لماذا أدرس “التطور” للطلاب المسلمين؟
كاتبة المقال: الدكتورة رنا دجاني، هي عالمة أردنية متخصصة في بيولوجيا الخلية، واهتماماتها البحثية تتركز في مجال إشارات الخلية (cell signaling)؛ وهي حاصلة على درجة الدكتوراة من جامعة أيوا الأمريكية عام 2005، وهي من الأساتذة المتميزين في الجامعة الهاشمية في المجال البحثي والتدريسي والمبادرات التطوعية.
ترجمه إلى العربية: هديل زواهرة.
ساعد في الترجمة: محمد الزغول.
___________________________
“إن تشجيع الطلاب لتحدّي الأفكار هو أمر حاسم ومهم جدًا لتنشئة جيل من العلماء المسلمين أصحاب التفكير الحر.”
– تقول الدكتورة رنا الدجاني.
إن السلوكيات الإشكالية الحالية تجاه العلم – والتي تم إيرادها للمجتمعات الإسلامية كجزء من عمليات العولمة والحداثة المتسارعة – ترفض نظرية التطور على سبيل المثال، ولكن هذا أيضا يوفّر فرصة.
أنا أدرّس نظرية التطوّر لطلاب الجامعات في الأردن، في بداية الأمر، كل الطلاب تقريبا يكونون غير وديين تجاه هذه الفكرة، إذ أنه على الراجح أن معلمي مدارسهم قد تجاهلوها أو غضّوا النظر عنها. مع ذلك، أغلب الطلاب راغبين في مناقشة “التطوّر،” وفي نهاية المسار، المعظم يتقبل هذه الفكرة.
إذا كان الطلاب المسلمون قادرون على تحدّي أفكار كهذا الموضوع الأكاديمي الجدليّ، إذن فهم قادرون أيضا على الاقتراب من جوانب أخرى في حياتهم من خلال التساؤل – وليس الإذعان الأعمى – عن الوضع الراهن. هذه الأدوات والسلوكيات مهمّة جدا لتطوير شخصيّاتهم وأن يكونوا مواطنين مسؤولين.
الطلاب في صفوفي غالبا ما ينصدمون. أنا أرتدي الحجاب، إذن أنا مسلمة ممارسة للإسلام، وفي نفس الوقت يسمعونني أصادق على نظرية التطور كآلية لتفسير التنوّع وتطور الأنواع، والنقل عن “تشارلز داروين” كعالم ساهم في فهم نشوء وتطوّر الحياة على الأرض، فتقريبا، أنا أول مسلمة قابلها الطلاب تقول هذا الكلام.
اشتكى بعض الطلاب إلى الجامعة بأنني كنت “أبشّر” ضد تعاليم الإسلام، لكن مسئولي الجامعة اقتنعوا عندما عرضت عليهم أن “التطور” مذكور في كتب الجامعة الموافق عليها وأن ما أدرسه في محاضرتي يأتي مباشرة من نصوص هذه الكتب. لقد أثنيت على هؤلاء الطلبة الذين اشتكوا لجرأتهم في دعم ما آمنوا به وعرضت عليهم أن نجلس معا وأن أناقش اهتماماتهم معهم.
في التدريس، أقدّم تفسيرا مفصّلا لتطوّر النباتات الطبيعي والتوالد الصناعي. بعد ذلك، نناقش مقاومة المضادات الحيويّة، مطاعيم الإنفلونزا، وتطوّر أدوية متلازمة نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”. بعد هذه النقاشات، معظم الطلبة على استعداد بأن يتقبلوا التطور كآلية لنشوء كل الأنواع عدا الإنسان. العديد يقتبس الدليل من القرآن والذي يُفُسّر بمعنى أن آدم – وكذلك البشر- قد خلقوا بشكل ذاتي (طبيعيّ). تطوّر الإنسان يبقى محظورًا لأن الطلاب ليسوا جاهزين لأن يتخلوا عن مفهوم خلق الإنسان بشكل مختلف. أنا أُذكرهم بأن المسلمين قد حُذّروا من التكبّر، وبأن البشر هم جزء من الخلق.
