منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 71
  1. #31

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم التاسع والعشرين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه - الأسد في براثنه -
    عرفنا عن معركة المدائن الذي انتصر بها المسلمين بقيادة سعد انتصارا باهرا ... وبدأ سعد باعمار الكوفة وترسيخ وتوطيد تعاليم الاسلام بالبلاد الواسعة ..
    رفض سعد العودة للكوفة بعدما استدعاه امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشكوى من أهل الكوفة بزعمهم الباطل والمضحك أنه لايحسن الصلاة ...
    نتابع ....
    وحين اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه ، اختار من بين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ستة رجال ، ليكون إليهم أمر الخليفة الجديد قائلا انه اختار ستة مات رسول الله وهو عنهم راض عنهم ... وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص.
    بل يبدو من كلمات عمر الأخيرة ، أنه لو كان مختارا لخلافة واحدا من الصحابة لاختار سعدا..
    فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم : إن وليها سعد فذاك..
    وان وليه غيره فليستعن بسعد".
    ويمتد العمر بسعد .. وتجيء الفتنة الكبرى ، فيعتزلها بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبارها..
    وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه ، ويذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، ويقول له:
    يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.
    فيجيبه سعد :
    " أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا.. اذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، واذا ضربت به الكافر قطع"..!!
    ويدرك ابن أخيه غرضه ، ويتركه في عزلته وسلامه..
    وحين انتهى الأمر لمعاوية ، واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:
    مالك لم تقاتل معنا..؟؟
    فأجابه:
    " اني مررت بريح مظلمة ، فقلت : أخ .. أخ.. واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."
    فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى :
    (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فان بغت احداهما على الأخرى ، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله).
    وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية.
    أجابه سعد قائلا:
    " ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله : أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
    وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة ، وقد جاوز سعد الثمانين ، كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.
    ويروي ولده لحظاته الأخيرة فيقول :
    [ كان رأس أبي في حجري ، وهو يقضي ، فبكيت وقال : ما يبكيك يا بني ..؟؟
    ان الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة]..!!
    ان صلابة إيمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله.
    ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق ايمان..
    واذن ففيم الخوف..؟
    [ ان الله لا يعذبني أبدا ، واني من أهل الجنة].
    بيد أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه ووصله برسوله.. ومن ثم فقد أشار إلى خزانته ففتحوها ، ثم أخرجوا منها رداء قديما قد بلي وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا :
    [ لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر ، ولقد ادخرته لهذا اليوم]..!!
    اجل ، ان ذلك الثوب لم يعد مجرد ثوب.. انه العلم الذي يخفق فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا ، صادقا شجاعا!!
    وفوق أعناق الرجال حمل إلى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة ، ليأخذ مكانه في سلام إلى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه إلى الله ، ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لها في تراب البقيع وثراه.
    وداعا يا سعد..!!
    وداعا يا بطل القادسية ، وفاتح المدائن ، ومطفىء النار المعبودة في فارس إلى الأبد..!!
    وإلى لقاء جديد مع رجل أخر من الرجال المؤمنين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه ...
    إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #32

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** صهيب بن سنان - ربح البيع يا أبا يحيى!!
    ولد في أحضان النعيم..
    فقد كان أبوه حاكم الأبلة ووليا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الاسلام بعهد طويل ، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات ، مما يلي الجزيرة والموصل ، عاش الطفل ناعما سعيدا..
    وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم.. وأسر المغيرون أعدادا كثيرة وسبوا ذلك الغلام " صهيب بن سنان"..
    ويقتنصه تجار الرقيق ، وينتهي طوافه الى مكة ، حيث بيع لعبد ا
    الله بن جدعان ، بعد أن قضى طفولته وشبابه في بلادالروم ، حتى أخذ لسانهم ولهجتهم.
    ويعجب سيده بذكائه ونشاطه واخلاصه ، فيعتقه ويحرره ، ويهيء له فرصة الاتجار معه.
    وذات يوم.. ولندع صديقه عمار بن ياسر يحدثنا عن ذلك اليوم :
    " لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها..
    فقلت له : ماذا تريد..؟
    فأجابني وما تريد أنت..؟
    قلت له : أريد أن أدخل على محمد ، فأسمع ما يقول .
    قال : وأنا اريد ذلك..
    فدخلنا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.
    ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا..
    ثم خرجنا ونحن مستخفيان".!!
    عرف صهيب طريقه اذن إلى دار الأرقم..
    عرف طريقه إلى الهدى والنور ، وأيضا الى التضحية الشاقة والفداء العظيم..
    فعبور الباب الخشبي الذي كان يفصل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني مجر د تخطي عتبة.. بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره..!
    عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق ، ونظام وحياة..
    وتخطي عتبة دار الأرقم ، التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضم من الأهوال٬ واسع٬ وعريض..
    واقتحام تلك العتبة ، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤوليات الجسام..!
    وبالنسبة للفقراء ، والغرباء ، والرقيق ، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر.
    وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار ، عمار بن ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمران سواعدهما لملاقاته..؟؟
    إنه نداء الايمان الذي لا يقاوم..
    وانها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام ، الذي يملأ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا..
    وإنها روعة الجديد المشرق . تبهر عقولا سئمت عفونة القديم ، وضلاله وافلاسه..
    وإنها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي إليه من ينيب...
    أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..
    وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!!
    ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..
    وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول ، وسار تحت راية الإسلام فيقول:
    " لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضرها
    ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها..
    ولا يسر سرية قط . إلا كنت حاضرها..
    ولا غزا غزاة قط ، أول الزمان وآخره ، إلا منت فيها عن يمينه أو شماله..
    وما خاف المسلمون أمامهم قط ، إلا كنت أمامهم..
    ولا خافوا وراءهم إلا كنت وراءهم..
    وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو أبدا حتى لقي ربه"..!!
    هذه صورة باهرة ، لايمان فذ وولاء عظيم..
    ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن إخوانه أجمعين ، أهلا لهذا الايمان المتفوق من أول يوم استقبل فيه نورالله ، ووضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلم
    يومئذ أخذت علاقاته بالناس ، وبالدنيا ، بل وبنفسه ، طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا صلبة ، زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوعها. والأهوال فيروعها.
    ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام وجسور . فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر.. منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة ، إلى عشق الخطر وحب الموت..
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #33

