لقد فعلت خيرا دكتور بايراد تلك التوضيحات وجزاكم الله خيرا.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتاني اللَّيلةَ ربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ ، فقال : يا محمَّدُ هل تَدري فيم يختَصمُ الملأُ الأعلى ؟ قلتُ : لا ، فوَضَع يدَه بين كتِفَيَّ ، حتَّى وجدتُ بردها بين ثَديَيَّ ، فعلِمتُ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ ، فقالَ : يا محمَّدُ هَل تدري فيم يختَصمُ الملأُ الأعلَى؟
قلتُ نعَم ، في الكفَّاراتِ ، والدَّرجاتِ . والكفَّاراتُ المُكثُ في المساجِدِ بعد الصَّلواتِ ، والمشيُ علَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ ، وإسباغُ الوُضوءِ في المكارِه . قال : صَدقتَ يا محمَّدُ ! ومَن فعل ذلكَ عاش بِخَيرٍ ، وماتَ بِخَيرٍ ، وكان من خَطيئتِه كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ . وقالَ : يا محمَّدُ إذا صلَّيتَ فقل :اللَّهمَّ إنِّي أسألُك فعلَ الخيراتِ ، وتركَ المنكَراتِ ، وحبَّ المساكينِ ، وأن تغفِرَ لي ، وترحَمَني ، وتتوبَ عليَّ ، وإذا أردتَ بعِبادِك فِتنةً فاقبِضني إليكَ غيرَ مَفتونٍ .
والدَّرجاتُ : إفشاءُ السلامِ وإطعامُ الطعامِ ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ "
صحيح الجامع للألباني 59، وورد الحديث بنص آخر برواية عن الإمام أحمد عن معاذ بن جبل وذكر نحوه الترمذي في صحيحه 3235

سميت كفارات لأنها تكفر الخطايا والسيئات
وهذه الخصال الثلاثة المذكورة من شأن فاعلها أن تكفر عنه السيئات، وترفع له الدرجات , كما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال:
ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".


1- المُكثُ في المساجِدِ بعد الصَّلواتِ

والمراد بهذا الجلوس انتظار صلاة أخرى كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط. فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة المرابط في سبيل الله عز وجل.

وفي المسند وسنن ابن ماجة رحمه الله من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, قال: صليت مع رسول الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً قد حَفَزه النفَس، وقد حسر عن ركبته فقال: أبشروا! هذا ربكم قد فتح عليكم باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى.


وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ، تُصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر.

ويدخل في قوله: والجلوس في المساجد بعد الصلوات: الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك, لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيهٌ بمن جلس ينتظر صلاة أخرى، لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.

وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصةً فهو في صلاة حتى يصلي، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخّر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم: قال لهم: إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة.

وبالجملة فالجلوس في المسجد للطاعات له فضل عظيم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يوطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله عز وجل كما يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم.


وإنما كانت ملازمة المسجد مكفرة للذنوب لأن فيها مجاهدة للنفس، وكفّاً لها عن أهوائها فإنها لا تميل إلا إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب أو لمجالسة الناس ومحادثتهم أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النّزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد


2- والمشيُ علَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ
اما المشي على الأقدام إلى الجماعات وإلى الجمعات، ولا سيما إن توضأ الرجل في بيته ثم خرج إلى المسجد لا يريد بخروجه إلا الصلاة فيه , ما خطا خطوة الا رفع له بها درجة وحطّ عنه سيئة, كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه: إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: إن أعظم الناس أجراً في الصلاة: أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم.

والمشي إلى المسجد أفضل من الركوب كما تقدم في حديث أوس رضي الله عنه في الجُمع، ولهذا جاء في حديث معاذ رضي الله عنه ذكر المشي على الأقدام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلى الصلاة إلا ماشياً حتى العيد يخرج إلى المصلى ماشياً، فإن الآتي للمسجد زائر لله، والزيارة على الأقدام أقرب إلى الخضوع والتذلل.
وفي صحيح البخاري من أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له منزلاً في الجنة كلما غدا أو راح. والنُّزُل: هو ما يُعدُّ للزائر عند قدومه.

3- اسباغ الوضوء في المكاره
وهناك احاديث كثيرة تحث اسباغ الوضوء لتكفر عنه الخطايا , منها ما في صحيح مسلم أنّ عثمان رضي الله عنه أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة.
وفيه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره.
وروى كل من النسائي وابن ماجة رحمهما الله من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان- أي نصف الايمان. وفي رواية للامام مسلم, انّ: الطهور شطر الإيمان.

في المكاره: المراد أن يكون على حالةٍ تكره النفس فيها الوضوء، وقد فسر بحال نزول المصائب فإن النفس حينئذ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان كما قال عز وجل في سورة البقرة: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين

وفسرت المكاره بالبرد الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ:...إسباغ الوضوء على السبرات، والسبرة: شدة البرد.

ولا ريب أنّ إسباغ الوضوء في شدة البرد يشق على النفس وتتألم به، وكما هو معلوم بأنّ كل ما يؤلم النفس ويشق عليها فهو كفارة للذنوب , وحتى وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبب , كالمرض وكما دلت النصوص الكثيرة على ذلك.


واعلم أن جمهور العلماء ذهب على أن هذه الأسباب كلها إنما تكفر الصغائر دون الكبائر، ذلك ان الكبائر لا يكفرها الا التوبة النصوح, وشروطها ثلاثة ان تعلقت بحق الله عز وجل, وأربعة شروط ان تعلقت بحق العباد, ويُدلّ على أن الكبائر لا تكفر بذلك قوله تبارك وتعالى في سورة النساء: (أن تجتنبون ما تُنهوْن عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)

منقول للفائدة – أخوكم أبو رند
لا تنسوا إخوانكم في سوريا من صالح الدعاء