علماء المسلمين مثل حسين الجسر وأحمد مدحت في ثمانينات القرن الماضي قد دعموا التطور، وقبل داروين، قدم الجاحظ وعلماء آخرون في القرن التاسع فرضيات تطوّرية أولية. فتجدر الإشارة هنا بأن الجدل الواضح بين التطور والإسلام قد ظهرت في القرن العشرين، عندما أصبحت أفكار داروين مرتبطة بالاستعمار والإمبرياليّة والغرب والإلحاد والماديّة والتفرقة العنصرية. العلماء المسلمون المتديّنون أخذوا موقفا تدريجيا ضد التطور، والذي قد تبناه العامّة، والعلماء استخدموا الحجج الخلقيّة المسيحية لدعم موقفهم، محوّلين بذلك الحرب الغربية بين العلم والدين إلى الإسلام.
البعض من طلبتي يجادل بأن قبول نظرية التطوّر يعني إنكار وجود الإله، وأنا أقول بأن التطور لا يناقش فكرة نشوء الكون، فلا أحد إلى الآن يفهم هذه البداية، بالنسبة لي، البداية هي الإله. بعد البداية، قوانين المنطق والعلم أدت إلى تطور الكون وما بعد ذلك.
من خلال تجربتي، الكثير من المسلمين هم سعيدين لأن يأخذوا هذا بعين الاعتبار، وقد لاقيت عددا من العلماء المسلمين الذين يوافقون مع موقفي، لكنّهم لا يقولون ذلك علانيةً لأنهم يخافون أن يوصفوا بمثيري الشغب. بعض من العلماء المتدينين أيضا يوافقون، لكنّهم يرغبون بتغيير آرائهم بشكل تدريجيّ، لكي لا يوقظوا جهات الدفاع وبالتالي بطء التقدّم.
ما أراه أنا، كعالمة مسلمة، أن القرآن يطلب من البشر أن يعاينوا ويتأملوا العالم ممجّدين في ذلك سعيهم في المعرفة. هذا لا يعطي الصلاحية للنتائج العلمية. العلم يسمح لنا أن نتسائل ونستكشف كيف يعمل العالم، والقرآن يقدم التوجيهات الأخلاقية لذلك، فإذا وجد أي تناقض واضح بين نتيجة علمية وتفسير قرآني، فإنه يمكننا العودة إلى كلا من العلم نفسه (والذي في حالة تطور مستمرّة) وتفسير القرآن (والذي هو غير متحيّز، لأنه تطبيق بشري) لبيان التنوّع. هذه عملية مستمرّة وسلسة وهي جزء مجزأ من غاية الخلق للمسلمين.
سواء أقبل الطالب بنظرية التطور أم لا، هذا لا يصنع أي فرق في كيفية تقييم ورقة الاختبار لهم. كمعلّمين، هدفنا أن نجعل من الطلاب مفكّرين مستقلّين. أنا لا أريد من طلابي أن يكتبوا على ورقة الاختبار بأنهم يقبلون نظرية التطور فقط لكي ينجحوا في الامتحان، أنا أريدهم أن يظهروا مجادلتهم التي استخدموها في الوصول لاستنتاجاتهم، حتى ولو كانت هذه الاستنتاجات ترفض التطور البشري. وإلا، سأقوم بما يقوم به الأشخاص الذين يشجبون التطور، سأفرض رأيا عليهم.
إن هدفي من تعليم طلابي هو تطوير منهجية عقلانية في تقييم العالم الطبيعي من حولهم والوصول إلى آرائهم الخاصة، فرضيات ونظريات وليس النسخ عن الآخرين فقط. هذا قد أصبح دعوة لطرق تفكير جديدة، رحلة السعي للمعرفة والتي هي من الأركان المحورية في الإسلام.. فإذا نجحنا في هذا المسعى، فإننا سنساهم في خلق جيل من العلماء المسلمين: أحرار التفكير.


رابط المقال:
Why I teach evolution to Muslim students : Nature News & Comment