🕌 [ رَمَضان الوَصْل ]
🌙 الليلةُ الخامِسةَ عَشَر ..
في الزّمَنِ المُباركِ .. نَشْتَمُّ في الأرضِ رُوحانيةً عَجيبَة .. كأننا نَسمعُ دَبيبَ الملائكَةِ وهيَ تلتَقِطُ الحَسَنات !
تَلتقطُ الآيات ؛ِ مِثل الشَّمسِ تَجري في الأفْواهِ ..
تَلتقطُ التَّسابيحَ ؛ مثلَ الفَجرِ يَمتَدُّ لنا على طولِ الصِّراط !
تَلتقطُ النَّجوى .. تَفيضُ بالوجْدِ .. كأنها بُردةُ الحسنِ يَبلغُ بعدَها العَبدُ أن يُذكرَ في المَلأِ الأعْلى !
تَمشي الطَّاعةُ في عوالمنا ، وتَختالُ في خواطِرِنا .. ويعلو الشوقُ حتى يَكاد العَبدُ أن يقولَ : { ربِّ أَرِنِي أنْظُرُ إلَيك } !
هكذا كان حَالُ مُوسى بعدَ أنْ خَلا بالله ثلاثينَ يومًا ..
عَرَجَ به الحبُّ إلى الأعَلى .. وشَفَّ الغَيبُ في روحه ؛ حتى كادَ أن يَرى !
دَمعَ التِّلميذُ ، و تحرّك منه الفؤادُ !
فقالَ الشيخُ :
يا وَلَدي .. هذا طَعمُ الخَبرِ ؛ فكيفَ بطعمِ النظَرِ !
قالَ التّلميذُ :
كيفَ السَّبيلُ إلى مُقامِ مُوسى .. كيف السبيل إلى الحُبِّ لله ؟!
قالَ الشيخُ :
اسمع قولَ السَّلَفِ .. إنَّ اللهَ يُخلِصُ لكم من بِرّه حَسْبَ ما خَلُصَ إلى قلوبِكم من ذِكره !
إن كنتَ تَشتاقُ إلى تَوَهُجِ الرّوح .. إلى عُرسٍ أزَليٍّ مَشهودٍ في الفِردوس الأعلى ؛ فاعْمُرْ قلبَكَ بُذكره ..
فهو القائل {فاذْكرونِي أذْكُركُم } ..
يا لله يابنيّ ..
هنا آيةٌ .. هنا وَعدٌ إلهيٌّ .. هنا سِرُّ انفتاحِ جهاتِ الكَونِ وبَواباتِ العُبورِ للخلُودِ ..
هنا حُقولُ القَمحِ تَظلُّ إيمانًا لك يُثمر ..
هنا اللهُ يَذكرُ اسمَك !
ويا لله بعدها ..
كيفَ يَشعّ النّورُ من عُمقِك !
ويا لله ..
كيفَ يَغيبُ الحزنُ عن عمرِك !
ويا لله ..
كيفَ يَطلُّ الخيرُ في وجهك !
يا ولدي لو سَمِعتَ صَريرَ الأقلامِ في المَلأِ الأعلَى وهيَ تكتبُ اسمكَ عندَ ذِكرِكَ لله لَـطِرْتَ فرحًا !
قالَ التلميذُ :
من أينَ أبدأُ الذكرَ ؟!
قال َالشيخُ :
من حيثُ قالَ اللهُ تعالى : { إنّ الذينَ يَتلونَ كِتابَ اللهِ .. يَرجونَ تِجارَةً لنْ تَبُور } !
لا شيءٌ يَبلغُ العَرشَ أحبَّ إلى اللهِ من القُرآنِ ..
ينبتُ الزّنبقُ في صوتِ القارِىء ؛ ثمّ نراهَ جنانَ الخُلدِ ..
يَسهرُ الغيثُ على الزرعِ ؛ حتى يَموجَ به المَدى .. و يُنادى على صاحبهِ في الجنةِ ؛ ذاكَ ما عليهِ عَكَفْت !
لقد كانَ ابنُ تيميةِ يكررُّ الفاتحةَ كلَّ يوم ؛ٍ حتى شُروقِ الشمسِ ..
يَفتحُ بها خزائنَ العَطايا .. و يَقفُ بها على كلّ مشاهدِ الفَتح !