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الحادي والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    *** صهيب بن سنان رضي الله عنه - ربح البيع أبا يحيى تحدثنا عن الصحابي الجليل نشأته واسلامه ومرافقته للرسول صلى الله عليه وسلم .. نتابع ...
    ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته ، ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد ولا نكوص.
    فعندما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، علم صهيب بها ، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة ، هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب..
    بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول..
    ووقع صهيب في بعض فخاخهم ، فعوق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله..
    وحاور صهيب وداور ، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه ، وامتطى ظهر ناقته ، وانطلق بها الصحراء وثبا..
    بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه .. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا:
    " يا معشر قريش..
    لقد علمتم أني من أرماكم رجلا.. وأيم والله لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء ، فأقدموا إن شئتم..
    وإن شئتم دللتكم على مالي ، وتتركوني وشاني"..
    ولقد استاموا لأنفسهم ، وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له :
    أتيتنا صعلوكا فقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت بيننا ما بلغت ، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟؟
    فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته ، وتركوه وشأنه ، وقفلوا إلى مكة راجعين..
    والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك ، وفي غير حذر ، فلم يسألوه بينة.. بل ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمين..!!
    واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا ، حتى أردك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء..
    كان الرسول جالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللا : " ربح البيع أبا يحيى..!! ربح البيع أبا يحيى..!!
    فرد عليه صهيب (والله يا رسول الله ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام)، حيث نزلت الآية الكريمة به قوله تعالى
    وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
    أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكل ثروته التي أنفق شبابه في جمعها ، ولم يحس قط أنه المغبون....
    فما المال ، وما الذهب ، وما الدنيا كلها ، يساوي عنده شيء ، إذا بقي له إيمانه ، وإذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره إرادته..؟؟
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #34

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثاني والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    *** صهيب بن سنان رضي الله عنه - ربح البيع أبا يحيى
    تحدثنا كيف منع المشركين صهيب بالهجرة واحتجزوه ،
    هرب صهيب ولحق بالرسول صلى الله عليه وسلم عند قباء بعد ان أعطى المشركين كامل ثروته ...


    كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب إلى جانب ورعه وتقواه ، خفيف الروح ، حاضر النكتة..
    رآه الرسول يأكل رطبا ، وكان باحدى عينيه رمد..
    فقال له الرسول ضاحكا : " أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟
    فأجاب قائلا :" وأي بأس..؟ : يا رسول الله ، أني أمضغ من ناحية أخرى ( أي : آكل على ناحية عيني الصحيحة) . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وكان جوادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله ، يعين محتاجا.. يغيث مكروبا.." ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
    حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر رضي الله عنه فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى أنك لتسرف..؟
    فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول:
    " خياركم من أطعم الطعام".
    ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم ، فان اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة..
    روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «السّبّاق أربعة : أنا سابق العرب ، وصهيب سابق الرّوم ، وبلال سابق الحبشة ، وسلمان سابق الفرس».
    وروى يزيد بن صيفي بن صهيب بن سنان عن أبيه عن جده قوله: «قال رسول الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها».
    وروى أسلم مولى عمر أنه خرج مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فدخلا على صهيب في حديقة له ، فلما رآه صهيب قال : «يناس يناس»، فقال عمر : «ما له ، لا أبا له ، يدعو الناس؟»، فنبهه أسلم أنه يدعو غلامًا له اسمه «يحنس»، وإنما قال ذلك لعجمة شديدة في لسانه لنشأته بين الروم، فقال عمر لصهيب:
    «ما فيك شيء أعيبه يا صهيب إلا ثلاث خصال، لولاهن ما قدّمت عليك أحدًا. أراك تنتسب عربيًا ولسانك أعجمي، وتكتني بأبي يحيى اسم نبي، وتبذر مالك»، فقال صهيب : «أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله كنّاني بأبي يحيى، فلن أتركها، وأما انتمائي إلى العرب، فإن الروم سبتني صغيرًا، فأخذت لسانهم، وأنا رجل من النمر بن قاسط ، ولو انفلقت عني روثة لانتميت إليها».
    عندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر.. وعندما أحس نهاية الأجل ، فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال :
    " وليصل بالناس صهيب"..
    لقد اختار عمر رضي الله عنه يومئذ ستة من الصحابة ، ووكل إليهم أمر الخليفة الجديد.. وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة ، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين ، واختيار الخليفة الجديد ، من يؤم المسلمين في الصلاة..؟
    ان عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار.. فاذا اختار ، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار..
    ولقد اختار عمر صهيبا..
    اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..
    اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة ، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان..
    وظل صهيب يجاهد في سبيل الله حتى كانت الفتنة الكبرى ، فاعتزل الناس ، واجتنب الفتنة ، وأقبل على العبادة حتى مات -رضي الله عنه - بالمدينة سنة (38هـ)، وعمره آنذاك (73) سنة ، ودفن بالبقيع . وقد روى صهيب -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ..
    رحم الله صهيب ... وجمعنا معه تحت لواء سيد المرسلين الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
    وإلى لقاء جد…
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #35

