تَغْرِيدَاتُ الْقُشَيْرِيِّ
جمعها وحققها
الدكتور محمد جمال صقر

(بَابُ الْمِيمِ)
الْمَالَ لَا الْعَقْلَ"قِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ: إِنَّكَ تَبْذُلُ الْكَثِيرَ إِذَا سُئِلْتَ، وَتَضِنَّ فِي الْقَلِيلِ -هكذا، ولعله: بالقليل- إِذَا نُوجِزْتَ (سُووِمْتَ)!فَقَالَ: إِنِّي أَبْذُلُ مَالِي وَأَضِنُّ بِعَقْلِي".مُجْتَمَعُ الْحُزْنِ"الْحُزْن حَالٌ يَقْبِضُ الْقَلْبَ عَنِ التَّفْرِقَةِ فِي أَوْدِيَةِ الْغَفْلَةِ".مَخَافَةُ الِاسْتِقَامَةِ"رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ!- فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: رُوِيَ عَنْكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- أَنَّكَ قُلْتَ: شَيَّبَتْنِي هُوْدٌ؛ فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْهَا، قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَلَاكُ الْأُمَمِ؟فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ قَوْلُه -تَعَالَى!-: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ""!مَخَافَةُ الدَّمْعِ"صَبَرْتُ وَلَمْ أُطْلِعْ هَوَاكَ عَلَى صَبْرِي وَأَخْفَيْتُ مَا بِي مِنْكَ عَنْ مَوْضِعِ الصَّبْرِمَخَافَةَ أَنْ يَشْكُو ضَمِيرِي صَبَابَتِي إِلَى دَمْعَتِي سِرًّا فَتَجْرِي وَلَا أَدْرِي"!مُخِيفُ الشَّيْطَانِ"مَنْ غَلَبَ الدُّنْيَا فَذَلِكَ الَّذِي يَفْرَقُ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ"!مَدَاخِلُ الْفَسَادِ"إِنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ سِتَّةِ أَشْيَاءِ:
  • الْأَوَّلُ: ضَعْفُ النِّيَّةِ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ.
  • وَالثَّانِي: صَارَتْ أَبْدَانُهُمْ رَهِينَةً لِشَهَوَاتِهِمْ.
  • وَالثَّالِثُ: غَلَبَهُمْ طُولُ الْأَمَلِ مَعَ قُرْبِ الْأَجَلِ.
  • وَالرَّابِعُ: آثَرُوا رِضَا الْمَخْلُوقِينَ عَلَى رِضَا الْخَالِقِ.
  • وَالْخَامِسُ: اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَنَبَذُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ!- وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
  • وَالسَّادِسُ: جَعَلُوا قَلِيلَ زَلَّاتِ السَّلَفِ حُجَّةً لِأَنْفُسِهِمْ، وَدَفَنُوا كَثِيرَ مَنَاقِبِهِمْ".

مُدَافَعَةُ الِاشْتِهَاءِ"قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَلَا تَشْتَهِي؟فَقَالَ: أَشْتَهِي أَلَّا أَشْتَهِي"!مُدَافَعَةُ الْإِعْجَابِ"إِذَا أَعْجَبَكَ الْكَلَامُ فَاصْمُتْ، وَإِذَا أَعْجَبَكَ الصَّمْتُ فَتَكَلَّمْ"!مُدَافَعَةُ الرِّيَاءِ"سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ -أي أبا يعقوب الرازي- يَقُولُ: أَعَزُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا الْإِخْلَاصُ، وَكَمْ أَجْتَهِدُ فِي إِسْقَاطِ الرِّيَاءِ عَنْ قَلْبِي؛ فَكَأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ عَلَى لَوْنٍ آخَرَ"!مُرَاعَاةُ بَاعَةِ الْمَكَانِ"كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ -أي ابن عياض- يَشْتَرِي مِنْ بَاعَةِ الْمَحَلَّةِ؛ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ دَخَلْتَ السُّوقَ؛ فَاسْتَرْخَصْتَ!فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نَزَلُوا بِقُرْبِنَا رَجَاءَ مَنْفَعَتِنَا".مُزَاهَدَةُ الدُّنْيَا"قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: لِمَ زَهِدْتَ فِي الدُّنْيَا؟فَقَالَ: لِزُهْدِهَا فِيَّ"!مَسُّ الْإِنْسِ"إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ؛ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صُرِعَ كَمَا يُصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُونَ: مَا لِهَذَا؟فَيُقَالُ: قَدْ مَسَّهُ الْإِنْسُ"!مَسِيرَةُ التَّضْيِيعِ"لَمْ يُضَيِّعْ أَحَدٌ فَرِيضَةً مِنَ الْفَرَائِضِ، إِلَّا ابْتَلَاهُ اللهُ بِتَضْيِيعِ السُّنَنِ".مَظَانُّ الْأَخْلَاقِ"وَضَعَ اللهُ -تَعَالَى!- خَمْسَةَ أَشْيَاءَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ:
  • الْعِزَّ فِي الطَّاعَةِ،
  • وَالذُّلَّ فِي الْمَعْصِيَةِ،
  • وَالْهَيْبَةَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ،
  • وَالْحِكْمَةَ فِي الْبَطْنِ الْخَالِي،
  • وَالْغِنَى فِي الْقَنَاعَةِ".

