:112::112:الأَبْلَقْ - - -
تألق بدمشق في العهد المملوكي
محمد عيد الخربوطلي---
===================================
تعتبر دمشق جدة المدن، تحدثت عنها الكتب المقدسة، وأقدم النصوص التاريخية الإبلائية والمصرية، والبابلية والآشورية، والآرامية والعبرية، والإغريقية واللاتينية، ومختلف اللغات الحديثة العالمية.
وزار دمشق كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة والمهندسين، والشعراء والفنانين، والعلماء والسياسيين، وكلهم تحدثوا عنها بإعجاب كبير وحب عظيم.
وقد قال فيها الكاتب الفرنسي (موريس باريس): في دمشق يتلاقى الشرق والغرب، لا ليتنابذا ويهدما بعضهما، ولكن ليتحدا ويتفاهما... أليست دمشق عتية الصحراء وينبوع الجنة... إنها دمشق التي تبسط للناظرين بروائعها عظمتها الخالدة، وتبدو بأخيلتها أنها موطن الشعر والفن والجمال بل قصر من قصور الروح...
وعندما فتح العرب دمشق وتلاقت الحضارات أعطوها كل اهتمامهم... فقد بذل المسلمون جهودهم في كافة العهود لإعمار دمشق وإشادة البنيان فيها خدمة للعقيدة وتلبية لحاجات الحياة، ولم يوفروا وسعاً في تزيين العمائر وتجميلها، وتوفير أسباب الراحة والرخاء، معبرين عن فطرة الإنسان في ميله للزينة وحبه للفن.

العمارة في العهد المملوكي:
تميز العهد المملوكي بالإزدهار الإقتصادي وبالفوضى والإضطرابات تارة أخرى، بسبب ضعف سيطرة السلاطين وكثرة الإنقلابات، في مصر وسورية، ومن مآثرهم الخالدة تلك العمائر التي بنيت في عهدهم ومازالت ماثلة تدل على ازدهار العمران في أيامهم.

خصائص العمائر المملوكية:
جمعت عمائر المماليك تراث المشرق الإسلامي ومغربه، وصاغه فنانو العصر بأسلوبهم وحسب أذواقهم، وساعدت حياة الرخاء وترف السلاطين والأمراء إلى الإسراف في تجميل العمائر وزخرفتها بشتى العناصر الفنية.
فقد تميزت عمائرهم بالواجهات العريضة العالية والبوابات المزخرفة، والعقود المتنوعة الأشكال والزخارف، والقباب المقرنصة ذات الطابع الغريب، والتلوين والفسيفساء وأشرطة الكتابة والشرافات التي تتوج الجدران، وكذلك اعتناؤهم بنوع من البناء عرف بالأبلق.
فما هو الأبلق؟ وكيف يكون؟