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    من الحلقات : 33 وحتى 38 لاحقا:
    اليوم التاسع والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه - العظمة تحت الأسمال -
    تحدثنا عن هذا الصحابي الجليل الزاهد الفقير .وكيف اعتنق الاسلام . وهاجر للمدينة المنورة وكان مرافقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    نتابع ...
    وكان خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفان لسعيد بن عامر صدقه وتقواه ، ويستمعان إلى نصحه ، ويصغيان إلى قوله .
    دخل على عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال :
    يا عمر ، أوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل ...
    يا عمر : أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، واحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم .
    فقال عمر : ومن يستطيع ذلك يا سعيد ؟!
    فقال : يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد ، وليس بينه وبين الله أحد . عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيدا إلى مؤازرته وقال : يا سعيد إنا مولّوك على أهل " حمص " فقال : يا عمر نشدتك الله ألاتفتنني فغضب عمر وقال : ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني !! والله لا أدعك ، ثم ولاه على "حمص "وقال : ألانفرض لك رزقا ؟ قال : وما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟ فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضي إلى " حمص " .
    وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل " حمص " ، فقال لهم : اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم .
    فرفعوا كتابا فإذا فيه : فلان وفلان وسعيد بن عامر ،
    فقال : ومن سعيد بن عامر ؟!
    فقالوا : أميرنا .
    قال : أميركم فقير ؟!
    قالوا : نعم ، والله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار .
    فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال : اقرؤوا عليه السلام مني ، وقولوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك .
    جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير ، فجعل يبعدها عنه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب ـ فهبت زوجته مذعورة وقالت : ماشأنك يا سعيد ؟! أمات أمير المؤمنين؟!
    قال : بل أعظم من ذلك ،
    قالت : أأصيب المسلمون في وقعة ؟!
    قال: دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي ، وحلت الفتنة في بيتي .
    قالت : تخلص منها ـ وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئا ـ
    قال : أو تعينيني على ذلك ؟
    قالت : نعم .
    فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين ..
    ولقد قيل له يوما:
    " توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك"..
    فأجاب قائلا:
    " ولماذا أهلي وأصهاري..؟
    لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..
    وطالما كان يقال له:
    " توسع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيبات الحياة"..
    ولكنه كان يجيب دائما ، ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:
    " ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب ، فيجيء فقراء المؤمنين ويزفون كما تزف الحمام . فيقال لهم : قفوا للحساب .
    فيقولون : ما كان لنا شيء نحاسب عليه..
    فيقول الله : صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..
    فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين.
    لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص ـ وكانت تدعى " الكويفة " وهو تصغير للكوفة وتشبيه لحمص بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة ـ فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال : كيف وجدتم أميركم ؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخر .
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #36

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الأربعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه - العظمة تحت الأسمال -
    تحدثنا عن زهده وورعه .. وعرفنا أن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه .. عهد إليه ولاية حمص ... وبزيارته اشتكى أهل حمص أميرهم ﻷمير المؤمنين فماذا قالوا
    نتابع ...
    قال عمر فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألايخيب ظني فيه ؛ فقد كنت عظيم الثقة به . فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم ،
    قلت : ما تشكون من أميركم ؟
    قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فقلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟
    فسكت قليلا ، ثم قال : والله إني كنت أكره أن أقول ذلك أما وإنه لابد منه ، فإنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلا حتى يختمر ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس .
    قال عمر : فقلت لهم : وما تشكون منه أيضا ؟
    قالوا : إنه لايجيب أحد بليل . قلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟
    قال : إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا فأنا جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل . قلت : وما تشكون منه أيضا . قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر قلت : وما هذا يا سعيد ؟
    قال : ليس لي خادم يا أمير المؤمنين ، وليس عندي ثياب غير التي علي ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم في آخر النهار .
    ثم قلت : وما تشكون منه أيضا. قالوا : تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه فقلت : وما هذا يا سعيد ؟!
    فقال : شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ، ورأيت قريشا تقطع جسده
    وهي تقول : أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ فيقول : والله ما أحب ان أكون آمنا في أهلي وولدي ، وأن محمد تشوكه شوكة... وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ... وأصابتني تلك الغشية .
    وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..
    ولم يمالك عمر نفسه ونشوه ، فصاح من فرط حبوره.
    " الحمد لله الذي لم يخيب فراستي".!
    وعانق سعيدا ، وقبل جبهته المضيئة العالية...
    وفي العام العشرين من الهجرة ، لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة ، وأتقى ما يكون قلبا ، وأنضر ما يكون سيرة..
    لقد طال شوقه إلى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده ، وتتبع خطاه..
    أجل لقد طال شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلمه.. وإلى رفاقه الأوابين المتطهرين..
    واليوم يلاقيهم قرير العين ، مطمئن النفس ، خفيف الظهر..
    ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله ..
    ليس معه إلا ورعه ، وزهده ، وتقاه ، وعظمة نفسه وسلوكه..
    وفضائل تثقل الميزان ، ولكنها لا تثقل الظهور..!!
    ومزايا هز بها صاحبها الدنيا ، ولم يهزها غرور..!!


