قلت في المشاركة السابقة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وللحديث بقية ))
ونحن هنا نود التكلم عن غموض الشعراء بشعرهم , وعن الحداثة بحداثتهم , راجياً عدم الملل من القراءة ,

لو سألنا أنفسنا سؤالاً : كيف يُفسر الغموض
الجواب : قرأت حول الغموض في منهج الحداثة , فوجدت الكثر من النقاد قد غاصوا في أمور تحتاج إلى عمق التفكير في معنى الغموض ,فليس كل غامض مذموم , وليس كل واضح محمود , وعلينا أن ندلي بآرائنا حول ذلك .إن الحكم بين غامض الكلام ووضوح معانيه , هي ( البلاغة ) والبلاغة كما يصفها الرازي ( هي خلوص الكلام من التعقيد ) أو كما يقول المستطرف ( الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال , بشرط أن يكون المفهوم منه صحيحاً حسناً ) من هنا يمكن القول بأن البلاغة في الكلام الصريح بين المخاطب والمتلقي , لا بد لها من إظهار الإبانة والوضوح بشكل لا يقبل الغموض , وهذا يختلف عن الشعر , لأن الشعر قد يتطلب التورية , والتورية نوع من الغموض والإبهام , لأنها , تحتمل قرب المعاني وبعدها , أي يفهم منه السامع غير الذي يقصده الشاعر , لأنه يريد الغموض لذريعة ما ولسبب ما ..ومن أمثلة التورية أن يقول لك مثلاً : ( إنني تركت صاحبك المريض يأمر وينهى . ولكنه يقصد بأنه مريض وعلى فراش الموت يأمر بالصبر وينهى عن البكاء ) وكثير من الأحداث اليومية لا تستوجب سرعة المعنى بل تميل إلى الاستعارة والتشبيه وصنوف البديع ومنها التورية , خشية لومة لائم أو مطارة رجال أمن متنفذون , فيضطر الشاعر للغموض , أو استعمال التورية للإفصاح عن مكمون ضميره بقوالب سرية . ولا نستطيع القول بأن الحداثيين كلهم قد وقعوا بمصيدة الغموض , فمنهم من لا يفقه غموض قوله , ويعتبرها لعبة يلهوا بها في عقول الآخرين , فلا يفهم كلامه صغير أو كبير , مثقف أو غير مثقف , ومثل هذا فهو ممقوت وقد يسيء للمتلقي , بإضاعة الوقت في تحليل فك لغز المعاني الغامضة وقد يصيب معناها أو لا يصيب , ونحن في عالم السرعة لا في علم فك الرموز المستعصية حتى على الأذكياء .وإن كان بعضهم يبيحون لأنفسهم بالغموض بناء على قول محمود درويش الذي قال:

:
طُوبَى لِشَيْءٍ غَامِضٍ
طُوبَى لِشَيْءٍ لَمْ يَصِلْ


فإن قصد الغموض الممقوت فهو ليس على حق .


أو من يعتمد على قول أدونيس الذي قال :


حَيْثُ الغُمُوضُ أَنْ تَحْيَا

حَيْثُ الوُضُوحُ أَنْ تَمُوتْ


فهو لا يقصد الغموض الذي لا يفهمه عامة الناس وخاصتهم , وإلا فما فائدة شعره ونثره لعقل المتلقي ,
إن لم يكن مفهوماً ؟ فالغموض الفاحش يوقع صاحبه في قصور وعجز وانحطاط وضعف في الكتابة . لأن اللغة ما وضعت إلا للتفاهم سواء أكانت شعراً أم نثراً .
ومما سبق نعتبر أن الحداثة الغامضة ستكون وبالاً على من يسير بدربها , لكي تبقى لغتنا العربية سامية في معناها ومبناها وألفاظها وبلاغتها ونحوها وصرفها , أشكركم على هذه الإطالة إخواني وجزاكم الله خيرا .