مَعْذِرَةُ الْمُخْطِئِينَ"يَا بُنَيَّ، لَا تَصْحَبْ مَنْ لَا يُحْبُّكَ إِلَّا مَعْصُومًا"!مَفَاسِدُ الْأَحْوَالِ"أَكْثَرُ فَسَادِ الْأَحْوَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: فِسْقِ الْعَارِفِينَ، وَخِيَانَةِ الْمُحِبِّينَ، وَكَذِبِ الْمُرِيدِينَ (...):
  • فِسْقُ الْعَارِفِينَ: إِطْلَاقُ الطَّرْفِ وَاللِّسَانِ وَالسَّمْعِ إِلَى أَسْبَابِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا.
  • وَخِيَانَةُ الْمُحِبِّينَ: اخْتِيَارُ هَوَاهُمْ عَلَى رِضَا اللهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- فِيمَا يَسْتَقْبِلُهُمْ.
  • وَكَذِبُ الْمُرِيدِينَ: أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْخَلْقِ وَرُؤْيَتُهُمْ تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ -هكذا، ولعلها: فيهم، أو عندهم- عَلَى ذِكْرِ اللهِ، عَزَّ، وَجَلَّ".

مِقْيَاسُ الْمَحَبَّةِ"لَا تَصْلُحُ الْمَحَبَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ؛ حَتَّى يَقُولَ الْوَاحِدُ لِلْآخَرِ: يَا أَنَا"!مِقْيَاسُ الْمَنَازِلِ"اغْدُوا، وَرُوحُوا، وَاذْكُرُوا: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللهِ فَلْيَنْظُرْ مَنْزِلَةَ اللهِ عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ!- يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ".مَوْطِنُ الْحُرِّيَّةِ"اعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ فِي كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ؛ فَإِذَا صَدَقَتْ للهِ -تَعَالَى!- عُبُودِيَّتُهُ خَلَصَتْ عَنْ رِقِّ الْأَغْيَارِ حُرِّيَّتُهُ"!مَوْهِبَةُ اللهِ"قُلْتُ -أي أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء- لِأَبِي وَأُمِّي:أُحِبُّ أَنْ تَهَبَانِي للهِ، عَزَّ، وَجَلَّ!فَقَالَا: قَدْ وَهَبْنَاكَ لِله، عَزَّ، وَجَلَّ!فَغِبْتُ عَنْهُمَا مُدَّةً، فَلَمَّا رَجَعْتُ كَانَتْ لَيْلَةً مَطِيرَةً، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ لِي أَبِي: مَنْ ذَا؟قُلْتُ: وَلَدُكَ أَحْمَدُ.فَقَالَ: كَانَ لَنَا وَلَدُ، فَوَهَبْنَاهُ لِله -تَعَالَى!- وَنَحْنُ مِنَ الْعَرَبِ، لَا نَسْتَرْجِعُ مَا وَهَبْنَاهُ.وَلَمْ يَفْتَحْ لِي!مَوْهِبَةُ الْمَعْرِفَةِ"قِيلَ لِذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟فَقَالَ: عَرَفْتُ رَبِّي بِرَبِّي، وَلَوْلَا رَبِّي مَا عَرَفْتُ رَبِّي"!