    سلام على سعيد بن عامر..
    سلام عليه في محياه ، وأخراه..
    وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه..
    وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #37

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    ليوم الثالث والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** معاذ بن جبل - أعلمهم بالحلال والحرام


    عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبابع الأنصار بيعة العقبة الثانية. كان يجلس بين السبعين الذين يتكون منهم وفدهم ، شاب مشرق الوجه ، رائع النظرة ، براق الثنايا.. يبهر الأبصار بهدوئه وسمته . فاذا تحد ث ازدادت الأبصار انبهارا..!!
    ذلك كان معاذ بن جبل رضي الله عنه..
    هو اذن رجل من الأنصار ، بايع يوم العقبة الثانية ، فصار من السابقين الأولين.
    ورجل له مثل اسبقيته ، ومثل ايمانه ويقينه ، لا يتخلف عن رسول الله في مشهد ولا في غزاة. وهكذا صنع معاذ..
    على أن آلق مزاياه ، وأعظم خصائصه ، كان فقهه..
    بلغ من الفقه والعلم المدى الذي جعله أهلا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنه:
    " أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل"..
    وكان شبيه عمر بن الخطاب في استنارة عقله ، وشجاعة ذكائه . سأله الرسول حين وجهه الى اليمن:
    " بما تقضي يا معاذ؟"
    فأجابه قائلا : " بكتاب الله"..
    قال الرسول : " فان لم تجد في كتاب الله"..؟
    "أقضي بسنة رسوله"..
    قال الرسول : " فان لم تجد في سنة رسوله"..؟
    قال معاذ :" أجتهد رأيي ، ولا آلوا"..
    فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال :
    " الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
    فولاء معاذ لكتاب الله ، ولسنة رسوله لا يحجب عقله عن متابعة رؤاه ، ولا يحجب عن عقله تلك الحقائق الهائلة المتسرة ، التي تنتظر من يكتشفها ويواجهها.
    ولعل هذه القدرة على الاجتهاد ، والشجاعة في استعمال الذكاء والعقل ، هما اللتان مكنتا معاذا من ثرائه الفقهي الذي فاق به أقرانه واخوانه ، صار كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام " أعلم الناس بالحلال والحرام".
    وان الروايات التاريخية لتصوره العقل المضيء الحازم الذي يحسن الفصل في الأمور..
    فهذا عائذ الله بن عبد الله يحدثنا انه دخل المسجد يوما مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في أول خلافة عمر..قال :
    " فجلست مجلسا فيه بضع وثلاثون ، كلهم يذكرون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الحلقة شاب شديد الأدمة ، حلو المنطق ، وضيء ، وهو أشب القوم سنا ، فاذا اشتبه عليهم من الحديث شيء ردوه إليه فأفتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قضي مجلسهم دنوت منه وسالته : من أنت يا عبد الله؟
    قال : أنا معاذ بن جبل".
    وهذا أبو مسلم الخولاني يقول :
    " دخلت مسجد حمص فاذا جماعة من الكهول يتوسطهم شاب براق الثنايا ، صامت لا يتكلم. فاذا امترى القوم في شيء توجهوا إليه يسألونه. فقلت لجليس لي : من هذا..؟ قال : معاذ بن جبل.. فوقع في نفسي حبه".
    وهذا شهر بن حوشب يقول:
    " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له"..
    وللموضوع تتمه إن شاء الله تعالى
    ***********
    اليوم الرابع والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** معاذ بن جبل - أعلمهم بالحلال والحرام
    تحدثنا عن بعض من مزايا معاذ من علم وفقه وحكمه ..
    نتابع ....
    ولقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستشيره كثيرا..
    وكان يقول في بعض المواطن التي يستعين بها برأي معاذ وفقهه:
    " لولا معاذ بن جبل لهلك عمر"..
    ويبدو أن معاذ كان يمتلك عقلا أحسن تدريبه ، ومنطقا آسرا مقنعا ، ينساب في هدوء واحاطة..
    فحيثما نلتقي به من خلال الروايات التاريخية عنه ، نجده كما أسلفنا واسط العقد..
    فهو دائما جالس والناس حوله.. وهو صموت ، لا يتحدث إلا على شوق الجالسين إلى حديثه..
    وإذا اختلف الجالسون في أمر ، أعادوه إلى معاذ ليفصل فيه..
    فاذا تكلم ، كان كما وصفه أحد معاصريه :
    " كأنما يخرج من فمه نور ولؤلؤ"..
    ولقد بلغ كل هذه المنزلة في علمه ، وفي إنجلال المسلمين له ، أيام الرسول وبعد مماته، وهو شاب..
    فلقد مات معاذ في خلافة عمر ولم يجاوز من العمر ثلاثا وثلاثين سنة..!!
    وكان معاذ سمح اليد ، والنفس ، والخلق..
    فلايسأل عن شيء إلا أعطاه جزلان مغتبطا..ولقد ذهب جوده وسخاؤه بكل ماله.
    ومات الرسول صلى الله عليه وسلم٬ ومعاذ باليمن منذ وجهه إلنبي اليها يعلم المسلمين ويفقههم في الدين..
    وفي خلافة أبي بكر رجع معاذ من اليمن ، وكان عمر قد علم أن معاذا أثرى.. فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله..!
    ولم ينتظر عمر ، بل نهض مسرعا إلى دار معاذ وألقى عليه مقالته..
    كان معاذ ظاهر الكف ، طاهر الذمة ، ولئن كان قد أثري ، فانه لم يكتسب اثما ، ولم يقترف شبهة ، ومن ثم فقد رفض عرض عمر ، وناقشه رأيه . وتركه عمر وانصرف..
    وفي الغداة ، كان معاذ يطوي الأرض حثيثا شطر دار عمر..
    ولا يكاد يلقاه.. حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته وتقول :
    " لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حومة ماء ، أخشى على نفسي الغرق.. حتى جئت وخلصتني يا عمر"..
    وذهبا معا إلى أبي بكر.. وطلب إليه معاذ أن يشاطره ماله ، فقال أبو بكر:" لا آخذ منك شيئا"..
    فنظر عمر إلى معاذ وقال:" الآن حل وطاب"..
    ما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق..
    وما كان عمر متجنيا على معاذ بتهمة أو ظن..
    وإنما هو عصر المثل كان يزخر بقوم يتسابقون إلى ذرى الكمال الميسور ، فمنهم الطائر المحلق ، ومنهم المهرول ، ومنهم المقتصد.. ولكنهم جميعا في قافلة الخير سائرون.
    ويهاجر معاذ إلى الشام ، حيث يعيش بين أهلها والوافدين عليها معلما وفقيها ، فاذا مات أميرها أبو عبيدة الذي كان الصديق الحميم لمعاذ ، استخلفه أمير المؤمنين عمر على الشام ، ولا يمضي عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه مخبتا منيبا..
    وكان عمر رضي الله عنه يقول :
    " لو استخلفت معاذ بن جبل ، فسألني ربي : لماذا استخلفته؟
    لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل ، كان معاذ بين أيديهم"..
    والاستخلاف الذي يعنيه عمر هنا ، هو الاستخلاف على المسلمين جميعا ، لا على بلد أو ولاية..
    فلقد سئل عمر قبل موته : لو عهدت الينا..؟ أي اختر خليفتك بنفسك وبايعناك عليه..
    أجاب قائلا:
    " لو كان معاذ بن جبل حيا ، ووليته ثم قدمت على ربي عز وجل ، فسألني : من وليت على أمة محمد .
    لقلت : وليت عليهم معاذ بن جبل ، بعد أن سمعت النبي يقول : معاذ بن جبل امام العلماء يوم القيامة".
    وللموضوع تتمة إن شاء تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #38