الأبلق:
تميز العهد المملوكي بالفن الزخرفي وتنوع أشكاله وتكويناته، فظهرت المداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة المعروفة (بالأبلق) كما هي دار القرآن الصابونية والمدرسة السيبائية.
(فالأبلق) تسمية تطلق على مداميك الألوان المتناوبة، وهي الصفوف الحجرية الأفقية التي تتناوب فيها الألوان كالأسود والأبيض، أو الأحمر والأبيض، أو الأسود والأصفر، أو الأحمر والترابي، أو البني والترابي ونحوها.
وقد أطلقت تسمية الأبلق في الأصل على تناوب اللونين الأسود والأبيض، ثم عممت على بقية الألوان خصوصاً في عمائر العهد المملوكي، والبلق عند النحويين هو سواد وبياض في اللون، وأول ذكر للأبلق ورد في شعر السموأل من القرن الخامس الميلادي، عندما بنى له والده حصناً باللونين الأبيض والأسود شمالي الجزيرة العربية، تلاه قصر ابن وردان شرقي مدينة حماة وكان أبلقاً فقد شيد بالأسود والأبيض وذلك حوالي سنة 560م.
والمتتبع لآثار المنطقة لا يشاهد هذا النوع (الأبلق) كعنصر زخرفي في العمارة الإسلامية إلاّ المدرسة النورية المبنية في العهد الأتابكي، وبعدها المدرسة القليجية المبنية في أواخر العهد الأيوبي، كما لوحظ قليلاً في عمائر العهد الأيوبي ولكن بشكل محدود في بعض الواجهات والبوابات، كالبيمارستان القيمري في حي الصالحية الذي بني سنة 656 هـ.
أما العصر المملوكي فيعد العصر الذهبي للأبلق خلال الفترة (658 – 922هـ)، ففيه انتشر بشكل واسع، وأول نموذج بني بهذا الأسلوب الزخرفي في ذلك العهد هو (القصر الأبلق) الذي بناه الظاهر بيبرس بدمشق في القرن السابع للهجرة، مكان التكية السليمانية اليوم.
ولم يقتصر الأمر في البناء بالأبلق على دمشق وحدها، إنما انتشر في سورية ومصر خاصة القاهرة عاصمة دولة المماليك، وقد عرف في مصر باسم (الحجر المُشَهَّر).
واستمر البناء بالأبلق في العهد العثماني امتداداً للعمارة المملوكية، ثم انحدر في نهاية عهدهم إلى أن اضمحل واختفى.
استمدت فكرة البناء بالمداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة (الأبلق) من متطلبات فنية أكثر منها احتياجات وظيفية، فتناوب اللونين الداكن والفاتح في المداميك يخفّف إلى حدّ ما من ثقل كتلته لا بالوزن بل بالخداع البصري كما يقول الباحث قتيبة الشهابي، وهي قاعدة معروفة نظرياً وعملياً، وقال: "إن أفقية الخطوط فيه تجعل تلك الكتلة تنساب عرضانياً بحيث يبدو البناء أقل ارتفاعاً وأكثر عرضاً، بالإضافة إلى تميزه عن الأبنية المجاورة أو المحيطة به".

أهم العمائر المشيدة بالأبلق في العهد المملوكي:
عرفنا أن المدرسة النورية بنيت بالأبلق في العهد الأتابكي، أما في أواخر العهد الأيوبي فيوجد جامع التوبة والمدرسة القليجية ومدرسة أمة اللطيف والمدرسة الأتابكية وكذلك البيمارستان القيمري وكلهم بنوا بالأبلق.
أما عمائر العهد المملوكي فهي كثيرة ومنها، جامع الثقفي في باب توما، وجامع الدقاق في الميدان، الجامع المعلق في شارع الملك فيصل عام 1457م، جامع السنجقدار مقابل القلعة، جامع الورد في سوق ساروجا عام 1426م، المدرسة السيبائية في سوق الدرويشية، المدرسة الظاهرية، والأخنائية، والجقمقية في حي الكلاسة سنة 1426م، والتربة الدوباجية في الصالحية، وحمام التوريزي في حي قبر عاتكة.
كما شيدت بعض العمائر بالأبلق في العهد العثماني ومنها جامع مراد باشا في حي السويقة، وجامع سنان باشا في باب الجابية عام 1586م، وخان أسعد باشا العظم في البزورية، وجامع فتحي في القيمرية عام 1743م.
وأخيراً إن الأبلق ما هو إلاّ شهادة تدل على إبداع الفنان في إخضاع تشكيلات الزخارف وتطويعها لتتلاءم مع حسه الجمالي الخلاق، لذلك وقف لامارتين أمام خان أسعد باشا العظم في رحلته إلى دمشق سنة 1833 فتأمله وقال: "إن أمة فيها مهندسون يصممون مثل هذا البنيان، وعمال يجيدون تنفيذه، لهي جديرة بالحياة والفن".

