الموضوع: عصر الياقات البيضاء : فهد القاسم
لكل زمان دولة ورجال ، وزماننا حالياً هو عام 1438 هـ / 2017 م ، والدولة هي رؤية 2030 ، أما رجال هذا الزمان الذين يصولون ويجولون في أروقة المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة فهم شركات الاستشارات والمستشارين بمختلف مسمياتهم وصفاتهم ووظائفهم ..
الاستعانة بأصحاب الخبرة والمعرفة والعقل الرشيد من الفطنة ولا شك ، وقد قيل في الاستشارة "ما خاب من إستشار" ، وقد قيل " وإن باب عليك التوى ؛ فشاور لبيباً ولا تعصه" ، وأنا أقول: "أن الإستشارة زيادة في العقول وحصاد خبرات السنين والتعلم من تجارب الآخرين" ..
وأهم من الخبرة والمعرفة لدى المستشار ، أن يتحلى بالنزاهة والأمانة، التي يجب أن تكون أساس الاستشارة ، فلا قيمة لمشورة أو رأي يأتي من كاذب أو مخادع أو طماع أو غشاش .
"المستشار مؤتمن" وهذا هو الأصل في المشورة ، وهذا هو الواجب على المستشار، ولكنها -للاسف- ليست القاعدة التي يعمل بموجبها جميع الخبراء والمستشارين ..
عادة يتم إستقطاب المستشار للمساعدة في تكوين رأي أو دراسة وضع ليس لدى المؤسسة خبرة حوله مثل استشارات التقنية أو إعداد الإستراتيجية ، أو يتم الإستعانة به لتكوين رأي مستقل عن رأي الإدارة مثل دراسة المخاطر ، أو لتقديم خدمة جديدة على المنشأة ليس لها القدرة عليها وهنا يكون المستشار مقاولاً ، أو لإعداد دراسة مستقلة لتقديمها لطرف ثالث خارج المنشأة مثل دراسات الجدوى الإقتصادية .. الخ .
لكن تكون الطامة الكبرى عندما يتم إستقطاب المستشار لسبب آخر تماماً ؛ ليس للحاجة اليهم ، ولا لطلب رأيهم ، إنما ليكونوا العذر أمام المسئول عنهم ، وبالتالي فهم الطرف الثالث والشمّاعة التي يُعلق الفشل عليها ان حدث ، وللأسف أن هذا ديدن كثير من الجهات في القطاعين العام والخاص ..
ولتعليق الفشل بشكل واضح يتم تعيين شركات الاستشارات الكبرى والتي يصعب الطعن في كفاءتها لإسمها البراق ، بغض النظر عن فريق العمل ومنهجيته ونطاقه وتسلسه ومرحليته ، وبالتغاضي عن تكلفة الاستشارة (غير المنطقية في كثير من الأحوال) ، وهذا أحد أهم أسباب رواج سوق شركات الاستشارات الكبرى في المملكة ، في القطاعين العام والخاص !!
فمن سيعترض على نتائج دراسات الشركات الاستشارية العالمية ، ومن يجروء على انتقاد توصياتهم ، حتى أن بعض المسئولين يتفنن في إستخدامهم لإسقاط اراء المعترضين ، على طريقة "من انت حتى تنتقد !!"
وللإمانة فأغلب شركات الاستشارات العالمية لديها موظفين أكفاء متعلمين وخبراء ومدربين ، ويستخدمون أدوات تحليل متقدمة ، ويتمتعون بمهارات عرض استثنائية براقة ، ويتفننون في كتابة التقارير والمبررات والفرضيات الحسابية ، وبالتالي التوصيات التي تقنع حتى الجن الأزرق !!
ومع الاعتراف بهذا كله الا أن في بعض هذه الشركات أيضاً موظفين جهلة وآخرين متعنتين ، ومستشارين يبحثون عن مصالحهم ومطامعهم المالية والسلطوية ، كما أن فيهم متحيزون لأرائهم ، وبالتأكيد أن كثير منهم يجهلون المكّون المحلي والثقافة الدارجة والتفاصيل المجتمعية ، ولا يستطيعون تقييم الآثار المصاحبة لاستشاراتهم أمنياً وسياسياً واجتماعياً ، او يتجاهلونها ، وأسوأ فئة يجب الحذر منها هم المستشارين الذين يربطون توصياتهم بقناعات مُتخذ القرار ويستشرفون رغباته ويزينون الدراسة للوصول الى النتيجة المستهدفه مسبقاً !!
