عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن لي ضرة، فهل عليَّ جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المُـتَـشَـبّـِع بِمَــــــا لَــمْ يــُعْـــطَ كـــلابِـــسِ ثَــــوْبــَي زُور"ٍ " متفق عليه [البخاري (5219) و مسلم (2130)]
قصة الحديث
امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تترخص منه في كذبها على ضرتها أو جارتها -كما في بعض الروايات الأخرى-، لتظهر أن زوجها يحبها أكثر، أو أنه يسعد في ليلتها أكثر من الأخرى، أو تتظاهر بالغنى أمام جارتها، فلم يرخص لها في ذلك.
معاني ألفاظ الحديث
المتشبّع: المتزيّن بما ليس عنده، يتكثّر بذلك ويتزيّن بالباطل، يظهر بأن فضيلة حصلت له وليست بحاصلة
لابِسِ ثَوْبَي زُور: وهو الذي يزور على الناس، قال الإمام ابن حجر في فتح الباري فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد، يوهم أنه منهم، ويُظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه، وقيل: هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصاً واحداً ويصل بكميه كمين آخرين، فيظهر أن عليه قميصين.
والتثنية في قوله (ثَوْبَي زُورٍ( للإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يُعطَ، وكذلك شاهد الزور، يظلم نفسه، ويظلم المشهود عليه.
وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تنفير المرأة عمَّا ذكرت؛ خوفاً من الإفساد بين زوجها وضرتها، وإيقاع البغضاء بينهما، فيصير كالسحر الذي يفرِّق بين المرء وزوجه.
قال الإمام النووي عند شرح هذا الحديث: "قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور.
في هذا الحديث فوائد جليلة وتنويه إلا داء جنون العظمة ليس يصيب البعض، فتجد طلاب أو دعاة مبتدئون غرتهم أنفسهم فلبسوا رداء العلماء وأصبحوا يفتون هذا ويفتون ذاك، أو أن تجد من يرتدي رداء الأغنياء وهو ليس منهم وقد يردي نفسه المهالك من خلال اقتراض القروض من أجل أن يجاري من هو ليس أهلا لمجاراتهم، أو أن يدعي الجاه والوجاهة وهو ليس من أصحابها، وكثيرون ممن تلعثمتم أفواههم بشيء من اللغة العربية فوضعوا قبل أسماءهم الشاعر فلان، فالحذر الحذر من التشبع بما لم تعط، حتى لا تكون ممن يلبس ثوبي الزور، نسأل الله جل وعلا أن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وبالله التوفيق.
تعليق من أبو رند:
إذا تأملنا في هذا الحديث جيدا لوجدنا أننا تشبعنا بما لم نعط في يوم من الأيام، راقبوا أفعالكم اليومية لتجدوا أننا كثيرا ما نفعل ذلك إما:
1- لنشبع غرورنا: كأن يقول أحدنا لقد عرض علي العمل في شركة كذا براتب كذا ورفضت وتكون القصة كلها أنه قام بمقابلة واحدة هناك ولم يعاودوا الاتصال به.
2- أو لنكسر غرور الآخرين: فعندما نصادف من يغتر بسفرياته أو ملابسه ولعله هو الآخر متشبع بما لم يعطى قمنا فصرنا نضاعف تشبعنا بما لم نعطى أضعافا مضاعفة لكسر غروره وهي دائرة مغلقة لا نهاية لها.
البعض يرتدي ملابسا مقلدة أو حليا مقلدة أو ساعات مقلدة ويتحدث عنها أما أصدقائه أو زملائه من باب أن القالب غالب ولن يكتشف أحد أنها مقلدة وهذا من باب من أبواب التشبع بما لم يعط.
كذلك الحال بمن اشترى شهادة جامعية وأخذ يتحدث ويتشدق على من رأسهم زورا عن تعليمه وعلمه.
وهكذا حال من زور شهادات الخبرة لكي يعمل في مناصب لا يستحقها.
تفكروا وتأملوا في هذا الحديث العظيم وراقبوا أنفسكم.
منقول بتصرف للفائدة – أخوكم أبو رند
لا تنسوا إخوانكم في سوريا من صالح الدعاء