خرج أهل المدائن أفواجا يستقبلون واليهم الجديد الذي اختاره لهم أمير المؤمنين عمر رضي االله عنه..
خرجوا تسبقهم أشواقهم إلى هذا الصحابي الجليل الذي سمعوا الكثير عن ورعه وتقاه.. وسمعوا أكثر عن بلائه العظيم في فتوحات العراق..
واذ هم ينتظرون الموكب الوافد ، أبصروا أمامهم رجلا مضيئا ، يركب حمارا على ظهره اكاف قديم ، وقد أسدل الرجل ساقيه ، وأمسك بكلتا يديه رغيفا وملحا ، وهو يأكل ويمضغ طعامه..!
وسار حذيفة ، والناس محتشدون حوله ، وحافون به..
وحين رآهم يحدقون فيه كأنهم ينتظرون منه حديثا ، ألقى على وجوههم نظرة فاحصة ثم قال:" اياكم ومواقف الفتن"..!!
قالوا:وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله..!!
قال:" أبواب الأمراء"..
يدخل أحدكم على الوالي أو الأمير ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه"..!
وكان استهلالا بارعا ، بقدر ما هو عجيب..!!
وكان هذا الاستهلال أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، وعن منهجه في الحكم والولاية..
فـ حذيفة بن اليمان رجل جاء الحياة مزودا بطبيعة فريدة تتسم ببغض النفاق ، وبالقدرة الخارقة على رؤيته في مكامنه البعيدة.
ومنذ جاء وأخوه صفوان في صحبة أبيهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنق ثلاثتهم الاسلام ، والاسلام يزيد موهبته هذه مضاء وصقلا..
فلقد عانق دينا قويا ، نظيفا ، شجاعا قويما.. يحتقر الجبن والنفاق ، والكذب...
وتأدب على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صادق وأمين..يحب الأقوياء في الحق ، ويمقت الملتوين والمرائين والمخادعين..!!
فلم يكن ثمة مجال ترعرع فيه موهبة حذيفة وتزدهر مثل هذا المجال ، في رحاب هذا الدين ، وبين يدي هذا الرسول ، ووسط هذا الرعيل العظيم من الأصحاب..!!
ولقد نمت موهبته فعلا أعظم نماء.. وتخصص في قراءة الوجوه والسرائر.. يقرأ الوجوه في نظرة.. ، والدخائل المخبوءة. في غير عناء..
ولقد بلغ من ذلك ما يريد ، حتى كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، وهو الملهم الفطن الأريب ، يستدل برأي حذيفة ، وببصيرته في اختيار الرجال ومعرفتهم
ولقد أوتي حذيفة من الحصافة ما جعله يدرك أن الخير في هذه الحياة واضح لمن يريده.. وانما الشر هو الذي يتنكر ويتخفى ، ومن ثم يجب على الأريب أن يعنى بدراسة الشر في مآتيه ، ومظانه..وهكذا عكف حذيفة رضي الله عنه على دراسة الشر والأشرار ، والنفاق والمؤمنين..
يقول:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني..
قلت: يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر؟
قال: نعم..
قلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟
قال: نعم ، وفيه دخن..
قلت: وما دخنه..؟
قال: قوم يستنون بغير سنتي.. ويهتدون يغير هديي ، وتعرف منهم وتنكر..
قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر..؟
قال: نعم ! دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها..
قلت: يا رسول الله٬ فما تأمرني ان أدركني ذلك..؟
قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم..
قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام..؟؟
قال: تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"..!!
أرأيتم قوله:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر
مخافة أن يدركني"..؟؟
وللموضوع تتمة ان شاء الله تعالى