غالباً ما يتاح للمستشار الحصول على أحدث المعلومات وأدق التفاصيل ، وكثير من هذه المعلومات داخلية وسرية ، حتى أنها لا تتاح للمواطنين وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى . فالجهات طالبة الاستشارة "تتعرى" مجازاً أمام مستشاريها -وذلك مطلوب- للحصول على المشورة الصحيحة والرأي الأصوب ..
وكل ما سبق من المهم فهمه وإدراكه والتعاطي معه في سياقه الصحيح ، لكن الخطير في الأمر اذا كانت الاستعانة بالمستشار لأنه (أجنبي) فقط !! أو لأنه شركة عالمية كبرى فقط !! وقد قيل "زامر الحي لا يطرب" ..
ورشة عمل الاستشارات والعصر الذهبي لهذه المهنة ، الذي نعيشه في المملكة قد لا يتكرر ، فأغلب الجهات الحكومية ان لم يكن كلها ، تستعين بالجهات الاستشارية ، لصياغة برامج التحول ، والتوافق مع رؤية 2030 ، وصياغة المبادرات ، ومراقبة تنفيذها ، وللقيام بتنفيذ او متابعة برامج التخصيص .. الخ ، والقطاع الخاص كذلك يعيد حساباته ووضع استراتيجاته للتعامل مع التغيرات الكبرى التي نعيشها اليوم .
أهمية هذه الاستشارات في الوقت الحاضر أنها تعيد هيكلة واقع المملكة وتعيد صياغة مستقبلها ، وبالتالي فإن حساسية نتائجها خطيرة ، وتوصياتها قد تنتج عنها آثار مدمرة اذا لم يحسن إدارتها ؛ لذلك فإن وجود فريق يدير المستشارين ، يتصف بالقوة والأمانة يجعلنا نعرف توصيف ما نريده منهم فعلاً ، ونطلب ما نحتاجه تحديداً ، ونمحص فريق العمل الذي سيقدم الاستشارة ، ونوازن بين قيمة ما سنحصل عليه منهم وتكلفة الحصول عليه ، ونحدد أولوياتنا في الاستشارة ، ومنهجية عمل المستشار ، ومرحلية التنفيذ ، ونقاش التحليل والرأي والمبررات والفرضيات والتوصيات ، وتحديد المهم والأقل أهمية ، ونتحقق من وجود المزيج المحلي والعالمي ..
اذا قمنا بذلك فإن المرجو أن نحصل على أفضل ما تقدمه هذه الشركات ، أو على الأقل التخفيف من الآثار السلبية لمشورتهم وتوصياتها وتطبيقاتها !!
كما يجب التعاطي مع سرية وخصوصية المعلومات الحكومية والتي يتم تبادلها مع الجهات الاستشارية ، بحذر وفطنة ، وتوازن. ولأن هذه الفرصة المتاحة حالياً في قطاع الاستشارات لن تتكرر ، من حيث الأهمية والخطورة ، والنوعية ، والحجم ، والقيمة ، فإن من أهم ما يجب الالتفات له هو توطين عقود الاستشارات ، وذلك بالزام هذه الشركات بنسب توطين عالية لا تقل عن 50% من فريق العمل ، والتحقق من تمكينهم بالعمل في هذه المشاريع ، واتاحة فرص التدريب للمواطنين ، تعزيزاً لمباديء التوطين ، وحفاظاً على حساسية المهنة وممارساتها.
كما أقترح أن يتم وضع نظام بعدم ترسية أي مشروع استشاري الا بتحالف بين الشركة العالمية وإحدى الشركات المحلية المرخصة ، وهذا فيه مكاسب إضافية على المدى الطويل من حيث توطين مهنة الاستشارات وتقوية عودها وإكسابها الخبرة والمعرفة ، وتحقيق الأمن المعلوماتي مستقبلاً ، وضمان إمكانية الاستدامة والاستخلاف للعملية الاستشارية مع الجهات المستفيدة عند وجود أي خلافات مع الشركات العالمية ، مع أهمية فرض أسس المنافسة العادلة في هذه العقود الموقعة من حيث الهيمنة على السوق ، والإحتكار ، والتسعير .
http://www.maaal.com/archives/20170327/89076
[TR]
[TD="colspan: 1"]
[/TD]
[TD="colspan: 2"]
عصر الياقات البيضاء
www.maaal.com
لكل زمان دولة ورجال ، وزماننا حالياً هو عام 1438 هـ / 2017 م ، والدولة هي رؤية 2030 ، أما رجال هذا الزمان الذين يصولون ويجولون في أروقة المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة فهم شركات الاستشارات والمستشارين بمختلف مسمياتهم وصفاتهم ووظائفهم .. الاستعانة بأصحاب الخبرة والمعرفة والعقل الرشيد من الفطنة
[/TD]
[/TR]