فن الرسائل فن قديم ,وقد برز وتبلور في اواخر العصر الأموي وبادية العباسي , وبرز فيه اسمان: عبد الحميد وابن المقفع ضوب الأصول الفارسية.
وقد شكلت بوادر السجع الذي نعرف ولم يكن هو ,كان عبد الحميد كاتبا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني امية, وقد انتهى أمره بالقتل سنة 132 هـ على يد قادة بني العباس ,وقد تبوأ منزلة عالية في الكتابة حتى قيل فيه :
فتحت الرسائل بعبد الحميد ,وختمت بابن العميد وعبد الحميد هو اول من اطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب.
( يرجع إليها في كتاب رسائل البلغاء محمد كرد علي وفي الجزء العاشر من صبح الأعشى).
وقد عقب الدكتور إحسان النص في كتابه :قضايا ومواقف ,على تلك الرسالتين الهامتين :
ومما جاء فيها:
واعلم أن كل أهوائك لك عدو يحاول هلكتك, ويعترض غفلتك لأنها خدع إبليس ,وحبائل مكره, ومصايد مكيدته, فاحذرها مجانبا لها, وتوقها محترسا منها, واستعذ بالله ,عز وجل.
وقد بين للخليفة شراسة عدوه في خراسان واسمه الضحاك وما ميز رسالته:
الترتيب المنطقي المتسلسل للأفكار فقد بدأ بالحديث عن الخلال التي ينبغي أن يتحلى بها مروان بن محمد ,ولي العهد, والسلوك الذي ينبغي لولي العهد أن يسير عليه, ثم عن الخطط التي نبغي اتباعها في مناجزة العدو وهي خطة لم يسبق عبد الحميد أحد إلى الحديث عنها, ونصح وإرشاد.
وقد اقتبس من الأسلوب الفارسي واليوناني اما البلاغة فعربية الاصل. فقد كان حسب قول ابن عبد ربه: اول من فتق اكمام البلاغة وسهل طرقها, وفك رقاب الشعر.
ولم يؤخذ بناصية السجع حتى القرن الرابع الهجري, إنما ترادف وازدواج والتوازن. والإكثار من صيغ الحال :مثال: وتقدم إلى تولي ذلك الأمر من تعتمد عليه في ألا يقدم على شيء ناظرا فيه , ولا يحاول أخذ أحد طارقا له, ولا يعاقب أحدا منكلا به, ولا يخلي سبيل أحد مصافحا عنه..)
وجملته تنزع للطول سهلة وممتنعة, بلا غرابة, وساعد ذلك ثقافته الواسعة,.
أما ابن المقفع:
فلها أثر سياسي واجتماعي وأدبي ,منها: وأشهرها: رسالة الصحابة أو الهاشمية, ويقصد بالصحابة أصحاب الخليفة. وفيها نصح المنصور ونقد سياسته فتوقع القبول الحسن لكن الامر ادى لقتله. وقد كانا عم المنصور ثائرا على الخليفة فقلته دون حكمة. بدأ رسالته بالدعاء لأمير المؤمنين ثم تسويغ توجيهه للرسالة, ثم وصيته بجند خراسان وتظهر هذه عصبيته للفرس, رغم انه قال لا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق حال فساد الحاكم, ورغم هذا يجب عدم تعطيل طاعة الائمة ولا تعطيل العمل.
تدبير امر الجند, والا يكلفوا بأمور مادية لئلا يفسدوا, نقد القضاة والحكام, تذكيره بأهل الشام الا يعاديهم. وان يحسن معاملة الصحابة, ويحذره بذات الوقت, والانتباه لأهله, وموضوع الخراج وعدم سرقته أو ضياعه. وأهل الجزيرة والدقة باختيارهم,
نعد رسالة استراتيجية سياسية هامة, أفادت من الثقافتين الفارسية والعربية, وزاوج بينهما, ولان ابن المقفع لا يقف على المذاهب الكلامية كما قال الجاحظ فرسي الاصل أيضا, فقد كان قصوره بالجدل واضحا جدا. لكن أداؤه كان عربيا ناصعا, أثر عنه قوله:
شربت من الخطب ريا ولم أضبط لها رويا. لا تخلو رسالته من الاطالة كعبد الحميد, وربما كان هناك بعض خلل في كتبه المترجمة بسبب معضلات الترجمة.[1]
[1] (مقتبس من كتاب قضايا ومواقف -للدكتور إحسان النص) ,بتصرف
( يمكن استخدام طريقة النقد هذه عموما ,كما هي عند متابعي الرسائل في النقد عامة)