وكان يرابط على عشقها ..
قال التلميذُ :
كيف أنالُ نورَ القرآن وفتحِه ؟
ردّ الشيخُ :
ألمْ تسمَعْه يقول ؛ { لا يَمَسَّهُ إلا المُطَهَرون } !
من اكتملَ في الجوهر ؛ِ أمْطرتْ عليه سَحائبُ المِنَن !
قال التلميذُ :
في قلبِي لهفةُ الوَصلِ ؛ فَدُلَني على خيطِ النّور ..
دُلَني .. كيفَ أبلغُ عَيشَ القرآنِ !
قال الشيخُ :
انْهُجْ طريقَ السَّلفِ ..
اسمعْ وصيتَهُم .. يُوجزُها لكَ أحدُهم في قوله ؛ " تَكبدْتُ القرآنَ عشرينَ عامًا ، وتَنَعمتُ به عشرينَ عامًا " !
لقد جَاهدوا بالقرآنِ ؛ { جِهادًا كبيرًا } ..
لقد أعْلنوهَا .. أنَّ القرآنَ رسائلٌ أتَتنا من ربِنا ؛ لنقفَ عليها في الخَلواتِ !
لتخلقَ فينا مواسِمَ خضراءَ ..
لتُولِّدَ بها أمةً ؛ كانت تَحيا في شَوكِ الزَّقومِ ..
لتطلقَ روحَ أمةٍ إلى أعراسِ التّاريخ !
يا ولدي ..
لما مات أبو جعفر القارىء .. رؤي في صدره فقط دون جسده غرة بيضاء ؛ مثل اللبن .. وكان ذلك نور القرآن ..
وكان يقال فيه ؛ رجل خالط القرآن لحمه ودمه .. رجل أضاء صبح القرآن على صدره !
فلما كُفن انتقلت الغرة بين عينيه كرامة للقرآن الذي امتزج به !
يا ولدي ..
بالقرآنِ لن يُدرككَ الليلُ ؛ إن سَكبتَ نورَه في قلبك !
اغْمرْ روحَك فيه .. اغمِسهَا في فَيضِه !
انظرْ إلى فقه السّلف مع القرآن ؛ إذ يقولُ أحدُهم ( إنّي لا أتْلو الآيةَ فأقيمُ فيها أربعَ ليالٍ ) ..
إقامَة مَن يدركُ ؛ أنه بالقرآنِ يَحرسُ زحْفَهُ نحو الفِردَوسِ الأعْلى !
يقولُ أحدُهم ؛ ( إنّي لأعيدُ الأيةَ إنْ تَلَوتُها غافلا ؛ً خَشية أن يُكتبَ أجرُها لي مَنقوصًا ) !
ويقولُ آخرٌ ؛ ( آيةٌ لا أتفَهمُها.. ولا يكونُ قلبي فيها ؛ لا أُعدّ لها ثوابًا ) !
يا الله
هل كانَ هؤلاءُ من خَارجِ الزّمنِ البَشريِّ !!
أمْ أنّهم كانوا مقيمين على عِشقِ الأُجورِ ؛ فاستنارَت الأرْواحُ منهم .. فأبصَروا كيفَ يكونُ إلى اللهِ المَسِير !!


يا ولدي ..
كانَ " نافعٌ " إذا قرأَ القرآنَ ؛ يُشمُّ من فَمه رائحةُ المسك ِ..
فسُئِلَ في ذلك .. فقالَ :
إني ما أمسُّ طَيبًا .. ولكنَي رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام يقرأُ في فَمي ، فَمِن ذلكَ الوقت أشمُّ المِسك "َ ..
كأنَ القرآنَ بُستانٌ عَصَر كلّ عطرِه فيه !
تَعلّم ..
كيفَ تَتلو القرآنَ بمزامِيرِ رُوحِك .. لامِس به منكَ القَعرَ ؛ إن شئْتَ أن يتفجَّرَ منه النَّهرُ !
ما بينَ البدايةِ بالقرآنِ والخِتامِ في دَرجاتِ القُرب ؛ِ أن تُتقنَ عَيشَ الخَلوَةِ بالقُرآنِ ..
لا هذّ الألسُنِ بالقرآن !
د.كفاح أبو هنود ~
_______________