المصادر:-----------------
1- قمم عالمية – د. عبد القادر الريحاوي.
2- زخارف العمارة الإسلامية في دمشق – د. قتيبة الشهابي.
3- الفنون الإسلامية – د. سعاد ماهر.
4- زيارة ميدانية للمشيدات المملوكية.
5- المدرسة الجقمقية – هناء خزنة كاتبي.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


+13
















الأَبْلَقْ - - -
تألق بدمشق في العهد المملوكي
محمد عيد الخربوطلي---
===================================
تعتبر دمشق جدة المدن، تحدثت عنها الكتب المقدسة، وأقدم النصوص التاريخية الإبلائية والمصرية، والبابلية والآشورية، والآرامية والعبرية، والإغريقية واللاتينية، ومختلف اللغات الحديثة العالمية.
وزار دمشق كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة والمهندسين، والشعراء والفنانين، والعلماء والسياسيين، وكلهم تحدثوا عنها بإعجاب كبير وحب عظيم.
وقد قال فيها الكاتب الفرنسي (موريس باريس): في دمشق يتلاقى الشرق والغرب، لا ليتنابذا ويهدما بعضهما، ولكن ليتحدا ويتفاهما... أليست دمشق عتية الصحراء وينبوع الجنة... إنها دمشق التي تبسط للناظرين بروائعها عظمتها الخالدة، وتبدو بأخيلتها أنها موطن الشعر والفن والجمال بل قصر من قصور الروح...
وعندما فتح العرب دمشق وتلاقت الحضارات أعطوها كل اهتمامهم... فقد بذل المسلمون جهودهم في كافة العهود لإعمار دمشق وإشادة البنيان فيها خدمة للعقيدة وتلبية لحاجات الحياة، ولم يوفروا وسعاً في تزيين العمائر وتجميلها، وتوفير أسباب الراحة والرخاء، معبرين عن فطرة الإنسان في ميله للزينة وحبه للفن.

العمارة في العهد المملوكي:
تميز العهد المملوكي بالإزدهار الإقتصادي وبالفوضى والإضطرابات تارة أخرى، بسبب ضعف سيطرة السلاطين وكثرة الإنقلابات، في مصر وسورية، ومن مآثرهم الخالدة تلك العمائر التي بنيت في عهدهم ومازالت ماثلة تدل على ازدهار العمران في أيامهم.

خصائص العمائر المملوكية:
جمعت عمائر المماليك تراث المشرق الإسلامي ومغربه، وصاغه فنانو العصر بأسلوبهم وحسب أذواقهم، وساعدت حياة الرخاء وترف السلاطين والأمراء إلى الإسراف في تجميل العمائر وزخرفتها بشتى العناصر الفنية.
فقد تميزت عمائرهم بالواجهات العريضة العالية والبوابات المزخرفة، والعقود المتنوعة الأشكال والزخارف، والقباب المقرنصة ذات الطابع الغريب، والتلوين والفسيفساء وأشرطة الكتابة والشرافات التي تتوج الجدران، وكذلك اعتناؤهم بنوع من البناء عرف بالأبلق.
فما هو الأبلق؟ وكيف يكون؟

