أخي الغالي الدكتور إبراهيم عوض ,
حياك الله , فما أعظم وما أجل صراحتك , والتي لها أبعاد عميقة ومسافات شاسعة بين الواقع الذي نعيش, وبين التخبط السائد في مؤسساتنا الجهوية أو القطرية أو العنصرية , التي تسمى الآن بالديمقراطية المزيفة ,
لقد قرأت كل ما جاءت به هذه الحلقة التي تربو على ثلاثين صفحة , وساحاول الرد على بعض الفقرات , لأكمل الرد فيما بعد .
لعل الله في هذا الرد أن نجد من يكتب للأجيال حقيقة هذا الصراع الدائر بين الحق والباطل , وبين المشروع واللامشروع .
وأبدأ بفقرة في بداية هذه الحلقة تقول فيهافيريد الواحد منهم أن يثبت ذاته: فإن كان ما يتمرد عليه باطلا كان تمرده فى محله، وإلا فهو انحراف قد يَبْقَى مرتكسا فيه مدة تختلف من حالة لأخرى، وكثيرا ما يعود سيرته الأولى بعد أن يتضح له خطؤه.)
وإني وجدت أن كل هذه الحلقة تدور من أولها إلى آخرها بظلم جائر بحق إنسان يريد أن يثبت ذاته بالبراهين والأدلة , ولكن الباطل والفساد حل محل الحق والحقيقة , وهذه الأمور من سمات عصرنا بلا جدال في ذلك .
وحديثك يا أخي عن مبادئ طه حسين , فيقول مثلنا العربي: ( إذا نهض صيتك فغطي رأسك ) أي أن لقب عميد اللغة العربية وهو طه حسين, لا يستطيع أحد نقده , فهو يحق له ما لا يحق لغيره , سواء أكان على حق أم على باطل , وهذا هو أول الظلم قطرة قطرة ثم ينهمر , وما أكثر المنافقين ( مسّاحي الجوخ ) في أيامنا هذه . ومهما كتبنا من قصص وروايات, فلا لهذه الكتابة أي وزن أمام أعين المختالين والمحتالين والمتكبرين والمغرورين .فيسفهون العقاد ومن يعجب بالعقاد لأن المنافسة هنا ليست أخلاقية وليست واقعية .ونسوا أو تناسوا بأن الشاعر يقول :
قل لمن يدعي في العلم فلسفة
........... علمت شيئاً وغابت عنك أشياء
هذا عدا أن جيلنا الحالي لا يلهث إلا خلف الوظيفة ولقمة العيش فلا يهمه إلا أكثر إلا أن يحصل على كرتونة علمية يقدمها لنيل الوظيفة , بالرغم من تفوق بعضهم , بذكائه الخارق , ويسعى الكثير منهم لكسب رضاء الله في العلوم كلها وأولها العلوم الدينية , بالرغم من أن مثل هذه الدراسة بدأـ تنحو نحو حرية عصرية أوروبية مقيته في ارتداء الملابس دون أن يتعمق المسلمون بشرائع الله والتقيد بتعاليم الإسلام على الشكل المطلوب , بسبب إفتاء رجال الدين الذي لا يجمعهم رأي واحد , ناهيك عن ضعف التعليم في المدارس , وبخاصة في علم النحو والصرف وغيرها , وكأن ذلك جاء ليخدم أمة الإلحاد , وعندما نصل إلى قصيدة صلاح عبدالصبور , فلم يعطنا الدكتور رأيه بصراحة , فقد أحال القارئ إلى كتابه في الشعر الحديث , وبما أنني لم أتوصل إلى كتاب الدكتور صاحب هذه الحلقة , فبإمكاني أن أدلي بدلوي عروضياً , لأقول كلمتي الصريحة بأن هذه المقطوعة الشعرية بها خلل إيقاعي للبحر الذي يسير عليه وهو بحر الرجز وليس الكامل , حيث أن بحر الرجز لا توجد به تفعيلة ( مفاعلاتن ) ( مستعلاتن ) حتى ولو في شعر التفعيلة , وكررها عبدالصبور لأكثر من موقع في الأبيات الآتية:
كونٍ خلا من الوَسامهْ
يا فتنتي محاربًا صُلْبًا، وفارسًا هُمَامْ
لكي تُذِلَّ كبريائيَ الرفيعْ
كنتُ أعيش في ربيعٍ خالدٍ، أيّ ربيعْ
انخلع القلبُ، وولَّى هاربًا بلا زِمامْ
ثم خالف العروض العربي في قافية البيت الآتي:
حين سقطْتُ فوقه في مطلع الصِّبا
فأنهى البيت بتفعيلة ( فعو ) وهذا لا يجوز بإيقاع بحر الرجز.
ولكن من الذي يستطع ملاحقة عبدالصبور في أخطائه ؟ لا أحد , لأنه حداثي من الطراز الأول , وهفواته مسموحة ولها مبررات يضعها الناقد ليسلم من الهزيمة . ومثل ذلك حدث مع الدكتور إبراهيم عوض الذي دخل في نفق يحسبه منيراً لكن النقاد أطفأوا النور من أمام عينية , لأن العصر الذي نعيش له سبيل ضال لا يقتحمه إلا من كان لهم ظهراً وظهيراً , وقوة ونصيرا , من الرؤوس الكبيرة التي لا تخاف الله ولا تمتلك ضميراً تحاسب عليه .
وإلى هنا أتوقف عن الشرح لنعود لاحقاً إن شاء الله .