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الخامس والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** معاذ بن جبل - أعلمهم بالحلال والحرام
    عرفنا مزايا معاذ بن جبل وعلمه وفقهه ، استخلفه امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أميرا على الشام ، ولم يمضي بها شهورا قليله حتى لاقى وجه ربه الأعلى وهو في الثالثة والثلاثين من عمره ..
    نتابع ...
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوما :
    " يا معاذ.. والله اني لأحبك فلا تنس أن تقول في عقب كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"..
    أجل اللهم أعني.. فقد كان الرسول دائب الالحاح بهذا المعنى العظيم الذي يدرك الناس به أنه لا حول لهم ولا قوة ، ولا سند ولا عون الا بالله ، ومن الله العلي العظيم..
    ولقد حذق معاذ الدرس وأجاد تطبيقه..
    لقيه الرسول ذات صباح فسأله :
    "كيف أصبحت يامعاذ"..؟؟
    قال : " أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله".
    قال النبي : ان لكل حق حقيقة ، فما حقيقة ايمانك"..؟؟
    قال معاذ : " ما أصبحت قط ، إلا ظننت أني لا أمسي .. ولا أمسيت مساء إلا ظننت أني لا أصبح.. ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتبعها غيرها..
    وكأني أنظر الى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها..
    وكأني أرى أهل الجنة في الجنة ينعمون.. وأهل النار في النار يعذبون.."
    فقال له الرسول :
    " عرفت فالزم "..
    أجل لقد أسلم معاذ كل نفسه وكل مصيره لله ، فلم يعد يبصر شيئا سواه..
    ولقد أجاد ابن مسعود وصفه حين قال :
    "ان معاذا كان أمة ، قانتا لله حنيفا ، ولقد كنا نشبه معاذا بابراهيم عليه السلام"..
    وكان معاذ دائب الدعوة إلى العلم ، وإلى ذكر الله..
    وكان يدعو الناس إلى التماس العلم الصحيح النافع ويقول :
    " احذروا زيغ الحكيم.. واعرفوا الحق بالحق ، فان الحق نورا"..!!
    وكان يرى العبادة قصدا ، وعدلا..
    قال له يوما أحد المسلمين: علمني.
    قال معاذ : وهل أنت مطيعي إذا علمتك..؟
    قال الرجل : اني على طاعتك لحريص..
    فقال له معاذ :
    "صم وافطر. وصل ونم. واكتسب ولا تأثم. ولا تموتن إلا مسلما. وإياك ودعوة المظلوم"
    وكان يرى العلم معرفة ، وعملا فيقول :
    تعلموا ما شئتم أن تتعلموا ، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا"..
    وكان يرى الإيمان بالله وذكره،استحضارا دائما لعظمته ، ومراجعة دائمة لسلوك النفس.
    يقول الأسود بن هلال:
    " كنا نمشي مع معاذ ، فقال لنا : اجلسوا بنا نؤمن ساعة"..
    ولعل سبب صمته الكثير كان راجعا إلى عملية التأمل والتفكر التي لا تهدأ ولا تكف داخل نفسه.. هذا الذي كان كما قال للرسول : لا يخطو خطوة ، ويظن أنه سيتبعها بأخرى.. وذلك من فرط استغراقه في ذكره ربه ، واستغراقه في محاسبته نفسه..
    وحان أجل معاذ ، ودعي للقاء الله...
    وفي سكرات الموت تنطلق عن اللاشعور حقيقة كل حي ، وتجري على لسانه ، ان استطاع الحديث ، كلمات تلخص أمره وحياته..
    وفي تلك اللحظات قال معاذ كلمات عظيمة تكشف عن مؤمن عظيم.
    فقد كان يحدق في السماء ويقول مناجيا ربه الرحيم :
    " الهم اني كنت أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار.. ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ، ونيل المزيد من العلم والايمان والطاعة"..
    وبسط يمينه كأنه يصافح الموت ، وراح في غيبوبته يقول :
    " مرحبا بالموت.. حبيب جاء على فاقه"..
    *************
    اليوم السادس والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ******
    المقداد بن عمرو .. اول فرسان الإسلام .
    حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم


    في ذلك اليوم الذي بدأ عصيبا. حيث أقبلت قريش في بأسها الشديد وإصرارها العنيد، وخيلائها وكبريائها..في ذلك اليوم.. والمسلمون قلة، لم يمتحنوا من قبل في قتال من أجل الإسلام ، فهذه أول غزوة لهم يخوضونها..وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يعجم إيمان الذين معه،ويبلوا استعدادهم لملاقاة الجيش الزاحف عليهم في مشاته وفرسانه..وراح يشاورهم في الأمر، وأصحاب الرسول يعلمون أنه حين يطلب المشورة والرأي، فانه يفعل ذلك حقا،وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة رأيه، فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الجماعة كلها، ويخالفها فلا حرج عليه ولا تثريب..وخاف المقداد أن يكون بين المسلمين من له بشأن المعركة تحفظات... وقبل أن يسبقه أحد بالحديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار المعركة، ويسهم في تشكيل ضميرها.ولكنه قبل أن يحرك شفتيه، كان أبو بكر الصديق قد شرع يتكلم فاطمأن المقداد كثيرا.. وقال أبو بكر فأحسن، وتلاه عمر بن الخطاب فقال وأحسن..ثم تقدم المقداد وقال": يارسول الله..
    امض لما أراك الله، فنحن معك..والله لا نقول لك كماقالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون..!!والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا الى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتى يفتح الله لك".. انطلقت الكلمات كالرصاص المقذوف.. وتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرق فمه عن دعوة صالحة دعاها للمقداد.. وسرت في الحشد الصالح المؤمن حماسة الكلمات الفاضلة التي أطلقها المقداد بن عمرو والتي حددت بقوتها وإقناعها نوع القول لمن أراد قولا.. وطراز الحديث لمن يريد حديثا..!!
    أجل لقد بلغت كلمات المقداد غايتها من أفئدة المؤمنين، فقام سعد بن معاذ زعيم الأنصار،وقال:" يا رسول الله..لقد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق.. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك.. والذي بعثك بالحق.. لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا..إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء.. ولعل الله يريك منا ما تقر عينك.. فسر على بركة الله"..وامتلأ قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بشرا..وقال لأصحابه:" سيروا وأبشروا"..والتقى الجمعان..
    وكان من فرسان المسلمين يومئذ ثلاثة لا غير: المقداد بن عمرو، ومرثد بن أبي مرثد، والزبير بن العوّام، بينما كان بقية المجاهدين مشاة، أو راكبين إبلا .
    ان كلمات المقداد لا تصور شجاعته فحسب ، بل تصور لنا حكمته الراجحة ، وتفكيره العميق..
    وكذلك كان المقداد..كان حكيما أريبا ، ولم تكن حكمته تعبر عن نفسها في مجرد كلمات ، بل هي تعبر عن نفسها في مبادئ نافذة ، وسلوك قويم مطرد. وكانت تجاربه قوتا لحكمته وريا لفطنته..