الأبلق:
تميز العهد المملوكي بالفن الزخرفي وتنوع أشكاله وتكويناته، فظهرت المداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة المعروفة (بالأبلق) كما هي دار القرآن الصابونية والمدرسة السيبائية.
(فالأبلق) تسمية تطلق على مداميك الألوان المتناوبة، وهي الصفوف الحجرية الأفقية التي تتناوب فيها الألوان كالأسود والأبيض، أو الأحمر والأبيض، أو الأسود والأصفر، أو الأحمر والترابي، أو البني والترابي ونحوها.
وقد أطلقت تسمية الأبلق في الأصل على تناوب اللونين الأسود والأبيض، ثم عممت على بقية الألوان خصوصاً في عمائر العهد المملوكي، والبلق عند النحويين هو سواد وبياض في اللون، وأول ذكر للأبلق ورد في شعر السموأل من القرن الخامس الميلادي، عندما بنى له والده حصناً باللونين الأبيض والأسود شمالي الجزيرة العربية، تلاه قصر ابن وردان شرقي مدينة حماة وكان أبلقاً فقد شيد بالأسود والأبيض وذلك حوالي سنة 560م.
والمتتبع لآثار المنطقة لا يشاهد هذا النوع (الأبلق) كعنصر زخرفي في العمارة الإسلامية إلاّ المدرسة النورية المبنية في العهد الأتابكي، وبعدها المدرسة القليجية المبنية في أواخر العهد الأيوبي، كما لوحظ قليلاً في عمائر العهد الأيوبي ولكن بشكل محدود في بعض الواجهات والبوابات، كالبيمارستان القيمري في حي الصالحية الذي بني سنة 656 هـ.
أما العصر المملوكي فيعد العصر الذهبي للأبلق خلال الفترة (658 – 922هـ)، ففيه انتشر بشكل واسع، وأول نموذج بني بهذا الأسلوب الزخرفي في ذلك العهد هو (القصر الأبلق) الذي بناه الظاهر بيبرس بدمشق في القرن السابع للهجرة، مكان التكية السليمانية اليوم.
ولم يقتصر الأمر في البناء بالأبلق على دمشق وحدها، إنما انتشر في سورية ومصر خاصة القاهرة عاصمة دولة المماليك، وقد عرف في مصر باسم (الحجر المُشَهَّر).
واستمر البناء بالأبلق في العهد العثماني امتداداً للعمارة المملوكية، ثم انحدر في نهاية عهدهم إلى أن اضمحل واختفى.
استمدت فكرة البناء بالمداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة (الأبلق) من متطلبات فنية أكثر منها احتياجات وظيفية، فتناوب اللونين الداكن والفاتح في المداميك يخفّف إلى حدّ ما من ثقل كتلته لا بالوزن بل بالخداع البصري كما يقول الباحث قتيبة الشهابي، وهي قاعدة معروفة نظرياً وعملياً، وقال: "إن أفقية الخطوط فيه تجعل تلك الكتلة تنساب عرضانياً بحيث يبدو البناء أقل ارتفاعاً وأكثر عرضاً، بالإضافة إلى تميزه عن الأبنية المجاورة أو المحيطة به".

أهم العمائر المشيدة بالأبلق في العهد المملوكي:
عرفنا أن المدرسة النورية بنيت بالأبلق في العهد الأتابكي، أما في أواخر العهد الأيوبي فيوجد جامع التوبة والمدرسة القليجية ومدرسة أمة اللطيف والمدرسة الأتابكية وكذلك البيمارستان القيمري وكلهم بنوا بالأبلق.
أما عمائر العهد المملوكي فهي كثيرة ومنها، جامع الثقفي في باب توما، وجامع الدقاق في الميدان، الجامع المعلق في شارع الملك فيصل عام 1457م، جامع السنجقدار مقابل القلعة، جامع الورد في سوق ساروجا عام 1426م، المدرسة السيبائية في سوق الدرويشية، المدرسة الظاهرية، والأخنائية، والجقمقية في حي الكلاسة سنة 1426م، والتربة الدوباجية في الصالحية، وحمام التوريزي في حي قبر عاتكة.
كما شيدت بعض العمائر بالأبلق في العهد العثماني ومنها جامع مراد باشا في حي السويقة، وجامع سنان باشا في باب الجابية عام 1586م، وخان أسعد باشا العظم في البزورية، وجامع فتحي في القيمرية عام 1743م.
وأخيراً إن الأبلق ما هو إلاّ شهادة تدل على إبداع الفنان في إخضاع تشكيلات الزخارف وتطويعها لتتلاءم مع حسه الجمالي الخلاق، لذلك وقف لامارتين أمام خان أسعد باشا العظم في رحلته إلى دمشق سنة 1833 فتأمله وقال: "إن أمة فيها مهندسون يصممون مثل هذا البنيان، وعمال يجيدون تنفيذه، لهي جديرة بالحياة والفن".

المصادر:-----------------
1- قمم عالمية – د. عبد القادر الريحاوي.
2- زخارف العمارة الإسلامية في دمشق – د. قتيبة الشهابي.
3- الفنون الإسلامية – د. سعاد ماهر.
4- زيارة ميدانية للمشيدات المملوكية.
5- المدرسة الجقمقية – هناء خزنة كاتبي.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


+13