قرية

أذكر أن معلمينا في الابتدائية في القرية كانوا يتحاورون عن حصار العراق وماذا سنفعل لو حل بنا مابهم ؛ فقال أحدهم ؛ من إيش خايفين ؛ أصلا إحنا عايشين عالخاثر والشاي والبندورة ..!
لا يوجد ترف في ذلك الريف ؛ المائدة بسيطة ؛ تطبخ العائلة في الصيف الطماطم كل يوم ؛ مع بيض ؛ أو باذنجان ؛ أو بطاطا ؛ ويُسكب كله في صحن كبير ويجتمع حوله العائلة ..الأمهات لا يشبعن ؛ والعجائز يكتفين بالخبز مع اللبن ويحمدن الله من قلوبهن عليه ؛ والشيوخ على التبغ والشاي الحلو الثقيل وشئ من الطعام اليسير ؛ بالمختصر ؛ الطعام هناك ليس قضية ؛ ويتندرون على ان أمهات المدينة يخططن للطبخة قبل يومين او ثلاثة ؛ ويهزؤون بالأطباق الكثيرة الصغيرة التي توضع على موائد المدنيين ..
علي الذيبان جاري -الله يذكره بالخير- كان في الخدمة الإلزامية ؛ وهناك يواجه ابن الريف الذي يظن قريته مركز العالم أبناء المدن السورية الكبرى ويتعرف مندهشاً على عالم مختلف ؛ انتهى العساكر في فترة الاستراحة من سرد طبخات أمهاتهم وحنينهم لاكلات لم يسمع بها علي في حياته ؛ ثم صمت الجميع وهم ينظرون إليه فقد حان دوره في الكلام ؛ لكنه لم يتكلم ؛ فقالوا بفم واحد يالله علي خبرنا على اكلاتكم في ريف القامشلي ..فقال علي ياشباب ؛ يجي كل يوم الصبح حواج كردي اسمه الفني (زورو) تجتمع عليه الحريم ماعنده إلا البندورة والبطاطا والباذنجان ؛ تطبخه امهاتنا كله مع بعضه وتحطه بصحن كبير وكل واحد من العيلة عاد يلحق حاله ! (على ذمة اللي روى القصه عنه)
وظل صديقي محمد اليساري يتسخط يوما كاملا بعد ان خرجنا من خطبة جمعة في أحد مساجد دمشق المخملية وكان موضوع الخطبة (الأكل) وقد ذكر المدلوءة والنابلسية والمدري شو!
الخلاصة ؛ هناك الاكل ليس قضية .
الآن نستلم طلبات برنامج المطبخ قبل اسبوع . رحم الله البساطة .