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #39

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السابع والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** المقداد بن عمرو .. اول فرسان الإسلام
    تحدثنا عن شجاعة وحكمة ومحبة المقداد بن عمرو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
    نتابع...
    ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على إحدى الولايات يوما ، فلما رجع سأله النبي عليه الصلاة والسلام :
    " كيف وجدت الإمارة"..؟؟
    فأجاب في صدق عظيم :
    " لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس ، وهم جميعا دوني..
    والذي بعثك بالحق ، لا اتآمرن على اثنين بعد اليوم ، أبدا"..
    وإذا لم تكن هذه الحكمة فماذا تكون..؟ وإذا لم يكن هذا هو الحكيم فمن يكون..؟
    رجل لا يخدع عن نفسه ، ولا عن ضعفه.. يلي الامارة ، فيغشى نفسه الزهو والصلف ، ويكتشف في نفسه هذا الضعف ، فيقسم ليجنبها مظانه ، وليرفض الإمارة بعد تلك التجربة ويتحاماها.. ثم يبر بقسمه فلا يكون أميرا بعد ذلك أبدا..!!
    لقد كان دائب التغني بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو :
    " ان السعيد لمن جنب الفتن"..
    وإذا كان قد رأى في الإمارة زهوا يفتنه ، أو يكاد يفتنه ، فان سعادته اذن في تجنبها..
    ومن مظاهر حكمته ، طول أناته في الحكم على الرجال..
    وهذه أيضا تعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد علمهم عليه السلام أن قلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر حين تغلي..
    وكان المقداد يرجئ حكمه الأخير على الناس إلى لحظة الموت ، ليتأكد أن هذا الذي يريد أن يصدر عليه حكمه لن يتغير ولن يطرأ على حياته جديد.. وأي تغير ، أو أي جديد بعد الموت..؟؟
    وتتألق حكمته في حنكة بالغة خلال هذا الحوار الذي ينقله إلينا أحد أصحابه وجلسائه ، يقول :
    " جلسنا إلى المقداد يوما فمر به رجل..
    فقال مخاطبا المقداد : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    والله لوددنا لو أن رأينا ما رأيت ، وشهدنا ما شهدت فأقبل عليه المقداد وقال :
    ما يحمل أحدكم على أن يتمنى مشهدا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يصير فيه ؟؟ والله ، لقد عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبهم الله عز وجل على مناخرهم في جهنم . أولا تحمدون الله الذي جنبكم مثل بلائهم ، وأخرجكم مؤمنين بربكم ونبيكم"..
    حكمة وأية حكمة...
    انك لا تلتقي بمؤمن يحب الله ورسوله ، إلا وتجده يتمنى لو أنه عاش أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ورآه..! ولكن بصيرة المقداد الحاذق الحكيم تكشف البعد المفقود في هذه الأمنية.. ألم يكن من المحتمل لهذا الذي يتمنى لو أنه عاش تلك الأيام.. أن يكون من أصحاب الجحيم.. ألم يكون من المحتمل أن يكفر مع الكافرين.
    وأليس من الخير اذن أن يحمد الله الذي رزقه الحياة في عصور استقر فيها الاسلام ، فأخذه صفوا عفوا..
    هذه نظرة المقداد ، تتألق حكمة وفطنة.. وفي كل مواقفه ، وتجاربه ، وكلماته ، كان الأريب الحكيم..
    وكان حب المقداد للاسلام عظيما.. وكان إلى جانب ذلك ، واعيا حكيما..
    والحب حين يكون عظيما وحكيما ، فانه يجعل من صاحبه انسانا عليا ، لا يجد غبطة هذا الحب في ذاته.. بل في مسؤولياته..
    والمقداد بن عمرو من هذا الطراز..
    فحبه الرسول صلى الله عليه وسلم . ملأ قلبه وشعوره بمسؤولياته عن سلامة الرسول ، ولم يكن تسمع في المدينة فزعة ، إلا ويكون المقداد في مثل لمح البصر واقفا على باب رسول الله ممتطيا صهوة فرسه ، ممتشقا مهنده وحسامه..!!
    وحبه للاسلام ، ملأ قلبه بمسؤولياته عن حماية الاسلام.. ليس فقط من كيد أعدائه.. بل ومن خطأ أصدقائه..
    خرج يوما في سرية ، تمكن العدو فيها من حصارهم ، فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته.. ولكن أحد المسلمين لم يحط بالأمر خبرا ، فخالفه ، فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق ، أو لعله لا يستحقها على الاطلاق..
    فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح ، فسأله ، فأنبأه ما حدث
    فأخذ المقداد بيمينه ، ومضيا صوب الأمير ، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له:
    " والآن أقده من نفسك.. ومكنه من القصاص"..!!
    وأذعن الأمير.. بيد أن الجندي عفا وصفح ، وانتشى المقداد بعظمة الموقف ، وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة ، فراح يقول وكأنه يغني :
    " لأموتن ، والاسلام عزيز"..!!
    أجل تلك كانت أمنيته ، أن يموت والاسلام عزيز.. ولقد ثابر مع المثابرين على تحقيق هذه الأمنية مثابرة باهرة جعلته أهلا لأن يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام :
    "ان الله أمرني بحبك.. وأنبأني أنه يحبك"...
    مات في سنة ثلاث وثلاثين للهجرة ، ويبلغ من العمر سبعين عاما ، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنهما . وقبره بالبقيع ..
    رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  10. #40

