(22)
في التحقيق: لماذا سمي الأقصى بالأقصى!
في صباح يوم الاثنين 2/6 أخذني السجان من المسلخ، وأدخلني على غرفة التحقيق، ورفع الكيس عن رأسي، فإذا أنا أمام رجل كبير في السن، يأبى أن يلوث يده بملامسة المعتقل، رجل أشيب؛ يدقق في الملامح، ويدرس ردة الفعل، إنه كبير المحققين، وما يؤكد ذلك هو دخول وخروج المحققين إلى الغرفة، ومراجعته في بعض القضايا، واستشارته.
موشي، هذا هو اسم كبير المحققين، كان رجلاً في الخمسين من عمره، وتعمد أن يحاورني في السياسة والثقافة العامة، بعيداً عن قضيتي العسكرية، وقد أوضحت له موقفي، وأعلنت انتمائي للشعب الفلسطيني الذي تعرضت أرضه للاغتصاب، ويتعرض أبناؤه للعذاب.
انتقل موشي من حديث السياسة إلى الحديث عن الديانة اليهودية، وعن تاريخ اليهود، وعن حقهم في هذه البلاد، وعن الأعمال التخريبية التي يقوم فيها الفلسطينيون ضد المدنيين، وتحدث موشى عن الإسلام الذي جاء لاحقاً للديانة اليهودية.
كنت استمع ولا أجيب حتى وصل بحديثه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسأل عن أسباب كره النبي محمد لليهود؟
قلت: ممارسات اليهود السلبية بين الناس، وتحريضهم على الإسلام، وتآمرهم على المسلمين، هو السبب في الكراهية، رغم أن الدين الإسلامي لا ينكر الديانة اليهودية.
فقال اليهودي موشي: هذا كلام غير صحيح، والصحيح أن محمداً بعد وفاة عمه أبي طالب قد انتقل للعيش في بيت حاخام يهودي، وهنالك تعرف على عادات اليهود، وتشرب ثقافتهم، وتعلم من كتب اليهود الدينية، وحفظ الكثير عن أخبار اليهود، ومارس التجارة بأموالهم، حتى إذا بلغ الحلم، عشق ابنة الحاخام، وطلبها للزواج، وكان الرفض، ليترك محمد بيت الحاخام غاضباً، لقد تطور الأمر بعد ذلك من الحب إلى الكراهية لكل ما له علاقة باليهود.
لم أرد على كبير المحققين، ولكنني أبديت اندهاشي من معلومات لم أسمع بها من قبل.
فأضاف موشي بلغة تقريرية: إن القرآن الذي أتى به محمد مأخوذ بكامله عن توراة اليهود، وقصص القرآن تؤكد أن محمداً تربى في بيت حاخام يهودي، وتعرف على دين اليهود!
لم أرد على موشى، فلا معنى لأي رد في هذا الجو المشحون بالترقب
عاود موشي وسأل عن المسجد الأقصى، ولماذا سمي بالأقصى؟
قلت: لقد جاءت التسمية في القرآن، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والأقصى تعني البعيد، والمكان القصي هو المكان البعيد.
قال: صحيح، لقد سمي هذا المكان بالأقصى لأنه المكان البعيد، ولكن ليس المقصود قياس المسافة بين مكة والأقصى، إنما المقصود بالأقصى هو بعده عن الأرض، وطالما هو بعيد عن الأرض، فهو الأقرب إلى السماء، لذلك فهو مكان الصعود في يوم القيامة.
خرج موشي من غرفة التحقيق، وتركني مقيداً بلا كيس فوق رأسي، وتركني مندهشاً من عدم تحقيقه معي، وعدم مطالبتي بالاعتراف، وعدم حديثه معي عن السلاح.
دقائق بعد خروج موشي، دخل شاب طويل القامة قوي العضلات، وجلس على الطاولة دون أن يسألني شيئاً، فقط راح يحدق بي، ويحرك رجليه يميناً وشمالاً، ويدندن بصوت مسموع:
الحمد لله رب العالمين، خلقنا يهود وما خلقنا مسلمين.
وظل يكرر اللحن نفسه عدة مرات حتى سرحت مع الدندنة، وأنا أراجع الكلمات التي ينطقها بلغة عربية مكسرة، ودون أن أنتبه، سدد إلى بطني ضربة قوية بقدمه المتحركة، تمزقت معها أحشائي، لقد توجعت كثيراً من قوة الضربة، فقد كانت مفاجئة، وكانت عضلات بطني مرتخية، فشعرت أن حذاءه قد اخترق الأمعاء حتى اصطدم بالعامود الفقري.
لقد عرفت اسم ذلك المحقق، إنه "ستيف" الذي حقدت عليه، وأقسمت أن أنتقم منه.
يتبع