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم التاسع والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه - العظمة تحت الأسمال -
    تحدثنا عن هذا الصحابي الجليل الزاهد الفقير .وكيف اعتنق الاسلام . وهاجر للمدينة المنورة وكان مرافقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
    نتابع ...
    وكان خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفان لسعيد بن عامر صدقه وتقواه ، ويستمعان إلى نصحه ، ويصغيان إلى قوله .
    دخل على عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال :
    يا عمر ، أوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل ...
    يا عمر : أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، واحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم .
    فقال عمر : ومن يستطيع ذلك يا سعيد ؟!
    فقال : يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد ، وليس بينه وبين الله أحد . عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيدا إلى مؤازرته وقال : يا سعيد إنا مولّوك على أهل " حمص " فقال : يا عمر نشدتك الله ألاتفتنني فغضب عمر وقال : ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني !! والله لا أدعك ، ثم ولاه على "حمص "وقال : ألانفرض لك رزقا ؟ قال : وما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟ فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضي إلى " حمص " .
    وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل " حمص " ، فقال لهم : اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم .
    فرفعوا كتابا فإذا فيه : فلان وفلان وسعيد بن عامر ،
    فقال : ومن سعيد بن عامر ؟!
    فقالوا : أميرنا .
    قال : أميركم فقير ؟!
    قالوا : نعم ، والله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار .
    فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال : اقرؤوا عليه السلام مني ، وقولوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك .
    جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير ، فجعل يبعدها عنه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب ـ فهبت زوجته مذعورة وقالت : ماشأنك يا سعيد ؟! أمات أمير المؤمنين؟!
    قال : بل أعظم من ذلك ،
    قالت : أأصيب المسلمون في وقعة ؟!
    قال: دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي ، وحلت الفتنة في بيتي .
    قالت : تخلص منها ـ وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئا ـ
    قال : أو تعينيني على ذلك ؟
    قالت : نعم .
    فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين ..
    ولقد قيل له يوما:
    " توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك"..
    فأجاب قائلا:
    " ولماذا أهلي وأصهاري..؟
    لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..
    وطالما كان يقال له:
    " توسع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيبات الحياة"..
    ولكنه كان يجيب دائما ، ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:
    " ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب ، فيجيء فقراء المؤمنين ويزفون كما تزف الحمام . فيقال لهم : قفوا للحساب .
    فيقولون : ما كان لنا شيء نحاسب عليه..
    فيقول الله : صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..
    فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين.
    لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص ـ وكانت تدعى " الكويفة " وهو تصغير للكوفة وتشبيه لحمص بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة ـ فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال : كيف وجدتم أميركم ؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخر .
    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى.
    **************
    [11:02 am, 12/27/2017] سهام ام ماهر خطيب سري:
    [11:02 am, 12/27/2017] سهام ام ماهر خطيب سري: اليوم الثامن والثلاثون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ****** سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه - العظمة تحت الأسمال -
    أغلب الظن أن أكثرنا ، إن لم نكن جميعا ، لم نسمع به قط.. :
    من يكون سعيد بن عامر الجمحي هذا..؟؟
    إنه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم ، وإن لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة.
    إنه واحد من كبار الأتقياء الأخفياء..!!
    كان الفتى سعيد بن عامر الجمحي ، واحدا من الآلاف المؤلفة ، الذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ، ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي أحد أصحاب محمد بعد أن ظفروا به غدرا . وقد مكنه شبابه الموفور وفتوته المتدفقة من أن يزاحم الناس بالمناكب ، حتى حاذى شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب ، وصفوان بن أمية ، وغيرهما ممن يتصدرون الموكب . وقد أتاح له ذلك أن يري أسير قريش مكبلا بقيوده ، وأكف النساء والصبيان والشبان تدفعه إلى ساحة الموت دفعا ، لينتقموا من محمد في شخصه ، وليثأروا لقتلاهم في بدر بقتله . ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة إلى المكان المعد لقتله ، وقف الفتى سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يطل على خبيب ، وهو يقدم إلى خشبة الصلب ، وسمع صوته الثابت الهاديء من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول : إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ... ثم نظر إليه ، وهو يستقبل الكعبة ، ويصلي ركعتين ، يا لحسنهما ويا لتمامهما ... ثم رآه يقبل على زعماء القوم ويقول : والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعا من الموت ؛ لاستكثرت من الصلاة . ثم شهد قومه بعيني رأسه وهم يمثلون بخبيب حيا ، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له : أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت ناج ؟ فيقول ـ والدماء تننزف منه ـ : والله ما أحب أن اكون آمنا وادعا في أهلي وولدي ، وأن محمدا يوخز بشوكة .. فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء ، ويتعالى صياحهم : أن اقتلوه .. اقتلوه .. ثم أبصر سعيد بن عامر خبيبا يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة ، وبه ما لم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح .
    عادت قريش إلى مكة ، ونسيت في زحمة الأحداث الجسام خبيبا ومصرعه .
    لكن الفتى اليافع سعيد بن عامر الجمحي لم يغب خبيب عن خاطره لحظة . كان يراه في حلمه إذا نام ، ويراه بخياله وهو مستيقظ ، ويمثل أمامه وهو يصلي ركعتيه الهادئتين المطمئنتين أمام خشبة الصلب ، ويسمع رنين صوته في أذنيه وهو يدعو على قريش ، فيخشى أن تصعقه صاعقة أو تخر علية صخرة من السماء ثم إن خبيبا علم سعيدا ما لم يكن يعلم من قبل ... علمه أن الحياة الحقة عقيدة وجهاد في سبيل العقيدة حتى الموت . وعلمه أيضا أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب ، ويصنع المعجزات . وعلمه أمرا آخر ، هو أن الرجل الذي يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر إلى الإسلام ، فقام في ملأ من الناس ، وأعلن براءته من آثام قريش وأوزارها ، وخلعه لأصنامها وأوثانها ودخوله في دين الله .
    كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الانسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا..
    وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها ، علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر..فحين تقع العين على سعيد في الزحام ، لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل..ستجد العين واحدا .. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه ، ولا في شكله الخارجي ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!!
    فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته ، فلن نبصر شيئا ، فان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أي من مظاهر البذخ والزخرف.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تفرق الصحابة بعد رسول الله في الأمصار و البلدان
    بواسطة ميساء حلواني في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2017, 07:52 AM
  2. وداعًا يا أديب عمان عبد الله رضوان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-17-2015, 07:19 PM
  3. نجوم باب الحارة الراحلين ، رحمة الله عليهم
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2014, 12:45 PM
  4. عددالانبياء والرسل صلوات الله عليهم اجمعين
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-29-2013, 07:03 PM
  5. معــاهد رعـايـة المـعّـوقين .. الجزء الأول .... بقلم : رضوان عبد الله
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الاحتياجات الخاصة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-28-2009, 11:51 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •